22

أصوات صراخ متألمة، تجتاح تلك الغرفة البيضاء التي تتسم بطابع نظيف مغاير عن طابع غرف التعذيب الاعتيادية، يتوسطها كرسي حديد صلب فضي يملأه جسد ببشرة شاحبة جافة ، و عينان متزعزعتان ترجوان الرحمة، و فم جاف بلون اسود، يلهث صاحبهما بسرعة ليهبط جسده و يعلو مرة تلو أخرى، فيرتجف بدنه عند سماعه لذلك الصوت الذي حطم كبريائه

" إذا كيف كان ذلك، هل تسمتع بالأمر، لكن لتعلم هذه الجرعة الثانية محسنة من الجرعة الأولى بمقدار واحد من عشرة في المية، لكن انظر للفرق بينها و بين الأولى الألم أضعاف أليس كذلك"

ليرسم إبتسامة شيطانية تغطي ملامحه الوسيمة و يرجع شعره الي الخلف فيرفع ذقن الرجل ليبدو وجه دانتي في مرمى أعين الرجل ثم يردف دانتي بنفس نبرته المخيفة تلك

" هل نكمل بالكبسولة الثالثة ام ان لك رأي آخر "

تنحدر دموع الرجل من عينيه التي اتسعتا بمجرد سماع الكبسولة الثالثة فتتسع حافة شفة دانتي بخبث و يلتفت للخلف من ثم يرمي عينيه علي تلك الطاولة الملتصقة بالجدار، و بها الكثير من المعدات الجراحية فيقول

" جايكوب ما رأيك أن تلعب انت، الا تحب التشريح لقد سمعت انك أخذت شهادة في الطب الجنائي ما رأيك في تشريح جثة حية"

فيبتسم جايكوب مبادلا دانتي فيقول الرجل بصوت متزعزع يأيس" ارجوك اقتلني فقط، هذا يكفي يكفي يكفي رجاءا"

ليضحك دانتي بسخرية و يقول " كيف تتمنى الموت و انت لم تعطينا ما نريد، هل تمزح معي، ثلاث ايام و انت تعاند،. و اعتقد بأن عزابك سوف يستمر كل يوم بطريقة مختلفة عليك الإستسلام لكي تستريح، أو ستكون فأر تجاربي فأنا احتاج واحد لمعرفة نتائج كل الكبسولات التي اخترتها سابقا"

فتتغير نبرته لحادة و يردف" ساجعلك تتمني الموت في كل لحظة أعدك بهذا"

يقترب جايكوب من الرجل الذي قيد في الكرسي لثلاث ايام فيجلس على قدميه و يصل لمستواه من ثم يقول" ارح نفسك و قل ما تريده فهو حقا لا يمزح و يحقق ما قاله من دون أي تزحزح انه متحوش حقا، و انا لست أقل منه، فهو يعذبك داخليا اما انا احب رؤية الدماء و انت تعلم ما يعني هذا"

ترتجف أوصال الرجل المقيدة في الكرسي فهؤلاء قد وصلو مرحلة ابعد من الجنون كيف سيتخلص منهما و هو هنا،. كيف سيقاوم كمية الألم الذي داهمه كل تلك الأيام كان يحس علي مدار الوقت بألم كأن عظامه تطحن و جلده ينزع من لحمه، لم يكن الألم متواصل فإذا كان متواصل سيفقد الشخص الاحساس بالألم بل كان متقطع بإنتظام، فبمجرد أن ينسى عقله نقطة الألم يعود مرة أخرى بصورة اقسي، و ليس الألم وحده ما يدمر عقله بل هنالك هلوسات تصيبه بمجرد انقطاع الألم ليتناوبا علي احتكاره و مرافقته بإخلاص من دون أن يكلا

فيهعلع الرجل بصورة مفاجئة و تبرز عيناه كأنهما ستخرجان من مكانهما و يقول بصوت صارخ


" انه وقتها انها آتية ارجوكم انقذوني، لا أريدهم أن يلتهم ني ارجوكم أبعدوهم عني، انهم ينهشون جسدي ببطء و يلتهمون كل لحمي الي أن يصلوا الي العظم ارجوكم أن هذا مؤلم، انظرو انهم قادمون، لااا ابتعدو، لا تغتربو مني"

فينهي كلامه و هو يشير الي الفراغ فينظر جايكوب الي ما أشار لكنه لم يجد شيء فيحدث دانتي مجيبا علي تسائله الذي بدر علي رأسه


" انها الهلوسات جزء من انواع تعزيبي "

لتصدح صرخة الغرفة، و بعض من أصوات ضرب الرجل للكرسي محاولا فك قيوده بصورة جنونية ليتحدث بنبرة مرتجفة جنونية

" ما كان علي القبول بمثل هذه المهمة، لو كنت رفضت ما كان سيكون وضعي هكذا،. لقد خدعتني مايكل قلت ان المهمة سهلة سأدع لك بالجحيم ، انا لا اريد ان اعيش اقتلوني قلت لكم اقتلوني"

ليقترب دانتي و يقول " من هو مايكل أخبرني"


لكن الرجل لم يكن يعي كلام دانتي فقد كان يتحدث بهستيريا و يشتم و يلعن اسم مايكل لينهي كلامه قبل أن يسقط بأعين ميته

" فلتسقط في الجحيم انت و منظمة الكشافين "

يلقي دانتي نظرة متفحصة على جسد الرجل فيقول متنهدا

" لقد مات"

تتوقف شفتيه عن الكلام، لتدخل نتاشا بحلة رسمية سوداء و شعر مربوط زيل حصان و تقول

" كيف كان الأمر"

يزفر دانتي رافع شعره للخلف و يقول
" لقد مات و لم نتلقى منه شيء غير شيئين، أنه قد لعن شخص يسمى مايكل اعتقد هو الذي أمره بالمهمة، و منظمة الكشافين "

لتقول نتاشا " هكذا إذا"

ليتحدث جايكوب متسائلا " هل قد استنتجت شيء"

فتهمهم نتاشا و تقول" ليس بالأمر المهم سنعرف من خلال التحقيقات"


تلاعب نسمات الريح تلك الستائر ذات اللون الزهري الهاديء، فتجول بعطر الطبيعة البهي حول تلك الغرفة ذات الطابع الطفولي و الألوان ذات الاطلالة البناتية الرقيقة، فيطغى علي ذلك الجانب الطفولي تلك المكتبة الجميلة بالخشب الأبيض الناصع و نقوش ذهبية متمايلة علي رفوفها فتتزين رفوفها بتلك الكتب ذات الترتيب الأبجدي و التصنيف العلمي في حي بمدى ذكاء قارئها و بجانبها ذاك المكتب الصغير المتماشي مع ألوان المكتبة و نقوشها الذي يناسب طول خمسين سنتيمتر يحتل مساحة جانبية من الغرفة بالغرب من النافذة التي تعيد النشاط و الحيوية عند الاستغراق في التركيز.

ليخرج جسد صغير من إحد الابواب الذي يرافق هذه الغرفة الكبيرة ليبدو لنا من شكل صاحبة الغرفة المبتل و زي الإستحمام الذي يحيطها أن ذلك الباب مدخل للحمام، تمشي بخطوات صغيرة نحو سريرها الكبير الذي لا يناسب حجمها بينما قطرات الماء تتساقط بإهمال علي الارض من شعرها الذي لم تتعب نفسها عناء تجفيفه، لتخرج به مبتل من دون أن تهتم إذا كان ذلك سيصيبها بذكام أو لا، ترتفع عينيها متوقفة ناحية باب غرفتها الذي طرق لينفتح الباب من دون أن تأذن لذلك الشخص بالدخول ليدخل.

تتكون صورة هادئة علي ملامحها عند رؤيتها لتلك الشخصية ذات الطابع الانثوي القوي و الهالة القوية الناجحة التي دخلت غرفتها من دون اذنها فتفكر أوري بإنزعاج ( هل لأن هذا قصرها تدخل قبل أن اسمح لها بالدخول، ثم ما الذي تريده) تخرج تنهيدة داخلية و تكمل مناقصة لافكارها السابقة ( و لما انا لئيمة هكذا معها، الا أبدو كجاحة لكل هذه النعمة التي تحيطني فهي بفضلها).


تكسر نتاشا ذلك الصمت الذي أحاط غرفة أوري التي لم تبدي اية رد فعل عند دخولها

" كيف حالك أوري، خل انتِ بخير"

تومأ لها أوري و تقول بنبرة هادئة " بخير الحمد لله"

فتتجه نتاشا تحت نظرات أوري الهادئة نحو خزانتها لتتسائل ما الذي تريده لتتجه نحوها، تفتح نتاشا خزانة أوري لتبحث عن ضالتها من دون أن تنبث ببنت شفه عما تريده، لتخرج نتاشا تنهيدة راحة و هي تخرج منشفة وردية تقترب بها من اوري و تنحني نحوها من ثم تحملها و تتجه نحو السرير فتضع أوري عليه، و من بعدها تقوم بمسح شعر أوري و تجفيفه بإبتسامة لطيفة موجهة لاوري، لتواجه أوري ذلك الأمر و تردخ من دون أن تنبث لشيء أو تعترض في هي الآن في حالة تشتت أفكار بسبب ما تفعله نتاشا فهي لطيفة و جميلة و ذكية و تعامل أوري كأختها الصغيرة فتتسائل أوري ( لماذا لا استطيع ان احبها، هل انا سيئة، بل أنا حقت سيئة)


تظهر علامات العبوس علي وجه أوري فتقول نتاشا بشيء من السوء

" هل ازعجك ما أفعله،. انا اسفة كنت متحمسة عندما رأيتك مبتلة و لم اخذ اذنك، فقد أردت أن اجرب شعور الاعتناء بأوري الجميلة فدائما رايز ما يتفاخر بهذا"

اومأت أوري بالنفي بعد أن سمعت كلمات نتاشا ذات النبرة اللطيفة المنكسرة لتغكر أوري ( هي تبدو طيبة يجب علي أن اعطيها فرصة)

لم تجب أوري نتاشا بشيء فقط هدوئها يسود علي المكان، كانت نتاشا تريد أن تكسر ذلك الحاجز الذي بنته أوري، تريد أن تجعل نفسها مقربة من اوري مثل رايز و سام، بل هي تجاهلت مرحلة رايز فهي مرحلة صعبة المنال لتفكر فقط أن عليها أن تصبح فقط كسام بالنسبة لها، لتكسر نتاشا حاجز الصمت بعد أخذت وقت من التفكير لتقول و هي تجلس بجانب أوري

" هل لديك، اي متطلعات في جدولك اليوم"

فتجيبها أوري بلا

لنردف نتاشا بنبرة متسائلة قلقة " إذا هل يمكنك الخروج معي اليوم"

تظهر قليلا من ملامح الحيرة علي وجه أوري فتقول متسائلة " الي أين"

لتحيبها نتاشا " اريد الذهاب الي مركز الرعاية، هنالك بعض الأطفال اريد زيارتهم هل بإمكانك أن ترافقيني"

فتستغرق أوري وقتا في التفكير لتردف نتاشا
" أعدك بأنك ستستمتعين و إذا لم يحدث سأعطيك اي شيء تريدينه ما رأيك"


تنظر أوري إليها بنظرة مبهمة، تجعل من نتاشا قلقة فتتغير ملامح أوري الي ابتسامة لطيفة تفاجئ بها نتاشا و تقول

" لا أمانع ".


في إحدى الغرف المكتبية ذات الطابع العملي، تتبعثر حولها الأوراق و بعض الملفات و الأدوات المكتبية يقف في وسطها ذلك الشخص الطويل ذو الشعر الطويل المنسدل علي كتفه بإمرات غضب و انزعاج علي وجهه، ليرمي تلك المزهرية التي بقربه علي الحائط لتتجزء لقطع صغيرة يصر أسنانه بقوة ليقول بحنق

" كيف له أن يفشل بفعل أمر صغير كهذا"

يضرب الطاولة التي يسند نفسه عليها بقبضته بقوة ثم يقول

" الل*نة، الل* نة، اتمنى لو يمت"

يرجع شعره الذي تبعثر علي وجهه بغض ثم يقوم ببعثرة الأشياء التي كانت علي طاولة مكتبه فيحدث نفسه مفكرا

( لقد كانت خطة جيدة، استهلكت من الكثير كيف لهذا الو*د أن يفشل بهذه السهولة أليس قادرا علي اختطاف فتاة بعمر الخامسة، خدعة ذلك الأحمق آدم حتى لكي احصل علي تلك الفتاة، كان إقناعه صعبا رغم عقله الصغير هذا، علي أخبار مارتن بأن الخطة فشلت لكي تكتمل خطتنا الأصلية مع الكشافين علي الحصول على تلك الفتاة إذا حصلنا عليها فيمكننا التحكم بالناس بقوة شفائها كم نستطيع تصنيع العقاقير التي ستمولنا سينصنع غدا جميل بعد الإستفادة من كل قطرة دم في جسدها، و بما انها تشفي كل شيء، فيمكن أن يكون هنالك قوة أخري تحيط بها غير قوة الشفاء لربما يمكن أن يكون لدى خلاياها قوة الحياة، يمكننا من خلالها تطوير مكان صالح للعيش غير منطقة الملف Z التي لا تتسع الا للتقليل، اريد ان اعرف ما كينونتها اريد ان ادرسها، حقا أصبحت شغوفا لمعرفة ما هي، هي من سترفعني نحو السلطة، لذلك يجب علي أن احتكرها لنفسي فقط، لا يجب لآدم أن يحصل عليها، فالسلطة و العالم سيكون لي وحدي انتظرو فقط)

ابتسمة ابتسامة خبيثة إزالة كل معالم الهدوء و الحكمة التي كانت تسيطر علي وجهه ليبدو كشرير مجنون بعد أن بنى أفكاره علي احلام خالها عظيمة، تتجه نحو سلطة وهمية قد تكون.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي