البارت العاشر خائن

مر اسبوع كامل علي أحداث ثابته ، فاقت أحلام من نومها العميق تحت رعاية الطبيبة ، حاول سيف التقرب منها وإصلاح أخطائه ولكن هي لم تعطيه أي فرصة بل تتجاهله كليا ، خصص كل وقت فراغه من العمل لها هي فقط من أجل اسعادها رغم قساوة ما تفعله لكنه سعيد لانها تراجعت عن فكرة الانتحار مرة اخري ليعطيه هذا املاً في بداية جديدة ......
اما عزيز مع الاسف دخل في غيبوبة منذ انتهاء العملية ليحول الي العناية المركزة ، بينما خارج العناية تجلس نعمة تنتحب علي حظها البائس فقد فقدت طفلتها والآن هي علي وشك فقدان قرة عينها " ي عمتو ابوس راسك كفاية بقا عشان صحتك "

اردفت يارا مسرعة " ي طنت إسلام عنده حق دلوقتي عم عزيز محتاج دعواتنا وكمان محتاجك قوية "

اردفت نعمة بضعف وصوت مبحوح " ي يارا يبنتي انا عوزاه بس يقوم يكلمني مش عاوزة اكتر من كده متبقاش أحلام وهو كمان "

عادت للبكاء المرير مرة اخري لتنهض يارا بحزن وتتجه بعيدا عنها مع اسلام " انا عملت كل ال قدرت عليه ي اسلام بس اديك شايف مش راضية لا تأكل ولا تشرب "

أجاب بأسف واضح " انا عارف ي يارا اسف لاني تعبتك معايا اووي بس انا ف الوقت ده فعلا مش عارف اتصرف ازاي ، ادور علي احلام ولا جوز عمتو ال حالته صعبه ولا عمتو ال رافضة الاكل نهائي "

عقدت حاجبيها في ضيق " عيب كده ي اسلام دول اهلي والله يعلم معزتهم عندي اكتر من كده ، المهم مفيش اي اخبار عن أحلام "

اجابها بحزن " لسة مفيش جديد ، ربنا يرجعها لينا بالسلامة ان شاء الله " .....

في القصر .......
هتف سيف بعصبيه " يعني ايه مفيش خبر عنه لحد دلوقتي "

أجاب الحارس بقلق " ي باشا احنا دورنا ف كل مكان وسألنا طوب الارض عليه بس كأنه فص ملح واختفي "

ضرب سيف بقبضة يده علي المكتب وهو يصيح " غوروا من وشي دلوقتي "

حني الحراس رؤسهم وخرجوا بهدوء وقف سيف من علي كرسيه وظل يجوب مكتبه ذهابا وإيابا وهو يفكر أين اختفي فؤاد منذ اسبوع كامل وهو لا يستطيع اجاده ، حتي زوجته لا تعلم مكانه ، ليردف بقلق " فينك ي فؤاد غيبتك دي وراها حاجة ي صحبي وحاجة كبيرة مش عاوزني اعرفها دلوقتي علي الاقل ، انت عارف ان انا بثق فيك اتمني متخونش انت كمان الثقة دي "

كان هذا كابوسه الاعظم .. الغدر والخيانة فلقد تلقي ما فيه الكفاية منهما في هذه الرحلة القصيرة ....

قطع شروده لحظة سماع صوت متردد " س سيف"
دار بهدوء غير مصدق لما تسمعه أذناه ، نظر لها واللهفه فاضحة مابداخله من سعادة ليجيب بصوت متماسك وشجى " ايوة ي أحلام قولي متتكسفيش "

اجابته وهي تفرك أصابع يدها بتوتر وتنظر له من ثانية لآخري " عا ...محتاجة اشوف بابا وماما اصلهم وحشوني حابة اطمن عليهم ولو من بعيد بس اتمني انك توافق مش هعمل دوشه ولا هلفت انتباه بس سيبني اشوفهم "

رأي بعينها الأمل من جديد هذا ما أملاه عليه عقله بينما في الواقع لقد رأي نفسه جزءً من بؤبؤ عينها المتلألئة ، أخذ شهيقا وزفره بهدوء وهو يشيح نظره بعيدا كي لا يضعف من جديد " للأسف دلوقتي مش هينفع خليها ف وقت تاني وانا اوعدك انك هتقدري تشوفيهم وكمان تسلمي عليهم "

لم يكن يعلم تأثير تلك الكلمات القليلة علي فؤادها ، تجمعت الدموع في مقلتيها اقتربت أكثر وامسكت بزراعه بكفاها الضعيفين واردفت بصوت شبه باكي وهي تتوسله " ارجوك ي سيف عشان خاطري دي اول مرة اطلب منك طلب من ١٥سنة فمترفضش "

لآنت حصونه المانعة ليعاود النظر فيما قد ادمنه منذ الصغر كوبي القهوة الخاصه بهِ ، امسك بكفيها وهو يردف " ماشي ي أحلام بس في حاجة لازم تعرفيها.....بباكي في العناية المركزة "

جحظت بعينها لوهلة ثم تركت يده بفتور وهي تبتعد خطوتين للوراء ثم تردف بخوف " ليه حصله ايه انت عملتله ايه ي سيف "

اقترب من جديد وهو يقول بصدق التمسته في عيناه " اقسم بحياتك معملتش حاجة لبباكي ي أحلام هو اصيب بأزمة قلبية وعمل عمليه قلب مفتوو"

لم تستطع احلام سماع صوته الذي تحول الي همهمات ، لتشعر بدوار قوي حولها لتترنح قليلا ، التقطها سيف بين زراعيه بهدوء حتي لا تقع أرضا ولكن يتضح انها فضلت الارض المتحجرة عنه لتدفعه بقوة وهي تتكئ علي الجدار " هه ابعد ي سيف ابعد انا بقرف منك متقربش كده تاني ي أقذر مخلوق عرفته ف حياتي ياريتني ما عرفتك ي سيف "

لامست الجدار بهدوء تسند عليه جسدها الهزيل وهي تسير عائدة لغرفتها لتغلق الباب بقوة خلفها
وقف سيف لحظات متجمدا في مكانه " بس القدر أراد ي أحلام وخلاكي سبب ليا ....احساااان "

ركضت إحسان لفوق الي غرفته وهي تردف " تحت امرك ي فندم "

اردف بجمود " انهاردة تنقلي أحلام لاوضتي وتجهزي اوضتها لضيفة الليلة وكمان ترجعي صندوق الأغراض ال هحتاجها مكانة الساعة تسعة هكون في القصر فاهمة "

اجابته بقلق " تحت امرك ي فندم ال تشوفه حضرتك "

خرج بضيق من القصر كله ليصعد سيارته ويتجه لوجهته الرئيسية ......

الساعة الثامنة مساءً دخلت إحسان غرفة احلام بعد ان طرقت الباب لتجدها تجلس علي فراشها وهي تنظر أمامها بجمود " أحلام ي بنتي تعالي معايا "

لم يرمش لها جفن وهي ترد ببرود " علي فين "
تتهدت إحسان لما هو قادم " انهاردة هتباتي في أوضة سيف "

ارتجف جسدها لا إرادياً لتتماسك حتي لا تظهر ضعفها وخوفها أمام تلك العجوز " ارجعي قوليلو انه علي جثتي ي سيف "
فهمت إحسان مقصدها لتقترب وتجلس علي طرف فراشها وهي تبتسم " حبيبتي هو محتاج الاوضة دي انهاردة ومتقلقيش هو مش هيبات معاكي ف نفس الاوضة تمم "

نظرت لها احلام بحيرة " ليه من قلة اوض القصر شمعنا اوضتي دي حتي مفيهاش شباك هيبربي فيها كتاكيت ولا إيه "

ضحكت إحسان بقوة وهي تردف " لاء بكرة إن شاءالله هترجعي اوضتك ان شاءالله بعدين أوضة سيف فيها بلكونه كبيرة وكمان زهور وأشجار يعني هتشمي نفسك شوية بدل الحبسة هنا "

كانت إحسان ترمي شباكاً لانها تعلم انها ستفكر بالهرب ولكن لم تعلم أن هذا يستحيل "خلاص ماشي " .....


نهضت مسرعة وهي تمشي بعجله من أمرها الي غرفته وكأنها وجدت منفذا للهرب من هذا المكان لتبتسم إحسان إثر حركاتها الطفوليه.......

دخلت غرفته لتجدها واسعة جدا ذكرتها بغرفتها فقد اضطر والدها ان يهدم الجدار بين غرفتها والغرفة الخالية تلبية لرغبتها قد أحبت منذ صغرها الغرف الواسعة وكذلك هو ، هتفت إحسان بهدوء " واسعة مش كده "

هزت احلام رأسها بسعادة نسبية لا تعرف مصدرها " اه زي اوضتي بالضبط "
دخلت بهدوء وهي تتفحص الغرفة لتجد بها حمام مرافق ولوحة غريبة تثير ريبة كل من يراها ( بها ذئب كبير الحجم يحمل رضيعا يبكي بين فكيه والناس تحيطه وهم يوجهون النيران له ، في البداية ستشعر ان الامر مخيف ولكن مع التدقيق باللوحة ستجد ان ذلك الذئب يحمي ذلك الرضيع من بني جنسه )

كما وجدت أيضا بابا اقل حجما من الباب الرئيسي للغرفة بجانب الفراش لتتجه له بهدوء وتفتحه، لتجد غرفة اخري لكن صغيرة يضع بها ملابسه ونعاله واكسسوارته والكثير من الأشياء الخاصة
اردفت بتهكم " ماركات قديمه الناس اتقدمت إلا أنت "

ردت إحسان بلطف " سيف طلاما اتعلق علي حاجة مش بيسيبها لنهاية حياته مهما قدمت او غيرها الزمن المهم انه بيحبها هسيبك بقا عشان اشوف الخدم "

خرجت إحسان قبل ان تردف احلام اي كلمة لتلوي احلام فمها بسخرية وتغلق الباب وتتجه للشرفة ......

كانت الشرفة بوسع الغرفة من الداخل تقريبا هذا صدمها قليلا ولكن لم تبدي اي اهتمام ، اتجهت الي زهرة البنفسج لتمسكها بهدوء وهي تستنشق رائحتها النفاذة ، نظرت حولها لمختلف الزهور وأشجار الفواكه الصغيرة كالفراولة والمشمش والخوخ ، التقطت ثمرة مشمش فكم تعشقه ومسحتها بطرف ثوبها وبدأت في قضمها بشهية لتصغي اذانها لصوت غريب يأتي من وراء الأشجار ، لتحشر نفسها بين الثمار وتمر الي ان وجدت بيت خشبي صغير يشبه بيوت عرائس باربي " معقول يكون مربي كتاكيت فعلا ، انا لازم اشوف فيه ايه جوة "

فتحت الباب بهدوء لتشهق بقوة وهي تضع يدها علي فمها الصغير " ايه ده ماشاء الله تبارك الله "

انه بيت خاص بببغاوات نادرة تداعب بعضها الآخر لينطق أحدها " سيف فين سيف "

ارتفع حاجبي احلام بصدمة وهي تضحك " مش عارفة راح فين "

اكمل بصراخ " سيف سيف "

انزعجت أحلام قليلا لتردف " اسمك إيه "
رد الببغاو " اسمي أحلام " لم تنكر انه قد اختار الأجمل بينهم ليطلق عليها اسمها ، مدت يدها بهدوء تجاه الببغاو ليقف عليها وتخرج بيه الي الشرفة وتطلقه للأعلي " احلام لازم تطير ومتتحبسش ابدا "

دار الببغاو فوق القصر ليعود ويقف علي الشرفة " فين سيف أحلام بتحب سيف سيف بيحب احلام "
ظلت تردد تلك الكلمات علي مسمع أحلام لتنظر لها بدهشة وضيق ، الي ان دخل الببغاو الي بيته لتغلق أحلام البيت وهي تقول " قال بتحب سيف هو سيف ده يعرف يحب اصلا ، واحد مبيحبش غير نفسه اناني مغرور "

عادت للشرفة ونظرت للأسفل لتجد انها عالية جدا عن الأرض حتي وان نزلت متسلقة فأنها ستصبح عشاءً لكلاب الحراسة ، رجال الأمن منتشرين بكل مكان تنهدت بضيق وهي تفكر لما قد يحضرها الي غرفته هل سيتبادلون الغرف أم ماذا ... .......

قطع شرودها صوت همهمات في خارج الغرفة لتدخل الغرفة وتتجه مسرعة للباب وتفتحه بقوة وكأنها تنتظر أحدا ، لتجد فتاة صاحبة الخامسة عشر ربيعا يضخ جسدها بعلامات الانوثة التي كشفتها ملابسها الفاضحة ، تضع الكثير من المكياج علي وجهها الصغير لتخفي خلفه ملامح الطفولة البريئة ، تحدثت الفتاه بصوت رقيق مسطنع وهي تتمايل بجانب سيف الذي يحاوط خصرها بذراعه الأيسر " مين هي ي سو حبيبي "

اردف سيف بأبتسامة " متشغليش بالك ي قلب سو دي الخدامة الجديدة "

لتشيط أحلام غضبا وهي تهتف " انت رخيص اووي وبتلم علي الحجات الرخيصة زبك بجد انا مش عارفة هتسقط تاني وتروح فين من نظري " لتغلق الباب بقوة وهي مندهشة من فعلته وجرائته.....

هتفت الفتاه بابتسامة " مش يلا بقا ي سو عشان نلحق "

نظر لها نظرة لم تخمن معناها ولكنه أبتسم " طبعا يجميل متقلقيش الليل معانا طويل " دخل سيف معها غرفة احلام وأغلق الباب خلفه بقدمه ......

في غرفة سيف توالت دموع احلام غير مصدقة بما يفعله أمامها لتخاطب نفسها " ايه مستنية من واحد زي كده اناني ومش بيحب غير نفسه انتي لو مخرجتيش من هنا الدور ال جاي هيبقي عليكي " ركضت للشرفه وظلت تتفحصها بدقة وهي تهرول من جانب لآخر الي ان وجدت سلم خشبي صغير بالجدار وراء زهور القمر الليلية ، عاد الأمل لها من جديد لتصعده بحذر الي الأعلي ، لم تكن تملك الجرءة للنظر اسفلها حتي لا تفقد توازها ، لأنها قد ابتعدت كثيرا عن شرفة سيف الي ان وصلت لأعلي القصر .....

تنهدت براحة وهي تجلس بهدوء وحذر لتنظر حولها بحيرة ، وجدته مكان خاص به مظلات وكراسي وطاولات صغيرة ، حدثت نفسها بسخرية " غريبة ليكون بيسهر يعد النجوم زي باقية خلق الله " وقفت وهي تنظرت حولها لتصرخ بقوة "سييييف منك لله "

في غرفة أحلام هتفت الفتاه بدلع " عجبتك ي باشا "

رد سيف بلؤم " برافو عليكي مثلتي كويس اووي ي لولا ندخل في الجد بقا "

تغريت تعابير وجهه للقسوة وهو يقف أمامها برزت عضلات جسده وكأنه سيفتك بها تحول لون عينه للون قاتم ، تراجعت الفتاه بحذر علي الفراش وهي تردف بخوف " في ايه ي باشا أاآنا دايقتك في حاجة " ..........


فوق القصر تجلس أحلام وهي تبكي بحرقة " جزيرة ي سيف جزيرة انت عارف اني بخاف من المية تجبني وسط جزيرة ولا عشان مهربش منك "

لتعود مرة أخري لكن اكثر حذرا ، جلست علي الفراش بقلة حيلة وهي تفكر في طريقة مناسبه للخروج من هذه الجزيرة ليمر الوقت دون ان تشعر الي ان تسمع صوت باب غرفتها يفتح ، انتبهت كل حواسها لما يجري في الخارج ولم تكتفِ بذلك بل ركضت الي الباب ومالت قليلا لتنظر بهدوء من فتحته ، لتجد تلك الصغيرة الماكرة تبكي بحرقة وهي ترتجف بقوة وبجانبها سيف الذي يتضح علي وجهه الحزن والغم ، لم تفهم اي شئ ولكنها أصرت ان تكمل ما تفعله ، نظر سيف لباب غرفته ليجد ظلها اسفل الباب واضحا ، حاول بكل جهده التماسك عن الضحك حتي لا يكشف لها مدي غبائها ، ليردف بنبرة غريبة " إحسان ي إحسان "

أتت احسان راكضة وهي تردف " تحت امرك ي فندم "

تحدث بلؤم " خدي لولا وحطيها مع الباقي هي خلاص مش هترجع للشغلانه دي تاني بصراحة كده البت عجبتني هربيها لحد ما تكبر شوية وبعدين هشغلها عندي "

تهلهل وجه إحسان بالسرور وهي تمسك تلك المراهقة بحنو " تحت امرك ي فندم "

حزنت احلام وهي تمتم " حتي انتي ي إحسان عاجبك ال بيحصل ده "

نظر سيف للباب بخبث لترتبك احلام وهي تراه ، اقترب قليلا لتركض احلام الي الشرفة مختبئة وراء بيت الببغاوات ......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي