الفصل8

الفصل8

بينما كيڤن يستمع إلى العجوز داروس بصدمة، وهو يسبه وينعته بالعين.

لكن هو الآن الذي يقف في منتصف الطريق، هو الآن من عليه أن يختار ما بين أن يعيش صديقه المقرب، ولكن لن يكن على نفس الشكل، سيتغير وجهه الجميل!

سيتحول إلى مشوه وهو الذي كان يتباهى بشكله، ويظن أنه يستحق أن يكون في مكانه اكبر، مما هو فيه.

يظن أنه يستحق أن يقود جميع القطعان، وليس فقط قطيع الذئاب الشاردة، ولكن هل سيتحمل أن يبقى على تلك الصورة وجه مشوه وعين قد يفقدها؟!

أشياء كثيرة جعلته يتردد وهو يسأل داروس:
_ هل الجرح سيكون في وجهه البشري أيضا؟ أم في وجه الذئب فقط؟
_ داروس على ما أعتقد سيكون في الإثنين.

_ أي لعنة هذه التي تقولها أيها العجوز الخرف؟! كيف سيكون ذلك الجرح في الوجهين؟!

_ أنت تعلم كيڤن، أن ما يصيبنا ونحن على شاكلة الذئاب؛ يظهر على وجهنا البشري! لكنك خائف من إتخاذ القرار؛ لذا تحاول أن تجد كبشاً للمحرقة.

_ماذا تقول داروس؟!

_أقول أني لا ضير لدي من أن أكون هذا الكبش، ولكن عليك انت إتخاذ قرارا سريعا، قبل أن نفقده نهائياً

_ وهل تظن أنه سيسامحني؟

_ لا أعرف كيڤن، لكن كل ما أعرف يا بني، أنه صديقك المقرب، وانت الوحيد الذي تستطيع ان تحدد مصيره الآن..

_كيف ذلك؟

_عليك أن تختار أهون الأمرين، ما بين أصابته وموته.

_ربما يفضل الموت، ولكني لا أستطيع أن أتركه يموت، أيها العجوز داروس أفعل ما تراه صائباً، ولكن حاول قدر الأمكان أن تجعل الجرح صغير أو..

_ أو ماذا يا بني؟ هل تظن أنه بيدي؟ عليك أن تدرك الندبة ستظل في وجه سواء كان متحول إلى بشري أو إلى مستذئب؛ لذا عليك أن تأخذ قرارا هل أبدء بالعمل أم نترك رفاته يرحل.

_ عن أي رفات تتكلم أيها العجوز الخرف قم بإنقاذه وإلا قتلتك الآن.

إقترب داروس يضع تلك الأداة في النار؛ لتشتعل ويتحول لونها كالجمر! وذلك المسحوق الغريب ينثره على جسد ألفا درغان، وهو يتمتم بكلام لا يخص العالم البشري..

إلى طقوس يلجأ إليه قدماء المستذئين، طب بدائياً منذ بدايتهم، وهو يقرب ذلك النصل الذي تحول الى اللون الاحمر من فرط حرارته، من وجه درغان ورقبته التي لا زالت تنزف، حتى يوقف فقدان الدم أكثر.

في اللحظة التي أخذ فيها درغان يصرخ بصوت مرتفع، مع أرتفع جسده وإنتفضه، وهو ينزل علي الأرض مرة أخرى..

بينما ذلك العجوز لا زال يفعل ما عليه، يكمل كي الرقبة حتى لا يفقد المزيد من الدماء، ولكنه يعرف جيدا أن ذلك الجروح الطولي، سيكون مدعاه لسخرية من الفا درغان ولن يسامحه ولن يرحم شيبته...

ولكن ماذا عليه ان يفعل هو يحاول ان ينقذ عين درغان حتي لا يفقدها.

بينما دمعة خائنة فرت من عيني كيڤن، الذي اخذ يقول في سره:

_ لماذا كان كل هذا درغان؟! لم نحصل منهم على شيء؛ لم نحصل إلا على إصابتك وقد تفقد حياتك..

وكأنه يتكلم مع درغان نفسه، ولكن هل ينتظر منه رد، وهو على مشارف الموت، أبتعد خطوة لأنه لم يعد يستطيع تحمل ذلك الألم الذي يظهر على وجه صديقه، وذلك الصوت المرتفع الذي يصدر منه..

بينما باقي القطيع يتابعون من بعيد، لا يعرفون ماذا يحدث، امرهم بالخروج إلى خارج ذلك الكهف حتى يترك العجوز ليقوم بعمله على أكمل وجه..

أما هناك في مملكة قطيع الذئاب النارية في ذلك البيت القديم المتوارث، الذي يعد أقدم من الزمان نفسه، فذلك المكان الذي لا يجرؤ البشر بالذهاب إليه، لأن ذلك البركان قد يثور في اي لحظة..

كان قلب اللونا ينتفض، وهي تستمع الى ما يحدث داخل الغرفة ورغم ذلك لم تقوى على الدخول..

إلى أن إستمعت إلى صوت ذاكر الطبيب، الذي يحاول ان ينقذ الألفا إبنها الوحيد، وما أن قال:
_ يجب أن نجعله ينام أن نتركه في تلك الغيبوبة..

حتى نظر له جانو بصدمة وهو يقول:
_ ما الذي تقوله ذاكر؟ هل جننت؟

_ أسف ألفا ولكن هذا هو الحل الوحيد؛ ليقوم جسده ذلك الالم، لن يستطيع أن يتحمله وسوف يعلو صراخه في المكان، بالإضافة إلى أنه سياخذ وقت أكثر ليسعيد وعيه...

_بمعني هل تريد أن تتركه دون علاج؟

_ لا، لكن علينا أن نتركه ينام، ونلجأ إلى بعض المواد التي قد تساعده في ذلك.

_لا افهم ماذا تريد أن تقول؟!

_سأقول لك ما افكر فيه ألفا جانو الفا ركان يعجز عن التحول إلى بشري بصورة كاملة..

نظر له جانو وهو يهز راسه بموافقة

أكمل ذاكر: وأيضا لا يستطيع أن يرجع إلى صورة المستذئب بصورة كاملة، عينه بشرية تحمل خطوط حمراء، من فرط ما يشعر من ألم..

كان الطبيب يكمل كلامه بينما الألفا يستمع إليه في صمت، هو يرى أن ما يفكر فيه ذاكر يعد حلاً جيداً، ولكن هل يريد حل؟!

أم يريد أن يطمئن على إبنه ويستمع إليه، لو علي حساب راحته..

هل يتركه في تلك الغيبوبة؟ ويساعد في استمرارها! حتى يستطيع النجاة..

أم يحاول أن يسترده وليتألم لبعض الوقت؟!

الحيرة على وجه ألفا جانو جعلت ذاكر يخبره:
_ إطمئن سوف ألجا إلى الأعشاب الطبيعية متل الخشخاش والقنب لصنع الكريمات اللازمة للجرح...

_هذا جيد ذاكر

_ ولكن الآن سأحتاج إلى أن أحقنه «بماكس فون فورت» و«مورفين» قوي المفعول..

_ ليس هنا.

_ماذا تعني ألفا؟!

_ أنه لن يبقى في المستشفى سأستدعيهم ليحملوه إلى الأعلى ليستقروا في فراشه، لن يعامل على أنه مريض..

_ كما تريد ألفا لا يفرق معي المكان المهم أن يكون مستقر، ولا يتحرك لأي سبب..

_ سنحاول غرفته إن أردت إلى مستشفى..

لم تمر لحظة حتى كان أيوان وكارزن يدخلان، ليحملاه إلى الأعلى دون جهد، رغم قوته وجسده العضلي..

نظرة عين اللونا التي تحمل دمعة، كانت توضح أنها تتمالك نفسها قدر الإمكان..

بينما قائد الجيش والبيتا الخاص بألفا راكان يحملنه، وضعوه في فراشه كما أمرهم ألفا جانو، الذي تولى الحكم حاليا، في حاله غياب إبنه عن الوعي..

بدأ ذاكر يحقنه ب"المورفين" وبعض الأدوية المكملة غذائياً والمضادات الحيوية، بالإضافة لذلك المحلول المعلق به الامصال، التي تجعله يسترخي ويتعافى..

نظة عين جانو كانت تحمل الكثير ولكنه قال:
_هل سيكون بخير؟!

ذاكر: أجل ألفا سيكون بخير إطمئن

_ أتمنى ذلك ولكن أن كان يحتاج الى أن ننقله إلى..

دخلت اللونا وهي تقول:

_ إلى أين ألفا هل تريد أن تنقله لأحد مستشفيات البشر؟! هل تظن إنهم سيرحبون به؟! وهو يتحول تارة ما بين ذئب وتارة ما بين بشري؟!

_ لا أعرف إيفا كل ما أعرفه الآن أنني أريده أن يكون بخير.

_ أعلم عزيزي، لكنك تعلم جيداً أن البشر إن عَالموا بوجودنا سنكون صيداً لهم، ذاكر تعلم في جامعتهم الطب، ودرس كل شيء يخص الطب البشري والطب البيطري، وتخصص في كل ما يخصنا؛ لذا دعه يفعل ما يراه صائباً.

_حسناً إيفا كما ترين، لكني لم أعد أقوى على التفكير، هل تدركين أنني لا أستطيع التواصل معه؟!

_ أجل دوران أعرف أنك لا تستطيع التواصل مع جاك، وأنا أيضا فيروز لا تستطيع التواصل معه، ولكن المهم ان يبقى وإن أستمع إلى صدى أنفاسه..

_وأنا أيضا

_ لمَ تركته يخوض هذه الحرب؟ مع ذلك اللعين!

_ أتسالين ألا تعرفين إبنك أنه ذو رأس صلب، كأنه منحوت من صخر..

إقتربت منه، تلقي بنفسها بين ذراعيه المفتوحه لها، فهي منهارة وتدعي تماسك..

مرت الأيام وهو على نفس الحالة لا يتغير فيه شيء، يقومون بتغذيته عن طريق المحاليل والأمصال، يحقنونه بالادوية لتستمر تلك الغيبوبة ليتعافى جسده..

أو يستطيع أن يثبت على حال، ولكن كلما مر الوقت، ولا يحدث شيئا جديد، كانت دموع اللونا تغزو وجهها، وهي تنظر إلى إبنها بقلب ينفطر...

هل هذا هو ألفا راكان الذي كان يملأ الدنيا قوة وعنفوان؟ هل هذا هو راكان الذي حكم المملكة وهو في أوائل العشرينات من عمره؟!

لقد أستطاع في بضع سنوات فقط أن يحول المملكة إلى شيء آخر، أن يستغل ذلك الماس، ان يرسل دفعات منهم ليدرسوا في الجامعات البشرية

تلك السنوات كانت سببا لأزدهار قطيعهم، ووصوله إلى ما يريد..

ذلك الماس الذي أستطاع أن يخرجه من قلب البركان، ليساعد في ثراء المملكة وأمتلاكها لشركة الذئاب للشحن والنقل الجوي، وأشياء أخرى جعلتهم في الطليعة بين القطعان الاخرى..

هو الآن لا يزيد عن طفل، مر عليه أكثر من شهر، وهو لازال في فراشه، يحتاج من يطعمه..

حتى أنه لا يستطيع أن يهمس بعض الكلمات، كانت تجلس بجوار فراشه تقول:

_ أعطيني أي شيء يدل على إنك تسمعني، إشارة واحدة راكان، طمئن قلب أمك الملتاع عليك يا بني..

لم تتلقي رد فقالت:
_حرك حتى إصبع واحد أريد أن إطمئن.
وقف جانو بالباب وهو يقول: كفي لونا كفى.

_ لا أستطيع جانو لقد مر شهر ولم يستيقظ، لقد مر شهر كامل ولا زال في سباته..

_ ولكنه حي يا إيفا.

_هل أنت متاكد؟

_ ما الذي تقولينه؟ ألا تستمعين إلى أنفاسه؟!

_ ألا تستمع أنت إلى الأجهزه التي تحاوطه؟!

_ كفاكي تشاؤم إيفا، إبننا سيكون بخير، لقد وفرنا له ما يحتاجه وانا على استعداد أن أتي بكل شيء من أجل أن يتحسن، ولكن اهدئي..

اقترب منها يحرك كفه على وجهها، وهو يعيد ترتيب شعرها، ليضمها إليه فمنذ أن أصيب راكان وهي في حالة يرثى لها، تدعي القوه تارة وتنهار تارة اخرى..

بينما هناك في ذلك الكهف الذي عفى عليه الزمن، على ذلك الفراش البالي الذي ينام عليه درغان، كان يئن بصوت مسموع، وهو يحاول الاستيقاظ..

في اللحظه التي كاد فيها العجوز ان يبلل سرواله، وهو يخشى من المواجهة مع درغان، الذي قد ينهي حياته ما أن يدرك أنه أصبح مشوه..

وجهه مشقوق من الجهة اليسرى إلى طول عنقه جرح غائر، بشكل بشع يقسم حاجبه ويمر بعينه، التي لحسن الحظ لا زالت تبصر، وينزل على الخد إلى الرقبة...

نظرة عين كيڤن وهو يقترب منه ويقول:
_هل انت بخير درغان؟ هل تستطيع ان تسمعني؟! درغان رد علي يا صديقي..

لم يتلقي رد وما أن اقترب ليحرك يده فتح درغان عينه...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي