الفصل3

الفصل 3

الصدمة على وجهها، وهي تنفض عن عقلها ما وصل إليه من أفكار!

« بالتأكيد لا هو ليس كذلك؟!»

التفتت لتنعش جسدها بالماء البارد، بعد قليل خرجت من الحمام، لتجده يعد القهوة والفطور؛ كأنه يدرك أنها سوف تحتاج إليه...

_صباح الخير
_صباح الخير حبيبتي، هل أنتِ بخير؟

ارتبكت "صوفيا" وهي لا تعرف كيف ترد عليه! هزت رأسها بالموافقة، ثم نظرت إلى الطعام على الطاولة وهي تقول:

_يبدو أنك أعددت الفطور!
_ أرجو أن لا تعترضي أو يكون في ذلك إزعاجا أو تطفل؟

_على العكس أن رائحته تبدو شهية، ولكن أين تعلمت الطبخ يا جلالة الملك؟!

"راكان" يتحرك معها إلى الطاولة وهو يكمل حديثه :
_أيام الجامعة كنت أعيش في مكان بعيد عن المملكة، ولم أحب وجود خادمة في المنزل.

_ماذا درست؟

_سوف أخبرك كل شيء "صوفيا"، لأن هناك الكثير بيننا! ولذا عليك أن تعرفي عني أشياء كثيرة.

_أنا أرى ذلك أيضا "راكان"، ولكن هناك شيء غريب حدث بالأمس!

نظر لها وكأنه ينتظر أن تكمل كلامها!

_لقد حلمت بوجود ذئب في بيتي، هل تصدق؟

- أنه مجرد حلم صوفيا!

- لا، أنت لا تفهم أنا أكره الذئاب وأخاف منهم، ولم أحلم بها من قبل..

- لقد قلت أنه مجرد حلم ولكن لما تكرهين الذئاب؟!

_وهل تحبها أنت؟!

_بالطبع هل تعرفين أن الذئب كائن فريد من نوعه؟

_ ربما هذا من وجهة نظرك أنت يا راكان، لكني لا أحب الذئاب أنفر منها وأخافها.

نظرات عينيه كانت تحمل صدمة فماذا يقول لها؟ لقد عاشرتي واحد منهم بالأمس! وها أنت تحملي طفله دون أن تشعري، لكنه أثر الصمت وهو يقول:

_هل تعرفي إن في فترة دراستي كنت شغوف بكل شيء عن الذئاب؟

_ ماذا تعني؟!

_أعني أنني درست سلوكها وأنواعها و اخترت هذا النوع لأنه مختلف...

_في ماذا؟!

_في أشياء كثيرة صوفيا، أولا الذئب من الدم الملكي، الذئب لا يتزوج من المحارم، الذئب لا يتزوج إلا مرة واحدة يخلص لها وتخلص له...

_هذا جيد هناك بعض البشر لا يخلصو..

_أجل أعلم ذلك ولكن الإخلاص في الذئاب صفة مترسخة، وأيضا الذئب يرعى والديه؛ يوفر لهم الأكل والحماية عندما يتقدم بهم العمر...

_ما الذي تقوله؟!

_أقول الحقيقة صوفيا لقد تخصصت
في علم الحيوان، وسلوكه ومن أهم ما درست كان الذئاب، وهذا كان بعيد عن دراستي الأصلية حتى أرضي العائلة، أنت تعلمين أن العائلة تفرض عليك أشياء معينة...

_أجل راكان ولكني سعيدة بكلامك عن الذئاب! رغم أني سبق قلت أني لا أحبها ولكن يبدو أنك متأثر بها بصورة قوية.

_هل تريدين مني أن أكذب؟!

صوفيا: لا!

_ حسنا أنا أعتقد أن الذئب كائن فريد؛ فقد يكون الأسد والنمر أكثر قوة، وأكبر حجمإً لكن الذئب لا يقدم عروض في السيرك، لا يروض ولا يستأنس؛ لأنه ذئب..

الصدمة كانت تملا وجهها وهي ترآه يتكلم عن الذئاب، كأنه يتكلم عن والديه، هي بالفعل لا تعلم أنه نصف بشري ونصفه الآخر ذئب...


الصدمة التي على وجهها من كلامه جعلتها تهز رأسها وهي تقول:

_يبدو أن كلامك يحمل الحقيقة، كأنك عشت العمر بينهم...

_ليس كما تقولين، لكن أنا بالفعل متحيز للذئاب، وأحبهم..

_أياك أن تخبرني أنك تربيهم!

_لا تستطيعي أن تستأنسي الذئاب أو تؤيها في المنازل، إلا إذا كان مستذئب..

_ماذا تعني؟ هل تعني أن هناك بالفعل مستذئبين؟!

_لقد قرأت في هذا الموضوع كثيراً "صوفيا"، لكني لا أستطيع أن أؤكد لك ما أنت ناكرة له بالفعل.


إن كان كلامه صادم، فنظرة عينيه كانت أكبر من أي صدمة، هي متأكدة أن عينه لم تكن بهذا اللون بالأمس! أن اللون أصبح أكثر اصفراراً وكأنه يرتدي عدسات لاصقة...

وصل إليه أفكارها لم يدري ماذا عليه أن يفعل؟ هل يعبث بعقلها أم يبتسم؟ لكنه نهض وهو يقول:

- سأحضر بعض القهوة، هل ترغبين أن تشربي معي ؟

هزت رأسها بالموافقة وهي لا تعرف ما الذي يحدث لها، لمَ تشعر معه بالتشتت والضياع؟ لمَ تريد قربه؟ وفي نفس الوقت تريد منه أن يذهب!

وبأي عين قد تطلب منه الذهاب؟ بعد أن شاركته كل شيء حتى جسدها!

_صوفي أعلم أننا تسرعنا، ولكني لم أستطع تمالك نفسي؛ أمام جمالك الذي سلب قلبي وعقلي. 

_انا لا أعرفك! ولا أعرف عنك أي شيء!، وفي نفس الوقت لا أعرف لما حدث كل ذلك بهذه السرعة؟!

_أنا أعلم "صوفيا" أعلم بما تفكرين! ولكن لا أريدك أن تقسي على نفسك حبيبتي، فانا ادرك مكانتك في عيني وقلبي، إياك أن تظني أنني أفكر بك السوء،  لكن أريد أن أسألك عن شيء؟

- سل ما شئت راكان ماذا تريد أن تعرف ؟!

_هل مازلتِ ترغبين بذهابي؟

 نظرت له "صوفيا" مطولا وهي تفكر  «الآن أصبحت خائفة من ذهابك من أن ترحل وتتركني؛ لأعود لتلك الوحدة مرة أخرى» ولكنها أبتسمت له وهزت رأسها بالنفي 

رغم أن كل ما فكرت به وصل له إلا أنه قال:
_أن كان وجودي غير مرغوب به سوف أرحل ..

هنا هبت واقفة وهي تهز راسها بالنفي

_ أنا لا أريدك أن تذهب "راكان"، ولكن أن كنت مضطراً ، فلا أستطيع أن أمنعك، لقد أعتدت أن أعيش بمفردي.
وأتيت أنت في بضع ساعات لتقلب حياتي رأساً على عقب..

_ لم أقصد ذلك..

_ أعلم "راكان" أنك لم تقصد، ولكنك بالفعل جعلت حياتي  مختلفة، فهل يتغير الإنسان في بضع ساعات جلالتك ؟!

- هل تمزحين؟ قلت لك أن بإمكانك ان تناديني راكان، أو ألفا راكان.

_ هل هذا اللقب من بلدك؟!

_ أجل أنا لقبي الألفا..

 إبتسمت له وهي تقول :

-سوف أناديك بألفا 

أبتسم لها وهو يتحرك معها إلى حيث تجلس، وهنا بدأ حديث طويل، عن  أشياء مختلفة لم تكن تتخيل أنها موجودة، كانت اللحظات تمر عليهم في سعادة وهم يرتشفان من نبع الحب..

 وكأن "صوفيا" تركت لمشاعرها العنان، هي نفسها لا تعرف كيف تغيرت بهذه السرعة، كيف أصبحت امرأة محبة للحياة ولشريكها، ولكن هل هو شريكها؟!
أم هي تمزح وتكذب على نفسها ؟

هو ضيف أتى فجأة، وقد يرحل بنفس الطريقة التي أتى بها، ولكن هل تستطيع ان تتحمل بعده عنها ؟!

هل عليها أن تكتفي ببضع لحظات قد تسرقها من الزمن؟ قد تعيش عليها عمراً ولكن سؤال يطرح نفسه لم هي هنا؟

لم تعيش على حافة الحياة المدنية؟ لم تعيش في غابة؟ في كوخ  بعيد عن البشر!

 مرت الأيام على "راكان وصوفيا" وكل يوم تتعلق به أكثر، يغرقها في بحور عشقه، كل يوم عما قبله.


 ورغم أنها كانت تشعر بالخجل في البداية، إلا أنها انساقت وراء ما تشعر به أمام تلك السعادة التي تضج في شرايينها، وخاصة بعد أن تبخر إحساسها الفطري بالخوف منه، أو بمعني أصح الخوف من أن يكون ساديا!

 وما لاحظته وكان مفاجأة لها! أن ذلك الجرح التأم! ولكنه ترك علامة واضحة علي موضع النبض في رقبتها.

كانت تقف أمام المرآة تمشط شعرها، وهي تنظر إلى ذلك الوشم بتفحص، تركت المشط من يدها ورفعت أنامها إلى تلك العلامة البارزة، أخرجها من أفكارها صوت همسه من الباب

راكان: أسف!

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي