البارت الواحد وعشرون تحطيم ما تم بنائه

نزلت أحلام بنشاط الي مطبخ القصر لتجد الخادمات يقومون بأعمالهم المعتادة من إعداد طعام وغسيل أطباق وتنظيم أغراض المطبخ , أتجهت أحلام صوب فريدة كبيرة الخدم وتقول بهدوء " صباح الخير ي نانا "

ردت فريدة بأبتسامة بشوشة " صباح النور ي هانم أجهز فطار لحضرتك "

أردفت أحلام بتبرم " إيه هانم دي قوليلي ي أحلام , لاء هفطر شوية أنا بس عاوزة أطبخ بنفسي أنهاردة بصراحة تعبت من أكل العيانين دة "

ضحكت الخادمات بخفة لتنظر لهم فريدة بحزم حتي التزموا الصمت " سيبيهم ي فريدة خدوا راحتكم ي بنات هو الضحك كمان ممنوع "

أجابتها فريدة بهدوء " قوليلنا حضرتك نفسك ف إيه ونعملهولك ومتتعبيش نفسك "

أتجهت أحلام الي الثلاجة وهي تتفحصها " هممم أنا نفسي في ملوخية بالأرانب ورز بالشعرية وشوية طرشي كده يحلو الأكلة بس أنا هطبخ بنفسي "

أردفت فريدة بتوتر " هه تحت أمرك بس سيف باشا ماشي علي نظام غذائي معين وأنا هعمله الاكل الخاص بيه "

ردت أحلام بتبرم " انا هعمل الأكل ليا كل معايا كان بها مكلش يبقي وفر والله "

ضحكت الخادمات بخفة أثر طريقتها الفظة وهي تتحدث عن رب عملهم لتنظر لهم فريدة مرة أخري بضيق فتلتزم كلا منهن بما تعمل , نظرت لها فريدة بقلة حيلة وهي تقول " براحتك ي هانم , أقصد ي بنتي ال يريحك أعمليه " ..................

عودة للشركة من جديد , دلفت الي مكتبه بضيق لتفتح الباب دون استئذان وتدخل صافعة أياه خلفها بقوة , أرتجف شقيقها من فعلتها تلك لنظر لها بتهكم " يا صباح الزفت "

أردفت بعصبية " طبعا انت قاعد هنا ومش حاسس بحاجة الدنيا تقوم وتقع وأنت بردو زي ما أنت "

أبتسم بسخريه وهو يضع قدماه علي مكتبه متراجعا للخلف ليحدق بالسقف قائلا " سيف رجع وروحتي اترميتي عليه كالعادة ومسح بكرامتك أل انا مش شايفها أسفلت الشركة "

تماسكت قليلا لتتنهد بهدوء وتبدأ في لعبتها الوحيدة التي تجيد أستخدامها ( المراوغة ) لتردف قائلة " كده ي عماد ده أنت كان ليك عندي حتتة خبر ي اخويا يعوضك فيه القديم والجديد بس الظاهر كده أنك مش عاوزه "

أعتدل متلهفا وهو يمد يديه ليمسك كفيها علي طاولة المكتب , أردف بنبرة راجية " قولي ي أختي ي طيبة ي نبع الحنان "

أردفت بنبرة جافة " سيف أتجوز "

أردف بصدمه " إيه أتجوز ...مش معقول "

ردت بسخرية " لاء معقول ونص لما تعرف مين سعيدة الحظ ......أحلام عزيز "

وقف عماد بزهول ليدور حول المكتب واقفا أمامها , أنحني علي ركبتيه ممسكا يدها وهو ينظر لعينها بعدم تصديق " مريم أنتي متأكدة من ال بتقوليه ده , مش معقول ده ليه أكتر من 15 سنة بيدور عليها "

ادرفت بجمود " ولقاها وأتجوزوا وعايشين أحلي أيام شهور سنين حياتهم زي ما قالي ولو مش مصدق نعمل زيارة ونبارك لأبن خالنا الله يرحمه "

تحولت عيناه للسواد ليظهر الحقد والكره فيهما وهو يردف " ده أكيد انتي عارفة أحنا بتوع واجب وذيادة " ...................

وصل سيف القصر ليدخل بحماس وهو يصيح عاليا " حلمييييي أنا جيت "

لقطت أنفة رائحة طعام شهية أثارت الضجة بمعدته الفارغة ليردف بجوع " فريدة الغدا جاهز "
قبل أن تجيبه فريدة أشار لها بالصمت ليمشي بهدوء الي صوت الغناء الصادر من المطبخ , رأوا الخادمات دخوله الصامت وهو يشير لهم الخروج ليبتسموا بطاعة ويخرجوا دون ملاحظتها , تقف بجانب المشعل لتقلب سائل أخضر اللون ذو قوام متماسك ورائحة قوية , لتقرب مغرفة الطعام وبها جزءا منه وتبدأ في شربه بنهم ضحك قليلا في نفسه ليقترب علي أذناها وهو يقول " ريحة الأكل تجنن "

أوقعت ما بيدها مبتعدة لتراه يقف ضاحكا , وضعت يدها علي قلبها مهدئة دقاته العالية ليردف بهدوء " معلش معرفش أنك هتتخضي كده أنا أسف "

بهيئة مزريه ثياب متسخة والكثير من روائح المطبخ العطرة مثل البصل والثوم والخل , أقتربت منه وأحضنته بسعادة " وحشتني عملالك أنهاردة أكلة هتاكل صوابعك وراها "

لم يتضايق من تلك الروائح الغريبة الصادرة منها بل بدي أنه سيعتاد عليها " حبيبة قلبي أنتي أي حاجة تعمليها تبقي تحفة بس متتعبيش نفسك الخدم موجودين تقدري تقولي ال عوزاه وهما يعملو بنفسهم "

ردت بضيق " قول أنك مش عاوز تاكل من أيدي "

ضحك بقوة ليحملها بلطف الي السفرة خارج المطبخ " سييف نزلني البنات يشوفونا نتحسد "

وضعها علي كرسيها بجانبه ليخلع جاكت بدلته ويشمر عن ساعدية " ده أنا مش هلحق أغير أنا حاسس أن ليا سنين مكلتش "

وضعت فريدة الطعام علي السفرة لتبدء في إزاحة الغطيان عن الأطباق حتي تملئ رائحة الطعام المكان كله " سيف باشا أحلام هانم طابخة أكل جديد , حضرتك أحنا بردو جهزنا أكل سعتك لو مش "

أجاب بحماس وهو يمسك قطعة خبز غريبة الهيئة " إيه ده ي أحلام "
ابتسمت وهي تجيب " عيش ي حبيبي بس عيش أنا خبزاه "

رد بحيرة " العيش بيتخن ده أولا ثانيا فين الشوكة والسكينة وثالثا "

أردفت بضحك " لاء هناكل بإدينا لو مش عارف أعلمك "

غمز لها بلؤم " وأنا تحت امرك "

علمت فريده أنه غير منتبه لوجودها أبتسمت بهدوء وهي تنسحب من بينهما تاركة لهما المجال لأخذ حريتهما كزوج وزوجة ......

في المساء , كانا يستلقيان علي عشب الحديقة يتحدثان سويا بمواضيع خاصة بالماضي لم تنتهي بعد لتكمل أحلام بحزن " أتحبست ف اوضة من أربع حطان حتي شباك مكنش فيها , برغم ان لونها أبيض لكن أنا حساها ضلمة ووحشة , كان دكتور فرانك متابع حالتي لأنه كان بيتكلم عربي وكمان يعرف صديق بابا فضل معايا لحد ما اتحسنت وخرجت ومن وقتها مشفتهوش تاني "

رد بسخرية " وحشك مش كده "
أجابته بدون وعي منها لنبرته الساخرة " آه والله هو ال "

أعتلي فوقها وهو ينظر لعينها بعصبية لتبتسم أحلام بخوف " بهزر ي سفسوفتي أنا بس بختبرك بشوف أنت لسه بتحبني وتغير عليا ولا بطلت "

لانت ملامحه ليبتسم بهدوء " ليه بتقولي كده "

دفعته بضيق وهي تعتدل لتقول بغيظ " عشان من وقت ما جيت من الشركه وأنت متغير معايا ومش مركز أنت مخبي عني حاجة "

" سيف باشا عماد بيه ومريم هانم جايين يزوروا حضرتك "

أسود وجهه لتتحول نظراته للقسوة وهو يهدر بثبات " دخليهم الرسبشن وانا جاي وراكي ي فريدة "

أجابت فريدة بطاعة " تحت امرك ي فندم "

وجهة تلك النظرات الحارقة لها وهو يقول بصوت رخيم " هتطلعي علي اوضتنا ولو شوفت رجلك هوبت ناحية السلم هقطعهالك "

بلعت ريقها وهي تبلل شفتاها الجافة بلسانها الرطب " لييه "

أمسكها بقوة من رسغها وهو يصيح بعصبية " متقوليش ليه الدور ده أنا مش هرحمك ي أحلام "

هزت رأسها مرات عديده بعد أن تجمعت الدموع في عينها وهي تقول بخفوت " حاضر مش هه هنزل ولا هطلع من الأوضة "

دفعها بخفة لينهض بثبات وهو يتابع خطواتها المتعثرة الي الداخل ..

" خطوة سعيدة إيه سر الزيارة المفاجئة دي "

كانت نبرته جافة تماما مثل تعابير وجهه , ابتسم عماد بخبث وهو يصافحة " ده بدل ما تقول أهلا وسهلا ي ولاد عمتي "

ضاق علي يده وهو يجيب " نورتوا وأنستوا , إيه جابك "

انتزع عماد يده بخبث وهو يجول بعينه خلف سيف ليقول " جايين نبارك ليك ي عريس طب مش تعزمنا ده احنا أول ناس هنفرحلك ي أبن خالي "

اردف سيف جمود " متلفش وتدور أنا فاهمك "

أردفت مريم ملطفة الأجواء قائلة " أومال فين العروسة ي سيفو عاوزين نباركلها هي شكلها أزاي دلوقتي أحلام "

أجاب سيف بجمود " وصلت مباركتكم العروسة تعبانة شوية مش بخليها تقابل حد زيارة سعيدة وصليهم ي فريدة "

لن يخرج دون أن يحقق ما جاء لأجله لذلك بدأ بخطته الاخري وهي التلاعب بأعصاب عدوه " لا ألف سلامة براحة عليها ي سيف أنا عارف أنها حبيبة القلب بس أنت طبعك وحش وهي عاوزة حد حنين زيي كدة "

لقد فاض صبره , أمسكه بقوة وظل يلكمه ويعنفه أما عماد فما كان سوا يضحك بقوة وهو يحاول الدفاع عن نفسه فقط , أسقطه سيف أرضا وهو يضربه ويصرخ فيه " عماااااد أنا عارف بتفكر ف إيه أنت جاي تنتقم بس أحلام خطوووط حمرة ولو قربت ناحيتها مش هتشوف مني غير ضلمة القبر "

لم تعطي مريم أهمية لأخاها المطروح أسفله أرضا وصاحت بتمثيل وهي تنادي " كفاية ي سيف حرام علييك أحلاااااام تعالي شوفي جوزك هيموت أخويا ي أحلاااام "

كانت تتابع الحوار من أوله ولكن ما فطر قلبها هو صراخ تلك الباكية خوفا وفزعا علي شقيقها لتضع حجابها وتحكمة وهي تنزل مسرعة علي الدرج للأسفل " سييييف كفاية هيموت ف إيدك عشان خاطري كفاية سيبه عشان أخته "

ثبت للحظة ليدور برأسه للخف يحدجها بنظرات لن تنساها أبدا , تراجعت للخلف بعدما تركت كتفه لينهض سيف ويخطو بعصبية إليها قائلا " أنا مش قولت متنزليش "

أمسكها بقوة من كفلها وخبأها خلف ظهره وهو ينظر لهما بوعيد " أظن كفاية كده برااااااا "

نهض عماد وأبتسامة السخريه تعتلي وجهه , ليعدل من هيئته وهو يختلس النظر خلف سيف لعله يراها " متقلقش س أبن عمي هنبقا نزروك علي طول وألف مبروك هه ي عروسه "

أردفت مريم بغيظ وهي تغادر " مع السلامة ي أحلام معلش نتقابل مرة تاني وألف مبروك "

لم تكن تسمع حديثهما جيدا لشدة ألم أصابع يدها التي أوشكت علي عدم الشعور بها من فرط الوجع بكت في صمت دون ملاحظتهم لها الي أن غادرا أخيرا , سحبها خلفه بخطوات سريعة " سييييف سبني أنت ليه بتعمل كده ياخي الناس مش عبيد تبهدل فيهم بالشكل ده أنا مش هسمحلك تستخدم الأسلوب ده مع أي حد ولا أنا سيييف أيدي مش حاسة بيها "

وجدته يقترب بها من الأسطبل هدأت قليلا من داخلها أنها ستبقي بجوار الخيول الليلة أفضل من أن تبقي بمفردها , دفع الباب الخشبي بقوة وأنار الأضواء لتستيقظ الخيول مصدرة صوت الترحاب بهم , وصل بها الي عامود خشبي متين يقع في منتصف الأسطبل في أعلاه حبال ملفوفة بشكل دائري علي مسمار غليظ , فهمت أحلام أنه سيقيدها هنا لتصرخ بفزع وهي تحاول الأفلات من قبضته " هتعمل إيه فيا يمتخلف سبني سيييف فيه إيه محصلش حاجة لده كله "

دفعها الي العامود لتقاوم بشده الفرار منه حتي صفعها بقوة علي وجهها , سالت الدماء من أنفها أنهمرت الدموع من عيناها غير مصدقة لتنظر له بحرقة وألم ليتمتم بكلمات " انتي ديما بتكسري كلامي بعندك عاوزة تشوفي الجانب المظلم ال جوايا حاضر من عيوني "

قيدها بقوة وهو ينظر لها بجمود , بحثت في عينه عن نفسها عن حبه لها لكن لم تجد سوا ظلام الكون بهما , أدار ظهره وأبتعد وهو يجول بنظره باحثا عن شئ إلي أن وجده وعاد لها بوجه خالٍ من تعابير الحياة

شحب وجهها وهي تنظر لما يحمله بين يديه بأعين زابلة , اقتراب خطواته منها يعلن أقتراب نهاية قصتهما أردفت بكلمات متقطعة وأنفاس مثلجة " سييييف متعملش كدة , هتمحي كل ال مبني بينا , صدقني مفيش فرصة تانية , سيف دي هتكون النهاية فعلا "

أجاب بصوت فيحيح وعينان مظلمتان " محدش هياخدك مني مش هتقدري تهربي تاني أنا هربيكي من أول وجديد عشان أنا كلامي يتنفذ بالحرف "

صرخت بقوة " سيييف فوق متعملش كده سيي أعاااااااااا "

أنهال عليها بالسوط ليملأ صراخها القصر كله مصاحبا صهيل الخيول حولها خوفا مما يروه ....................

كانت ليلة مليئة بالصراخ والعويل , النحيب والبكاء المرير كلما فقدت وعيها كان يغدق عليها ماءً باردا حتي تستسقظ فيكمل فعلته

بعد منتصف الليل دخل سيف القصر وصاح بصوت عالٍ فريييدااا "

ركضت فريده اليه بقلق وهي تجيب " تحت أمرك ي فندم "

نظر لها بتحذير وهو يلهث " محدش يهوب ناحية الأسطبل ونبهي علي الخدم بكدة "

أجابته بخوف " تحت أمرك ي فندم "
خرج مسرعا ليصعد الي سيارته تاركا القصر بما فيه , بعد أن تأكدت فريدة من ذهابه أخرجت هاتفها وأتصلت بإحسان تخبرها عما حدث وماذا تفعل "

صرخت إحسان بفزع وهي تضرب علي صدرها بقوة " يلهوي أجري شوفي أحلام ليكون حصلها حاجة "

ردت فريدة بخوف " سيف باشا قال محدش يهوب جنب الأسطبل "
ردت بعصبية " لو أحلام حصلها حاجة سيف هيولع فينا كلنا ي فريدة ألحقي أحلام وأنا جاية مصر حالا "

اغلقت فريدة الهاتف وركضت الي الأسطبل مع خادمة صغيرة , فتحت الباب بقلق وهي تبحث بعينيها في الأجواء عنها الي ان وجتها تزرف الدماء من وجهها وجسدها كله , صاحت بخوف وهي تركض إليها " أحلاااام ي أحلاام سمعاني ي بنتي آآآآآآآآآه ي حظك ي حبيبتي ليه بس تكسري كلامه "

بكت الخادمة وهي تقول بخوف " ي فريدة هانم سيف باشا نبهة علينا أنا خايفة نتحط مكانها لو عرف أننا جينا "

صاحت فريدة بحزم " بنت ده مش شغلك بطلي عياط وغوري هاتي مطهر ومية سقعة وفوطة نضيفة وهاتي واحدة تاني من الخدم خليها تجيب صندوق الأسعافات ودوا سخانة أتلحلحي أنتي لسة هتبصيلي "

ركضت بخطوات متعثرة وهي تجيب " حاضر حالا "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي