البارت التاسع عشر

ذهبت أحلام الي مرحاض غرفتها كي تمحي أثر الحزن من علي وجهها , حاولت قدر المستطاع حبس دموعها وهي تجفف وجهها لتسمع ندائه المعتاد وتذهب اليه يائسة

مع دخولها الهادئ انقبض قلبه أثر الحزن البادي عليها رغم ابتسامتها الكاذبة ليعتدل في جلسته بألم دون أن يظهره , يقول لها مداعبا " تعالي أحكيلي شكل يارا عكت الدنيا زعلانه ليه "

أجابت بحرقة وهي علي وشك الأنهيار " سيف "

رد بأستغراب من حالتها " قلب سيف تعالي هنا بس مالك "

جلست جواره لتبدأ في البكاء من جديد , احتضنها بقلق وهو يقول " في ايه بتعيطي ليه "

ردت بشهقات متقطعة " مش عارفة حاسة اني مخنوقة "
أجابها بثبات " لو البت يارا قالت حاجة تزعلك قولي وأنا أبعت رجالتي يمسو عليها "

ابتعدت بضيق وهي تضربه بخفة في صدره ليتظاهر الألم " آه قلبي طب ليه الحق عليا اني مش عاوز حد يزعلك غيري "

اردفت بضيق " اه الحق عليك وبعدين انت رجالتك دول مش فاضين لغير أنهم يمسو ويسلمو علي كل الناس "

غمز لها وهو يتفحص طلتها " سيبك من ده كله إيه الحلاوة دي فستان ومكياج وبرفان لاااا أنا شكلي كده هغير من يارا "

تضجرت قليلا لتقول بأفأفة " أنا بحكي في إيه وانت في إيه أتلم بقا شوية وأحترم نفسك "

أجابها بخبث " لاء انا باد بوي بحب البعترة تعالي قربي شوية مش عارف اتكلم "

نهضت بضيق وهي تقول " انت الرصاصة فيك قليلة ي عديم التربية كل ما بطول هنا بفهم قد إيه انت مش محترم "
غمز لها مازحا " أخف ونتعلم التربية سوا " ...............

في مكان مختلف بلبنان تجلس يارا علي طاولة فخمة بمكان راقي وأمامها يجلس أسلام مبتسما قليلا لكي يهدء من حدة توتها البادي علي ملامحها ليقول مازحا " شكل المكان عجبك "

انتبهت لجملته لتخفض نظرها أرضا بعدما تفحصت كل ما حولها بدقة " فعلا حلو أوي مجتش هنا قبل كدة و الفكرة اني روحت اماكن كتير فخمة بس مكانتش بالرقي والهدوء ده "

أجاب هدوء " الظاهر ان ازواقنا متشابهة "

ردت بتوتر " ندخل في الموضوع "

ازاح عينه قليلا وهو يردف " آه طبعا اتفضلي"

اردفت قائلة " احلام اتغيرت "

رد بقلق " يعني ايه اتغيرت مالها حصلها حاجة "
اكملت مقاطعة جملته كي تبث الأطمئنان في قلبه " لاء هي كويسة انا قصدي ان تفكيرها وطريقتها و "

قاطعها بثبات " ده شئ طبيعي من الوضع ال هي فيه تتغير لكن ده تغير مؤقت لانك لما تروحي بعد كده هتعرفي انها لسة زي ما هي "

أجابته بتوتر أكثر " مش هينفع سيف هيرجع بيها مصر تاني "

ضرب بقبضته الطاولة غضبا مصدرا ضجيجا لفت نظر كل من حولهم ليقول بعصبية " يعني ايه يرجع بيها مصر هو فاكر ان كده بيهرب بيها مني ده لو راح بيها جهنم هجيبها من عينك ي سيف الجبلاوي وهرجعها لحضننا "

اردفت يارا بتوسل وهي تشير له " أرجوك ي أسلام أهدي شوية الناس بتتفرج علينا "

نظر حوله بضيق ليري أعين الجميع المتوجهه نحوة ليهدأ قليلا وهو يحدثها " وبعدين "

فكرت قليلا هل تخبره بالحقيقة ان تلك البلهاء تحبه سيجن حتما ولكن ما باليد حيلة لتردف بهدوء كاذب " هقولك حاجة بس أرجوك متتعصبش "

أخذ نفسا طويلا ليزفره بهدوء وهو يقول " قولي متقلقيش مش هتعصب يلا أجلطيني "

تنهدت بحزن قائلة " أحلام بتحبه للأسف "

حدق فيها طويلا قبل ان تصدر منه ضحكات عالية ملأت المكان , لتضع كفيها علي وجهها مما هو قادم

أمال جسده قليلا للأمام وضحكاته تهدأ ليمد يده ويزيح كفيها قائلا " أحلام إيه ههههه بتحب ال خاطفها ومطلع عين ال جابوها , إيه جو الروايات ده قولي كلام يتصدق ي يارا مكنش شهر ال يعمل كل ده "

أجابته بهدوء " غلطان ي أسلام احلام مع سيف من عشرين سنه وهي بتحبه من وهي صغيرة ومش معنا انهم بعدو يبقي ينسوا "

رد بعصبية " في فرق بين ينسوا وبين أنهم يكملوا حياتهم واحلام كملت حياتها وأدت فرصة تاني لنفسها وأتعلقت بشخص غيره "

أردفت بضيق " متجبش سيرته يوسف ده كان مجرد سد خانة انت عارف أحلام مرت بإيه لما بعدت عن سيف وعلي إيدك كان العلاج النفسي خد قد إيه وقت عشان ترجع طبيعية مش زي ماكانت , مكنش في قدامها غير أنها تدور علي شخص جديد تحط فيه ال هي محتجاه وهي فاكرة انها بتحبه لكن هي بتعوض ال ناقصها "

أجاب بصوت يشبه الفحيح " عارفة أحلام ناقصها إيه "

ردت بخوف وهي ترى أحمرار وجهه " حب "

ضرب الطاولة مرة أخري بعصبية " ربااااية ناقصها رباية "

أردفت بقلق " أطلبلك لمون ي أسلام "

صدر صوت ساخر من خلفها " ليه معجبتهوش , وعملالي فيها الخضرة الشريفة وأنتي بتدوري علي حل شعرك ي بنت الحرام "
وقفت فزعة علي أثر ذلك الصوت الذي تحفظه جيدا لتدير نظرها له وهي تصيح بغضب " احترم نفسك أنا أشرف من "

لم تكمل جملتها لينقض عليه أسلام وهو يلكمه بقوة " مفيش غيرك أبن حرام هنا "

تبادل الطرفان القتال ولكن في النهاية أصبح الشخص المجهول مدافعا عن نفسه لا مقاتلا ليفض الاشتباك رجال الأمن وهم يمسكون الطرفان ويبعدوهما عن بعضهم بقوة , ذئر أسلام عاليا " سبووني , انتو متعرفوش انا مين أنا الرائد أسلام القرني أل هيقرب هوديه ف داهية "

ابتعدوا رجال الأمن عنه معتذرين ليخطو أسلام بغضب تجاه ذلك الغريب المرتعب , تقدمت يارا مسرعة وهي تقف أمامه بدموع " كفاية لحد كدة عشان خاطري هتودي نفسك ف داهية عشان كلب ميستهلش "

رد بسخرية " ده انا اوديه ورا الشمس ومحدش يعرفله سكة "


علت صافرات الإنذار المكان ليظهر الخوف علي ملامح الغريب وهو يقول " أنا متأسف ي بيه مكنتش أعرف أنها مع حد مهم زي حضرتك "

أجابه أسلام بسخرية " لا ي روح أمك هتشرفنا ف الحجز عشان نعرفك ونعلمك قد إيه هي مهمة بالنسبالي "

أًردف بخوف وهو يقول برجاء حقيقي " لاء ي باشا عشان خاطرها سامحني مش ههوب نحيتها تاني ي باشا , طب عارف ي باشا انها بتمثل عليك وبتلعب بيك دي "

ضربه أسلام بقوة في معدته ليسقط أرضا يسعل الدماء من فمه , " خدوه علي الحجز "

اقترب رجال الشرطة منه وحملوه معا الي سيارة الشرطة وانطلقوا به لطريقهم المعتاد

في الخارج أمام الفندق تقف يارا مضطربه وهي تراه يحدث شخصا علي هاتفه ولكن بعيدا عنها كي لا تسمعه , علمت في داخلها أنه يحبث عن ماضيها الذي لطالما حاولت التبرر منه دون جدوي , أقترب منها بعد أن أنهى مكالمته " يلا عشان أوصلك "

أجابته باقتضاب " هركب تكس متشلش هم "

نظر لها بعصبية لتنصاع لأوامره دون نبث كلمة أخري , صعدت السيارة بجواره لينطلق سريعا الي منزلها , لم يتبادلا أطراف الحديث كالعادة كان السكوت من يعم المكان الي ان وصل الي العمارة التي تقطن بها وقف بهدوء أسفلها وهو محدق أمامه بثبات

تنهدت يارا لتنزل من سيارته ودارت له كي تشكره لكن مد يده بعصبية وأغلق الباب وانطلق بعيدا عنها ................
في القصر تقضم أحلام الجزرة وهي تقول بفم ممتلئ " سيف أنت حجزت علي الساعة كام أنهاردة "

أجابها بأبتسامة " وقت ما تحبي نتحرك "

رفعت حاجبها بأستنكار " ليه مدير شركة الطيران "

رد بضحك " لاء بس معايا طيارة وتصريح سفر بالوقت ال عاوزه "

أردفت بزهول " ياخي تبا للرفاهية "

ضحك بغرور وهو يكمل " آه وباخرة كمان "

ضحكت بقوة وهي تجيبه " ده انت عريس لقطة يمكن لو كنت جيت اتقدمت بالزوق مكنتش أعترضت "

نظر لها للحظات ليقول بصوت يقارب صوتها المزعج وهي غاضبة " انا عمري ما هتجوز واحد أناني زيك أنا بكرهك موتك هيكون علي أيدي ي سيف "

تضايقت من تقليده لها ولكن أردفت بهدوء " بعد الشر متقولش كده "

تنهد بسعادة ليقول " أخف بس وأحاسبك علي الحنية دي أصل انا مش بحب حاجة تفضل عليا "

ضربته بخفة علي جرحه ليؤلمه قليلا " آه ي قادرة ي مفترية "

اردفت بلؤم " هو انا هخليك تخف أصلا دي البداية ي سيف هطلع فيك كل ال عملته فيا "

أبتسم بهيام وهو يجيب وعينه تومض ببريق جذاب " وأنا موافق ي قلب سيف "................................

في قسم النيابة يجلس علي مكتبه ينتظر بفارغ الصبر ما طلبه منذ ساعة الي ان سمع طرقات الباب ليعلو صوته آمرا " ادخل "

دخل شاب في نهاية العشرين من عمره صاحب بشرة بيضاء وعينين زرقاوتين طويل القامة وجسد ممتلئ قليلا , يتدلي شعره الأشقر علي جبهته ليصل الي حاجيبة , اردف بسعادة " الملف ي عسل شكلك وقعت بس في دي "

أختطف أسلام الملف من يده بقوة وهو يقول " اتفضل برة محتاج اقعد لوحدي شوية مش عاوز حد يزعجني "

أردف الشاب متفهما " تمم بس ابقا قولي وصلت لإيه ولو أحتجت اي مساعدة أخوك موجود "

خرج الشاب بهدوء مغلقا الباب خلفه , عاد اسلام لكرسيه وبدء في التقليب بين صفحات ذلك الملف بترقب وتلهف " يارا يارا يارا لما نشوف بقا إيه حكايتك "

في البداية لم تصدمه المعلومات التي تذكر بلملف لأنه يعلمها عن ظهر قلب ( بدأت حكايتها منذ كانت طفلة صاحبة سنة ونصف وجدت أمام باب الدار في علبه كرتون صغيره تصرخ من الجوع وشده الحرارة فقد كان الطقس حار آنذاك بمصر امام دار الرحمة بالقاهرة , التقطتها مديرة الدار بحزن بعد أن أخبرها أحد الصغار بوجود صغيرة تبكي أمام الباب ومن هنا بدأت القصة أنتقلت من بين دار لآخر حصلت علي أسماء مختلفة مع كل مكان جديد تقطنه لكن هذا لم يعيبها أو يقلل من طموحها , أكملت دراستها الي أن وصلت الي الجامعة لتدخل كلية أعلام وتتخرج منها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف لقد كانت الثالثة علي أبناء دفعتها , كان الحظ يحالفها لتبدء بأستلام وظيفتها كصحفية متفوقة تنقلت من قناة لاخري ومن بلد لأخري أيضا حصلت علي الدكتوراه بأمريكا لتنتقل منذ خمسة أعوام الي لبنان وتستقر بها , أحبت الموسيقي والشعر وتذهب من فترة لاخري الي الملاجئ تلقي بعض الدروس التعليمية للفتيات المراهقات وكذلك تمدهم بالمؤن اللازمة , تزوجت منذ سنتين )

لفتت تلك الجملة تركيزه ليعتدل في جلسته ويكمل " ومن ثم تطلقت "

ليقف مزهولا " يعني إييييه مطلقة "

في القصر .....................

يقف سيف امام مرآته وأثنين من الخادمات حوله " خلاص انتو هتفضلو لازقين كده "

لتنطق أحداهما بدموع " انت هتتأخر ي أبيه "

رد سيف مبتسما وهو ينظر لها بحنان " لاء ي اميمة مش هتأخر ولو حصلت حاجة هبعت أجبكم عندي متقلقيش انتي بس ركزي في دراستك "

مسحت دموعها لتربت عليها الأخري وهي تقول بحزن " تروح وتجي بالسلامة ي باشا "

أجابها وهو يخرج ببطئ " الله يسلمك خلو بالكم من بعض هبقا اطمن عليكم ولو أحتاجتوا أي حاجة كلموني "


وصل أخيرا لمكان مكوثها منذ بداية اليوم ليجدها تعد الساندوتشات التي تملئ الطاولة أمامها " أتنين وخمسين تلاتة وخمسين أربعة "

أردف في زهول غير مصدقا " أحلام بتعملي إيه "

ردت بعفوية " بجهز ساندوتشات السفر "

أقترب وهو يمسك واحدا " كل ده لمين بعدين هي كلها ساعتين زمن ونوصل مش مستاهلة الكمية دي يشيخة ده أحنا لو رايحين المريخ مش هناخد كل الساندوتشات دي "

أجابته بتبرم طفولي وهي تزم شفتيها بضيق " في إيه ي سيف أنت هتعد عليا اللقمة كمان ولا إيه "

ضحك بقوة وهو يقول " لاء مش ههههه قصدي بس فكرتيني بواحدة زمان كنا بنبوس رجلها عشان تاكل وجبة اليوم أنا نفسي أعرف الأكل ده كله يبروح فين "

أشاحت يدها بالهواء ضجرا " يووووه ي سيف ياخي أفترض ان الطيارا وقعت بينا ف مكان بري ميبقاش معانا أكل يكفينا لحد ما يلاقونا بعدين انا بجوع "

أردف بأبتسامة " تبقا أحلي وقعة وأستفرد بيكي هناك ووو , بقلك إيه انا جعان هاتي ساندوتش بوسه بالكاتشب "

ردت بصياح " فكرتني الكاتشب أوعي كده خليني أجيبه هو والعصير ".....................

ركبت معه طائرة من نوع خاص ( هليكوبتر ) وضعت حزام الأمان وأرتدت السماعات الخاصة بالطائرة لينظر لها سيف مبتسما بعدما بدأت مروحية الطائرة في التحرك " مستعدة "

هزت رأسها رفضا وهي تمسك زراعه ليأمر الكابتن بالأقلاع , كان الوضع في بدايته صعبا ولكن حالما وصلو الي أحضان السماء أستقرت الطائرة وهدء كل ما حولها " ال يشوف حالتك يقول أول مرة تركبي طيارة "

أجابته بشرود " لاء بس بعد لما سافرنا من مصر لروسيا بالطيارة جاتني فوبيا منها وأنا ومعاك نسيت أن عندي فوبيا وأفتكرت لما شفتها بس "

رد مبتسما " بس لما كنت جنبك الفوبيا خافت وجريت مش كده "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي