الفصل الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع

ورغم عتمة الحياة ألا أن هناك ضوء خافت يأتي من بعيد يجعلنا نعيد حسابات كل ما سبق وكل ما هو قادم، نتخطى فيه ما نتخطى ونتغاضى به عن الكثير..


أتت الجده في مساء هذا اليوم، لتجد البيت في هدوء تام ولتعلم أن الجميع نيام، تبسمت ومن ثُم جلست بعدما رأت الطعاظ موضوع لها بطريقة جميلة لتتأكد ولأكثر من مرة أن بريا هي المثالية لحفيدها كريشنا.

نظرت للسماء وهي تقف في النافذة تطالعها برجاء لتقول محدثة شخص لا يعلم أحد هويته:
-موهيت! لقد اشتقت لك كثيرا.. كيف لك أن تغيب عني ولا تأتي بالمنام كل تلك المدة...
تنهدت مكملة:
-أعلم إنك كنت طيب القلب.. لكن تلك الدنيا لا تُريد ذلك؛ لهذا خبأت ولدك من هذا العالم.
وهنا نعلم أنها تحدث ولدها الفقيد زالذي هو والد كريشنا، حتى اننا توقعنا وبالطبع لما كان تصرفها كذلك مع حفيدها فالأمر اتضح الآن.

كان كريشنا يركض بقوله الصارخ:
-موهيت! لماذا تذهب في تلك الجهة؟ موهيت توقف هذه المنطقة خطيؤة للغاية.. أرجوك استمع لي.

لكنه لا يجيب ليختبئ خلف ضوء أبيض قوي ظهر قوي في أعين كريشنا جعله يضع كفيه أمام وجهه محاولا أن يرى شئ، يرى موهيت هذا الطفل الصغير لكن الأمر باء بالفشل.
صرخ باسمه عدة مرات لكنه لا يجيب.. ما إن خفت الضوء قليلاً أثر جسد أتى أمامه، نظر محاولاً أن يدقق النظر لعله يرى ملامح هذا الشخص لم يكن سوى آريا هذا الطبيب المخادع، ليبتسم بخداع بادٍ على وجه فقال:
-إنه معي.. لا تقلق.
ليستيقظ كريشنا بفزع وقد استيقظت بريا أثر صوته، لتشعل الضوء الذ بجانبها ناظرة إليه بلهفة فوجدته يتصبب عرقا، وعيونه زائغة.. مسدت علي وجهه وخصلاته تحاول أن تزيل قطرات العرق تلك؛ لكنه نظر لها وهو يحاول ألا يوترها بقوله:
-لا تقلقي حبيبتي.. الأمر معتاد وأنتِ تعلمين كابوس كأي كابوس.
أعطته كوبا من الماء فالتقطه وشرب حتى ارتوى، وقدمه لها فقال وهو يمسك يدها:
-سأكون بخير مادام أنتِ جواري.. لذلك لا تتركيني.
ليقوم بالدلوف داخل احضانها بهدوء تام وكأنه طفل رضيع اشتم رائحة أمه فصمت وهدأ.
أما هي فمسدت على خصلاته حتى غط في سُبات عميق.



أتى الصباح ليتقدم كريشنا حيث المصنع ولكن قبضة ما أحتلت اواصيره ما إن حلم بهذا الحلم، لكنه تغاضى عن هذا الشعور ومن ثُم دلف للداخل وفي مغامرة جديدة بعدما أعتاد كل يوم أن يكشف سراً جديداً.

تقدم ليحيي صديقه كرستيان ليقول:
-أخبرني يا صاح كيف الحال؟.
اجابه كريشنا بقوله:
-في حال أفضل.. سأٌرزق عن قريب بطفل.
اتسعت اسارير كرستيان ليقول وهو يحتضنه:
-تهاني الحارة لك.. سأحتفل بك حتما.
تبسم كريشنا فقال:
-أشكرك وأتمنى أن أراك عريس عن قريب لتنعم بحياة أكثر استقراراً.

لمح في عيونه نظرة حزن ليتعجب كريشنا لكنه قال:
-كريس! ماذا بك؟.
جلس كرستيان فقال بهم:
-كيف لي أن استقر وأنا وشقيقتي في هذه الحالة.
جلس بجواره وهو يربط على كتفه، فهو يعلم حالة أخته منذ فترة وجيزة ليتعاطف معها.
فهي كانت تشعر منذ زمن بتعب في الأطراف ولا تقوى على السير كثيراً، حتى الأشياء تسقط من أناملها عند حمل وثقل معين.

ومنذ عدة أيام أصابها إغماء ليعلم أنها مصابة بالسرطان والذي أصاب النخاع العظمي، ليصيب صديقه الحزن ومن ثُم غابت عن البيت لتستقر في المشفى الخاصة بالسرطان لعلها تتلقى العلاج وتشفى.

تحدث كرستيان مرة أخرى فقال:
-لا أملك المال لعلاج أُختي يارجل كيف لي أن أتزوج؟.
وضع وجهه بين راحتيه ليقول كريشنا:
-هون على ذاتك.. فليرزقك الرب بمال وبنين أيضا، ويرزق أُختك الشفاء العاجل، لا تحزن يا أخي فقد تعلمت في تلك المدة الصغيرة التي تعرفت بها على العالم والحياة أن هذا الكون كله يأخذ ويعطي، قرأت كثيراً في تلك المدة القصيرة لأجد أمثلة عن هذا علاوة عن عدم دوام الدنيا، والسلطة، والمال في يد شخص واحد.. فالزعيم غاندي قرأت إنه مات وهو يدافع عن قضية ما، لكنه في النهاية مات وذكراه خالدة حتى الآن وابنته من تكمل المسيرة من بعده أمام الفاسدين.. فالرب قادر على أن يرسل لك معجزة تدافع عنك بل تنتشلك كحال الهند مع غاندي وابنته والانجليز ايضا.

تنهد كرستيان ومن ثم تبسم له ليقول:
-أنت أخي الذي لم يلده أبي.. أشكرك.
ليبادله الابتسامة ناظراً له باهتمام وما تفوه به قد دار في باله يطبقه علي ذاته ولذاته يقوله.


كان يعمل على الألة الخاصة به ليأتيه أحد الأشخاص يأمره بفعل شئ ومن ثم رحل ليلتفت ناظراً لطيفه ومن ثم هام في حدث ما..

عودة للماضي

أثناء عودته للمنزل الخاص به، وأثناء سيره الذي كان ملئ بالتوبيخ لذاته؛ فهو قد قسى عليها.. كيف لن ألا يرى تعبها عليه وخوفها أيضا الذي كان بادِ منذ زمن، حتى حبها له فقد عُمي عن كل هذا.

سار وما إن دلف إلى منزله حتى وجد شئ ما يهبط على رأسه حتى فقد الوعى.
دقائق لا يعلم عددها بالضبط لينهض بتأوه.. وضع يده على رأسه يشعر بدوار يطيح به، نهض رغما عنه متحاملاً على ذاته ليذهب للثلاجة ومن ثُم يُخرج منها ثلج ليضعه على مكان الإصابة ليجلس بتعب وتألم يحاول في إيجاد سبب لهذا الأمر.. فحتى المنزل لم يكن مبعثراً لذلك لم يسرق شئ.
أغمض عيونه محاولاً أن يتغاضى عن هذا الأمر حتى يعود إلى جدته دون أن ترى ما أصابه.

لاحظ أن شئ ما بيده، نظر ليجدها مجروحة ولذلك تؤلمه فلم يعطيها أي اهتمام.

عاد بعد ساعة تقريباً حيث بريا، فما إن وجدها همس لها بقوله:
-أريدك أن تري الجرح.
تعجبت وهي تتفحصه بعيونها وما إن رأت الدماء حتى شهقت بخفة ومن بعدها اصطحبته لتضمد له الجروح.
كانت متعجبة لتقول:
-يجب عليك أن تفهمني في هذه اللحظة.
أجابها متنهداً:
-هناك اشخاص أتوا للمنزل فضربوني على رأسي ففقدت الوعي، وما إن استيقظت لم اجدهم.
اغمضت عيونها بريا فقالت:
-أعتقد إنهم لصوص.
حرك رأسه بالنفي فأجاب:
-لا ليس كذلك فلا يوجد شئ تم سرقه من المنزل، لقد تفحصت كل شئ.
ما إن انتهت حتى جلست أمامه لتقول:
-بماذا تشعر الآن؟
اغمض عينه وفتحها ليجيب:
-دوار خفيف لكنني بخير.
لمحت يده فقطبت حاجبيها ومن ثم قالت:
-هل قمت بأخذ دواء ما قبل أن تأتي إلى هنا؟.
أجاب بالنفي متعجباً لينظر لما تنظر له فهي يده ومكان الجرح بالتحديد؛ لتمسك بيده تتلمس الجرح فقالت:
-عجبا.. فهذا مكان لدواء قمت بحقنه.
دقق النر ومن ثم قال:
-لا لا من الأكيد إن الأمر قد اختلط عليكِ.
أماءت وهي تترك يده فقالت:
-حسنا! اعتقد ذلك.
نهضت ومن ثم اتت إحدى الممرضات لتقول:
-أيتها الطبيبة بريا! هناك إجتماع طارئ.
نظرت لها بتعجب فقالت:
-مع من؟.
-جميع العاملين بالمشفى مع صاحب المشفي.
أماءت لها والتفتت لكريشنا ما إن ذهبت الممرضة فقالت:
-علي الذهاب أظن الأمر خطير للغاية.
-ما السر في اجتماع المدير معكم؟.
حركت رأسها بعدم المعرفة وهي تعدل من هيأتها وهي تجيب:
-لا اعرف من هو، لم أراه من قبل حتى.. أعتقد أن هناك شئ خطير قارب على الحدوث.. علي الرحيل.

خرجت من الغرفه لتصطف جانباً؛ فصاحب تلك المشفي قد اتى ليقف الجميع باحترام، نظر كريشنا وهو خارج المشفي لتتسع مقلتيه ما إن رأه، لينتظر اللحظة الحاسمة ومن ثم جذب بريا بقوة واغلق الباب بهدوء لتقول بتعجب:
-ماذا بك كريشنا؟.
اجابه بزهول وهو يشير الي الخارج:
-إنه هو.
لم تفهم ليكمل هو:
-الطبيب آريا.
لتتسع مقلتيها بزهول..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي