الفصل الحادي والعشرون هوس أم جنون

بعد مرور شهر.

عادت ديانا من عملها فاستقبلتها سوزان مديرة منزلها بابتسامتها المعهودة، وأسرعت بمساعدة ديانا على خلع المعطف الخاص بها.

نظرت ديانا إلى سوزانا وقد بدى عليها الإرتجاف وتحدثت قائلة:
—الطقس بالخارج سيء جدًا لم تشهد البلاد مثل هذه العاصفة الثلجية من قبل، لقد أتيت إلى هنا بصعوبة بالغة.

ابتسمت سوزانا وعلقت قائلة:
—سيدتي، حمدًا لله على سلامتك، لقد شعرت بقلق شديد عليكِ خاصةً عندما جاء موعد عودتك ولم تعودي.

ابتسمت ديانا وربتت على وجنتي سوزانا برفق، ثم تحدثت قائلة:
—سوزنا، أنت تهتمين كثيرًا بي وبكل شيء خاص بي، ينتابك القلق والخوف بشأني ولا تشعرين بالراحة والاطمئنان إلا عند عودتي إلى منزلي بسلام، لهذا تجديني أحبك كثيرًا.

نظرت سوزانا إليها وقد تلألأت الدموع بعينيها وتحدثت قائلة:
—منذ أن تعرضت أسرتي لحادث وتوفى الجميع لم يهتم أحد لأمري، كانت الحياة مظلمة والأوقات تمر بصعوبة بالغة، لم أجد رفيقًا ولا ونيسًا سوى الدموع والأحزان.

انهمرت الدموع من عين سوزانا فقامت ديانا بإزالتها وحدثتها قائلة:
—هذه الدموع ثمينة جدًا ولا أريدها أن تنهمر من عينك مرة أخرى، لا أحب أن أرى على هذا الوجه الجميل وهذا الثغر الباسم سوى الٱبتسامة فقط.

ابتسمت سوزانا وعلقت قائلة:
— سيدتي، لم تعرف الابتسامة طريقها إلى ثغري إلا عندما دلفت إلى هذا المنزل، الذي لم أجد بداخله سوى الإهتمام والحب والمعاملة الحسنة.

نظرت ديانا إلى سوزانا وحدثتها قائلة:
—سوف تظلين تتحدثي هكذا وتتركينني وأنا اتضور جوعاً.

نظرت سوزانا إلى ديانا وحدثتها قائلة:
—حبيبتي، ما إن تقومين بتبديل ملابسك سيكون الطعام على المائدة.

ابتسمت ديانا ثم علقت قائلة:
—حسنًا لنرى.

ثم دنت من سوزانا وهمست إليها قائلة:
—سوزانا، ماذا عن رائد هل غادر المنزل أم حبيس غرفته كعادته في الفترة الماضية؟

نظرت سوزانا إلى ديانا وقد بدى عليها الحزن ثم تحدث قائلة:
—سيدتي، لم يغادر غرفته سوى عندما دلف إلى غرفة السيدة ريهام، جلس بداخلها لساعاتٍ عديدة ثم عاد إلى غرفته مرة أخرى.

أغمضت ديانا عيناها وأرجعت رأسها للخلف ثم أخذت نفسًا عميقًا وعلقت قائلة:
—كاد قلبي أن ينفطر على حالة ابني الذي تبدل وأصبح شخصًا ٱخر حزينًا بائسًا، لم يعد يجالس أحد سوى ريهام ولم يعد يتناول طعامه معنا بل أصبح يفضل أن يتناوله في غرفة ريهام.

سوزانا وقد بدى عليها التعجب علقت قائلة:
—سيدتي، لم يكتفي سيدي رائد بذلك بل لقد سمعته جالسًا يتحدث إليها كأنها تسمعه، بل الأدهى من ذلك أنه يعتقد في كثيرًا من الأحيان أنها ترد عليه.

شعرت ديانا بالضيق ثم تحدثت قائلة:
—سوف أذهب إلى غرفتي لأبدل ملابسي، ثم أمر عليه لعلي انجح هذه المرة في إقناعه أن يشاركنا الطعام على المائدة.

صعدت ديانا إلى غرفتها، بينما ذهبت سوزانا إلى المطبخ لتحضير الغداء.

داخل غرفة نغم.
نغم تتحدث مع مازن عبر الهاتف وتقول:
—مازن، لقد اشتقت اليك كثيرًا، متى ستعود؟

ابتسم مازن وتحدث قائلاً:
—لم يتبقى الكثير ما إنهي اختبارات السنة النهائية بالجامعة حتى أعود إلى لندن مرة أخرى.

نغم وقد بدى عليها التعجب تحدثت قائلة:
—لا أعلم لماذا فضلت السفر إلى أمريكا لأداء امتحاناتك هناك؛ كان يمكنك إجرائها هنا؟!

تحدث مازن إليها وقال:
—ألا تعلمين حقًا السبب وراء قراري بالسفر إلى أمريكا؟! ألا تعلمين إنني لم أحتمل تلك الحالة التي أصبح عليها رائد.

تلألات الدموع من عيني نغم وعلقت قائلة:
—أعلم وقلبي ينفطر من الحزن عليه كلما رأيته بهذه الحالة.

شرد مازن قليلًا ثم تحدث قائلاً:
—لم يصدق رائد حديث الطبيب عندما أخبره بأنه ليس هناك أمل في شفائها وأنهم سوف يقومون برفع أجهزت التنفس الصناعي عنها.

تذكرت نغم ذلك اليوم وعلقت قائلة:
—لقد كانت لحظة صعبة للغاية على أخي رائد، لم أراه ثائرًا هكذا من قبل، لقد أمسك في عنق الطبيب وتحدث إليه قائلاً:"أيها الحقير إياك أن تفعل ذلك، أقسم إنني سوف أجعلك تندم على اليوم الذي ولدت فيه لو تجرأت على فعل هذا الأمر".

مازن بتأثر شديد علق قائلاً:
—حينها قمت بتحرير الطبيب من قبضته بصعوبة بالغة،وأمام إصرار رائد أنها لم تتوفي، وعدم رغبته في رفع أجهزة التنفس الصناعي خوفًا أن يتوقف القلب ويفقدها للابد، لم تجد ديانا أمامها سوى أن قامت بإعداد غرفة مجهزة وقامت بنقلها بواسطة سيارة إسعاف إليها.

علقت نغم وقالت:
—منذ ذلك الحين وترك أخي أعماله وحياته كلها وظل بجوارها، ولا أعلم إلى متى سيظل هكذا؟!

مازن وقد بدى عليه الإنزعاج والقلق بشأن رائد علق قائلاً:
—نغم، عليكِ أن تبذلي كل ما بوسعك كي تخرجينه من هذه الحالة، أخشى أن يصاب بإكتئاب حاد، حينها سوف يكون الأمر في غاية الخطورة.

نغم بكل أسى وحزن علقت قائلة:
—لن يخرج أخي من حالته هذه سوى عودة ريهام إلى الحياة مرة أخرى، أو استسلامه وموافقته على رفع أجهزة التنفس الصناعي عنها.

اتجهت ديانا إلى غرفة رائد وما إن دلفت إلى داخل الغرفة حتى فوجئت به وقد أسدل الستائر وأخفض الإضاءة وجلس صامتًا وحيدًا، نظرت إليه وحزنت لأمره فقررت الجلوس والتحدث معه بواقعية أكثر قد تكون مؤلمة، ولكنها ربما تأتي بثمارها.

دنت ديانا من رائد وجلست بجواره ثم تحدثت قائلة:
—رائد، هل يمكنني التحدث إليك قليلًا؟

نظر رائد إلى والدته ثم أومأ برأسه ولم يتحدث بكلمة واحدة، فتحدثت ديانا وقالت:
—بني، ما رأيك في مشرط الجراح؟

نظر رائد إليها وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
—لا أعلم ما الذي تعنيه من هذا السؤال الغريب؟!

علقت الأم قائلة:
—مشرط الجراح حاد للغاية، لكنه في كثيرٍ من الأوقات قد يكون هو الحل الوحيد لإنقاذ المريض.

بدأ رائد يعي ما تريد والدته قوله فجلس منتبها إليها مما جعلها تقدم على إكمال حديثها بكل جراءة وتقول:
—اليوم سوف أكون أنا الجراح الذي يستخدم ذلك المشروط لتعود إلى حياتك الطبيعية، تعود رائد ابني هذا الشاب الجذاب المفعم بالحيوية والنشاط.

أغمض رائد عينيه وقبض على يده بقوة في محاولة منه أن يتمالك نفسه، فتحدث إليها بهدوء وقال:
—أمي، هل يمكنك أن تتركيني لبعض الوقت؟ أشعر إنني في أمس الحاجة للراحة والخلود إلى النوم.

أيقنت ديانا أن رائد يريد الهروب من الحديث ولا يريدها أن تكمل حديثها،لكنها أصرت على أكمال الحديث الذي بدأته فعلقت قائلة:
—لن أطيل عليك، وبعدها تستطيع أن تفعل كل ما تريده، بني أرى أن هذه المدة كافية ولا داعي لمزيد من الٱمال التي لن تتحقق.

نهض رائد من مكانه وظل يسير في غرفته لا يريدها أن تكمل حديثها ولكنها أصرت على أكمال الحديث وقالت:
—أأمر برفع أجهزة التنفس الصناعي ودعها تستريح.

لم يتحمل رائد هذه الكلمات التي وجدها قاسية للغاية فتحدث قائلًا:
—ألهذا الحد تملين من وجودي؟!

تعجبت ديانا وعلقت قائلة:
—كيف تتحدث بمثل هذه الكلمات القاسية ؟!إنني والدتك كيف امل من وجودك وقلبي كاد أن ينزف دماً على رؤيتك بهذه الحالة؟!

نظر رائد إلى والدته وقد تلألأت الدموع من عينه وتحدث قائلاً:
—برفع أجهزة التنفس الصناعي عن ريهام سوف تختنق وتموت، وبموتها لن لن اعيش بعدها لحظة واحدة، هل لازلتي تصرين على رفع أجهزة التنفس الصناعي عنا.

انهمرت الدموع من عين ديانا ولم تحتمل النظر إلى عيناه المليئة بالدموع فغادرت إلى غرفتها.

بعد أن انتهت سوزانا من وضع الطعام على المائدة، ذهبت إلى غرفة ديانا وأخبرتها قائلة:
—سيدتي، لقد أصبح الغداء جاهزّا.

أجابت ديانا قائلة:
—اعتذر إليكِ لن استطيع أن أتناول شيء الآن.

تعجبت سوزانا وعلقت قائلة:
—سيدتي، أنتي تتصورين جوعًا ما الذي حدث لتفقدي شهيتك بهذه السرعة؟!

انهمرت الدموع من عيني ديانا وتحدثت قائلة:
—لقد تجرعت كؤوس المر والعقم، عندما تحدثت إلى رائد، ففقدت شهيتي ولم أعد أشتهي شيئًا.

شعرت سوزانا بالحزن الشديد وعلقت قائلة :
—سيدتي، هل ستنركه يضيع من بيننا هكذا ونقف نشاهده وهو يدمر نفسه؟!

أزالت ديانا دموعها ثم علقت قائلة:
—ليس أمامنا سوى لإنتظار حتى يأتي الفرج من عند الله.

جلس رائد يفكر في حديث والدته، فشعر بالقلق على حياة ريهام وحدث نفسه قائلاً:
—أخشى أن يقوم أحدهم برفع أجهزة التنفس الصناعي عن ريهام دون أن أشعر، هل يمكن أن يفعلوا ذلك الأمر ويقضوا على حبيبتي، لا لن أسمح لأحد أن يقترب منها.

أسرع رائد إلى غرفة ريهام وما إن دلف إلى غرفتها حتى أسرع يتفقد الأجهزة بنفسه، ويطمئن إلى أنها تعمل بشكل طبيعي.

نظرت إليه الممرضة المسئولة عن الإهتمام ريهام ومتابعة حالتها وقد بدى عليها التعجب وتحدثت قائلة:
—سيدي، لا تقلق فكل شيء يعمل بشكل جيد وانا أتابع الأجهزة بإستمرار.

أومأ رائد برأسه ثم تحدث قائلاً:
—يمكنك أن تغادري وتستريحي اليوم سوف أهتم بريهام اليوم بنفسي.

تعجبت الممرضة وعلقت قائلة:
—هل حقًا سيدي يمكنني أن أعود لمنزلي اليوم؟!
فإبنتي مريضة وهي بحاجة إلي ولكنني لم استطيع التحدث إليك وإخبارك برغبتي أن أذهب واطمئن عليها.

نظر رائد إليها وعلق قائلًا:
—يمكنك الذهاب إلى منزلك والاهتمام بابنتك ولا تأتي حتى تتعافي ابنتك بشكلٍ كامل.

ثم أخرج مبلغًا من المال من جيبه وقام بإعطائه للممرضة وهو يقول:
—خذي هذا المال وقومي بشراء كل ما تحتاج إليه ابنتك.

ابتسمت الممرضة وشكرت رائد ثم غادرت.

نظر رائد إلى ريهام وحديثها قائلاً:
—من الٱن وصاعد لن يهتم بك سواي ولن أسمح لأحد بالدلوف إلى هذه الغرفة وإيذاءك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي