الفصل الرابع صفعة قوية

نظرت نغم إلى جاسر في ذهول وغضب؛ فلم تكن تتوقع أن يتجرأ جاسر ويقوم بصفعها على وجهها هكذا.

نهضت من الأرض وقد وضعت يدها على موضع الصفعة وحدثته قائلة:
—أنت،كيف تتجرأ على فعل شيئًا كهذا؟!

نظر إليها جاسر وحدثها بثقة وثبات انفعالي قائلاً:
—لقد قمت بصفعك حتى تعودي لرشدك، ربما في بعض الأحيان يحتاج المرء إلى من يقوم بهزه بقوة؛ حتي يستعيد وعيه ويعود لرشده، هيا عودي إلى غرفتك وانتبهي لدراستك، سوف أنسى ما حدث وأنتِ أيضًا عليكِ أن تنسي وكأن شيئًا لم يكن.

نغم وقد تلألأت الدموع في عينيها نظرت إليه وحدثته قائلة:
—اقسم لك سوف أجعلك تندم على هذه الصفعة.

علق جاسر قائلاً:
—سوف تعلمين فيما بعد إنني فعلت ذلك حفاظًا عليكي، وانصحك بعدم الإندفاع وراء مشاعرك هذه الفترة؛ حتى لا تندمي عليها فيما بعد.

نظرت نغم إلى جاسر نظرة حادة مغلولة، وأسرعت إلى غرفتها ودموعها تتساقط على وجنتيها.

نظر جاسر إليها وهي تركض نحو الداخل ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:
—لست بشخص ندل لأستغل حبك لي، أنتِ فتاة مراهقة، وما إن تنضج مشاعرك ستعلمين حينها إنني لست بالشخص المناسب لكِ.

في صباح اليوم التالي.

جلست نغم على مائدة الإفطار تتناول إفطارها مع شقيقها رائد.

نظر رائد إلى شقيقته التي لم تنطق بكلمة واحدة منذ أن جلست على المائدة على عكس ما إعتاد عليه معها منذ أن عادت من الخارج.

(نغم ابنة لأب مصري وأم انجليزية، كانت تعيش مع والدتها في لندن, ولكن بعد وفاة والدها أصرت على الرجوع إلى مصر والبقاء مع شقيقها رائد الذي تحبه كثيرًا).

شعر الأخ أن هناك ما يحزن قلب شقيقتها فحدثها قائلاً:
— حبيبتي، يبدو عليكِ أن هناك شيئًا قد أزعجك، هيا أخبريني ماالذي يحدث معكِ؟!

نظرت نغم إلى شقيقها وقد بدى عليها الضيق وعلقت قائلة:
—أخي، أريد أن أخبرك بشيء ولكن أرجوا ألا تغضب مني.

أيقن رائد أن هناك خطب ما يدور في رأس نغم فحدثها قائلاً:
—حبيبتي، هيا أخبريني بما يحدث معك ولا داعي للقلق، فلن أغضب منك.

نظرت نغم إلى شقيقها وقالت:
—أخي، لقد قامت والدتي بالاتصال بي وطلبت مني
العودة إلى لندن، وأصرت على ذلك.

تعجب رائد وعلق قائلًا:
—وما الجديد في ذلك؟!  كثيرًا ما طلبت منك والدتك العودة إلى لندن فما الذي يجعلك تبدين حزينة هكذا هذه المرة؟!

نظرت نغم إلى شقيقها وعلقت قائلة:
—أخي، أعلم أن كثيرًا ما طلبت مني والدتي العودة للندن، وكنت في كل مرة أرفض ذلك وأخبرها بأنني أريد أن أبقى هنا، لكنني اليوم لدي رغبة شديدة في العودة للندن وإكمال تعليمي هناك.

تعجب رائد وعلق قائلًاً:
—حبيبتي، إذا كانت هذه حقًا رغبتك فلن أعارض ذلك، ولكن ما إن شعرتي برغبتك في العودة إلى هنا فلا تترددي في ذلك.

ابتسمت نغم ودنت من شقيقها فعانقته وقالت:
—أخي، سوف أشتاق إليك كثيرًا، فعلى الرغم من رغبتي في الذهاب إلى لندن إلا أن ما يحزن قلبي هو ابتعادي عنك.

أمسك رائد بيد شقيقته وقام بتقبيلها ثم تحدث قائلاً:
—وأنا أيضًا سوف أشتاق كثيرًا إلى حبيبتي التي اعتدت على وجودها وعلى شخصيتها المرحة.

تلألأت الدموع في عين نغم وتحدثت قائلة:
—أحبك أخي كثيرًا ولكنني علي بالعودة ربما يكون هذا أفضل لي الٱن.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
—حسنًا حبيبتي، سوف أقوم بإنهاء كافة الإجراءات اللازمة للسفر، أما الٱن سوف أذهب إلى عملي فلدي الكثير من الأعمال التي علي إنجازها.

غادر رائد وصعدت نغم إلى غرفتها لتعد حقائبها استعدادًا للسفر إلى لندن، ودموعها لا تكف عن التساقط من عينيها.

نظرت نغم من شرفتها إلى غرفة جاسر وحدثته قائلة:
—على الرغم من إنني سأشتاق إليك، إلا إنني لا يمكنني البقاء بعد هذا الذي فعلته.

استقل رائد سيارته في طريقه إلى الشركة الخاصة به، ولكنه فجأة تذكر تلك الكلمات التي تحدثت بها ريهام وهي تحت تأثير المخدر، فجأة سيطر عليه الغضب والرغبة الشديدة في الإنتقام، فانحرف بسيارته واتجه صوب المشفى التى يوجد بها جثمان ليلى.

وما إن وصل إلى المشفى حتى وجد صفوان ثابت ينهي اجراءات خروج جثمان ابنته ليلى تمهيدًا لدفنها.

نظر صفوان إلى رائد وقد بدى عليه التعجب وحدثه قائلاً:
—رائد! ما الذي جاء بك إلى هنا؟!

نظر إليه رائد وهو يحاول أن يسيطر على الغضب الذي بداخله وتحدث قائلاً:
—كيف أتركك بمفردك في يوم كهذا؟

ربت السيد صفوان على كتف رائد وعلق قائلًا:
—يومًا بعد يوم يزداد إعجابي بك وبشخصك الكريم، كم تمنيت أن تكون زوجًا لإبنتي، لكنه إنه القضاء والقدر.

نظر رائد إلى السيد صفوان ثابت وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—القضاء والقدر، دائمًا ما يفاجئنا القضاء والقدر بما لا نتوقعه.

ظل رائد مرافقًا للسيد صفوان ثابت حتى تم الإنتهاء من دفن ليلى، وقد وقف على قبرها وقلبه يبكي حزنًا على فراق حبيبته.

كان رائد واقفًا أمام قبر ليلى صامتًا لا يتفوه بكلمة واحدة بينما كان قلبه يتحدث إلى ليلى ويتذكرها عندما كانت تتحدث إليه وتقول:
—أتمنى أن نعيش سويًا حياة سعيدة يملؤها الحب وترفرف عليها السعادة حتى نهرم سويًا ويتكأ كلانا على الأخر.

ضحك رائد وعلق قائلًا:
—أتخيلك وأنتِ امرأة عجوز بيضاء الشعر وقد لعب أحفادك بطقم الأسنان الخاص بكِ وأنتِ تبحثين عنه
ولا تجدينه فتأتي إلي وتقولي: رائد لقد أتاع ثريف أثناني.

ضحكت ليلى وعلقت قائلة:
—ومن يكون ثريف هذا؟!

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
—إنه شريف حفيدك ألا تتذكرين؟

ضحكت ليلى ثم علقت قائلة:
—أجل تذكرت هل ستقوم بإختيار أسماء أحفادك أيضًا.

نظر رائد إليها وعلق قائلًا:
—بالطبع سوف أختار اسماء ابنائي وأحفادي وأحفاد أحفادي أيضًا ،هل لديكِ مانع؟

ضحكت ليلى وعلقت قائلة:
—بلى، اتمنى لك العمر الطويل وأن تختار أسماء أبنائك وأحفادك وأحفاد أحفادك أيضًا.

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
—بعد هذه الأمنية الجميلة، أحب أن أخبرك إنكِ لن تفقدي طاقم الأسنان الخاص بكِ

نظرت ليلى إلى رائد بتغيظ ثم حدثه:
—أحب أن أخبرك أنني سوف أحتفظ بأسناني إلى أخر يوم بعمري.

تذكر رائد هذه الكلمات التي جعلت الدموع تنهمر من عينيه وهو يحدثها ويقول:
—بالفعل لقد احتفظتي بأسنانك لأخر يوم في حياتك، ولكنك لم تهنئي بحياتك كما كنتِ تتمنين.

بعد انتهاء مراسم الدفن تلقى السيد صفوان ثابت اتصالًا من إدارة المشفى، تحدث إليهم ثم وقف متسمرًا مصدومًا.

لاحظ رائد على القلق والذهول على وجه السيد صفوان فدنا منه وحدثه قائلاً:
—سيدي، يبدو عليك القلق فهل هناك ما شيء قد أزعجك من هذا الأتصال؟

نظر السيد صفوان إلى رائد وحدثه قائلاً:
—رائد، لقد كان اتصالًا من المشفى يخبروني بأن ابنتي قد اختفت.

تعجب رائد وعلق قائلًا:
—كيف حدث ذلك؟

علق السيد صفوان وقال:
—هذا ما سأعرفه عندما أصل إلى المشفى.

تعجب رائد من رد فعل السيد صفوان الذي يتميز بالثبات الإنفعالي وعلق قائلًا:
—سوف أذهب معك لنعرف ما الذي حدث لا يمكنني أن أتركك في هذا الموقف العصيب.

وسرعان ما استقل رائد والسيد صفوان سيارتهما وأسرعا بالتوجه إلى المشفى.

وما إن وصل رائد والسيد صفوان إلى المشفى حتى وجد الهدوء يسود المكان، اتجه إلى غرفة ريهام ولكنه لم يجدها نظر إلى والدها قد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—إنها حقًا ليست بالغرفة وهذا يعني أن أمر إختطافها أمرًا حقيقيًا.

نظر رائد إلى باب الغرفة فشاهد الممرضة تدلف من الباب وبرفقتها مريضة أخرى، تعجب رائد وعلق قائلًا:
—ما الذي تفعليه؟! أليست هذه هي الغرفة الخاصة بليلى؟!

نظرت الممرضة إلى رائد وقد بدى عليها التوتر وعلقت قائلة:
—سيدي، أعتذر إليك ولكن هذه أوامر مدير المشفى.

نظر رائد إليها بغضب وأسرع إلى مكتب مدير المشفى وخلفه السيد صفوان ثابت.

دلف رائد إلى مكتب مدير المشفى بشكل مفاجئ وصاح قائلاً:
—أنت كيف تتعامل بهذا التجاهل مع أمر خطير كأمر إختطاف ليلى ابنة السيد صفوان ثابت ؟! ليس هذا فحسب أراك تأمر بإيداع مريضة أخري داخل غرفتها بدلًا من استدعاء الشرطة للتحقيق في هذا الأمر.

نظر السيد صفوان بغضب إلى مدير المشفى وحديثه قائلاً:
—أيها الوغد، أريد أن أعرف لماذا لم تقم بإبلاغ الشرطة بأمر إختطاف ابنتي ؟!

نظر مدير المشفى إلى السيد صفوان وحدثه قائلاً:
—سيدي، الذي قام بأخذ ابنتك هما سيدتان ادعيت إحداهما إنها أم ليلى والأخرى أدعيت أنها خالتها؛ لذلك لم نقوم بإبلاغ الشرطة.
نظر السيد صفوان إلى رائد وعلق قائلًا:
—سيدتان! ترى من هما هاتان السيدتان؟! وما الهدف من خطف فتاة في حالة مثل حالة ابنتي؟!

تحدث رائد وقال:
—سيد رائد، عليك بالإسراع بإبلاغ الشرطة.

فكر السيد صفوان قليلًا وحدث نفسه قائلاً:
—لا أعلم ما الذي علي فعله، هل أقوم بإبلاغ الشرطة ولكن بماذا سأخبرهم؟! هل أخبر الشرطة أنه تم اختطاف ابنتي ريهام أم ليلى؟! وماذا إن عثرت الشرطة عليها، وعرفت الحقيقة وأنني قمت بتزوير الأوراق لتحل ريهام محل ليلى.

شعر السيد صفوان بالتوتر ونظر إلى رائد ثم علق قائلاً:
_رائد، إذهب أنت إلى عملك واترك لي هذا الأمر سوف أقوم بعمل اللازم.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
—سيدي، هل أنت على ثقة من إنك لا ترغب في بقائي معك؟

ابتسم السيد صفوان وعلق قائلًا:
—لا عليك بني سوف أذهب إلى مركز الشرطة وأقوم بنفسي بعمل بلاغ بخطف ابنتي.

علق رائد قائلاً:
حسنًا سيدي، سوف أذهب وسوف أطلب من رجالي البحث عنها في كل مكان، أما الٱن فعلي أن أذهب لمتابعة سير العمل.

غادر رائد المشفى واستقل سيارته ثم علت الابتسامة وجهه وتحدث قائلاً:
—أعلم أيها الجبان إنك لن تقوم بإبلاغ الشرطة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي