26

لن يظل الليل و لا النهار و لا حتى فصل الربيع الجميل الذي نتمنى مجيئة و نتمنى عدم رحوله، و لن يظل الشتاء القارص الذي نتمنى رحوله بسرعة، هكذا هو الوقت لن يتوقف علي أحد سواء كان ذلك علي وجوده أو عدمه.

استمر الوقت بالتسرب رويدا رويدا، بدوام مستقر يمضي بدون شعور احد عليه إلا أولئك الذين يترقبون موعدا محددا لهم فيه.

كذلك كان حال رايز الذي كان يمضي الوقت عنده بسرعة ليومه المنشود الذي سينطلق به نحو مستقبل جديد، كانت الايام الماضية تمضي بوتيرة بعضها كان هادئا و بعضها مثيرا، لكنه كان يستمتع به، و يقضي معظم أوقاته مع صغيرته ليسد خانت الايام التي سيبتعد عنها و لن يكون بجوارها، لكن خانه الوقت فقد مضى كالبرق و هاهو قد تبقت له بضع ساعات من اليوم ليغادر غدا في الصباح الباكر.

استند علي جذعه و هو يرفق أوري بنظرات مستمتعة لما تفعل بجسدها الضئيل ذاك فيردف قائل

" اتمنى بعد عودتي أن أجد طولك قد ازداد و لو سنتمتر واحد"

ترمقه أوري بنظرات مستفهمة لما يقول فقد كان صوته أقرب للهمس، لكنه يبتسم لها بلطف لينسيها ما قال، فتكمل أوري ما كانت تفعله و هي تقوم بترتيب حاجيات أخيها الذي كتف يديه فما باليد حيلة في نظره فهي قررت فعل ذلك و عليه أن يستمع لها.

تتوجه أوري بخطوات طفولية نحو طاولة متواجد فيها صندوق ذو حجم كبير بالنسبة لها، تحمله و هي تمشي بوتيرة ثابته متجنبة ما في طريقها رغم ان ذلك الصندوق يخفي نقطة رؤيتها فيردف رايز

" يبدو أنك أصبحت متمرسة في استخدام التطور الجديد"

فتضع الصندوق أرضا فتظهر ابتسامتها و مقلتي عينيها ذوات اللون الازرق الرمادي مشعات كضوء القمر الساطع في وسط السماء، فتقول من وسط ابتسامتها

" ليس تطور عيناي فقط، فقد أصبح هنالك تطور بدني أيضا الا تنظر كيف احمل هذا الصندوق بخفة "

ليبتسم رايز بوجه متسائل " أليس فارغا"

لتقهقه أوري و تومأ بالنفي، فتخرج من ذلك الصندوق بضع أغراض و تضعها أمامه فيقول رايز بإندهاش

" حقا لم تكوني تمزحين"

فتقوم أوري بنفخ خديها بشكل عابس و تقول" و ماذا تخال "

فيضحك رايز علي تعبير وجهها فتتجاهله لمعرفتها انه يضحك علي تعابيرها فتقول " انظر ماذا أحضرت لك، هذه مجموعة قنابل تشل حركة الجسم، هي قريبة لتركيبه باريلسيس وان، لكنها محسنة الشكل و التركيب، تركيبها يأخذ وقت قصير ليظهر المفعول و وقت أطول في تأثيره علي الفرد "

فيقوم رايز بحمل تلك العبوة الدائرية الصلبة التي تشبه القنبلة اليدوية فيقول رايز بوجه سعيد مع ابتسامة واسعة

" اني متشوق لتجربتها "

فتبتسم أوري و تقول" ليس الآن وقت الحماس فلم انتهي بعد "

فيجلس رايز مركزا و مستمتعا فيما تقوله فيشده الحماس و التشويق في كل مرة تخرج شيء تريه اياه.

تشرق الشمس بلونها الجزاب الذي تعانقه الغيوم التي من المفترض أن تقادر مع رفيقاتها لكن يبدو أنها أحبت البقاء برفقة الشمس لبضع الوقت لتكتسب بعض الحجم الأكبر بتبخير رفيقتهم للماء فيصعد و ينضم للغيمتين.

خطوات جري متعثرة بعضها و بعضها معتدلة بعض الشيء ينتشر صوت بكاء صاحبها في أرجاء القصر قبل خروجه من باب القصر بصرخة مدوية توقف صاحب النداء

" باابااا"

فيلتفت رايز عند سماع صوت صغيرته الباكي فيدلف إليها بخطوات راكضة فيستقر متقرفصا أمامها لتسقط في أحضانه فيقول بصوت متحشرج

" لقد خلت بأني لن أراك، لماذا رفضتي الخروج و لتوديعي سابقا"

تتساقط دموعه التي كان يمسكها منذ وقت طويل فتقول له و هي تدفعه بعد أن خيل لها انها اكتفت من عناقه لكن هذا مستحيل فكيف للشخص أن يكتفي من دفئ و حنان أسرته فتلتفت الي الخلف متجنبتا رؤية وجهه و تقول بنبرة باكية

" الان عليك الذهاب بسرعة قبل أن أغير رأي فإذا التفت فلن ادعك تذهب لذا غادر بسرعة و عد إلي بسرعة سأبدأ العد الان لا يجب أن أراك عندما انتهي"

فيقف ماسحا دموعه التي خانته و يقول مع ابتسامة بصوت هادئ حنون " أعدك بأني سأعود احبك صغيرتي أوري"

فتبدأ أوري العد التنازلي من عشرة و هي تتمني أن يظل و لكن آن لامنيتها أن تتحقق، لتنتهي عند الواحد و تلتفت متمنية رؤيته واقف لم يتحرك، لكن خاب ظنها فتسقط أرضا و تقول من وسط بكائها

" و انا ايضا احبك كثيرا بابا"

مضى شهر منذ مغادرة رايز و جيشه للمكان و قد بدأت الأحداث تدور بوتيرة سريعة في مختلف الانحاء و من دون عناء فالقطاع الأول الذي صادفهم قد سلم من دون أي قتل أو دمار فقد اتحد اغلب الأثرياء الذين فيه مع نتاشا و كونو قوة واحدة معها فأصبح القطاعين كقطاع واحد تمشي و تمارس فيه نفس القوانين و يدب فيه الأمن، فقد نشرة نتاشا مجموعة من الفرق المتمركزة في مختلف القوانين يمارسون عمل حماية الشعب و القبض علي من ينتهك القوانين و أما بالنسبة لمشاكل الغذاء و الفقر قد حلت بإنشاء بعض المشاريع الزراعية و الصناعية التي تساعد علي تنمية الاقتصاد و كان اغلب ما حدث بمساعدة الاثرياء  لتبدأ نتاشا مخطط ببناء مركز جديد في القطاع الآخر بسبب الاكتظاظ الذي حل في قطاعهم.

اما بالنسبة لباقي الاثرياء الذين رفضو الاتحاد مع نتاشا، بعضهم غادر لبعض القطاعات الأخرى التي يمارسون فيها مسائلهم الغير قانونية براحتهم و البعض الآخر قد قرر البقاء بسبب الأمن و انهم قد اتخذو خطوة ذكية بعد رؤية النشاط الاقتصادي الذي قد يستفيدو منه.

و بالنسبة لرايز باتت خطواتهم تصبح أعمق نحو الخطر هو الآن يمضي بخط دائري حول قطاع ريكا ، اي بمعنى أنه يخطط لإنشاء خط دفاع دائري حول قطاع ريكا مما يزيد فرص نجات ريكا إذا هوجمت تبقى في خط الدفاع القطاع الثالث عشر و هو أوج الخطر الان، الذي يقبع غرب ريكا فقد انطلق رايز من الشرق متجها نحو الغرب مستقلا خط القطار لتوصيلهم.

في مكان يبدو كبيت عريق بسبب محتويات الغرفة التي يتواجدون فيها من اساس يبدو كأنه من العصور القديمة التي يسبق التقدم التكنولوجي تتواجد تلك السجادة الصوفية التي قد صنعت من فرو احد الحيونات الضخمة مستوية علي الارض الرخامية في وسط الغرفة بين اريكتين جلديتين باللون الأسود يتكأ علي أحدهما رجل ضخم الجثة مترهل الكرش بشارب ابيض و خدين ممتلئين و رأس كاد أن يكون اصلع مقابله صاحب الشعر البني الطويل الذي يتدلي بضفيرة علي كتفه يحمل على وجهه ملامح باردة و بنظرة قاتلة يرمق بها رفيقه الذي يقابله، فكيف له أن يتحمل هذا البدن المنتفخ الذي أمامه الذي يخرج كمية التراهات من فمه المتعفن بصورة وقحة تشبهه.

يتحدث صاحب الجسد المنتفخ و هو يحمل في يده كأس من الخمر يحركه و هو ينظر لرفيقه

" إذا مايكل أخبرني ما هو التقرير الحصري و التجريبي لتجربتنا و خطتنا الجديدة"

يتحدث مايكل و هو يرمقه بنظرته الحادة " لقد تم التأكد من نجاح التجربة H.L ، و وجد أن مفعولها مدمر و سريع الانتشار يحقق مطالبنا بالظبط من دون أي دليل، الخطة ستبدأ من القطاعات الهامشية الفقيرة سيكون هذا أفضل لنبعد الشكوك "

فيضحك الرجل المنتفخ فيقول" عبقري حقا، لكن لا يجب أن اشيد عليك الان فبعد أن تكتمل الخطة ساشيد عليك أكثر، كما وعدتك سابقا فقط دعنا نمسك السلطة بأيدينا و ستكون يدي اليمنى حينها كما وعدتك "

تخرج ضحكة ساخرة من فم مايكل فينظر له الرجل بمقت فيقول" اتعلم رغم السوء الذي عليك و تصرفاتك القبيحة فأنا ابقيك بجانبي فقط بسبب ذكائك كم انت حثالة في نظري "

يحرك مايكل مقلتيه متململا من ثم يظهر ابتسامة ساخرة و نظرة محتقرة تجاه الرجل لينهض خارجا من أمام الرجل.

يشير الرجل بأصبع يده المليئة بالحلي و المجوهرات الثمينة، فيظهر له رجل من العدم ليتحدث الرجل الذي يحتل برداء اسود يتناسق مع جسده الرشيق فيقول

" سيدي لما لا تسمح لي بقتله"

فيضحك ذلك البدين ضحكة قوية و يقول " عزيز ليس أوانه الان، هو سيموت لكن فقط دعه يكمل لنا ما نريده منا ذلك الحقير من يظن نفسه"

فينحني رجل الظل فيقول " اعتزر سيدي"

ليشير له البدين بالاستقامة و يقول " لا عليك ذلك الخائن من يخال نفسه هل يعتقد انني سأثق به بعد أن خان رئيسه، ذلك الحثالة".

تخرج ضحكة عالية من فمه و هو يمضي في طريقه خارجا من ذلك المنزل الذي قد أثار اشمئزازه و غضبه بعض الشيء ليتأفأف بعمق مخرجا طاقته السلبية .

مايكل

اخرج من الصباح لاشاق مصاعب عملي و اجاهد في التفكير مستخدما عقلي لصنع التجارب و اختبارها ليأتي ذلك الرجل المشمئز بصوته المغيظ يريد معرفة كل شيء من دون أن يتعب أو يفكر في فعل شيء، لو لا انه هو الشخص الذي يمدني بكل ذلك المال لصنع تجاربي و مساعدتي في تحقيق هدفي لتخلصت منه منذ زمن، كيف يتجرأ علي قول بأنه سيجعلني يده اليمنى، انتظر فقط حتى احصل علي ما أريد، رغم اني كنت أرى آدم  كفتى أحمق الا انه يستخدم عقله أكثر منه و لا يعتمد علي الآخرين.

عند مكتب نتاشا تجلس نتاشا خلف مكتبها و هنالك يجلس مقابلها آدم بمعالم وجه هادئة و جادة فتقول نتاشا

" أراك هذه الأيام أصبحت تزورنا دائما منذ شهر و نصف أليس لديك عمل"

فتظهر ابتسامة علي وجهه و يقول بصوت رومنسي " انني اشتاق لرؤية طلتك البهية، و استنشاق عطرك الاثر، و صوتك الرنان فكيف لي أن لا أتي لأخذ كفايتي منهم"

فتنظر له نتاشا بنظراة ساخرة و تقول بنبرة باردة" ما هذا الكلام المبتزل الذي لا يدخل العقل "

فيقهقه بسخرية و يقول " معزرة يا عزيزتي فعقلك أحمق لا يفهم مثل هذه الكلمات الأثرة "

فترد بنبرة حادة" بل عقلك الغبي، ليبتذل مثل هذه الكلمات "

يزفر بحنق و يقول" لم أتي لاسمع مثل هذا الكلام منك يا عديمة المشاعر لذلك سأدخل في صلب الموضوع مباشرة "

لتبتسم بنصر و تقول " حسنا"

" كل ما في الأمر أن مايكل و من معه يخططون لشيء ما و يبدو أنه خطير جدا فقد تغيب لفترة أكثر من شهر لم أخبرك سابقا لاني اعتقدت أن ليس بالأمر المهم فقط خلت انه سيوصل بعض المعلومات، لكن بسبب انه اختفى لشهر كامل عن الأنظار اعتقد بأن أمر كبير يخططون له"

فتهمهم نتاشا ثم تقول من بعد لحظة صمت" أنني أيضا أحسست بذلك الصمت الذي قد اعترى المنظمين رغم الاعتراض الكبير الذي اقبلنا عليه من معظم الاثرياء و المنافسين لكنهم لم يحدثوا أو يقولوا شيئا للان "

فيتحدث آدم مرجعا شعره للخلف" هذا ما يقلقني فلم ءأتى بخبر من القواد أو غيرهم عن ما يحصل لكم، اعتقد اني قد اعفيت من سلطة منظمة WB يبدو أنني مجرد صورة في الواجهة، لقد أتيت إليك سابقا لاعلن شراكتي ومصداقيتي معك، لكني يبدو أنني لا أملك شيء لاساعد به يبدو أنني من إتلقى المساعدة، فمنذ أن بدأت ابحث و اعمل بجد في الشركة قلة نشاط الحركات الغير قانونية فيها و كذلك فقدت معاونين ابي الذين كانو معه سابقا يبدو أنهم يخططون لشيء ما، انا اتسائل هل كانوا يريدون استخدامي كدمية بينما هم يفعلون ما يحلو لهم متحكمين بي "

فتحدثه نتاشا بنبرة مواسية و تقول" المهم انك انتشلت نفسك من الظلام و اتخذت الطريق الصحيح "

فتضحك نتاشا ساخرة و تكمل" الطريق الصحيح من أجل الانتقام "

فيقول آدم بصورة منزعجة"  حقا لا يجب عليك تكرار هذا في كل مرة "

" بل سأفعل حتى بعد أن أثق بك تماما و اتأكد انك لن تنقلب علينا"

فيتحدث بهدوئ" سيأتي اليوم الذي ستثقين بي "

فتجيبه مبتسمة" امل ذلك"


نشأت هذه العلاقة بينهم بعدما طفح كيل آدم من ما يحدث خلفه و في عرينه و لكنه الان لن يغمض عيناه و سييعى خلف كل شيء لتعرضه للخيانه، لتصبح علاقة شراكة غير متبادلة فالذي يعطي هو الطرف الأقوى، رغم كون أنها علاقة متزعزعة خالية من الثقة لكن نتاشا تعلم أنها تمتلك الأوراق الرابحة بمختلف الطرق و لن تخسر شيء إذا مدة يد العون، فهدفهم هو إسقاط الأعضاء الفاسدة لتحتل نتاشا كل الدائرة بينما آدم يستطيع الحصول علي انتقامه، و من بعدها فعل الهواية التي يحبها أو العمل الذي يحبه و هو ممارسة الطب، لذلك قرر الاجتهاد الان لاخضاع الجميع لرقباته و بعد أن يطمسهم يفعل ما يريد، فسيترك اللهو الذي كان به سابقا فقد كان في اعتقاده (بما أنني لا أفعل ما احب فلماذا علي بذل الجهد فيه) ، فكان يرى كل الأخطاء التي تحدث و الأشياء الفظيعة التي تجري أمامه و خلفه لكنه تجاهل ذلك بلا مبلاة لكي لا يزعج باله و أوكل كل شيء لمايكل و بعض من ذو الأسهم ليعرف مدى الخطأ الذي اقترفه و يحصد نتائج استهتاره .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي