البارت التاسع انتحار

وصل صوت تحطم الزجاجة لأُذُنى سيف وذلك لأن باب غرفتها كان مفتوحا علي مصرعية ، لتنتبه له جميع حواسه لها ونهض راكضا لغرفتها ، ليجدها تقف في نهاية الغرفة ممسكة قطعة زجاج حادة تراقبه بشرود ، أدرك نيتها وراء ذلك ليخطو خطوتين مقتربا منها وهو يرفع يده اليها بهدوء وقلبٍ هلع

التصقت هي بالجدار وهي تضع تلك القطعة الحادة علي شراين يدها الباردة وهي تقول بنبرة خالية من الحياة " لو قربت اكتر هسرع ف الموضوع "

كانت الحياة خالية من عينها ، يعلو صدرها ويهبط سريعا ، تأكد سيف انها لا تمزح ليزداد رعبه اكثر عليها ، تشنجت عضلات جسده تأهبا لما هو قادم ليقول بترجي " ارجوكي ي أحلام متعمليش كده ، بصي هعملك كل ال انتي عوزاه بس اديني الازاز "

استنجدت بكلامه قائلة " هتخليني ارجع لعيلتي ومشوفش وشك تاني وأعيش حياتي كأنسانة مش حيوانه حابسها ف سجنك تحت رحمتك بتستعبدها "

نظر لعينها بثبات ورجاء وهو يقول بضعف " اطلبي اي حاجة غير كده ي أحلام مش هيفرق بيني وبينك الموت وانتي عارفة كده من زمان بس بتنكري "

اجابته بكره واضح وصياح " وانا اختار الموت ولا أختارك ي سيف ابدا ابدا ابدا "

هدأ فقط ثوانٍ معدودة لتنفجر موجة الغضب من جديد ظل يضرب بيده الحائط ويصرخ كالمجنون فيها " ليييه ده انا بحبك عارفة يعني ايه بحبك انا مستحيل اعيش من غيرك ومستحيل اشوفك عايشة بعيد عني تاني ولا مع حد غيري ...احلام عشان خاطري سيبي الازاز "

نظرت له بوهن لتتجة نظراتها تدريجيا الي يدها وتقوم بفعلتها الشنيعة تحت نظره ، تحرك اليها سريعا وحملها رغما عنها واتجه بها الي الدرج لينزل سريعا وهو يراقبها " لييه ي أحلام ليه الموت أهون من انك تعيشي معايا "

ابتسمت بتعب وهي تشعر ان الصورة تتلاشى أمامها " الموت أهون من اني اعيش مع حد كرهته بعد ما كنت بحبه ي سيف كان نفسي ترجع بس ترجعلي سيف بتاع زمان "

وضعها بجانبه في سيارته الفارهة واتجه بها لعبارة مائية فالمستشفى تقع علي الجانب الآخر من المياة " مش هسيبك تموتي ي أحلام مش بعد ده كله تموتي بسببي ، انا اخوكي الكبير فاهمة ي رودي مش هسيبك تروحي مني ابدا استحملي عشان خاطري "

يبدو أن هلاوس الماضي عادت من جديد ، لقد خلط بين ماضيه وحاضره بين اخته وحبيبته بين خياله المريض وواقعه .........

خلال خمس دقائق وصلت العَبَّارة للجانب الآخر من المياه نزل بها مسرعا ودخل بها للمستشفي والدم يملئه ويكسوها ، نظر له كل المتواجدين بقلق ليفيقوا علي صراخه " دكتور ي بهاايم مش شايفين الحالة ال معايا بتموت "

أتت ممرضتين بسرير متحرك ليضع سيف أحلام من بين زراعيه وهو ينظر لها بخوف من ان تكون تلك نظرته الأخيرة ، دخلوا بها لغرفة العمليات ليأتي طيب كبير في السن راكضا للغرفة حتي امسكه سيف من ملابسه بقوة " لو جرتلها اي حاجة ههد المستشفي دي علي دماغكو فاهم " ..............


في منزل عزيز تضايقت نعمة قليلا من تأخر زوجها بالمرحاض لانها قد وضعت الطعام علي الطاولة منذ زمن قليل ، يبدو أنها ستشعل عليه النار من جديد حتي يعود ساخنا كما كان ، اتجهت الي المرحاض وطرقت الباب بعصبية خفيفة " ي عزيز ليا ساعة بنده ياراجل كل ده بتتوضي ده انا افتكرتك صليت من بدري انت بتستحمي ولا ايه....عزيز مبتردش ليه "

تسرب الخوف لقلبها لتفتح باب المرحاض بهدوء وهي تنظر للداخل لتجده جثة هامدة علي أرضية المرحاض الباردة صنبور المياة مفتوح نسبيا، اتجهت نحوه مسرعه وهي تصرخ لأن يساعدهم احد " عزيز يلاهوي عزيز الحقوني ي ناس " ...لم تكن تعلم وقتها انها ليست ببلدها بل بالغربة حيث مهما استغاثت لن يطل عليها أحد وكأنها بالفضاء تقطن ....
نهضت مسرعة وهي تبكي بحرقة وتبحث علي هاتفها لتجده علي المنضدة جانب فراشها ، اتصلت برقم صديقه القريب لعله ينجدها " ايوة ي هاشم تعالي الحقني عزيز مش بيرد عليا .....
أتت سيارة الإسعاف ونقلته للمستشفي فورا ......

في المستشفي تجلس نعمة في رواق العمليات بمفردها تنتظر خروج الطبيب المسؤل عن زوجها بفارغ الصبر حتي يطئمن فؤادها عليه ، خرج الطبيب بعد ساعة متجها نحوها مسرعا والقلق يرتسم علي جبينه " انتي تقربي للمريض عزيز محمد "

اردفت بخوف وهي تقف " ايوة ي دكتور انا مراته طمني عليه هو بخير مش كده "
اجابها بحزن " للأسف هو محتاج عملية قلب مفتوح حالا وده لان حالته متدهوره جدا هو ليه صبر علي نفسه لحظ ما وصل للمرحلة دي "

نظرت شارده أمامها " هه ايه قلب مف" لم تكمل جملتها لتسقط مغشي عليها......


.............
من غرفة عمليات اخري بمبني مخلتف في نفس المستشفى خرج الطبيب بعد ساعة من غرفة العمليات ،
نهض سيف واتجه نحوه وهو يسأل " هتفوق امتي "
اندهش الطبيب من ثقته ولكن أجاب بهدوء " مش عارف ممكن خلال كام ساعة او اكتر وده لان الواضح أن عندها انهيار عصبي حاد وصلها للمرحلة دي هي لازم تتابع دكتور نفسي عشان تطلع منها علي خير انا اديتها مهدئ في المحلول ولو فاقت واحتاجت تاني هنضطر ندهولها تاني طبعا مش هينفع تخرج من المستفي قبل ٢٤ساعة "

" مش انت ال تقرر تقعد قد ايه ولا هي عجبت " ، لم يعطيه فرصة لتدارك كلامه الوقح حتي انهال سيف علي الطبيب بالضرب المبرح أمام أعين الممرضين ، تجمع كل من بالمشفي ليري هذا المشهد منهم من حاول التدخل للدافاع عن طبيب المستشفي المشهور ولكن كانت ايدي الجميع اقرب له لسحبه للخلف " انت موش عارف هادا مين "

أجاب الآخر " ولو كان ابن وزير ما ألهو الحق يضرب هيك دكتور "

اردفت الطبيبة " لك هادا بيكون سيف الجبلاوي صاحب اكبر شركات ومصانع الشرق الأوسط كلياتو "

نهض سيف وهو يلهث ليعدل هيئته " انتي ي زفته " أشار لتلك التي كانت تتحدث فركضت اليه مسرعة

" تحت امرك ي فندم "

رد بجمود " تجهزلي كل ال هتحتاجه عشان هاخدها معايا القصر وهاتي واحدة تاني معاكي عشان تتولو رعايتها اتحركي "

اجابته وهي تغادر " تؤمر عيوني ي بيه "

فين مسؤل المستشفي هنا " خرج المسؤل من وسط هذا الحشد يتصبب عرقا ليجيب بتهته " اا تحت امرك ي فندم "

أشار له بحزم " هتجبلي اشطر دكتورة نفسية ف لبنان كلها عندي علي القصر فاهم "

هز رأسه بخوف " حاضر ي بيه "

تركه وخرج قليلا ينفث عن غضبه ، لا يستطع ان يلوم سوي نفسه فهو من طلب لها طبيبا ولكنه كان مشتت الذهن وهذا شئ جديد اكتسبه مؤخرا بسببها .........

في المبني الآخر تجلس نعمه علي احد الكراسي في رواق المستشفي البارد تجهش في البكاء وبجانبها بن أخيها يحاول تهدئتها " اهدي بس ي عمتي بإذن الله هيقوم ويبقا كويس بس لازم العملية زي ما الدكتور قال مش هنقدر نستني اكتر من كده "

اجابته بصوت مبحوح من كثرة البكاء " يبني انا خايفة تحصله حاجة لقدر الله "

رد بضيق " ي عمتو انتي لو فضلتي علي الحال ده هيروح مننا خالص الله يهديكي وافقي بقا "

اجابته وهي تعود للبكاء مرة اخري " خ خلاص نعملهاله وامرنا لله "
احتضنها إسلام وظل يربت علي كتفها بحنو وحزن علي تلك العائلة التي احتوته أثناء تغيب عائلته عنه بعد وفاة والدته منذ الصغر .........

في المساء دخل سيف القصر حاملا أحلام تحت أنظار الخدم وتهامساتهم القليلة ، ليصعد بها الي غرفتها ويضعها علي فراشها بهدوء
نظر للممرضة التي جواره " اعملي معها المطلوب متقصريش ف حاجة فاهمة "

اردفت بقلق " تحت امرك ي بيه "

ليصرخ بضيق " فين الزفته بتاعت المجانين "

(لقد جن هذا الرجل مابال مزاجه ألم يكن هادئا منذ قليل ) ، كان هذا يدور في عقلها لتجيب مسرعة " للأسف ي بيك الطبيبة عم تولد عقبال عندك لهيك ماقدرت تيجي لهون "

هدأت ملامح وجهه قليلا ليخرج من الغرفة ويهاتف فؤاد ولكنه لم يجيب ، ليعاود الاتصال مرة اخري ولكن هذه المرة قد اغلق هاتفه ليشيط سيف غضبا ولكن هذا ليس وقته " ماشي ي فؤاد هرجعلك "

اتصل برقم آخر " ايوة ي دكتور أسامة عاوز احسن دكتورة نفسية ف لبنان غير ال بتولد دي...... يعني ايه مفيش تاني.....طيب اسمع هتسافر أوربا تجيبلي واحدة وتيجي بس تكون شاطرة وبتعرف عربي ...ولو مجتش بالذوق يبقا جوبوها بالعافية انا هقول الطيار يجهز الطيارة كمان نص ساعة ، نص ساعة وتكون ف الطيارة سامع سلام " (ده قال سلام)

أغلق الهاتف ليأمر بإحضار احد الحرس " امرك ي فندم "

رد سيف ببرود " تروح للكابتن مدحت وتقله يجهز الطيارة حالا في دكتور هيسافر معاه أوربا وخليه ياخد اتنين من الحرس معاه عشان لو احتاجهم ف حاجة "

أجاب الحارس " تحت امرك ي فندم اي أوامر تاني تؤمرني بيها "

" غور " (محترم )


عاد مرة اخري للغرفة ووجدها نائمة ساكنه " لسة مفاقتش "

اردفت الممرضة بحزن " بدك الصراحة ولا بكدب علي معاليك "

أجاب باقتضاب " ارغي "

قالت بحزن " بصراحة هي ما راح تفوق دلوقتي ولا قريب وكذابين لو قالو غير هيك الصبية عم تمر بمرحلة صعبة بين نفسها يمكن انت تفكرها نايمة هي مو نايمة هي عم تحدث نفسها بعالمها الخاص وسامعة كل شى لبين ما تتحسن حالتها النفسية راح تفوق وترجع للواقع ولهل الحين نحنا لازم ندير بالنا وما نعمل شى يزعلها ولا حتي تسمع بيه "

تلك الحقيقة التي كان يتهرب منها فهو السبب في كل ذلك " اطلعي برة وردي الباب "

أجابت وهي تخرج " تحت امرك ي بيه "

جلس جوارها وهي يمسح يده علي شعرها بهدوء " امبارح اول ليلة انام فيها مرتاح ، حسيت اني نمت سنين كتيرة ، تصدقي انا فعلا من زمان اووي منمتش النوم ده ف استأذنك من هنا ورايح هنام جنبك علي طول " ........(فين كتب الكتابشوية قدام بقا)

في مكتب الشرطة يجلس شاب في منتصف العشرينات من عمره علي كرسيه وهو يبحث ببعض الأوراق عن شئ مفقود الي ان قطع تركيزه صوت رنين هاتفه ، مد يده للهاتف ليمسكه بهدوء وهو ينظر للمتصل ، تراجع للخلف وتنهد حزنا وهو يرد " السلام عليكم ي امي "

اتاه الصوت في الجهة المقابلة " الحقني ي اسلام انا ف المستشفي العام تعالي بسرعة "

وقف بخوف وهو يقول " مسافة السكة في ايه بس طمنيني احلام لقتوها "

ردت بيكاء ونحيب " عمك عزيز بيروح مني "

لم يفهم معني ما قالته ولكن حتما لا يبشر بالخير لذلك أخذ ما يلزمه سريعا وخرج لسيارته الخاصة متجها بها إليهم علي عجل .....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي