الفصل العشرون الأمل المفقود

بعد طول انتظار خرج الأطبار من غرفة العمليات، أسرع إليهم رائد، وقد بدى عليه التعب والإجهاد.
وقف رائد أمام الطاقم الطبي وحدثهم قائلاً:
—أرجوا أن تخبروني بما يسر قلبي.

ابتسم كبير الأطباء  وتحدث قائلاً:
—سيدي، لقد قمنا بعمل كل ما بوسعنا وقد كتب لنا الله التوفيق في النهاية واستطعنا إنعاش القلب، وقد بدأ يعمل بشكل طبيعيٍ، سوف يتم وضع المريضة أربعة وعشرون ساعة تكون خلالها تحت الملاحظة، أتمنى أن تستقر حالتها في تلك الأثناء.

شعر رائد بالإرتياح ونظر إلى غرفة العمليات متطلعًا لرؤية زوجته، فإذا بريهام يتم إخراجها من غرفة العمليات بواسطة السرير المتنقل، وايداعها في غرفة العناية المركزة.

أسرع رائد يهرول خلفها يتطلع إلى رؤية وجهها والسماع إلى دقات قلبها الذي عاد للنبض من جديد.

نظرت ديانا إلى رائد وهو يهرول خلف السرير المتنقل الذي يحمل ريهام وتحدثت قائلة:
—ما الذي جعل رائد يتعلق بهذه الفتاة لهذه الدرجة؟! لم أراه ينفعل علي من قبل كما انفعل اليوم عندما تحدثت عنها.

نظرت إليها نغم وحدثتها قائلة:
—إنه الحب والإحتواء الذي استطاعت ريهام على الرغم من صغر سنها أن تعطيه لأخي الذي كان يعاني الوحدة وعدم الإتمام على الرغم من كل ما يتمتع به من ثراء، أمي ريهام فتاة رائعة حقًا وجديرة بإلاحترام ولولاها لكانت ابنتك ومازن جثث هامدة.

أسرعت نغم إلى غرفة العناية المركزة؛ لتتفقد زوجة أخيها وتطمئن عليها وما إن دلفت إلى داخل الغرفة حتى تأثرت تأثرًا شديدًا وانهمرت الدموع من عينيها.

نظرت نغم إلى أخيها فإذا به وقد  جلس على المقعد المجاور لفراش ريهام وأوكأ برأسه على فراشها، دنت  منه وربتت على كتفه ثم حدثته قائلة:
—أخي، عليك أن تستريح قليلًا ريهام الٱن تحت تأثير المخدر الذي تم إعطائه لها أثناء العملية، ولن تستعيد وعيها الٱن.

نظر رائد إلى شقيقته وحدثها قائلاً:
—ماذا لو استعادت ريهام وعيها ولم تجدني بجوارها؟

جاءت الممرضة وتحدثت إلى رائد وقالت:
—سيدي، لا ينبغي وجود أحد هنا في هذه الغرفة، لا تقلق بشأنها سوف تلقى العناية اللازمة وما إن تستعيد وعيها سوف أخبرك على الفور.

أومأ رائد برأسها وأمسكت نغم بيده لتساعده على النهوض.

وقف رائد ونظر إلى ريهام التي تم وضعها تحت التنفس الصناعي، ثم حدثها قائلاً:
—حبيبتي، إنني أنتظر عودتك لتنيرين حياتي، وتعيدين الحياة والبسمة إلى جسدي الذي انهكه الحزن والٱسى.

نظر رائد إلى جهاز النبضات وإلى جهاز التنفس الصناعي وتذكر ريهام عندما تحمست  للسفر إلى لندن وقالت:
—سوف يكون شهر عسل رائعًا لن تنساه مدى الحياة.

انهمرت الدموع من عين رائد وأسرع في مغادرة الغرفة، وهو يردد:
—ليتني لم أحضرك إلى هنا، لم تجدي في لندن ما كنتِ تأملينه من سعادة وهناء.

ديانا تقف بالخارج تتحدث إلى مازن وتقول:
—مازن لابد أن أعود إلى المنزل فلدي الكثير من الأعمال التي على إنجازها.

نظر مازن إليها وقد بدى عليه التعجب ثم علق قائلاً:
—ديانا يمكنك المغادرة فلن يعترض أحد على ذلك، لا أرى داعي من وجودك هنا.

نظرت ديانا إلى مازن وحدثته قائلة:
—مازن، أراك أنت أيضًا متحاملًا علي، فهل يمكنني أن أعرف السبب في ذلك؟!

مازن وقد بدى عليه الضيق تحدث قائلاً:
—ديانا، أعتذر إليكِ ولكنك اخطأتي وإلى الٱن لم تعترفي بخطأك، فداخل هذه الغرفة ترقد زوجة ابنك بين الحياة والموت والسبب هو أنتِ وكلماتك الحادة.

أغمضت ديانا عيناها وأخذت نفسًا عميقًا، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة رأت رائد وهو يخرج من غرفة العناية المركزة بصحبة نغم وهو مدمع العينان، وقد بدى عليه الحزن والألم.

أسرعت ديانا إليه وقامت بمعانقته ثم تحدثت إليه وقالت:
—رائد أعتذر إليك ابني فلم أكن أعلم أن كل هذه الأشياء السيئة سوف تحدث.

أومأ رائد برأسه وعلق قائلًا:
—لا عليكي لقد حدث الأمر ولم يعد يفيد الندم في شيء، ما إن تستعيد زوجتي وعيها سوف نعود إلى منزلنا بالقاهرة على الفور، أما الٱن فلا داعي لبقائك هنا أعلم أنك تعانين من وجودك هنا فمن  الأفضل عودتك للمنزل.

نظرت ديانا إلى رائد نظرة حادة مقتضبة ثم تحدثت إلى نغم وقالت:
—نغم، هل ستأتي معي أم إنك سوف تبقين هنا أنتِ الأخرى؟

نظرت نغم إلى أخيها وعلقت قائلة:
—لا، سوف أبقى مع أخي حتى نطمئن على ريهام.

أومأت الأم برأسها ثم غادرت المشفى واستقلت سيارتها متهجة إلى منزلها وهي تردد قائلة:
—لم يريدوا مغادرة المشفى، فضلوا الجلوس حتى تستعيد هذه الفتاة وعيها، أي حمقى هؤلاء؟!

في طريق العودة فجأة، أخذها الشرود إلى تذكر منظر ريهام وقد تم وضعها أسفل جهاز التنفس الصناعي، وهي غائبة عن الوعي، لا تشعر بأحد ممن حولها.

تخيلت ديانا أن ابنتها هي التي حدث لها ذلك وحدثت نفسها قائلة:
—ربما كان سيحدث ذلك لو لم تتدخل ريهام في الوقت المناسب، وربما كان من المحتمل أن يحدث ما هو أسوء مما حدث، ولكن لو كانت نغم هي التي أصيب بدلًا من ريهام هل كنت سأتركها وأعود إلى منزلي مثلما أفعل أنا الٱن؟!

فجأة إستدارت ديانا عائدة إلى المشفى.

جلس رائد في مكان الإنتظار الخاص بالمرافقين للمرضى، وقد أسند رأسه على يديه وبجواره مازن ونغم بعد أن رفض كلاهما أن يغادر ويترك رائد بمفرده.

دنا مازن من نغم وتحدث إليها قائلاً:
—نغم، هل تعتقدين أن ريهام يمكنها أن تتعافى مما هي فيه؟

نظرت نغم إليه وبصوت مليء بالحزن والشجن تحدثت قائلة:
—مازن، لن أخفي عليك، لقد سمعت منذ قليل حوار بين الممرضات وهم يتحدثون في شأن الحالة الصحية لريهام، لقد حزنت كثيرًا عندما سمعت أحدهم تتحدث وتقول:
—"إن هذه المريضة حالتها حرجة للغاية، والأمر في شفائها ضعيف جدًا، لم يقوم الطبيب بإخبار زوجها بالحقيقة؛ خوفًا على مشاعره خاصة بعد أن رأى الحزن الشديد واضحًا عليه."

شعر مازن بالحزن وعلق قائلًا:
—مسكينة هذه الفتاة، عندما نظرت إليها منذ قليل شعرت أن ما هي سوى ساعات معدودة، وسيأتي من يخبرنا أنها قد توفيت.

تلألأت الدموع في عين نغم وعلقت قائلة:
—اتمنى ألا يحدث ذلك، أنظر إلى رائد لم أراه هكذا من قبل، أعلم أن حالتها قد تكون سيئة وأنها قد تحتاج إلى معجزة من السماء، ولكن بداخلي شعور أنها سوف تتعافي على الرغم مما يقولونه.

فجأة شعر رائد بمن يربت على رأسه برفق، رفع رأسه فإذا بديانا وقد علت الابتسامة وجهها تتحدث إليه وتقول:
—لم أستطيع العودة إلى المنزل بدونكم، سوف أنتظر حتى اطمئن على ابنتي ريهام، وحينها سوف نعود جميعًا.

ابتسم رائد وأمسك بيد ديانا ثم قام بتقبيلها وه يقول:
—لا تتخيلي مدى سعادتي بعودتك، عندما تستعيد ريهام وعيها وتعلم بوجودك سوف تسعد كثيرًا

نظرت نغم إلى مازن الذي بدى عليه التأثر، بينما ابتسمت ديانا ابتسامة ممزوجة بالدموع التي فاضت من عينيها دون أن تدري وقالت:
—بني، سوف تتعافي ريهام وتعود معنا وستكتمل سعادتنا بوجودها معنا، لكنني  أشعر بمزيد من الأسف على ما حدث لها.

ربت رائد على يد ديانا وحدثها قائلاً:
—لا داعي للأسف فما أراه منك الٱن يعني لي الكثير يا أمي.

انهمرت دموع ديانا وحدثت نفسها قائلة:
—يا لي من غبية كنت سأعود إلى المنزل واحرم نفسي من كل هذه المشاعر الجياشة، لن أعود إلى منزلي بدون زوجة ابني.

في اليوم التالي.
استيقظ رائد من نومه داخل غرفة الإستراحة التي أعدت خصيصًا السفيرة ديانا ديكسون وأسرع إلى ريهام ليطمئن عليها وبداخله أمل كبير في أن يجدها وقد استعادت وعيها، ولكنه ما إن دلف إلى غرفة العناية المركزة فوجيء بها على نفس الحالة التي عليها.
تعجب رائد ونظر إلى الممرضة وحدثها قائلاً:
—من المفترض أن مفعول المخدر قد انتهى، ولكنها لازالت غائبة عن الوعي فهل يمكنني أن أعرف ما السبب في ذلك؟!

نظرت الممرضة وعلقت قائلة:
—سيدي، سوف يمر الطبيب لمتابعة حالتها بعد قليل وهو الذي سيجيبك عن كل تساؤلاتك.

جلس رائد ينتظر الطبيب وقد اشتعل غضبًا، وسرعان ما تحول ذلك الغضب إلى حزن وأسى خاصة عندما حضر  الطبيب وأخبره أنها في عداد الأموات وأنها لا أمل في عودتها إلى الحياة خاصة أن بداخلها رغبة قوية في عدم العودة للحياة مرة أخرة.

تعجب رائد من هذا الحديث وضحك ساخرًا، ثم علق قائلاً:
—هل جننت ما الذي تقوله؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي