الفصل الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الثالث

بينما أنت تهرب من القدر، يؤتيك هرولاً لتتقبل ما آتاك به، والذي هو مغلف بالشر في عيونك أما في باطنه الخير الكبير.

تقدم كريشنا بهدوء غير مصدق لما يراه.. كيف لجدته أن تأتي إلى هنا؟ وكيف علمت المكان من الأساس؟!.
الأمر كان مريب للغاية، تقرب منها ليتلمس يدها بأصابعه يحاول أن يستوعب ما يرى.
أما هي فلا تستوعب لانها تحت تأثير المخدر، لكنها تراه.. عيونها تذرف الدموع رغما عنها.
نظرت له بريا لا تعلم ما السر خلف هذا الإندهاش البادِ في عينيه، والعبرات التي تتلألأ في مقلتيه، حتى تلك العجوز تتطلع باللهفة ذاتها.
وللحظة جثى كريشنا على ركبتيه ليقول:
-جدتي! سامحيني أرجوكِ؛ فالأمر لن يكن بيدي.
مسدت على خصلاته مروراً بوجه تشتاق لملامحه.
تحدثت بريا بينها وبين ذاتها فقالت:
-أها.. الآن فهمت، سونيا ملهوترا وكريشنا ملهوترا!.
مطت شفتيها وهي تتعجب كيف لم تلتفت لتشابه الأسماء.
تحدثت الجدة بقولها:
-كريشنا! كيف تتركني؟.
أزدادت عبراته ليجيب:
-اقسم انني كنت على وشك العودة جدتي؛ لكن الرغبة المُلحة في اكتشاف العالم هي من جعلتي اتمرد.
قبل ظهر كفها ومن ثُم سأل:
-كيف أتيتِ إلى هنا؟.
جاهدت في أن تخرج الحديث من فمها لتقول أخيرا:
-علمت من الحافلة التي غادرت بها.. فأنا كنت رأيتها من قبل، قبل أن تغادر دون علمي وتو وصولهم لقريتنا.
أماء بهدوء وهو يتشبث بيديها ومن بعدها أكمل تساؤله فقال:
-وكيف مرضتِ لتصلي إلى تلك المرحلة؟.
تحدثت لتتذكر ما حدث معها بقولها:
-ما إن وصلت إلى المطار الخاص بمدينة لندن حتى قمت بايقاف سيارة أجرة لاعتلها وأنا لا أعلم كيف لي أن أصل لك.. ولكني قلت له أن ينقلني إلى أقرب فندق لأستريح به، علمت بعد ذلك إنه استغل جهلي بالبلاد فاضل الطريق عن عمد، وعندما شعرت أن هناك خطب ما طلبت منه أن يوقف السيارة ليفعل ولكن في مكان ناءِ لا زرع فيه ولا ماء.. التفت من حولي لعلي أجد ما يرشدني؛ لكن الأمر ازداد سوءا عندما خرج إلي ثلاث من قطاع الطرقات لأتوسل إليهم أن يدعوني وشأني وكأن آذانهم صمت، أتى من ضربني على رأسي لأفقد الوعي ومن بعدها فتحت عيني الآن لأجدني هنا في هذا المشفى.
بدى عليه الغضب الشديد، فعيونه قد تحولت للون الداكن ومن حولها أحمراراً شديد، حتى أن وجهه قد تحول وفشلت بريا في فك شفرات وجهه.
نهض وقد تعبت جدته من الحديث فغابت في سُبات عميق، لينظر إلى بريا قائلا:
-من الذي آتى بها إلى هنا؟.
تعجبت ولا تنكر إنها خافت قليلاً، لتقول مغاضية عن خوفها مجيبة:
-لا أعلم.
-وكيف أعلم؟.
كان سؤاله الصريح لتقول مفكرة:
-ممكن أن ترى كاميرات المراقبة.
-حسنا! قوديني حيث المكان.

ليذهب تاركاً إياها في حيرة من أمرها، فكونه يغضب للمرة الأولى أمامها بهذا الشكل، فالأمر مرعب للغاية.
تخطت هذا الأمر لتذهب خلفه تريه ماذا سجلت الكاميرا في هذا اليوم وبعد عدد من الدقائق لا يعرف كم هي بالضبط ق توصلوا لمن أتى بها، ليقرب الصورة لكي يراه جيدا.. وفي تلك الأثناء أتت الممرضة لتقول:
-لقد علمنا أن من قام بتوصيل السيدة سونيا شخص يُدعى جون، لكننا لم نتمكن من الوصول له منذ بحثنا عن أقارب لها لتوقيع التقرير الخاص بالعملية؛ فهاتفه لا يستجيب.
نظر لهم ليقول:
-أُريد أن أطلع على كل المعلومات التي سجلها لديكم حتى لو كانت خاطئة فأنا أود أن أشكره.
نظر للصورة لكي يحفظ شكله ومن ثم ذهب لتتطلع بريا لطيفه؛ فهي تعلم أن الأمر ليس كما قال.

عودة للحاضر
ركض صاحب هذا القناع سريعاً بعدما علم أن هناك شخص ما كاد أن يسقط لكنه أتى سريعا لينقذه ليتفاجأ الجمع من هذا الشخص الذي يختبأ خلف هذا القناع ولا يرغب بأن يعلم أحداً بهويته.
أنقذ هذا الذي كاد أن يسقط من أرتفاع كبير ليضع على سطح الأمان.
تنهد هذا الشاب ليقول بقلب يرتجف:
-أشكرك يا أخي فأنت أنقذت حياتي.
رفع عينه لينصدم من هذا القناع الأسود الذي لا يعلم من خلفه، تحدث بتردد فقال متسائلاً:
-هل أنت بطل خارق؟.
تبسم صاحب القناع مجيباً:
-لا.. أنا شخص عادي.
-ما اسمك؟.
-هل سيفرق معك هذا الأمر؟.
-نعم.. فكلما تذكرتك سأدعو لك الرب أن يحقق لك ما تتمنى.
ازدادت بسمته ليقول بهدوء:
-إذا فأنا أدعو كريش.
ليتركه ومن ثم سارع بالاختفاء حتى لا يراه أحد.
تعجب هذا الشخص ليسارع باخراج هاتفه ومن ثُم بدأ باخراج الهاتف ليقوم بتوثيق هذه اللحظة في بث مباشر وما إن فتحت الكاميرا حتى قال بحماس:
-يارفاق! لم تفهموا ما حدث معي للتو.. كنت اسير علي إحدى الكباري الجدد الذي لم يبدأ ب العمل بعد، لينهار الكبرى ولكن هناك ملاك قام بانقاذي.. لم يكن ملاك بل هو بطل خارق، يرتدي قناع أسود، ولم تصدقوا الأتى.. فهو يطير..
صمت قليلا يبتلع ريقه ومن ثُم قال:
-أنا حتى الآن لا أصدق والكثير منكم سيجدونني قد جُننت لكني في الحقيقة لم أجن بعد.. حسنا سيأتي اليوم الذي يظهر فيه إنني أقول الصدق ووقتها ستندمون.
ليغلق الهاتف فهناك تعليقات تكذبه.

في منزل مالهوترا
كانت بريا تقف تعد بضع أصناف من الأطعمة وهي في قمة سعادتها، ترتدي منامة قصيرة بيتية.. تطلق لخصلاتها التي استطالت بعض الشئ العنان، أنا عيونها العسلية اللون فحقا لمعانها يزيدها جمالاً.
تدندن بعض الكلمات التي تستمع لها عبر هاتفها بأغنية هندية تعشقها، أغنية كلما استمعت لكلماتها تغمض عيونها وتحلم بأنها بين الزرع الأخضر الناضج أمام منزلها الصغير الذي وُلدت به في بلدها الحبيب الهند وخاصة قريتها التي ترعرعت بها.
تذكرت اللحظة التي وافق والدها بها على ذهابها إلى لندن لإكمال دراستها، حيث أن والديها سعوا بأن تتعلم في أفضل المدارس في الهند لتصل إلى المدرسة الثانوية الأولى على الهند بأكملها بإجتهادها ومنها تم إختيارها هي وزميلة أُخرى لها باعطائها منحة للدراسة في الخارج، وبالفعل وافق والديها عندما علما إن رغبتها هي كلية الطب البشرى.
ولكن ما جعل وجهها تتغير ملامحه هي تذكرها لوفاة والديها في حادث سير، حيث انهما كانا ذاهبان لمنزلهما بعدما اطمئنا على شقيقتها التي زوجاها قبل ساعات.
أغمضت عيونها وهي تذرف الدموع؛ فهي تشتاق لهما وترغب في التحدث إليهما.. بالفعل تتحدث معهم كثيرا ما إن اشتاقت لهم، حتى إنها قدمت لهم كريشنا حبيبها وجعلته يتعرف عليهم.. فكم كان سعيداً وحبها أكثر من السابق ما إن عرفها تمام المعرفة، فكم هي بريئة ووحيدة لذلك تزوج منها على الفور بمباركة جدته.

شعرت به عندما دلفت رائحة عطره لأنفها لتغلق عيونها مبتسمة وهي تقول بحب واشتياق:
-لقد اشتقت لك.
ليحتضنها واضعا وجهه جوار وجهها ينظر ماذا تفعل، يلثم وجنتها وهو يقول مبتسماً:
-كيف لكِ ألا تراسليني كل عذه الساعات؟.
ضحكت بقوة والتفتت له قائلة بدلال:
-كنت أقوم باعداد طعامك المفضل بكل حب.
اتسعت مقلتي لتظهر عيونه الخضراء الداكنة وغمازاته الاي ظهرت بقوة ما ان تبسم ليقول بعدم تصديق:
-حقا فعلتيها! ولكن أخبريني.. ما سر هذا الفضل منكِ ياترى؟.
التفتت لتكمل ما كانت تفعل لتقول:
-سأُخبرك ولكن عليك أن تطمئن على جدتي الآن فقد ذهبت لحفل ذكرى زواج صديقتها.
ارتفع حاجبه ليقول بتعجب:
-حفل ذكرى زواج رفيقتها! من رفيقتها أتقصدي سالوني؟.
-بالطبع.. فانت تعلم أن جدتي وجدت ذاتها وكأنها بالهند ما إن وجدت الخالة سالوني فهي من الهند أيضا لتشعر بالأُلفه وهذا ما شجعها غلى البقاء بجوارنا ومعنا.
حرك رأسه بعدم تصديق ومن ثُم قال:
-كيف لجدتي أن تحرمني من كل هذا الجمال.
تركت بريا ما بيدها لتقول:
-سأقول لك من جديد.. كما أن هناك جمال، فهناك ما هو أقبح لا تراه حتى الآن.. فالقدير يعطي الخير والشر معاً.
تقدم منها فقال:
-أعلم هذا منذ الشهر الأول لي هنا.. لكن لا أرى الأكثر، أرغب في أن أرى الخير فقط.
مسدت على وجهه لتقول ببسمة تداعب قلبه:
-سترى كل الخير ما دمت معي.
ظل ناظرا لها ومن ثم عانقها بقوة وقد شرد في شئ أخر.

في مكان أخر كان هناك ذلك آريا الطبيب عديم الانسانية والذي يشاهد هذا البث الذي انتشر بشكل رهيب لهذا الفتى، فضحك الطبيب ومن ثُم أغلق الهاتف ليأتيه بعد ذلك مكالمة هاتفية أُخرى فقال المتصل بعدما فتح آريا المكالمة:
-سيدي لقد مات شخص أخر.
ارتفع حاجبي آريا ليجد.الأمر ليس بالطبيعي.. أغلق الهاتف دون رد ليمط شفتيه مفكراً في هذا الأمر.

في مساء هذا اليوم وبعدما أخذ كريشنا قيلولة، استيقظ ليغلق عينه من جديد ما ان استنشق رائحة العطر المفضل له الخاص بزوجته.
تبسم ما ان قبلته ومن بعدها فتح عينه ليقول:
-ما الأمر يا زوجتي العزيزه؟.
تبسمت بخجل ومن ثُم انهضته ليجد ذاته أمام مائدة مليئة بكل ما يشتههيةه هو، وموضوعة بطريقة رومانسية مصاحبة بالشموع والورود.
نظر لها متعجباً لتقترب من أذنه هامسة وفرح وهدوء:
-سوف نحصل على طفل بعد بضعة اشهر.
نظر لها بعدم تصديق، لتمسك بيده وتضعه علي بطنها ليحتضنها بقوة...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي