البارت الثامن

ظل عزيز يستعيد ذكريات الماضى المؤلمة وقلبه منفطر علي صغيرته " يارب صبرني علي الابتلاء ده "


في مكتب الشركة ...........
دخلت السكرتيرة بعد ان اذن لها سيف ، لتضع ورقه مطوية علي مكتبه وهي تقول " ي فندم دي ورقة الاستقالة بتاعت فؤاد بيه هو طلب مني اوصلها لحضرتك ، تأمر بأي إجراء ننفذه "

تحولت نظراته من لامبالاه الي براثين مشتعله فمهما حدث بينهما لم يجرؤ فؤاد مرة واحدة علي اتخاذ هذه الخطوة ، هو لا ينكر انه قد تمادي ولكنه يعلم علم اليقين ان فؤاد يخطط لشئ ، اردف بهدوء " قطعيها واحرقيها واديلو يومين اجازة "

هتفت سمية " تحت أمرك ي فندم "

كانت علي وشك المغادرة ليردف سيف بصوت أجش " محتاجة حاجة "

التفت بإحراج وارتباك واضح تتفحص عيناها ارضيه المكتب وهي تردف " شكرا ي فندم ربنا يديم نعم حضرتك علينا "

لينهض من مكانه ويتجه نحوها بهدوء ، وقف أمامها مباشرة وهو يقول " فلوسك فلوسك ال بتقبضيها بتصرفيها كلها وبيجي وقت وبتستلفي ليه انا خليت مرتبك يبقا ٩٠٠٠جنية بتوديها فين الفلوس دي وانتي لا بتدفعي اجار حاجة ولا بتركبي تاكسيات عشان تيجي الشركة "

ابتلعت سمية ريقها لتردف " ي فندم دي ... دي حاجة خاصة ب "

قاطعها بعصبية خفيفة " سمية عيب مش عليا ، انتي عارفة ان دبة النملة بعرف بيها بس جوا شقتك فيه حد وانا عاوز اعرف مين .... اوعي لتكوني رج"

قاطعته بصدمة صارخة " لاااه انا مرجعتش ي باشا للطريق ده ، خلاص ربنا هداني ووفرلي عيشة حلال ، انا بس اتبنيت كريمة وكرم "

اردف سيف بدهشة " اتبنيتي أطفال...ليه طب لما نفسك ف أطفال اتجوزي وخلفي انتي مليون راجل يتمناكي ي سمية انا محيت ماضيكي متقلقيش دلوقتي انتي ف حياة جديدة مبنية علي نضافة "

اردفت والدموع تجمعت ف مقلتيها " بس منستش الماضي لو ف ايدك حاجة تنسيني الماضي واشتغل خدامة تحت رجلك العمر كله والله "

اجهشت في البكاء وهي تمسح دموعها بطرف ثيابها ، أخرج سيف منديل قماشي مطرز بالخيوط الذهبية وناوله إياها لتلتقطه بوهن وتمسح دموعها " اهدي ي سمية انتي محتاجة دكتور نفسي عشان الحالة ال انتي فيها دي لحظة "

ذهب لمكتبه بخطوات ثابته وأخرج بطاقة من درج صغير وعاد لها مرة أخري " خدي ده دكتور سعد قوليلو انك جاية من طرفي وهو هيساعدك ، خدي ي سمية "

تناولت البطاقة من يده بتردد لتردف " بس انا مش عايزة آخد مهدئات عشان الأطفال صغيرين دول يدوب سنتين "

أبتسم سيف وهو يقول " مش مشكلة انتي اهتمي بعلاجك وانا هبعتلك خدامة من عندي تبقا مسؤله عليهم لحد ما تخفي خالص "

ابتسمت بأمتنان وشكرته وخرجت ....
عاد سيف للمكتب ليرفع سماعة هاتفه ويطلب رقم القصر...." الو ي إحسان ايه اخبار الوضع عندك مفيش جديد "


اردفت بحزن " ي فندم احلام رافضة الاكل والشرب وشالت كل المحاليل حتي العلاج مش عايزة تاخده حاولت مع ..الو الو "

خرج مستشاط غضبا من شركته وهو يتوعد لها بأنه لن يرحمها كيف تخالف أوامره ، كيف تجرؤ علي التمرد ، هل تهاون معها ام رأت مدي ضعفه أمامها ، لم يشعر سوا بغليان الدماء في عروقه ليتحول الي ما أراد تخبئته عنها ( جانبه المظلم )

في القصر ، صعد سيف الدرج كالثور الهائج الي ان وصل لغرفتها ، ليدخل دون استئذان ووقف أمامها مباشرة ،
زمجر بعصبية " كده يعني ...طب اسمعي بقا انا مبعيدش كلامي مرتين ولو متنفذش بالحرف الواحد يبقا هتشوفي مني الجانب ال بحاول اداريه عنك ي أحلام "

لم تلتفت له جالسه فقط صامته وهي تنظر للأرض ليقول بهدوء مريب " شكلك مصرة انك تشوفي الجانب ده ، طيب ي أحلام لو منفذتيش كلامي بالحرف هبعت رجالتي يسلموا علي ابوكي الراجل الطيب وامك الست الغلبانه ....هو انا مقولتلكيش ايه حصل "

انتبهت اخيرا كل حواسها له لتقف يضعف وهي تنظر لسواد عينه " ع عملت فيهم ايه "

اجابها بأنتصار " معملتش بس هعمل لو مجتيش تحت جزمتي ، ابوكي انهاردة جالي الشركة قال ايه بيزورني بس انا عارف غرضه من البداية جه يطلب مساعدتي اني اللاقيكي بعد ما عرف اني هنا ف لبنان وهو يعيني مش عارف ان انا اس كل المصيبة دي وانا ال خاطفك ، انا خفيتك ي أحلام من الدنيا كلها لا مواقع تواصل اجتماعي ناشرة عنك حاجة ولا جرايد ولا اخبار انتي خلاص مبقاش ليكي وجود ف الدنيا اصلا وعن قريب همحي شخصيتك من السجلات وهحطلك شخصية جديدة انا هكون صانعها بأيدي عشان ميبقاش ليكي حد غيري انا ، بس تعرفي المضحك ال ف ال حوار ده كله ، ذل ابوكي ليا متتخيليش منظره كان ازاي وهو شاف الوحش ال فيا او حقيقتي مفرقتش كان متحسر لما مديتش للموضوع أهمية وطردته بالذوق " ...لم يكتفي بهذا الحد بل انفرجت اساريره وظل يضحك بطريقة ابتزازية

جلست بقوة علي فراشها وهي تنظر للعدم ودموعها فقط من تبين مدي ألمها حتي نظرة الكره او اللوم لم ينولها ، توقف عن الضحك وخرج من غرفتها واتجه الي غرفته وأغلق الباب وبدأ حلقة تحطيم كل ما هو أمامه وهو يصرخ " ليييه بأذيها كده ، هي ال تستاهل لازم اربيها ، كده هتخلص عليها مش شايف حالتها اعااااا ، اعمل ايه مش عارف مش عارف ، "

كان كمن يحدث أحدا آخر ولكنه يحادث نفسه بعد دقائق من المحادثة المتبادلة بينه وبينه أيضا جلس بزاية الغرفة محتضنا قدمه وهو يهتز بطريقة ثابته ليهلوس ببعض الكلمات التي لا معني لها مصاحبا لعرق شديد " ياريتني ما جيت ياريتني ما اتخلقت انا مش عارف غير اني أضر ال حوليا كله بسببي كله بسببي رودي ضاعت بسببي انا السبب " ....

في غرفة احلام تجلس شاردة في ذكريات الماضي ..فلاش باك من ١٧سنة

تجادل احلام والدها بصدمة وهي لا تصدق ما تسمعه أذناها " يعني ايه ي بابي هنسافر انهاردة طيب وسيف ورودي هنسبهم لوحدهم ف وقت زي ده بعد ما بباهم مات وهما محتاجينا ، لاء ي بابي عشان خاطري متعملش كده انا بحب مصر مش عاوزة اسافر "

صرخ بها عزيز وهو يقول " انا خلاص قولت كلمه وهتتنفذ ، انهاردة هنسافر يعني هنسافر وعلاقتك بسيف هتتقطع نهائيا سامعه "

انكمشت احلام بخوف وهي تبكي بصمت لقسوة والدها التي لم تعهدها منه ابدا ، نظر لها عزيز بحزن مختبئ وتركها ورحل ، ظلت احلام تبكي بحرقة وتأن الماً موجودا بقلبها لم تكن تعلم ما هذا فقد كانت مراهقة صاحبة اثني عشر ربيعاً ، فهي لم تكن تعلم أن والدها ان يترك عائلة الجندي بهذا الوقت العصيب.....

في الخارج طرق سيف باب الفيلة لتفتح له نعمة بحزن وهي تقول " ازيك ي سيف ي حبيبي عامل ايه مامتك عاملة ايه واختك كويسين يبني "

اجابها بحزن " الحمد لله كل ال يجيبو ربنا كويس ، أ احلام موجودة عاوز اشوفها محتاجها ف موضوع "

ابتسمت بحزن وهي تفتح له الباب علي مصرعيه " اتفضل يبني انت مش غريب احلام جوة في الصالون مفلوقة عياط ".

عقد حاجبية بقلق وهو يقول " ليه حد زعلها مالها "

اردفت وهي تدخل المطبخ " اهي عندك شوفها انت " كانت تعلم أنه لا مجال لها للتدخل في هذا الموضوع بعدما تهرب عزيز من سؤالها عن ترك مصر في هذا الوقت العصيب......

دخل سيف الصالون ووجدها تبكي بشده وهي تخبئ وجهها بين كفان يداها ، اقترب منها مسرعا وجلس بجوارها وهو يقول بخوف " مالك ي أحلام بتعيطي ليه "

نزعت يداها ونظرت له بدهشة مصحوبه بألم وامسكت زراعه بقوة وهي تقول " سييف به با بابا عاااوز يخللينا ن نساافهر "

لم يفهم مقصدها " اهدي بس شوية عشان افهم خدي اشربي المية دي "

ناولها كوب الماء بقلق عما تكون اذناه قد سمعته حقيقية " ها بقا مالك "

تجمعت الدموع في مقلتيها مرة اخري وهي تقول " سيف .....بابا هياخدنا نسافر برا مصر ومش هتشوفنا تاني "

اردف بصدمة ووهن " ايه.....ليه طب وأنا ورودي مش كفاية امي ...طب هتروحوا فين "

ازداد بكائها المرير وهي تقول " قال ان احنا هنختفي خالص وهيقطع علاقتي بيك نهائي عشان متعرفش توصلنا "

صرخ بغضب " لييييه عملت ايه انا عشان يحصل فيا كل ده "

انهارت احلام مرة اخري ليهدا قليلا ويربت علي كتفها بحب " خلاص بقا اهدي انتي لو ف سابع سما ولا سابع ارض هوصلك ي أحلام انا عمري ما اتخلي عنك ولا اسيبك وعد مني هلاقيكي ي أحلام "

رفعت رأسها وهي تنظر لعينه " وانا هستناك ي سيف لنهاية عمري "......

عودة للماضي ......

فاقت احلام من شرودها ونظرت حولها بجمود لتجد بعض زجاجات الأدوية علي طاولة صغيرة بجانب الفراش ، نهضت بجمود وكأنها ليست واعيه لتزهب لزجاجات الأدوية وتمسك واحدة وتسقطها بقوة علي الأرضية لتنكسر ،
امالت جسدها النحيف وأمسكت قطعت الزجاج ونظرت لها بوهن شديد وكأنها تحلم ......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي