الفصل الثامن عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثامن عشر

الحق دائما وأبدا يمتبك أصعب الطرق وأخطرهم، بل هو دائما يُنتقد ونادرا ما تجد من ينصر الحق ويسانده، بل ويجعله ظاهرا في الضوء دون خوف من أن يؤذى.. فالخطأ ما ايسره ولا يعلم الخطائون هل المنافسين لهم يتمتعون بالغباء أم ماذا؟ لا يعلموا أنهم هم الخاسرون وليس المحقون...

في صباح اليوم التالي
استيقظت الجدة لتتعجب ما إن وجدت كلا من كريشنا وبريا مازالا نائمين لتذهب بقولها:
-لماذا لم ينهضا؟ سأذهب لكي أُقظهم.
تقدمت لتدق بابهم بهدوء، لحظات وقد شعرت إنهم لم يستمعوا لتدق مرة أخرى وهي تهتف بإسم بريا.
لحظات وقد فتحت الباب أخيرا بنعلس لتقول:
-جدتي! صباح الخير.. هل أنتِ بخير؟.
اماءت لتقول الجدة بتعجب:
-نعم أنا بخير، لكن أنتم ماذا بكم؟.
قطبت بريا حاجبيها وهي تضع يدها على رأسها تحاول استعاب ما يحدث لتجيب بعدم تركيز:
-لا اعلم ماذا تقصدين.. نحن بخير.
اغمضت الجدة أعينها تحاول أن تجاريها بالحديث لتقول بتعب:
-بريا! استفيقي من هذه العفوة الساعة الثامنة صباحاً، لما لم تنهضوا حتي هذا الوقت؟.
ضربت بكفها على جبينها لتجيب وكأنها قد تناست:
-يا اللهي لقد تناسيت.. فأنا لم أذهب إلى العمل، وكريشنا كذلك.
قطبت الجدة حاجبيها لتجيب بعدم فهم بتساؤلها البديه:
-لماذا كريشنا ياترى هو الأخر؟.
كانت بريا تسند رأسها علي الباب وتذهب في غفوة مضحكة للغاية لتنكزها الجدة فاستفاقت بفزع خفيف مجيبة:
-لقد تم اغلاق المصنع حتى تهدأ الأوضاع الصحية.
نظرت لها بحزن ومن ثم مسدت على خصلاتها بقولها الهادئ:
-عودِ لنومك ابنتي.. اعتذر.
ذهبت سريعا لتعود بريا بالفعل إلى النوم بجانب زوجها.
سارت حيث غرفتها لتشعر للمرة الأولى بالوحدة، تلك التي لم تشعر بها من قبل في هذا المكان الناءِ في الهند بصحبة كريشنا فقط.
كيف لشخص أن يشعر بالغربة بين أفراد عائلته، وللحظة شعرت بالغيرة كونها أصبحت في المكانة الثانية عند حفيدها كريشنا، ذلك الصبي الذي كان هو كل حياتها وهو لا يعرف بالعالم أحد سواها، كان يسرها وكانت هي بئر اسراره.
دق قلبها للحظة لتضع يدها على موضع قلبها ومن ثم شعرت أن عبراتها تُذرف دون شعور منها، نعم تشعر بالغيرة..
حاولت أن تنهي هذا البكاء لتنهض تقوم باعداد الافطار.

في مكان أخر حيث يتواجد آريا، كان متواجد في معمله يقوم بالعديد من المحاولات والتركيبات حتى نجح أخيراً بعد طيلة هذا الليل في الوصول للمراد.
تبسم بنجاح ليقول:
-عظيم يا آريا.. أنت بالفغل عظيم، كيف لك أن تكون ذكياً لكل تلك الدرجة، فلم تمرء عدة ساعات وقد وصلت للتركيبة الصحيحة.
نزع القفازات الطبية وكذلك القناع الطبي ليقول بتنهيدة ارتياح:
-علي فقط أن أقوم بتجربة هذه التركيبة في القريب العاجل حتى أكون واثقاً من الفوز في هذا التحدي أيضا، فالأمر يظهر إنه ممتعاً بالنسبة لي ومربحاً أيضا.

عودة ل كريشنا
الذي استيقظ من نومه وهو يحك عينيه لعله يستفيق، تقدم ليجد جدته تقف في المطبخ تعد الإفطار بصمت تام.
تقدم منعا ببسمة صباحية جميلة فقال:
-صباح الخير جدتي.. ماذا تفعلين؟
اجابته وهي لم تلتف له فعي تفعل شئ على الموقد فقالت:
-صباح الخير.. أقوم باعداد البيض مع الجبن.
تعجب من نبرتها ليقول مترقباً بتساؤل:
-جدتي! هل أنتِ بخير؟.
اماءت وهي تتنقل في المطبخ مجيبة باختصار:
-نعم.
لم يشعر إنها بخير أيضا وما زاد من شعوره بهذا هو اجابتها غلى سؤاله الأخير هذا.
كاد أن يتحدث مرة أخرى لتستيقظ بريا وهي تقول بتعب:
-كريشنا! اشعر وكأنني لست على ما يرام.
تقدم منها بلهفة فقال:
-بماذا تشعرين؟.
أجابت وهي تستند على الجدران:
-لا أعلم ولك..
وقبل أن تكمل كانت تشعر بالإيعاء لتركض سريعاً للمرحاض.
تأفف كريشنا ومن ثم قال بضيقة:
-أعتقد ان رائحة البيض هي من جعلتها تتقيء هكذا.
توقفت الجدة التي كانت تشعر بالقلق عليها، لتغلق الموقد سريعا ودون أن تتحظث قامت بالقاء البيض في سلة القمامة، نظر كريشنا لها لتقول قبل أن يتحدث:
-لقد تم إلقائه في القمامة والآن اذهب إلى زوجتك وأنا سأقوم باعداد مشروب ساخن لكي يهدأ من تعبها، فإذا أتت إلى هنا ستستنشق هذه الرائحة مرة أخرى وسوف تتعب ثانية.
لم تدعه يقول شئ ليجيب عليها فقامت بالالتفات للموقد مشعلة أياه، أما هو فتغاضى عن هذا الأمر ليذهب إلى المرحاض ليرى ماذا يصيب زوجته.

عودة لآريا.
كان يجلس في المصنع الخاص به بعدما أمر الجميع باخلائه ليقول لإحد رجاله فقال:
-عليكم أن تؤتوا بأحدٍ ما لكي أجري عليه تلك التجربة.
نظر له إحدى رجله فقال:
-ومن أين سنأتي به، فالجميع ليس متواجد ونحن عندما كنا نأتي بإحد ما فعندها كنا نحصل عليه من عمال المصنع.
نظر له آريا بقوة ليقول بأمر صارم:
-ستفعل ما أمرت به وبأي ثمن وإلا..
صمت يعطي عدة تعبيرات بوجهه مكملاً:
-ستكون أن بدلاً منه.
ابتلع الأخر ريقه ليقول الأخر ونبرته تحتوي على رجفة جاهد ليكبتها:
-حسنا.. سأفعل.
لينصرف سريعا ولا ينطق ببة شفه، أما الأخر فقد قام باكمال عمله.

عودة لمنزل كريشنا والذي قام بمساعدة بريا حتى تجلس على الفراش مسند اياها ليقول:
- لا تقلقي ستأتي جدتي بالمشروب الساخن وسيكون مفيدً لكِ.
اماءت له دون حديث لتعيد رأسها للخلف مغمضة عينيها من كثرة تعبها، أما سونيا فقد أتت بالمشروب الساخن لتجلس على طرف الفراش أمان زوجه حفيدها لتقدم لها هذا المشروب بقولها:
-تفضلي عزيزتي فهذا سيكون مفيدً لك وستُشفى عاجلاً. التقطت منها المشروب لتحتسي ببطء ولكن شعرت بالتقزز لتقوم سريعا:
-جدتي ان رائحته تشعرني بالإيعاء.
اجابتها بهدوء وهي تعلم كل هذه الأعراض:
-نعم أنا اعلم.. حاولي ألا تستنشقي رائحته فهو فيه دواء لعلتك.
استجابت لها لتفعل ولكنها لا تستطيع لتركض مره ثانيه الى المرحاض تاركة الكوب بيد الجدة سريعل:
-نظر كريشنا لجدته فقال ببعض الضيق:
-جدتي ألا يوجد مشروب اخر سوى هذا؟.
نهضت الجدة لتقول بجمود:
-ماذا هناك كريشنا هل أنا سأضرها أو أضر ابنك؟ الأمر مفيد وهذا سيمنع التقيؤ وسيشعرها بالتحسن وإذا رأيت إنك تريد شيئاً أخر فأفعله بذاتك.
كاد أن يتحدث لكنها وضعت كفها أمام وجهه لتمنعه من الإجابه قائلة بغضب:
- سأذهب إلى غرفتي، وعليك أن تذهب بها إلى المشفى فكثرة التقيؤ ستجعلها تُصاب بالجفاف خاصة إنها لم تأكل أو تشرب شيئاً.
وقبل أن يجيب كانت هي ذاهبة من امامه عادة.
نظر لطيفها لكنه شعر ببريا قد أتت إليه وهي تستند على الحائط ليقول لها سريعاً:
-سأقوم بمهاتفة المشفى التي تعملين بها لكي يعلموا إنني سأتي بكِ حتى يقومون باللازم معك.
ليفعل هذا ومن ثم قام بمساعدتها لتبديل ملابسها لياخذها دون ان يقول لجدته ومن بعدها خرج من الباب، وما إن اغلقه حتى جلست الجدة بحزن دفين فهي كانت قاسيه عليه، والغيره هي ما تجعلها تفعل كل هذا وتتحدث بكل تلك القسوة والصرامه معه، فكرت ملياً لتعاهد ذاتها على أن تُصلح هذا الأمر ما إن يعودا من المشفى داعية أن تكون بريا في أحسن حال هي وطفلها.

أسرع كريشنا حيث المشفى لتستقبلهم صديقتها التي تعلم بحالتها لتقول موجهة الحديث إلى كريشنا:
-سأقوم بتعليق بغض المحاليل لها فهي لم تأكل منذ زمن طول غير أنها تتقئ كثيرا وهذا غير صحيح لأجلها ولأجل الجنين.
اماء لها لتقوم تلك الصديقة بتنفيذ ما قالته سريعاً، أما كريشنا فقد قام بوضع يده على خصلات بريا التى استطالت الفترة الأخيرة لكنها بدأت بأن تفقد جودتها بفعل تعبها وجنينها أيضا.
تحدث بقوله الذي يخفف عنها قليلاً:
-هل ستحبين هذا الطفل المشاكس الذي أتعب والدته؟.
ضحكت بخفة وهي لا تستطيع مجيبة:
-نعم سأحبه كثيراً.
نظر لها بترقب ليقول لها متسائلاً:
-حتى أكثر مني؟.
أماءت له رأسها وهي تضع يدها على موضع جنينها فقالت:
-أكثر من أي شخص في هذا الكون.
اتسعت مقلتي كريشنا بصدمة فقال متسائلاً بتذمر طفولي نجح في اصطناعه:
-ماذا فعل لكِ لتحبيه أكثر مني؟ فهو أتعبكِ لكنني اسعدتكِ.
تبسمت له مجيبة بعقلانية:
-أنا من حملته بداخلي، وشعر بي في كل لحظة وسيظل يشعر بي بكل لحظاتي القادمة، بالحزن والفرح، بالتعب بكل الشعور.
تراه يظهر غضبه وتعلم إنه يمزح لتقول له ممازحة إياه:
-هل أنا قمت بحملك بين أحشائي مثله؟.
ضحك رغماً عنه بسبب سؤاله ليصمت للحظات شارداً في أمر ما.
لاحظت شروده لتسأل بقولها:
-ماذا بك؟ لماذا صمت فجأة؟!.
نظر لها فقال:
-أتسائل ما هو شعور الابن تجاه والدته؟.. هل بالفعل يشعر بها، وهل سيظل كذلك طيلة العمر؟.
تنهدت مجيبة بكل تأكيد:
-لا الأمر سينعكس.. فهي من ستشعر به وستعلم ماذا به بنظرة واحدة ودون أن أتحدث، فوالدتي كانت تعلم ماذا بي ما إن دلفت من باب المنزل.
كازت تقولها بشرود ولكنها انتبهت على حديثها لترى لمحة الحزن والفضول ي معرفة هذا الشعور ليضحك بسخرية قائلاً:
-يا لسخرية القدر.. فوالدي قد تركاني سوياً، الأمر مثير للشفقة أليس كذلك.
دب الدمع أعينها تشعر بالحزن وإنها قامت بدب هذا الحزن ألى قلب زوجها، ولكن ما أوقف طوفان هذه المشاعر هو تقدم صديقتها التي رأت عبراتها لتقول بمزاح:
-لا لا ليس كذلك، إن بكيتي فسيصبح الطفل مثلكِ تماما.
لتبتسم وهي تزيل عبراتها.

أما عند كرستيان
فقد كان هابطا من منزله بعدما اطمئن على شقيقته التي خرجت من المشفى منذ عدة أيام ليقوم هو بالاعتناء بها ولا يعلم ما الذي يفعله لكي تشفى تماما، اعتلى سيارة أجرة؛ ليقرر أن يذهب حيث المصنع.. مكان عمله الذي تم اخلائه بالكامل؛ لأنه تذكر أن لديه عدة ثياب خاصة به قد تركها هناك، بالإضافه إلى بعض المتعلقات التي كان يتركها في خزانته الخاصة.
بالفعل قد وصل في خلال عدة دقائق صغيرة ليدلف داخل المصنع بعدما حدث رجال الأمن ليأذنوا له بشرط أن يخرج خلال خمس دقائق لا أكثر من ذلك وإذا طال الأمر سيستدعوه بأنفسهم.
انصاع لهم ليقوم سريعاً بالذهاب إلى المكان المتواجد بها الخزائن ليفتح خزينته الخاصة ويخرج ما يريد اخراجه ليحصل عليهم، وبعد ذلك قرر أن يذهب حيث آتى؛ ولكن قبل أن يذهب ضٌرب في احدى الأشخاص ولم يكن يراه، حيث إنه كان ينظر في الحقيبة التي بيده ويتفحص ملابسه جيداً ليفزع من وجود شخص أخر في المكان.
نظر له ليقول بأسف:
- اعتذر منك سيدي لم أكن أراك فقد كنت منشغل قليلاً.
نظر له هذا الشخص ليقول مترقباً ولكن الصرامة كانت المسيطره على الموقف:
-من أنت وما الذي آتى بك إلى هنا؟.
اجابه كريستيان بعدما سيطر على خوفه ونبرة صوته ليقول:
-قد جئت لكي احصل على ثيابي التي تركتها في الآونه الأخيرة هنا.. فأنا كنت أعمل هنا ولكن على الماكينة المتواجدة في الطابق الأسفل.
نظر له هذا الشخص من أعلى لأسفل وكأن بباله شئ ما، ومن ثم تحدث ليقول:
-ما اسمك؟.
اجابه على الفور ليقول:
-كريستيان سيدي.
ليسأله مرة أخرى وهو يفكر:
كم هو عمرك؟.
ليجيب ثانياً:
-عمري ثلاثون عام سيدي.
ترقب ليعلم ماءا به هذا الشخص ولكن في نهاية المطاف دعوه شانه ليشكر الله في سره ذاهباً سريعاً قبل أن يأتي أحد أخر يستجوبه مثل هذا.
خرج أخيراً من المكان وهو يتساءل من هذا الشخص، ولماذا لم يسأله هو الآخر عن عمله في هذا الوقت في ذلك المصنع الفارغ، ولكنه عاتب ذاته ليقول:
- هل أنت جننت كريستيان! من الممكن أن يكون من رجال الطبيب آريا الذي يبعثهم كل يوم لفعل شيء ما، فمن الأكيد ومن هذه الثقة التي كان يتحدث بها يكون آتي لفعل مهمة ما قد أُمر بها من قبل الطبيب.
لحظات وقد نظر يميناً ويساراً ولم يجد سيارة تنقله للمنزل ليقرر أن يكمل طريقه سيراً على الأقدام، سار في طريق النائِ ولكن شعر وكأن أحدهم يسير خلفه.. التفت سريعاً وما إن التفت حتى تم اعطائه مخدر ليغيب عن الوعي مرء الوقت ولا يعلم كم مرء ليبدأ في استعادة وعيه، قد استفاق وعيونه زائغة بل ويداهمه دوار قوي. نظر حوله يحاول أن يتعرف على من حوله لكنه لا يستطيع.
كان يتحدث بأشياء لم يعرفها، لكنه ما إن استفاق كلياً حتى تعرف على أحداً منهو وما إن تذكر حتى قال بصوت خافت:
- أنت من قابلتك في المصنع اليوم أليس كذلك؟
اماء له ضاحكاً ليكمل كريستيان بخوف متسائلاً:
-لماذا أتيت بي إلى هنا ولماذا بتلك الطريقه؟ هل هناك خطب ما أم إنني قد أخطات بشيء ما؟.
كان مرتعب بالطبع لكنه حاول أن يسيطر على أفعاله. اقترب منه هذا الشخص ليميل براسه يهبط بها  إلى مستوى كريستيان الذي كان يجلس على المقعد مقيد اليدين ليقول له بنبرة اخافته اكثر:
-أريدك في فعل شيء ما.
نظر له كريستيان مترقباً ما الذي يريده ليكمل هذا الشخص بقوله:
-ما رايك أن تصاب بهذا الفيروس المنتشر عن قصد في سبيل أن تُشفي شقيقتك من هذا الفيروس أيضا والذي اصابه رغما عنها.
نظر له بصدمه وهو لم يستعب ماذا يقول ليسأل كريستيان وهو متأثراً بحديثه مصدوماً:
- بعتذر ولكن أنا لم افهم اي شيء.
ابتعد عنه ضاحكا ومن ثم نظر للجميع ليقول بثقة لهم:
-لا تقلقوا فإنه سيوافق حالا.
ظل ناظراً إليهم بصمت ولا يعرف ماذا يقول..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي