البارت الخامس

لا يولد الإنسان شيطانا ، الظروف هي من تغيرنا وتخلق منا اشخاص مختلفين لا نعرفهم لكن نستمد من خلالهم ما نحتاجه وعندما نتواجه نتبرئ من ذمتهم تلك هي حياته ......

كانت إحسان تتابع كل مايدور منذ البداية ، وهي علي يقين ان هذه البداية فقط ، فالنار تأكل كل اليابس لتنهض سنابل الحياة من جديد ، قطع هدوئها صوة الخادمة الصغيرة وهي تقول بقلق " هنعمل ايه دلوقتي ي أبلة إحسان "

لتنظر لها إحسان بجمود وهي ترفع إحدي حاجباها بأستنكار وتجيب " هتنضفوا المكان كله وترجعوا كل حاجة زي ماكانت وبالنسبه لأحلام سبوها لحد ما اشوف الباشا هيعمل فيها ايه يلا اتحركوا " .........

تركتهم إحسان وذهبت فورا لمكتب سيف ، طرقت الباب قليلا لتسمع شهقات وبكاء مصحوباً بأنين خافت ، دخلت مسرعة واغلقت الباب خلفها ، لتجده جالس علي الاريكه وينتحب في البكاء مثل طفلا صغير

ركضت اليه وجلست جواره تربت بيدها علي كتفه بألم وهي تردف بحزن " مالك بس ي سيف اهدي شوية مش كده انت ال عامل ف نفسك كده يبني محدش غصبك علي حاجة "

احتضنت رأسه وهي تقبلها ليردف بشهقات متتالية " مش عارف ي نينة مالي بعمل ليه كده مع اكتر حد بحبه ف الدنيا ، كل مرة بحاول ابقي كويس بس كل ما افتكر انها مشت وسبتني ف اكتر وقت كنت محتاجة جنبي بفتكر علي طول لما امي اتخلت عننا بحسها شبها مش قادر انسي "

تساقطت دموع إحسان وهي تحاول مواساته " يبني مش كده صوابع ايدك مش شبه بعضها ، بعدين البت غلبانه وعشان مربياها علي ايدي عرفاها اكيد في سبب خلاها تبعد غصب عنها اسألها براحة وهي اكيد هتقولك ، عشان خاطري ي سيف متتغطش عليها اكتر من كده لتروح منك من غير ما تحس يبني "

اجابها بألم وهو يبتعد عنها " هو انا ليه كل حاجة بحبها لازم تروح مني ، نفسي اعيش زي باقي الناس مرتاح وسعيد بحياته مش عاوز فلوس مش عاوز عز ولا حتي شركات ، انا عاوزها تحبني وانا هخدها وابعد عن الدنيا كلها " .....كانت تشعر بألمه وتفهمه جيدا ، هي لم تكن البطن التي انجبته ولكنها كانت الحضن الذي اهتم به كل تلك السنوات عندما قرر الجميع تركه وحيدا .........

بعد ساعة ذهبت إحسان الي الخادمات لتجدهن في انتظارها متلهفين لمعرفة نهاية تلك المسكينة ، رأت إحسان ذلك في أعينهم فأردفت بهدوء " سيف باشا قال هننقلها للأوضة ال قدام اوضته علي طول ، صفاء خدي معاكي ياسمين وخليها تساعدك في تنضيفها وكل الأدوات ال فيها انقلوها للقبو حالا "

نظروا لبعضهم بقلق ، لتهتف صفاء بتردد وخوف " مش دي أوضة أااا "

صاحت أحسان بأمر لا مجال للتراجع فيه " دي أوامر الباشا وهتتنفذ كل واحدة تشوف شغلها "

تحركت الخادمات بحزن وقلق لمكان عملهم ليمر من الوقت قليلا حتي انتهت كلٍ منهم من واجبها المراد، أخذت إحسان احلام من يدها بهدوء وصعدت بها الدرج علي مهلٍ الي ان اوصلتها لغرفتها الجديدة واجلستها علي فراشها البارد بهدوء لتردف بحزن وهي تنظر لحالتها " عاوزة حاجة اعملهالك يبنتي "

لم تتوقع الكثير ، احلام كما هي لم تجيبها او يرمش لها جفن ، لتتنهد إحسان بحزن وتخرج وتغلق الباب خلفها جيدا مثلما أمرها رب عملها ....... ليمر الليل علي أغلبهم تعيسا ، منهم من يقلب بين صفحات الماضي ومنهم من يتحسر علي حياته وحظه المائل .......

صباح اليوم التالي/الساعة الثامنة ......

تحدث عزيز بضيق في هاتفه " يعني ايه الكلام ده يبنتي ، طب متعرفيش قفلت ليه انا لسة مشتري الجريدة بتاعتها امبارح الصبح ..... ومين ال اشتراها....... طب ممكن نطلب منه يطبع الخبر تاني ولو عاوز فلوس اكتر انا مستعد للدفع بس ميخلاش بيا...... ايه هيبني مكانها فندق سياحي هنا ....طيب بس قوليلي اسمه ايه البيه التقيل ده...... بتقولي ايه ؟! سيف الجبلاوي مش معقول ،

رجع بذاكرته للماضي عندما كان بمصر ......فلاش باك من ١٧سنة

تضايق عزيز من كلام صديقه ليردف بعصبية قليلة يلتمس فيها الأدب لمرض رفيقه " يعني ايه ي احمد هتتبرع بكل املاكك لسيف ، طب افرض امه عرفت كده راح تسيبه ف حاله ، انت عارف كويس انها هتستغل سيف وهتعرف تضحك عليه لانها امه وكل ال عملته هيتهد والعيال مش هيطيلو اي حاجة "

سعل احمد بتعب وهو يجيب بصعوبه بالغة " انا مش هقولها الك الكلام ده طببعا دي كح كح " اقترب عزيز بحزن بجانب صديقه وهو يناوله كوبا من الماء وعلبة الدواء التي بجانب الفراش الخاص به

" اهدي بس ي احمد وأجل الموضوع ده نحكي فيه بعدين عشان صحتك "

اكمل احمد يتعب " اسمعني للآخر ، انت والمحامي هتقولولها الكلام ده وهتزورو الأوراق اني اتبرعت بكل حاجة للجمعيات الخيريه وكمان بعت الشركة وراهنت القصر "

اردف عزيز بحزن " طب ورودي ملهاش حاجة فين حقها ي أحمد "

اجابه احمد بهدوء وثقة لانه من خطط لهذا منذ البداية " سيف هياخد باله من اخته كويس انا واثق فيه وصدقني بعد كل ده مايحصل سيف دماغه مش هتميل لأمه لانها هتبين معدنها ف الوقت ده ، لكن لو كتبت حاجة لرودي ، أمها هتأثر عليها وهتاخد كل حاجة برضاها كمان "

سأله عزيز بفضول وقلق واستنكار " بس سيف صغير وعمره ما رجله دخلت الشركه طول عمره ملهي ف تعليمه ودراسته هيتولي ازاي إدارة الشركة "

اردف أحمد بتعب وهو يضع يده علي قلبه متألما " انت عارف ي عزيز ان ايامي معدودة وانه لازم يعتمد علي نفسه مش هيفضل طول عمره صغير مستني ال يساعده "

اردف عزيز بدموع " الف بعد الشر عليك ي أحمد متقولش كده ان شاء الله هتخف وهتبقي زي الفل ومفيش حاجة من ده كله تحصل "

تنهد احمد قائلا بصوت خافت يكاد يصل لاذن عزيز " دي الحقيقة ي عزيز ، انا بس طالب منك طلب ، عارف هيبقا صعب عليك بس اوعدني انك توفي بيه انا واثق انك هتوافق "

اردف عزيز بقلق " خير ي أحمد أؤمرني "

أجاب احمد بهدوء " بعد ما ربنا ياخد أمانته عاوزك تختفي انت وعيلتك ومترجعش غير لما سيف يلاقيكم واوعي تكلمه عشان ميوصلش ليك سيبه لوحده "

عقد عزيز حاجبيه بضيق وهو يقول بعصبية " ليه ي أحمد سيف ده زي ابني ال مخلفتهوش عاوزني اسيبه لوحدي من بعدك ، اكيد هيكون محتاجني جمبه اسيبه ف وقت هو ضعيف فيه ، لقمه طرية لحيتان الشركات المنافسة هيدوسوا عليه ده إذا معملوش فيه حاجة لا لا استحالة اسيبه "

اجابه احمد بوهن " اسمع كلامي ومتتعبنيش سيف بيحب احلام ، انا شايف وحاسس مش اعمي ولا رجعي ي عزيز ، ولما تختفي من حياته وهي علي وش الدنيا ربنا يباركلك فيها ، هيعمل المستحيل عشان يلاقيها ، ولما يلاقيها يبقي يستاهلها وبعدين انت فاكر لو قعدت جنبه وبقيت تعمل كل حاجة عنه كده هيتعلم ، لاء ي عزيز كده هيطلع عضمه طري ومش قادر ياخد قرار لوحده "

هز رأسه عزيز بقلة حيلة ليردف اخيرا " حاضر ي أحمد اوعدك اني هنفز كل ال تقولي عليه خلاص ارتحت كده "

أبتسم احمد بهدوء وهو يتراجع للخلف علي فراشه " ايوة كده ارتحت صدقني "

عودة من الماضي ................

آفاق عزيز من شروده وهو يقول بزهول وحزن " يااااه الله يرحمك ي أحمد ، ده انا فقدت الأمل انه يلاقينا وللأسف انا ال هروحله بردو اطمن عليه واقوله علي موضوع احلام اكيد هيساعدني "

.........في القصر..................

صرخ سيف بصوته الجهوري " يعني ايييه مش بترد انا مش قولتلكم خلي بالكم عليها اييييه صعب " ....كان الجميع خائفا ولكن لم يكن هناك وقت للعقاب ركض للأعلي متجهاً الي غرفتها ، ليفتح الباب بقوة ، بحث بعينه في ارجاء الغرفة فلم يجدها اتجه الي دورة المياه وطرق الباب بعصبية " احلام انتي جوة انا عارف كده افتحي ، احلام متخلنيش اكسر الباب عليكي ف افتحي "

لم يجد ردا ، ارتعب قلبه هلعا من ان يكون قد أصابها مكروه ، ليدفع الباب بقوة حتي فتح علي مصرعيه ليجدها مستلقيه علي الارض ، تنزف رأسها بعض الدماء ، يتضح انها انزلقت وضربت رأسها بحوض الحمام ، ركض سيف اليها وحملها بين زراعية الي خارج الغرفة ليدخل بها غرفته ويضعها علي سريره ، ليمسك وجهها بكلتا يديه ويربت عليه بقلق " أحلام انتي سمعاني ردي عليا متسبينيش احلااام "

لقد ثلج جسده ، لا يريدها ان تضيع من يده لا يريدها ان ترحل مثل كل شئ يحبه لم يكن في وعيه ، يتمتم بكلمات ليست مفهومه لتهرع اليه إحسان وتهزه بقوة " سيييف فوق دلوقتي كلم دكتور يجي يلحقها " كانت تخشي ان تكون تلك الاصابه قد أثرت علي رأسها

اعتدل سيف وأخرج هاتفه وطلب رقم معين " اسمع ي فؤاد تجبلي دكتور ..لاء دكتورة تجبلي دكتورة حالا القصر ، عاوزها دكتورة ي فؤاد فاهم "

أغلق المكالمة بوجهه لم يرد حتي علي تفسيرات صديقه القلق علي حاله .....

نظر سيف لأحلام بحزن ، تكاد دموعه العالقه في مقلتيه ان تفضح أمره أمام الخادمات ، عندها شعرت إحسان بأن الوضع غير مناسب أخرجت الخادمات واغلقت الباب خلفها، لم تكن تريد أن يري الخادمات اكثر من ما قد رأوه من سيدهم المتسلط الذي لا يتهاون في اي شئ ....
نعم لقد علم الجميع الان ان سيدهم مهوس بهذه الفتاة الغريبة عنهم ......

اقترب سيف من احلام واحتضنها بقوة ، ليجهش في البكاء وهو يخاطبها " انا عارف نفسي انا ملعون لاني كل ما بحب حاجة بتروح مني ، بابا وماما ورودي وانتو لما اختفيتوا ، بس لقيتك تاني ورجعتك ليا فمينفعش تروحي مني وانتي ف حضني ، مفيش سبب تاني اعيشله ي أحلام ارجوكي متسبنيش "

طرق الباب ودخل فؤاد مع الطبيبة ، ليجد هذا الوضع الخادش فيخرج مسرعا قبل ان يلاحظه سيف ولكن هيهات ، حتي انها بدون حجاب

اما الطبيبة فعلمت ان احلام هي المريضة لذلك اقتربت وطلبت بأدب " ممكن لو سمحت تتفضل برة عشان اشوف شغلي "

ليهز رأسه بقوة وهو يقول " لاء مش هسيبها "

كان كالطفل الصغير الذي يمسك لعبته المفضله بإحكام ، شعرت الطبيبة بهذا الأمر فقررت مراوضته " مين قالك ي فندم انك هتسيبها انت بس هتستنا برة خمس دقايق وبعدين علي طول ادخل اكون انا كشفت عليها عشان تفوق وترجع كويسة تاني ولا حضرتك مش عاوزها تفوق تاني "

صمت سيف قليلا ليتركها بهدوء وينهض ، تقدم الي الطبيبة وهمس لها بوعيد " لو مفاقتش انتي ال مسؤلة فاهمة "
بلعت ريقها وهي تقول " فاهمة ان شاءالله تفوق "

خرج سيف بعد ان أغلق الباب خلفه ، ليسند ظهره علي الجدار وربع يديه بجمود غير عابئاً لفؤاد الذي حاول تجاذب أطراف الحديث معه فيما دار بينهم لتصل لهذه الحالة ، علم فؤاد ان صديقة قد رآه وان هذا لن يمر علي خير .........
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي