الفصل الثالث والعشرون معجزة

وقف رائد لا يصدق ما رأه، لقد تمكنت ريهام من فتح عيناها وتحريك أصابعها.

تهلل وجهه بالسعادة وأسرع إلى والدته وشقيقتها وهو يصيح عليهم ويقول:
-ديانا، نغم هلموا إلي لقد حدثت المعجرة لقد حدثت المعجزة.

سمعت نغم صوت أخيها فتحدثت قائلة:
-ديانا، هل سمعتي صوت رائد كأنه يصيح علينا؟!

إسترقت ديانا السمع،فتأكدت من أنه صوت رائد فأسرعت إليه؛ لتعلم ما الذي يجري معه؟؛

ما إن رأى رائد شقيقته نغم حتى أسرع بمعانقتها ثم عانق والدته وقال:
-أمي، اليوم هو أسعد أيام حياتي، لقد بدأت ريهام تستجيب لي.

تبادلت نغم وديانا النظرات وقد بدى عليهم التعجب، ثم علقت ديانا وقالت:
-رائد ما الذي تقوله؟!

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
-لقد حركت ريهام أصابع يدها، ليس هذا فحسب بل إنني رأيت عيناها مفتوحتان، هيا معي لتروا بأنفسكم.

أسرع الجميع إلى غرفة ريهام ليتفاجئوا بعيني ريهام المفتوحتين.

علت الابتسامة وجه ديانا ودنت من ريهام، وللمرة الأولى ربتت ديانا برفق على رأسها برفق وهي تردد:
-ما ألطف مقادير الله، ريهام حبيبتي ،هل تستطيعين سماعي؟

لم تبدى ريهام أي رد فعل يدل على إنها تستجيب أو تستمع لما تقوله ديانا، بل ظلت شاردة بعيناها.

نظرت ديانا إلى رائد وعلقت قائلة:
-بني، أشعر أن الأمر خطير قم بإستدعاء الطبيب على الفور.

نظر رائد إلى والدته وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
- أمي ما الأمر؟!

نظرت ديانا إلى رائد وصاحت قائلة:
-قم بإستدعاء الطبيب ويليم الذي يقيم بالمنزل المجاور لنا، ليس هناك وقت للحديث.

شعر رائد أن هناك شيء قد لاحظته ديانا وهو ما ٱثار قلقها، فغادر الغرفة أسرع بإستدعاء الطبيب ويليم.

دنت نغم من ديانا وقد بدى عليها التعجب،ثم همست إليها قائلة:
-ديانا، ما الذي يحدث معك؟!

تلألأت الدموع في عيني ديانا وعلقت قائلة:
-نغم، أشعر بأن ما يحدث لريهام من الٱن شيء خطير لذلك طلبت من رائد أن يسرع في إستدعاء الطبيب.

شعرت نغم بمزيد من التعجب والذهول، فبالنسبة إليها كل ما أخبرتها به ديانا كان مبهمًا لم تستطيع فهمه، إلى أن حدث ما جعلها تفهم ما كانت تقصده والدتها.

فجأة إرتعد جسد ريهام وتشنجت يدها، تصادف ذلك رجوع رائد الغرفة بعد أن قام باستدعاء الطبيب ويليم.

لم تلاحظ ديانا عودة رائد ومعه الطبيب، فأسرعت إلى ريهام وقامت بوضع القناع الخاص بالتنفس الصناعي وقامت بتشغيل الجهاز وظلت تتحدث إلى ريهام وتقول:
-ريهام، حاولي التنفس من فضلك لا تستسلمي.

وقف رائد متسمرًا في مكانه، يسائل:
-ما الذي حدث؟! لقد كان كل شيء على ما يرام؟!

أسرع الطبيب ويليم إلى ريهام وقام بفحصها ثم أخرج من حقيبته عقار وضعه في حقنة وقام بحقن ريهام بها.

الجميع يقف في ترقب إلى ما ستسفر عنه اللحظات القادمة.

لم يمض وقت طويل حتى علت الابتسامة وجه الطبيب ويليم، ثم نظر إليهم وتحدث قائلاً:
-رجاءً لا يرفع أحدكم هذا القناع حتى أصرح أنا بذلك، لقد حدث لها نقص حاد في لأكسجين، لقد كان يفصلها عن الموت لحظات معدودة.

غادر الطبيب بعد أن اطمأن إلى استقرار حالة ريهام.

وقف رائد وقد وجه نظره إلى ديانا وعلت الابتسامة وجهه.

نظرت ديانا إلى رائد وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
-بني، ما الذي يحدث معك؟!

دنا رائد من والدته وقام بقليل جبينها، ثم تحدث إليها وقال:
-أعتذر إليكِ عن كل ما صدر مني من حمقات أو إساءة.

ابتسمت ديانا، لقد شعرت بالسرور يدلف إلى قلبها من التحسن الملحوظ في معاملة رائد لها فعلقت قائلة:
-بني، ما الذي جعلك تغير من طريقتك معي هكذا؟!

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
-أمي، أشعر بإنني في حاجة ملحة للإستحمام، سوف أذهب لأستحم وأرجوا أن تنتبهي على ريهام لحين عودتي.

غادر رائد الغرفة وسط ذهول وتعجب من نغم وديانا التي لا تعلم ما الذي غير رائد هكذا وجعله يعامله بلطف؟! ليس هذا فحسب بل ترك الغرفة لهم دون أن يخاف على ريهام منهم كما كان يفعل.

ابتسمت نغم وعلقت قائلة:
-ديانا، سوف أذهب إلى غرفتي، فأنا بحاجة شديدة للنوم.
أومأت ديانا برأسها وتحدث قائلة:
-حسنًا أحلامًا سعيدة يا حبيبتي.

غادرت نغم إلى غرفتها، بينما جلست ديانا بجوار ريهام تنظر إليها وتفكر فيما حدث، لاحظت ديانا تعرق جبين ريهام فأسرعت وقامت بإحضار منشفة وجلست بجوارها تجفف العرق، وتتحدث إليها قائلة:
—أصبحت على يقين من إنكِ تسمعين إلى ما أقوله لكِ، لقد كنتِ السبب في عودة ابني إلي اليوم.

أمسكت ديانا بيد ريهام وربتت عليها ثم قالت:
—ربما لم نتعرف بشكل جيد على بعضنا البعض، ولكن مازال أمامنا متسع من الوقت لذلك.

قبضت ريهام على يد ديانا فتهلل وجه ديانا فرحًا وصاحت قائلة:
—أنتِ حقًا تستمتعين لما أقوله لكي، ابنتي لا بد أن تتعافي بشكل سريع حتى تتعافى أسرتي وتعود البسمة المفقودة إلى الشفاة الحزينة.

فتحت ريهام عيناها ونظرت إلى ديانا ثم سرعان ما قامت بإغلاقهما مرة أخرى.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—ابنتي، استريحي لقد اطمأن قلبي اليوم إلى أنك في طريق العودة بحياتك الطبيعية.

ظلت ديانا جالسة بجوار ريهام تعتني بها، وبعد فترة لاحظت تأخر رائد فحدثت نفسها قائلة:
—لقد أخبرني إنه ذهب للإستحمام، ترى ما الذي جعله يتأخر هكذا؟!

ذهبت ديانا إلى غرفة رائد تتفقده فوجدته غارقًا في نومه، وعلى ما يبدو أنه افترش فراشه من التعب فغلبه النوم.

دلفت ديانا إلى داخل الغرفة وقامت بوضع غطاء على رائد، ثم أغلق المصباح وغادرت الغرفة.

اتجهت ديانا إلى غرفتها وما إن وصلت إلى باب الغرفة وشرعت في الإمساك بمقبض الباب وقفت وتذكرت شيئًا هامًا جعلها تحدث نفسها وتقول:
—لم يستسلم رائد إلى النوم هكذا إلا بعد أن اطمأن لوجودي بجوار ريهام، لا يمكنني أن أتركها حتى يستيقظ رائد فربما يحدث لها أية مضاعفات وحينها قد تحتاج للمساعدة.

أسرعت ديانا بالرجوع إلى غرفة ريهام وجلست بجوارها، لاحظت ديانا أن زجاجة المحلول الخاصة بريهام قد أوشكت على النفاذ فأسرعت بتغيرها ثم جلست بجوارها.

شعرت ديانا بالملل يتسلل إليها فقررت أن تبحث عن شيء تقرأه فلفت انتباهها مفكرة ورديه اللون أمسكت بها لتتصفح ما بها ولكنها شعرت أن هذه المفكرة خاصة بريهام.

حدثت نفسها قائلة:
—لا ينبغي علي أن أتصفح شيء خاص بريهام، بدون أن تعلم هي بذلك.

شرعت ديانا في إغلاق المفكرة ولكن شعرت أن شيئًا قد سقط منها.

نظرت ديانا إلى الشيء الذي وقع من المفكرة، وقامت بالإمساك به فإذا به صورة لفتاة جميلة.

أمسكت ديانا بالصورة وتسائلت:
—ترى من تكون صاحبة هذه الصورة؟! ربما تكون إحدى صديقات ريهام أو قريبة لها، نظرت ديانا إلى الكلمات التي كتبت خلف الصور وقامت بقراءتها فإذا بها:"لقد اشتقت لصورتي وملامح وجهي الحقيقية، لقد كتب علي أن أعيش بوجه ليس بوجهي، فأتمنى أن تكون أيامي القادمة مليئة بالسعادة وألا يعاندني الحظ مرة أخرى، ريهام".

تعجبت ديانا ونظرت إلى ريهام  ثم تحدثت قائلة:
—ترى، ما الذي حدث لهذه الفتاة حتى تكتب كلمات كهذه؟! وما الذي حدث لوجهها لتتغير ملامحه بهذا الشكل؟!

العديد من التساؤلات التي أثارتها هذه الصورة جعلت ديانا تقدم على قراءة المذكرات الخاصة بريهام.

جلست ديانا تقرأ ما خطته ريهام بيدها وسردت به ما مرت به من ألام ومحن، كانت ديانا تقرأ والدموع تنهمر من عيناها وما إن انتهت من قراءة هذه المذكرات حتى علقت قائلة:
—الٱن قد عرفت السبب الذي جعل رائد متمسك بريهام إلى هذا الحد، لقد مرت هذه الفتاة بالعديد من المواقف واللحظات الصعبة.

قامت ديانا بوضع المفكرة في المكان الذي كانت به، ثم دنت من ريهام وحدثتها:
—ابنتي، أشعر بالأسف لما مررتي به من ظروف قاسية.

لقد فقدتي والدتك في سن مبكرة وحرمت من حبها وحنانها، وقاسيتي من استغلال والدك المزيف ذلك الشخص الذي لا يستحق أن يكون انسان بل هو شيطان ولا بد من معاقبته العقاب الذي يستحقه ذلك المجرم.

جلست ديانا تفكر حتى غلبها النوم وهي جالسة على المقعد المجاور لفراش ريهام.

في الصباح استيقظ رائد وفوجئ بأن التعب والٱجهاد قد جعل النوم يتغلب عليه، نهضمن فراشه وأسرع إلى غرفة ريهام.

دلف رائد إلى غرفة ريهام فوجيء بديانا تجلس بجوار ريهام وقد غلبها النوم وهي جالسة.

أسرع رائد إلى وأيقظها وهو يقول:
—أمي، لماذا لم تذهبين للنوم بغرفتك؟!

استيقظت ديانا وعلت الابتسامة وجهها ثم علقت قائلة:
—عندما وجدتك غارقًا في ثبات عميق، لم أستطيع أن أترك ريهام بمفردها وأغادر فجلس بجوارها ربما تحتاج لشيء.

علت الابتسامة وجه رائد وعانق والدته ثم تحدث:
—حبيبتي، كم اقدر لكِ ما فعلتيه من اجل ريهام، تستطيعين الذهاب إلى غرفتك والحصول على مزيد من الراحة.

ابتسمت ديانا وعلقت قائلة:
—حسنًا بني سوف أذهب ولكن لا تتردد في أن تأتي إلي إن احتجت لأي شيء.

غادرت ديانا إلى غرفتها بينما جلس رائد يتفقد المحلول الخاص بريهام ولكنه فوجيء بأن والدته قد قامت بتغييره.

شعر رائد بالإرتياح لما وجده من تغير في طريقة تعامل ديانا مع ريهام وكيف أنها اهتمت بها على العكس تمامًا من ذي قبل.

لم تمضي فترة طويلة حتى قام عزام بالاتصال برائد وحدثه قائلاً:
—سيدي، هناك بعض الأعمال الهامة والأوراق التي تحتاج إلى توقيعها منك شخصيًا.

تعجب رائد وعلق قائلًا:
—عزام، فليقم المدير المكلف بتوقيعهم.

علق عزام وقال:
—سيدي، الأمر يتعلق بمستقبل شركة الرائد فلا بد من وجودك، يمكنك الحضور وبعد أن تنهي ما لديك يمكنك أن تعود إلى لندن مرة أخرى.

جلس رائد يفكر فيما عليه فعله، دلفت نغم في ذلك الوقت إلى داخل الغرفة وفي يدها بعض الطعام.

نظرت نغم إلى أخيها وحدثته قائلة:
—أخي، لقد أحضرت الإفطار كى نتناوله سويًا، فهل يمكنني أن أتناوله معك؟

ابتسم رائد وعلق قائلًا:
—حبيبتي على الرحب والسعة.

جلس الشقيقان يتناولان الإفطار معًا، لاحظت نغم الضيق والشرود على أخيها فحدثته قائلة:
—أخي، يبدو عليك الحزن والضيق، هل يمكنني أن أعرف ما الذي يضايقك هكذا؟!

نظر رائد إلى شقيقته وحدثها قائلاً:
—لقد اتصل بي عزام، وأخبرني بضرورة العودة إلى الفرع الرئيسي للشركة فالأمر هام ويتطلب وجودي هناك ولو لفترة قصيرة.

نظرت نغم إلى شقيقها وعلقت قائلة:
—وما الذي يضايقك إلى هذا الحد؟! يمكنك الذهاب إلى هناك وما إن تنهي عملك يمكنك العودة إلى هنا مرة أخرى، أما عن ريهام فلا داعي للقلق نستطيع تدبر أمرها والإعتناء بها حتى تعود.

نظر رائد إلى نغم وصمت قليلًا فعلمت ما الذي يدور بخاطره ولكن حدث ما لم تكن تتوقعه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي