البارت السادس وعشرون حان وقت الحساب

أكمل سيف حديثه بحذر وهو يقول " مخلصتش كلامي لسة "

جلس فؤاد من جديد وهو ينصت بإهتمام لحديث صديقه مترقبا علامات السعادة والحماس التي تملئ وجهه فور ختامه قائلا " هااا إيه رأيك "

رد فؤاد بسعادة وهدوء " والله ي سيف كنت متردد أني أقولك الفكرة دي بس لما حسيت أن فيه خطورة علي حياتي تراجعت أنا مش مصدق أنت بتقول كده مش ده كان تضيع وقت "

قهقة سيف عاليا وهو يجيبه " أسمه استثمار وقت مش تضيع وقت "

غمز فؤاد مازحا " الله يسهلو متسرحش لبعيد فكر بس إزاي هتصالحها الأول ..بس صدقني كل حاجة هتبقي تمم مبارك من دلوقتي "

أردف سيف بجدية " محدش يشم خبر عن الموضوع ده أنت عارف أنا وهي مستهدفين ف أي وقت "

نظر له فؤاد بعتاب " عيب ي سيف من أمتي وفي أسرار بتطلع من بينا هقوم أنا علي مكتبي وأبقي فكر في كلامك وتعالي صالحني "

ضحك سيف وهو يقول " اخبط دماغك ف الحيط "

خرج فؤاد مبتسما وهو يدعوا بداخله أن يريح قلب صديقه ويصلح بينه وبين زوجته ليعيشا حياة طبيعية , لفت أنتباهه صوت سمية وهي تتحدث بالهاتف أمام مكتب سيف بتوتر " ي إحسان هانم لسة جاي حالا هو دلوقتي آه موجود بس من شوية مكنش هنا , حاضر هحولك علي تليفون المكتب "

شعر أن الأمر طارئ ودون تفكير توجه اليها ليقف أمام مكتبها الصغير قائلا وهو يمد يده إليها " هاتي السماعة ي سمية أنا هكلمها"

أردفت قائلة " حاضر ي فؤاد بيه ..إحسان هانم فؤاد بيه مع حضرتك ي فندم "

ناولته سماعه الهاتف الأرضي ليمسكها مسرعا وهو يجيب " ايوة ي إحسان خير .......... إيييييه يعني إيه هربت أنتي فاهمة بتقولي إيه حصل أمتي وفين الأمن ده سيف شدد الحراسه من قريب ...... ده نهار مش معدي الواحد يطلع من مصيبة يدخل في غيرها .... تمم هقوله "

أغلق الهاتف بوجه شاحب وهو يضع يده علي جبينه بألم شاردا فيما سيحدث , بعد لحظات اردفت سمية بقلق " فؤاد بيه حضرتك كويس"

انتبه لصوتها القلق وهو يهز رأسه رافضا " لاء ي سمية ألغي كل حاجة أنهاردة "

هزت رأسها قلقا لتبدء في الإتصال وتقديم الاعذار للشركات المتعاقدة معهم ......... دخل فؤاد مكتبه من جديد ليرفع سيف نظره اليه ويري وجهه الشاحب وشفتاه المفتوحتان قليلا وكأنه يحاول العثور علي أكسجين بالغرفة " رجعت تاني ليه مالك هنا كويسة حاجة حصلت أنطق "

بلع ريقه ليجفف حلقه وهو يجيب " أحلام هربت "

وقف سيف وهو يضرب مكتبه بقبضة يده صارخا " مستحييييل "

في القصر يقف أمام إحسان وهو يصيح " تهرب أزاي أنا مشغل بهايم يعني إيه تهرب من أوضتها وتطلع برة القصر كنتو فيييين الحراس كانو بيعملو إييييه وانتي ي إحسان فيييين"

أجابت إحسان بقلق " سيف باشا ال حصل ان انا طلعتلها الفطار مردتش تاكل وقالت أنها تعبانة إنهاردة وهتنام وطلبت محدش يزعجها وهتصحها براحتها , سبتها ساعتين وروحت أطمن عليها أشوفها صحيت ولا لاء ملقتهاش "

صراخ عاليا بوجهها وهو يشيح بيده في الهواء " ساااعتين ساعتين ي إحسان انا مش قايل متفضلش لوحدها عينكم عليها ليييه ي إحساان ليييه وانتو ي حم*ييير كنتو فين لما حصل كده "

أجاب رئيس الامن بثبات " سعتك كنا في مكانا محدش دخل ولا طلع ي فندم "

اردف بقلق " دورتوا كويس في القصر ي إحسان "

أجابت بخوف " أيوة ي فندم ملهاش أثر "

صاح هادرا " يعني الأرض أنشقت وبلعتها أزاي محدش خرج وهي مش قاعدة "

ذهب راكضا الي غرفة المراقبة ليراجع ما حفظته الكاميرات ليجد انه ما من أحد قد دخل القصر او خرج فعلا ,عقد حاجبية بصدمة ليدخل رمز سري يفتح به الكاميرات الخاصة بالغرف داخل القصر , وبدأ يراقبها بصمت فبعد أن خرجت إحسان وأغلقت الباب نهضت هي وخرجت خلسه علي أطراف أصابعها دون إصدار ضجيج تتلفت يمينا ويسارا الي أن دخلت غرفته وأغلقت الباب خلفها تتنهد بطمئنينة , اكملت السير الي غرفة تبديل ملابسه لتدخل داخلها وتختفي "

جحظ بعينه وهو يتمتم " مش معقول عرفت إزاي المكان ده , محدش يعرفه غيري وبابا الله يرحمه , طب كلمة السر جابتها منين "

تعلق قلبه ببصيص قليل من الامل الكاذب ليقول " أكيد مخرجتش يمكن مستخبية وسط الهدوم هي متعرفش المكان ده "

ركض الي غرفته سريعا يصعد الدرج بقوة ممسكا بالدرابزين داعيا ربه أن تكون مختبئة فقط إلي أن دخل , هدأت خطواته وهو يفتح باب غرفة ملابسه متفحصا المكان بصمت الي أن وصل لبذلاته القديمة , مد يده وزاحها جمعا الي جهة اليمين ليجد أن مخبأه تم أختراقه بواسطتها بل وهربت أيضا من الممر الأرض للقصر....

في صباح اليوم التالي ......
في بلدة ريفية من محافظة مختلفة بصعيد مصر تميز بالحقول الخضراء والأُناس الطيبون يردف سائق خمري اللون في نهاية الثلاثين من عمره لتلك التي لم تلاحظ أنه ينتظر نزولها منذ فترة وجيزه بصوت مرتفع " ي حجة في الكنبة ال ورا ده آخري "

أجابت بتوتر " تمم شكرا "

رفع حاجه بفضول وهو يسمع هذا الصوت الرقيق من خلف الرداء الحالك الذي يغطيها من رأسها لقدمها , نزلت بتوتر وهي تبحث عن أقرب من يمكن أن تسأله عن مكان للإقامة فهي قد أختارت أكثر المناطق ريفية حتي لا يستطيع إجادها , توجهت الي محل بقاله قريب من موقف السيارات لتجد صاحبه رجل مسن يرتدي نظارته وهو يراجع دفتره المتهالك لتردف بقلق " لو سمحت يحج الآقي فين شقق إيجار هنا "

رفع رأسه وهو ينظر لها بضيق " أنتي غريبة "

أجابت بتوتر " آه لاء يعني جيت أحضر فرح ووو "

أبتسم بسخريه وهو يحاول أن يستدرجها قائلا " لاه غريبه معندناش ولايا تدور علي شقق إجار طلاما جاية تحضر فرح لينا , ده هي ف البيت وصحاب البيت نفسه برة "

أجابت بقلق وهي ترحل " تمم شكرا "

هز رأسه بإستنكار وهو ينظر لها بسخريه ليقول " رب أسترها علي ولايانا تلاقيها عاملة عملة وهربانه من أهلها باين من صوتها "

أكملت أحلام طريقها وهي تتحاول أن تتفادي مخلفات المواشي التي تملأ البلدة كلها تسأل كل من تراه إلي أن دلها شاب في بداية عمره لم يكمل العشرون بعد يحمل فأسا بيده اليمني واليسري يمسك بها مقطف مصنوع من خصلات فروع النخيل به قوت يومه وماءه " لو سمحت مفيش أي حد عارض شقة بيت للإيجار هنا "

أجاب بصوته الرخيم وهو ينظر بعيدا يشاور بيده التي تحمل الفأس الي مكان أمتداد نظره " شايفة البيت ال هناك ده صاحبه عارضه للبيع بس مش عارف أتباع ولا لسة "

أردفت بأمل " طيب أسمه مين والآقيه فين معلش "

أجاب بأدب وهو يتحاشي النظر لعيناها " هتلاقيه علي القهوة ال ورانا هناك أسمه محمد سليم "

أجابت بنبرة صادقة " جزاك الله كل خير "

كانت علي وشك أن تهم مغادرة ليوقفها متسائلا " أنتي رايحة كده هناك لحالك "

أجابت وهي تحاول أن تخمن ما يقول " هروح أتفاهم معاه "

رد بصوت رخيم " أوقفي هنه عند البيت ده وأنا هروح أعيطله "

أ ردفت بحيره " تعيط ليه أنا زعلتك ف حاجة "

ضحك بقوة وهو يذهب تاركا عقلها الساذج يفكر فيما تجهله ....
عاد الشاب الصغير بعد دقائق ومعه رجل يرتدي جلباب كحلي اللون وعلي رأسه ما يسمي بالعِمة يأخذ شاربه مساحة كافيه في وجهه الأملس ليبدو في شكل محمود سامي البارودي الذي كانت تدرسه في اوقات دراستها الثانوية يبدو أنه سمين قليلا مثل معظم أهالي القرية هنا رغم عملهم الشاق لكن يبدوا أن خيرات الأرض المتاحة للجميع هي من فعلت بهم ذلك , أقترب منها وهو يجيب بأدب " تحت أمرك ي أختي "

لقد كان في منتصف الأربعين من عمره كيف تجرأ ان يخبرها بأنها أخته ياله من أحمق هي لازالت شابه لم تتجاوز الخامسة والعشرون ربيعا بعد لتردف بامل " لو سمحت الشاب الصغير قالي ان حضرتك عارض بيتك إيجار "

أجاب برفض " أنا مش هأجر هبيع علي طول ي أختي "

صمتت قليلا تفكر بقلة حيلة فمن أين ستأتي له بمبلغ البيع ليقاطعها بحماس " تعالي ي أختي أتفرجي عليه الأول قبل ما تحكمي "

هزت رأسها موافقة وهي تتبعه بخطوات حذرة من حفر الطريق المنتشرة بالمنطقة ......بعد لحظات وصلا أمام بيت قديم مبني بالطوب الأحمر ولكنه متهالك قليلا تسنده بيوت الجيران من حوله , فتح الباب الخشبي القديم وهو يقول لها " أتفضلي هو هيبان أنه قديم بس يعيش صدقيني ده المطبخ وده الحمام ودي اوضة النوم "

دخلت أحلام بحذر وهي تنظر للجدران الرثة التي تحمل الكثير من الأتربة وخيوط العناكب تملئ المكان هتفت بقلق قبل أن تتعمق أكثر بتفاصيل المنزل " بس أنا مش معايا أشتري ممكن معلش تأجرهولي لحد ما ربنا يفرجها "

قال بتفكير علي استحياء " لو عليا يأختي أدهولك ببلاش فداكي بس الحوجة معايا عيال بربيهم والإجار متعب أنتي معاكي جوزك أخوكي حد من اهلك "

قاطعته بقلق " لاء لوحدي بس متخفش أنا هديك كل أول شهر ولو قصرت يومين بالكتير أطردني "

أجاب بحرج واضح " بردو ده كلام ي أختي خلاص من أنهاردة البيت بيتك يست الستات "

دعبست قليلا في حقيبتها الصغيرة التي تحملها تحت زراعها لتخرج مبلغا نقديا وتقدمه له قائلة بقلق " دول كفاية ي حج محمود كمقدم "

هز رأسه رافضا وهو يحدقها بصدمة " لااه ي ست الستات ده كتير قوي أنا هاخد 500 بس أنتي شكلك بنت ناس متعرفيش البهدلة "

ردت بحزن " تشكر ي حج أنا بس محتاجة واحدة تنضف الشقة وهحاسبها زي ما تاخد "

أجاب بهدوء وهو يخرج بعد أن أخذ ماله " حاضر يست الستات هبعتلك واحدة خلال ساعة تجبلك عاليها واطيها " .........

أغلقت أحلام الباب بحذر خشية من أن يسقط منها أو يتأذى وهي تنظر للخلف متفحصة بدقة المكان , رفعت نقابها الذي أستعارته من أحدى المنتقبات فدائما ما يحملون واحدا اضافيا ، نظرت للشقة بحزن وهي تفكر من أين لها أن تبدء في الإصلاح وذلك لانها ستمكث طويلا الي ان تجد حلا ، تفحصت غرفة النوم لتجدها ضيفة جدا تكاد تسع سرير صغير ودولاب صغير أيضا ولا شئ آخر حتي انها لا تحتوي علي شرفة او نافذة تبدوا كالقبر بهذه الرائحة النتنة وكأنها لم تفتح منذ أمد الأمد كما ان الارض خاليه لا يوجد ما يسترها من بلاط او سراميك ، تنهدت بحزن وتعب " آه كمان الأرض مش كفاية الحيط دي هتحتاج شغل كتير "

تفحصت المطبخ لتجد شيئا تقليديا كانت قد رأته في كتب التاريخ يطهون عليه النساء القدماء الطعام لكنها لم تتذكر اسمه لترجع للوراء وترى باب صغير يغطيه توب متهالك لأحد النساء يبدو انها لن تنام لمدة اسوع كامل بعد رؤية هذا المكان المتهالك ..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي