27

تتراكم الغيوم شيئا فشيئا حتى يثقل حجمها و يصعب عليها التحرك من مكانها فتنتفض مقررة خسارة الوزن الذي اكتسبته مع مرور الوقت الطويل غير ابهة بالوقت الذي ضيعته سابقا في اكتسابه فقط الان تريد التخلص من كل شيء و تكمل رحلتها الجميلة حول العالم مرة أخرى فهي لا تريد أن تسبقها أخواتها في المغادرة

يتنهد بعمق صاحب الشعر البني المائل للكستنائي و هو يقف تحت المظلة مرتديا قميص مخطط باللونين الأسود و الأبيض مع سترة جلدية سوداء و بنطال جنز واسع اسود فيحدثه خليله الذي يشاركه المظلة

" دعني ارافقك فالذهاب وحدك خطر"

ليبعثر الكستنائي شعره الذي اقتحمته بعض من قطرات المطر خصلاته و يقول بوجه مبتسم " لا تقلق علي فأنا أملك خطة، و لارفقك بسر لن يعرف أحدا بأني القائد الفعلي لذا فالتترك الأمر لي"

من ثم ينهي كلامه بقمزة،ليشتت خليله، لكن الأمر كان جدي بالنسبة له فلم يهتم لافعاله ليقول متجاهلا كلام رفيقه " أخبرني ما هي خططتك اريد ان اعرف"

فيجيبه بنبرة ساخرة " لاا، لأنه تعجبني رؤية دانتي الفضولي "

ليغتاظ الآخر و ينعقد حاجباه و من ثم يقول بحدة صارخا بإسمه " رايز لا تلعب معي فأنا جاد في ما اقول "

يتجاهل رايز حديث دانتي متحركا بمظلته تاركا دانتي تحت المطر من ثم يقوم بالتلويح مودعا اياه من دون أن ينظر إليه ليمضي بخطوات رصينة حتى يختفي، مما جعل دانتي يرجع شعره المبتل للخلف بحنق و عينيه تخرج شرار.

في تلك الذقاقات المخيفة بين طيات المنازل التي بعضها قد لقي حدفه بسبب الحرب القائمة بين العصابات المحلية و الارهاب من قبل تلك العصابات الذي زرع في قلوب الناس.

هكذا كانت طيات القطاع الثالث عشر الذي قد أصبح شبه فارغ كأنه يخلو من الحياة أثناء الليل في حين الوقت ليس متأخر لكي يتجنب الناس الخروج، بل خلال هذه الأوقات أصبح الخروج مستحيل يجب عليك أن تبقى قابع في بيتك من دون أخذ نفس لكي لا تقتل إن علم بوجودك أو أن ترحل من القطاع في أقرب فرصة سانحة.

كأن لا للخوف مكان في قلبه تتوالي خطواته الهادئة مخترقة الظلام من دون أن يرف له جفن، تتبادر لعينيه تلك الاضائة الخارجية الخافتة التي تنطفئ و تضاء كأنه تحزير لمقطن أشباح أو تحزير للابتعاد عن الخطر.

يقف أمام ذلك الباب تحت الضوء المتذبذب الذي يأذي عينيه بتلك الومضات التي تشوش الرؤية، تخرج يده من جيبه متوجهة نحو الباب لتطرق عليه ثلاث طرقات فيفتحه رجل متجهم الوجه طويل القامة ينظر الي رايز بنظرة تعالى و احتقار من ثم يقول

" ماذا تريد"

فيجيبه رايز بنفس نبرته المتعالية " أليس هذا بار و الجميع يستطيع الدخول كما يريد"

فيضحك الرجل ضحكة ساخرة ليردف رايز بعدم صبر و يتحدث بطريقة مباشرة " انا لست هنا للجدال معك، وجهني نحو سيدك فلدي لقاء معه قل له مبعوث من زيرو نايت"

تتغير ملامح الرجل لمبهمة فيبدو انه قد أعلم بإستقباله لذلك الشخص ليوجهه نحو الداخل ، يغض رايز عينيه عن تلك المناظر التي أثارة اشمئزازه و هو يتبع الرجل الذي يمضي أمامه، انتظر لعدة دقائق أمام تلك الغرفة الزجاجية المستديرة  التي قد وصلوها بعد صعودهم للسلالم المتعرجة بهندسة خاصة، تتسلط عيناه علي ذو القامة الطويلة و هو يعود إليه بعد أن وشوش علي أذن احد الرجال ذو بشرة سمراء و شعر داكن  و يبدو أنه هو رئيسه فقد أشار له ببعض الايمائات برأسه فيعود فاتحا ذلك الباب الزجاجي الذي لم يخفي شيء عن الخارج سوى أصواتهم.

فتح ذو القامة الطويلة الباب لتفوح رائحة الدخان بأنواعه المختلفة متخللة شعب رايز الهوائية و تستقر في رئتيه التي لم تعتد مثل هذه الأشياء في حياته اليومية و لم ترق لصاحبها حتى.

رافقت رايز نظرات مستكشفة منذ دخوله الي أن وصل الي تلك الكراسي التي تحيط مشرب الكحول المحتل من قبل ثلاث رجل من بينهم يجلس ذو البشرة السمراء مسلطا عينيه العسلية علي كأسه بعد أن أنهى تمعنه علي رايز منذ دخوله.

" تفضل بالجلوس"

صوت عميق رصين ادلف به صاحب الأعين العسلية موجها احد الكاسات التي كانت بجانبه محتوية علي ذلك السائل الذهبي الشفاف الذي يغمرها حتى المنتصف، فيبعدها عنه بعد جلوسه بحركة هادئة فيقول عسلي العينين

" أليس من الاحترام الا ترجع ما أعطي إليك"

فيهمهم و يقول" أليس من واجبك إحضار ما يفضله ضيفك"

فيسحب ذو الأعين العسلية الكأس من ثم يتجرعها و يقول " انت حقا جريء و في وكر الأشرار ، الن تك خائف من وضع سما فيه"

فيحني رايز رأسه علي جانبه الأيسر بزاوية ثلاثين درجة من ثم يقول" لم أفكر في هذا حتى لأنه شيء ضعيف و جبان لتفعله، و من ثم انا مغامر أتيت الي هنا و انا ارهن حياتي للموت"

فيضحك الآخر و يقول " إذا أنت أتيت مستغني عن حياتك "

فترتسم ابتسامة صغيرة على شفتي رايز من ثم يجيبه " لست مستغني عنها، لكن متوقعا الموت و هذا ليس سببا يجعلني اتخلى عن الحياة لاني سأجاهد من أجل أن أعيش و اخرج من هنا بسلام "

ابتسامة واسعة ارتسمت علي اسمر البشرة  ليقول بنبرة شبه مرحة " آمالك واسعة امل ان تتحقق"

فيجيبه رايز بنبرة واثقة " أتفهم ذلك"

فيقول الآخر "إذا أخبرني ما الذي جلبتك به شجاعتك لهنا "

ليتحدث رايز بنبرة منزعجة مع تعابير وجه منعقدة "مجرد هفوات قائدي الذي حلم بحكم العالم  فأراد تحقيق حلمه ذاك ليجبرني بأن أتى لرؤيتك "

ضحكة ساخرة ادلف بها ذو الأعين العسلية يشاركه فيها صديقيه الآخرين ليردف " انت تمزح معي صحيح "

فيفرقع رايز أصابعه بحركة سريعة  مشير بالسبابة تجه عسلي العينين مع غمز عينه اليمنى و يقول " معك حق انا امزح "

فيقهقها و يقول اسمر البشرة" مزاحك ثقيل "

فيقول رايز" إذا لندخل في صلب الموضوع انت تعلم بشأن الحملة الجديدة التي أتت لتوحيد العالم و بث السلام فيه"

فيهمهم اسمر البشرة و يقول " آهااا، و ماذا في ذلك"

" انا مبعوث من قائد تلك الحملة زيرو نايت، جئت بعقد هدنة سلام معكم " تخرج تلك الكلمات من فم رايز بصورة جادة متمعنا بوجههم كأنه يريد قرأة ردود فعلهم

فيضحك اسمر البشرة و أصدقائه بينما رايز يوزع ابتسامته الهادئة عليهم و من ثم يرد علي رايز من بعد أن انهي ضحكه متسائلا " هدنة سلام! ماذا استفيد انا منها؟ "

فيتحدث رايز بنبرة ساخرة " إذا أنت تتمحور حول الإستفادة مباشرة"

فيجيب الآخر بجمود "أجل"

فيحرك رايز راسه للاسفل و الأعلى مع إخراج همهمة صغيرة متفهما و يقول" إذا سأكون صريحا معك، استفادتكم العظمى انكم لن تموتوا"

يقف احد الرجلين برأس اصلع و بشرة فاتحة ذو وشم تنين يحيط راسه و رقبته، فيضرب بغضب الطاولة مستشيظا غضبا، بينما اخرج اسمر البشرة ضحكة عالية مرة أخرى ليقول" انت حقا رجل مضحك"

فيتحدث رايز ملقي كلماته لا مبالي بنظرة باردة تجاههم " سأقول لك لا تستهن بالأمر انتم الان مجرد أدوات في ايد أخرى، إذا قل لي ما استفادتكم من هذه النزاعات و الحروب"

" و هل عليه أن يجيب علي سؤالك" تخرج الجملة من فاهِ ذو الوشم الذي شبت عروقه كل جسده

ليوجه رايز مقلتاه  ببرود نحو الرجل و من ثم يقول " ليس ملزم بذلك، لكن فليكن في علمك انتم الخاسرون و نحن نعلم كل شيء  "

يرجع شعره للخلف بهدوء و يردف بعد أن جمع شتات كلماته " السلطة و القوة التي تسعون لها  ليست لها مكان بعد الآن انظر الي المكان الذي تمكثون فيه أصبح مهجور و خاوي لم يتبقى الا أعضاء عصابتكم و عائلاتهم و اعتقد ان بعضهم قد فر أليس كلامي صحيح"
تتغير معالم وجههم لامتعاض و سوء فيكمل رايز بعد أن كان يراقب مشاعرهم المبعثرة " إذا أخبرني أين ستحكمون بسلطتكم أو القوة التي تسعون بها، و كم عدد ضحاياكم"

اخذ اسمر البشرة الكأس الذي يحيطه بأصابعه و ارتشفه بسرعة من ثم قال " لا يهم إذا كنا سنسعى الي ما نبتغيه"

ينبث رايز بضحكة ساخرة من بين شفتيه و يقول "انت ضيق الآفاق"

ترتسم ابتسامة علي وجه اسمر البشرة مع ملامح غاضبة و يقول "انتظرك لتكررها و سترى ما الذي سأفعل "

تتربع ابتسامة خبيثة علي وجه رايز مما يزعجهم و يفيض كيدهم ثم يقول "انا لم أتى الي هنا لصنع شجار ما و لست خائفا منك و سأعيد ما قلته لك، انت ضيق الآفاق و لست وحدك جميعكم لا يعلم  ما يحيطكم و ما يحدث حولكم و انتم هنا تساعدون أناس آخرون في تدمير أنفسكم، اولا إذا كنتم تقاتلون من أجل السلطة فلن تمتلكوها و إذا كان من أجل إثبات القوة، فهناك شخص يملك عقلا يتحكم بقوتكم حسب مصالحكم، ثم ثانيا انتم الان مجرد بيادق تعوث الفساد حسب ما يريده صاحب العقل، تتركون كما يريد و لن تحصلوا على ما تريدون، و ثالثا هل تعتقد انكم تمثلون شيئا في نظرنا حقيقة انا أتيت هنا فقط لمصلحتكم لتخفيف خسارة الأرواح و عدم المضي خلف ما يريده صاحب العقل المدبر، سأوصل لك رسالة قائدي زيرو نايت إذا أردتم أن تمشو حول ارادتكم الحرة و السعي نحو مستقبل أفضل فهلمو إلينا و سيكون ذلك نصركم اما إذا كان لديكم رأي آخر فأعتقد ان محوكم ليس بالأمر العسير"

يزداد حنقهم و إمارات الغضب علي وجوههم بينما أظهر ذو الأعين العسلية جانبه الرياضي مطلقا ضحكته الصاخبة ليردف رايز" لديك ست و ثلاثين ساعة للتفكير و بعدها يمكنك الحكم علي نفسك، ابحث في الأمر فليس هنالك مزح فيه، لقد أتيت الي عصابة ميل بالأول لأنكم عصابة رغم مكركم الا انكم قابلون للتناقش "

يقف رايز تاركا إياهم خلف ظهره ليصدح قبل خروجه صوت تكسر زجاج  أمام عينيه، انتشرت تلك القطع الزجاجية التي كان سببها رمي كأس بإتجاهٍ قريب من رأس رايز مرتطمة بالحائط الزجاجي لتتبعثر قطعها  في الأرجاء.

ابتسم رايز أثناء صراخ عسلي العينين " ما هذا دارون "
فيتحدث صاحب وشم التنين المعني قائلا " بل ما الذي أنت فاعله إلياس هل ستصمت و تتركه هكذا، انت تضحك علي نكاته الذي يلقيها عليك كالمعتوه منذ حضوره"

ارتفع ذلك المسدس الرمادي التي تبين العلامات فيه مدى قدمه و كثرة استخدامه ناحية رأس دارون، مما جعل عيناه تتسع و فاهه ينفتح ليردف ببعض التمتمه " هل تريد قتلي "

فتنطلق رصاصة تغذو كتف ذو وشم التنين فيتأوه ماسكا كتفه ليقول إلياس" هذا لتزكرك من هو القائد هنا "

دار ذلك المشهد الدرامي بين نظرات رايز الذي أصبحت معالم وجهه هادئة يرمقهم بنظرات مبهمة، فكيف لذلك الشخص أن يطلق علي رفيقه هكذا أو تابعه من دون رحمة حتى، يردف إلياس محدثا رايز بأعين و ملامح باردة مخالفة لما كان عليه سابقا و معالم مغايرة لتلك التي كانت تتصف بالمسرح و الهزل قبل قليل

" الان يمكنك الرحول أيها المبعوث و نلتقي بعد ثلاث ايام"

عند ذلك القصر الذي اتصف بهدوئة في السابق الان اصبح يعج بأصوات الأطفال و ضحكاتهم و مرحهم في كل الأرجاء، لكن في إحدى غرف الاستقبال ذات الطابع الفخم باساسها الذهبي الاخاذ و تحفها و لوحاتها الرائعة ينتشر التوتر في الأرجاء تلك الغرفة بسبب سيدة القصر التي تجول ذهابا و إيابا بكعبها العالي الذي يزيد توتر المتواجدين، فترجع شعرها للخلف تارة و تارة تقوم بعثرته و هي الآن قد جن جنونها.

" توقفي نتاشا، انتي تزعجينني"

خرجت تلك الكلمات من فاه آلن و هو ينزل نظارته و يلقي بنظراته تجاه نتاشا التي توقفت و هي تنظر إليه بإنزعاج ثم تقول غير مبالية و هي ترجع لافعالها

" هيا اتصل علي آدم اريد ان اعرفه منه ما الذي يجري"

يتنهد ثم يردف ببرود " كم مرة زكرتي هذا منذ الصباح الا تملين من هذا، مجرد شيء بسيط جعلك هكذا"

فتقف نتاشا في منتصف الغرفة ملقية نظرة غاضبة علي آلن من ثم تقول بنبرة معاتبة و منزعجة  "كيف تقول انه شيء بسيط انظر لكل هذه الأخبار، مرض ينتشر في ثلث الاقطاعيات بصورة كبيرة و يتزايد كل يوم بنسبة أربعون في المئة كيف تريدني أن أهدأ، هل انتظره حتى يصل هنا و يبدأ التبرعم "

فيرتد نظارته و يحدثها بنبرته البارده أخذا المستندات من جانبه بصورة لا مبالية " هو ينتشر في القطاعات الفقيرة إذا هناك سبب قد يكون بئيا يعني لن يصيبنا بما اننا نحافظ علي صحتنا و نظافتنا، و فوق ذلك كله لم يسبب الوفيات الي الان "

تخرج زفيرا منزعجا فقد غلبها برود رفيقها الذي سيجلطها بعد لحظات فتقول  " أو لا يعدون بشر مثلنا الا يجب أن اقلق عليهم أيضا، اقتل برودك هذا يا رجل و ازرع بعض من المشاعر في قلبك  لتشعر بالآخرين و بالخطر الذي أشعر به، اسبوع واحد و قد تربع الداء ثلث الاقطاعيات و ماذا سيحدث في الأسبوع الآخر، و إذا كان هذا المرض يقتل في أسبوع فقط، فهكذا ساصنفه خطر من المرحلة A لذا هو الآن في قيد التعريف "

تتشتت لبعض لحظات أثناء حديثها فتردف في حالة قلق كبيرة و هي تخلل أصابعها في شعرها مراجعة اياه للخلف  " يا إلهي يا إلهي كيف سنحل هذه المشكلة، يجب علي منظمة W. B ان تعمل علي دراسته قبل فوات الأوان "

يقلب عينيه علي هذا المنظر الذي أثار جنونه ليضع كل من النظارة و الأوراق التي يمسكها علي الطاولة أمامه و ياخذ كأس من القهوة الذي قد بردة منذ سكبها ليرتشف منها مهدأ أعصابه من ثم يتحدث
" الا تعتقدين أن كلامك فيه الكثير من التناقد، هل نسيتي أن منظمة W. B هي من تحاول القضاء علي البشرية، الن يكون هذا في صالحها لتنتهز هذه الفرصة و تجعل ما يحدث يحدث حتى لو كان في يدها الحل"

تخرج تنهيدة غاضبة و هي تضرب بكعبها علي الارض فتقول بنبرة حادة " يكفي هذا آلن انت توترني أكثر بكلامك "

يرفع حاجبه ليرسم تعابير متسائلة و يقول  " و ماذا تريديني أن أقول، عليك تقبل الحقيقة، ثم نحن لم نثق بعد بهذا الذي تدعيه آدم، انتي تغضبيني بتصرفاتك الطفولية هذه"

تقلب نتاشا عينيها و تقول بحنق " أين هذا الغضب الذي تقوله، انا لا ارى غير هذا التعابير الباردة التي تثير ازعاجي أكثر في هذا الوقت العصيب "

" انا خارج " أنهى جملته ليقوم من مكانه واضعا كأس قهوته و يدلف نحو الخارج عله يجد الهدوء في الخارج .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي