الفصل الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثاني

العالم غير العالم، وهو لم يكن يرغب في شئ سوى الاستمتاع.. يرى ما يراه الآن جنة عكس هذا الجحيم والعزلة التي عاش بها حياته السابقة، رغب الآن وعزم على العيش بطريقة آخرى وكيفما يريد.

ومنذ وصوله وهو يرغب بمعرفة أمر ما.. كيف هو يستطيع فعل ما يفعله والآخرين لا، أهي سمته بمفرده أم أن هناك خطب ما؟!.

استطاعت بريا أن تساعده بأنها توفر له منزل ما وعمل أيضا، فهو الآن انتقل إلى انجلترا.. يرى الحياة غريبة لكنه مستمتع كثيرا.

جعلته يعمل في مصنع لصناعة الأدوية، مهمته هي الوقوف على ألة معينة للتعبئة لا شئ أخر.

وفي يوم من الأيام تواجد في هذا المصنع في وقت متأخر من الليل، ليجد ذاته يتجول في هذا الصرح العظيم يرغب في معرفة المزيد والمزيد، لكن ما لفت نظره هو هذا الصوت المعتاد عليه ألا وهو صوت مديره.

نظر من النافذة الشفافة ليجده يضع أحدهم على فراش ما مقيد اليدين والقدمين، حتى فمه عليه لاصق حتى لا يصدر صوتا.
أما بجوار مديره فكان هناك اثنين أخرين، ومن حيث لا يدري ظهر شئ ما بيد مديرة ليحقن به هذا المقيد ومن ثم يفقد وعيه.

اصدر كريشنا شهقة ليستمع له من في الغرفة وقبل أن يخرج أحدهم ليرى ماذا هناك كان كريشنا يستخدم قوته ليطير فجأتة مختبئ في الأعلى.. ليظل على وضعه حتى دلف هذا الرجل للداخل مرة أخرى بعدما تأكد أن لا أحد متواجد.

ترقبهم حتى انتهوا ومن ثُم ذهبوا جميعا، تقدم من هذا المقيد ليجده متعرقا ولا نفس لديه.. أرتاب الأمر ليقرر أن يذهب خائفا.

الليلة لم تكن مريحة بالنسبة له ليقرر أن يتنزه محدثا بريا عبر الهاتف لكي تأتي له.
هي وحدها من تعلم أن كريشنا لديه قوة خارقة منذ أن وجدته بين الجبال.

أتت به إلى ملهى ليلي حيث الموسيقى الصاخبة والرقص والنساء وغيرهم من عاهرات.

وللمرة الأولى يطلع إلى تلك الحياة ويرغب في المزيد، بل يحتسي الكثير والكثير من هذه المغيبات التي تذهب العقل.

أما نظرة بريا فقد توحي بالندم؛ فهو كان برئ بالنسبة لها كيف لها أن توصله لتلك المرحلة.
تقدمت منه وهو يرقص ويلهوا مع الأخريات لكنها لم تستطيع أن تجذبه فهي ضعيفة بالنسبة له، ليقوم هو بجذبها لتكون بين يديه.
نظرت في عينيه وللمرة الأولى منذ شهر تقريبا تقترب منه لكل هذا الحد، وقوة غريبة تجذبها إليه الآن.. أما هو فهائم بلون عيونها الساحر ليقول دون وعي:
-كم أنتِ جميلة!.
لتخجل ناظرة أرضا، فأكمل هو بسؤاله:
-هل تجديني لطيفاً؟.
تعجبت من سؤاله وفكرت بجدية في الأمر لتجد ذاتها مبتسمة تميل برأسها بنعم ومن ثُم ومن حيث لا تعلم أحتضنها بهدوء، وحنان لم تعهده من قبل لتبادله الحنان ذاته.

انتهت تلك الليلة ليأتي الصباح، ويدلف شعاع الشمس على وجهه يجعل وجهه غير مرتاح ليستيقظ أخيرا، التفت حوله ليجد ذاته في منزله الصغير ومن بعدها وضع يديه علي رأسه يحاول أن يقاوم هذا الدوار المصاحباً للصداع الذي داهمه للتو.
تذكر كيف كان بالأمس، وكم كانت لطيفة بين يديه لكنه لم يتذكر متى ذهب لمنزله.
نظر بجانبه ليجد الطعام موضوع بنظام وطريقة لطيفة ملفته، وبجوارها ورقة مكتوبة باللغة الهندية التي يعرفها هو أكثر شئ ليقرأها باسماً فكتبت هي:
"صباح الخير ياعزيزي.. عليك أن تتناوله بأكمله ومن بعدها تذهب لعملك، فأنت كنت مختلفا كثيرا بالأمس.
بريا"
ازدادت ابتسامته ومن ثُم امسك الطعام ليلتهمه باستمتاع.

دقت قدميه باب هذا المصنع ليصطدم رغما عنه بذلك الشخص، فالطيب "آريا سدهانت" والمعروف عنه علاقاته الكثيرة بالنساء، ورغم معرفته إنه من المهرة إلا أنه أيضا ليس بالسهل فعيونه ماكرة للغاية، والدهاء يتطاير من عينيه.
نظر له باذراء ليكبت كريشنا ضحكاته ومن ثُم قال متنحنحاً:
-اعتذر سيدي.
نظر له آريا من أعلى لأسفل ومن ثم ذهب دون حديث ليتأفف كريشنا متمتما:
-يالهي.. كيف يتعملون معه هذا آريا في منزله.. أها هو ليس لديه من يعاشره لذلك يتسكع في الملاهي الليله بين النساء والخمر والكثير من الميسر.. ياله من وحيد كأخرون لا يفعلون مثله.
في هذه الأخيرة تذكر ذاته وليكمل بينه وبين نفس:
-ماذا لو كان لدي المال؟ يالهي لكنت فعلت الكثير.
للحظة توقف، ليتذكر جدته التي لا يعلم عنها شئ منذ شهر أو أكثر ليقرر أن يفكر في أمر ما.

أما عند بريا
والتي كانت تعمل طبيبة في إحدى المستشفيات الكبرى.
تقدمت جالسة على مكتبها تتطلع على إحدى الملفات لتجد إحدى الحالات في حالة طارئة لكنها ليس لديها أحد ليمضي على التقرير.
أغلقت الملف لتنهض بعصبية ومن ثُم ذهبت لرئيسها المباشر لتقول بصوت عالِ قائلة:
-ماذا يعني هذا؟.
امسك منها الملف ناظراً باستهانة ليقول:
-ما الغريب في هذا الأمر؟.
نظرت بتعجب لتقول:
-ألا ترَ؟ الأمر به حياة أو موت ماذا تفعلون بحق الله.
قالت الأخيرة بتأثر، ليغلق الملف قائلا بعدما تنهد:
-أيتها الطبيبة! انتبهي لعملك ومهامك فقط.. لا تتدخلي في شؤون الغير.

أكمل عمله متجاهلها تماماً، لتنظر له بتعجب يريبها للغاية ومن بتدها ذهبت سريعاً دون حديث.. أما هو فنظر لطيفها ليقول:
-ستتعبين كثيراً يابريا أعدك بذلك.

عودة لكريشنا.
كان يقف على الألة الخاصة بها ليقترب من صديقه الوحيد الذي تعرف عليه ألا وهو "كريستيان" والذي ظهر وكأنه من إحدى دول جنوب وجنوب شرق آسيا.. كان كريشنا لا يعرف هذا الأمر لكنه يراه مختلفاً عن الجميع.
علم في نهاية المطاف إنه من الصين الشقيق للهند، ليجد كريستيان الأحترام الذي لم يعهده من قبل من كريشنا وحده.
همس له بقوله:
-كريستو! اخبرني منذ متى وأنت تعمل هنا؟
تعجب من سؤاله ليجيب:
-منذ سنتان تقريباً، ولكن لماذا تسأل مثل هذا السؤال في هذا الوقت؟.
تلفت كريشنا حوله يمينا ويسارا ومن ثُم قال بنفس ذات الهمس:
-أرى هذا المكان مريب، حتى من يعملوا به غرباء أكثر بكثير.
قطب كريستيان حاجبيه بتعجب فقال متسائلا:
-كيف هذا ياتُرى؟.
نظر له بغضب ليقول كريشنا:
-اتسخر مني؟.
ضحك كريستيان ليحاول أن يتوقف فيقول:
-حسنا.. لقد توقفت وسأتحدث بجدية، هيا أخبرني ماذا هناك؟.
هدأ قليلا فقال:
-هل هناك قسم هنا لعلاج أي من المرضى؟.
حرك رأسه بلا ليتسائل كريستيان:
-لماذا تسأل هذا السؤال؟.
اقترب منه أكثر ليسرد عليه ما حدث فقال:
-عليك أن تكتم السر.
-في بئر يا صديقي تحدث.
أكمل كريشنا فقال:
-وجدت بالأمس أصوات في الطابق الأسفل الذي سبق وحُذرنا بعدم الاقتراب منه.
-اكمل.
أكمل كريشنا بعد ما وجد الحماس بيعين الأخر فقال:
-وجدتهم يكبلون شخصا ما علي فراش متحرك مثبت بالأرض من قبلهم.. وهذا الطبيب الذي يدعى آريا قام بحقن هذا المريض المسطح لينقطع نفسه ومن ثُم حركته؛ فالأمر رابني للغاية وأشعر وكأن الأمر لم يكن مريحاً على الإطلاق.

عودة لبريا
كانت تطرق الأرض ذهابا واياباً ترغب في إيجاد حل لتلك السيدة فهي تعلم انها عانت كثيراً حتى وصلت إلى انجلترا، وتعلم جيداً إنها بلا أحد هي بمفردها الآن لا تعلم ما العمل.
آتاها اتصال من هاتف كريشنا الذي أبتاعه من أول راتب له، أجابت على الفور لتقول:
-مرحبا!.
أجاب كريشنا علي وجه السرعة ليقول:
-بريا! اجيبيني سريعا.
تعجبت تحثه على أن يكمل فقال:
-هل هذا المصنع به أي تصريحات الإجراء عمليات للمرضى؟.
قطبت حاجبيها مجيبة على وجه السرعة:
-لا: فهذا مصنع.
أماء بهدوء دون حديث، لتسأل بريا بصوت ضئيل فقالت:
-ماذا هناك.. لا أعلم ماذا حدث.
-سألقاكِ أخر النهار.
-اسمع.. سأنتظرك في المشفي التي أعمل بها لأنني سأُكمل دوامي متأخر اليوم لظروف طارئة.
-حسنا إلى اللقاء.

انتهى الحديث ونظر في ساعته ليجد أن دوامه قارب على الانتهاء ليكمل على مضض.

يشرد بخياله متسائلاً، ماذا لو جعلت جدته في يده مطلق الحرية ليقرر كيف ستسير حياته، يرى ذاته لديه قدر من الذكاء من الواجب عليه أن يستغله في أمور أكبر كهذه الأمور التى يتعرض لها الآن.
ظل شاردا كل هذا الوقت حتى انتهى من عمله وكاد أن يذهب كالعادة، استمع لهذا الصوت من جديد.

تقدم بحذر كالأمس على أطراف اصابعه يحاول أن يكتشف المزيد لعله يخرج ألبوم بمعلومه تفيده.
تقدم ومن ثُم تسلق كالسابق لينظر من الأعلى، ليجد المشهد ذاته.
أتى في باله فكرة ما كما علمته بريا، ليقوم بإخراج هاتفه الجديد ومن بعدها فتح مسجل الفيديو ليقوم بتوثيق كل ما يحدث في تلك الغرفة السفلية المريبة.
لكن أحدهم شعر به ليختبأ كريشنا سريعا قبل أن يمسك به أحدهم.
بالفعل ظل عالقاً بالأعلى بعيد عن أعين الجميع لينظر ذلك الرجل الذي شعر به ليقول للطبيب آريا:
-سيدي! أشعر وكأن أحد ما يترقبنا.
التفت آريا للباب الخاص بالغرفة، ومن ثم اقترب بهدوء ليقوم سريعا بفتح الباب وكأنه يعتقد أن أحدا خلفه يتجسس عليهم لكن الهواء والفراغ هما من كانا ينتظراه ليغلق الباب وهو ينظر بعتاب لهذا الشخص قائلا:
-أعتقد إنك تعاني من اضطراب نفسي.. عليك القيام بعمل اجازه راحة بالنسبة لك؛ حتى لا تفتعل المشكلات لك وليس لنا.

أما عند كريشنا فقد راقب المتبقي من الأمر ولكن دون أن يوثقه بالتصوير، فهو خاف أن يصدر صوت لينكشف أمره.
وبالفعل حدث كالسابق كالمتوقع لتتأكد شكوكه وتوقعاته وظنونه، لتنتهي حياة أخرى.

انسحب سريعا ليذهب حيث بريا في المشفى التي تعمل بها، حيث أنه كان يسير عبر الطرقات وكأنه سارق سريقة، أو قاتل لأحد دون وجه حق.
للمرة الأولى يشعر أن الحياة مخيفة.. يرغب بالإختباء في أحضان جدته كالسابق.
ليلتقط إحدى سيارات الأجرة ومن ثم انطلق سريعا.

دقائق وقد وصل إلى بريا وما إن وصل حتى اتجه إلى غرفتها، ليدق الباب ومن ثم دلف وما إن دخل حتى قالت بريا بغضب جامح:
-كريشنا! من المفيد انك اتيت.
تعجب كريشنا ليسأل:
-ماذا حدث بريا؟.
-انظر! هناك حالة بين الحياة والموت، وستموت من أجل وحدتها فقط..لا أعلم ماذا علي فعله لكن إن وجد سأستطيع أن أنقذ حياتها.
لم يفهم ما تقول ليسأل:
-بريا.. جمعي أفكارك واشرحي لي ما في بالك.
أغمضت عينها ومن ثم فتحتها لتقول بهدوء:
-إن قمت بالتوقيع على هذا التقرير اقسم لك إنني سأُنقذها، كن واثقاً بي أرجوك.
قطب حاجبيه فقال:
-لحظة بريا.. كيف؟ فهل يجوز أحد أخر غير عائلتها أن يوقع؟!.
أجابت بكل تأكيد فقالت:
-بالطبع.. فالأمر سهل للغاية، كريشنا أرجوك لا تخاف وأعدك إنك بأمان.
نظر للاسفل للحظات ومن ثم لها فقال:
-تعلمين إنني لا أخاف.
أمسك بالقلم الذي كان معها ومن ثم وقع بهدوء لتبتسم بريا قائلة:
-لقد تخيرت الشخص المثالي، إنك تثبتلي كل يوم إنك ألطف من اليوم الذي يسبقه.
بادلها البسمة ومن ثم أغلقت الملف لتقول:
-لم أتأخر.. سأقوم بالتحضير للعملية وسأتي لك لأعلم ماذا بك.
ابتعدت ومن ثم اقتربت من جديد لتكون علي مقربة منه للغاية، ناظرة في عينيه لتقول بعمق:
-فعيونك بها الكثير، ونبرتك تحمل هماً كبير، حتى مكالمتك لي تتحدث عن وحدتك التى تعاني منها منذ أن تركت الهند ورحلت بعيداً عن جدتك.
امسك بيدها بتلقائية ومن ثم قال:
-لا تتأخري.. فأنا ضائع وأنتِ سبيلي للرشد.
لتغادر ببسمة جميلة، تاركة اياه جالساً يمسك بهاتفه يحاول أن يطالع هذا التسجيل بدقة، يتعرف على الأشخاص، ويفهم أكثر ما يفعلوه.
بالفعل يعلم شخصان منهم؛ فهم معه في المصنع يتحدثون معه ولكن قليلا، لا يختلطون بالكثير.. كثيرا ما كان يراهم بمفردهم.
الآن علم سر هذا، فهي تعليمات من هذا الطبيب آريا.. والذي هو حريص للغاية يخاف على ذاته قبل منهم بكل تأكيد لذلك يأخذ كافة الاحتياطات.

مرءت ساعات وهو منهمك في التفكير لتتقدم منه بريا أخيرا وهي في قمة سعادتها، جلست أمامه ليبتسم بتلقائية قائلا بسعادة:
-السرور دلف على قلبي ما إن وجدت ابتسامتك.
نظرت للاسفل بخجل ومن ثم قالت:
-لا تعلم كيف تكون فرحة هذه السيدة بعودتها للحياة من جديد.. ما إن استفاقت وهي ترغب في رؤيتك.. رؤية من ساعدها.
نظر لها باهتمام ليقول:
-ولكنني لم اساعد أحد.. أنتِ من فعلتي كل شئ يا فتاتي الجميلة.
خجلت مرة أخرى، لتتنهد بقولها:
-الآن أخبرني ماذا حدث؟.
صمت ليخرج هاتفه ومن ثم عرض عليها ما صوره، لينقبض قلبها وما إن انتهى الفيديو قال:
-كريشنا! الفيديو ليس مكتمل.
نظر لها بحزن دفين فقال:
-لم استطيع اكماله؛ كان سيُقبض علي لا محالة.
دققت في الفيديو مرة أخرى لتقول في نهاية الأمر:
-استمع لي.. الأمر لم يهمنا بشئ فهو مخيف للغاية.
تعجب من أمرها ليقول بصدمة:
-ماذا تقولين؟ أنتِ يابريا من تقول هذا؟ لم أكن أتوقع.
ابتلعت ريقها مجيبة:
-أنت لا تعلم الأمر، هم يحقنوه بشئ أعلمه جيدا فهذا المصل سيجعله في نهاية حياته حتما.
-بريا! لم أتخلى عن هذا الأمر ابدا.. فهو أمر إنساني قادر على أن يخلص البشر من كل هذا الهلاك.
لا ترغب في مجادلته لكنها قالت متنندة:
-كريشنا! انهض الآن وسنتحدث في منزلك، عليك أن ترى تلك السيدة أولاً.
أماء لها بهدوء لينهض علي مضض.. تاركين تلك العيون التي كانت تستمع لهم دون أن يروهم.
لترفع تلك اليد هاتفها لتقول:
-سيدي! أعتقد أن عليك أن تأخذ ضحية جديدة قادمة لك من حيث لا تدرى.

أما عند كريشنا
فما إن دلف لتلك السيدة حتى صُدم، فهو لم يصدق عيونه هي جدته التي كان يرغب في العودة لها ومراضتها..ها هي الآن متسطحة على فراش الموتى.
ليجد ذاته لا يحاكي أحد ولا حتى يستمع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي