كيوان

نرمين عادل`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-25ضع على الرف
  • 262.8K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأولِ ريتالْ أحمدْ عبدِ الوهابْ

الفصل الأولِ: ريتالْ أحمدْ عبدِ الوهابْ>

أنهُ في تلكَ الليلةَ ، التي قذفني قلبكَ في العراءِ خارجا ، أخصَ نفسي التائهةِ ، أقودُ في شوارعَ تلكَ المدينةِ الغريبةِ عني ، أقودُ بلا توقفٍ ، لا أدري في أيِ اتجاهِ امشي ، ولا أينَ أرسو اتبعَ أضواءَ الشارعِ أدورُ يمينا ويسارا بعشوائيةٍ ، أصبحتْ أرى انعكاسُ عينيكَ على الزجاجِ الأماميِ .

لا لنْ أحنَ لأيامِ كسوتها بالخذلانِ والإرهاقِ ، وجعٌ يغزوني كلُ لحظةِ وكلَ ما أراكُ ، المحكُ ، وعندَ ذكرِ حروفِ اسمكَ ، ليتكَ تختفي منْ أيامي ، لحظاتي ، ليتكَ تختفي عنْ عينايَ ، ليتَ ربي يجعلني ضريرةً كيْ لا أراكُ يا وجعي ، سأفلتُ كلَ شيءٍ قدْ يهمسُ لي بكَ ، لا أريدُ لا رؤياكَ ، ولا لقياكَ ولا ذكراكَ ، ولا محياكَ ،

بربكَ اهجرْ دنيايَ هلْ لي أنَ لا أراكُ مجددا ، هلْ لكَ أنْ ترحلَ منْ أسطوانةِ أيامي . كيفَ تستطيعينَ يا أنا العودةُ لخرابِ دنياكَ وإلى مواطنِ الوجعِ ، آهٍ يا أنا ، كمْ تحملينَ منْ خرابِ النبضِ ، ما عدتُ أريدُ رؤيا ظلكَ ، ما عدتُ أطيقُ رؤيةُ ملامحكَ ، ألا تشعرَ بأنكَ وجعٌ يتنقلُ في كلِ ناحيةٍ ، كيفَ استطعتُ أنْ تهدمَ إنسان أحبكُ وخافَ ربهُ فيكَ ، كيفَ استطعتُ إبكاءُ أعينٍ عجزتْ الهدائمْ إبكاؤها ،

كيفَ لكَ أنْ تميتَ قلب طاهرٍ في الحبِ ، ليتني أستطيعُ أنْ أرحلَ بعيدا عنْ دنياكَ وتنتهي قصةُ حطاميَ . كانَ لا وجههُ لي إلا هناكَ ، حتى دخلتْ شارعا طريقهُ مسدودٌ تماما كما الطريقُ ، إلى قلبكَ فتركتْ سيارتي هناكَ ونزلتْ وأخذتْ أسيرهُ بسرعةِ شديدةٍ ، لا أعلمُ أينَ سأذهبُ ؟ وصلتْ إلى ذلكَ الشاطئِ ، الذي قلتُ لي سابقا أنَ الحيتانَ ، تتجمعَ هناكَ وشاهدتها منْ بعيدٍ ، وهيَ تخرجُ المياهُ إلى أعلى وتسبحَ تمنيتَ أنْ أكونَ مثلهمْ ،

أنْ أسبحَ في المحيطاتِ بعيدا ، أنْ أنسى الجميعُ أنْ أغوصَ إلى أعماقِ المحيطاتِ ، وأرتفعُ عاليا مرةً أخرى ، تمنيتُ حياتهمْ لطالما تمنيتُ ذلكَ ، وفي هذهِ اللحظةِ أدركتْ أنهُ يجبُ أنْ أعودَ إلى موطني مرةً أخرى ، بعدُ كلِ تلكَ السنواتِ لكني .

لنْ أعودَ بالطائرةِ ، سأعودُ برحلةٍ بحريةٍ لكنْ أريدُ ، أولاً قبلَ الذهابِ إلى مصرَ أنَ اذهبْ إلى المغربِ ، إلى كهفِ هرقلْ ذلكَ الكهفِ الذي حدثتني عنهُ ، كثيرا أردتْ أنْ أشاهدهُ أنْ أنقشَ حروفُ اسمي داخلهِ ، واخرجْ للشاطئِ وانظرْ للمحيطِ وأنادي بلْ سأصرخُ ، سأصرخُ باسمكَ ذلكَ الاسمِ الذي جعلتني أكرههُ ، وأكرهُ كل منْ يتسمى بذلكَ الاسمِ .

سأقفُ هناكَ وأتذكرُ موعدنا ليلاً ، كما كنتُ أسميهُ موعدنا بتوقيتِ انحناءِ القمرِ ، انتظرَ على مفترقٍ خالٍ ، منْ وجودكَ لنْ أجلسَ بعدُ ذلكَ أتأملُ انعكاسُ النجومِ على مياهِ المحيطِ ، وأنتَ معي كنتَ تقولُ لي ، إنكَ متيقنٌ أنَ القمرَ يستمدُ ضوءهُ منكَ ، أوْ كنتَ تعلمُ أنَ القمرَ مظلمٌ أمْ كانَ تهكما لستَ أدري بالأمسِ ، شاهدتكَ في أحلامي وقفتْ أمامَ عينيكَ وأنا أعلمُ ، إنهُ حلمُ لوْ تعلمَ كمْ أحببتكُ وكمْ كنتُ ، استثمرَ في وجهكَ بغيرِ انتباهكَ .

وأتوضأُ منْ بسماتكَ قوت يوميٍ ، كمْ تمنيتُ أنْ تدقَ الجرأةُ بابي في يقظتي لأقولَ ما أكنهُ لكَ في القلبِ ، كما الآنِ في المنامِ لكنْ لقدْ ضاعَ كلُ ذلكَ ، أضعتهُ أنتَ بذلكَ الخذلانِ المتكررِ لكنَ الذنبَ لمْ يكنْ ذنبكَ ، لقدْ كانَ ذنبي أنا أنا منْ رميتْ القلبَ ، في بحرِ هواكَ دونَ سترةِ نجاةٍ ، دونُ خوفُ منْ الغرقِ ، وأنتَ عيونِ الحبِ التي يقولونَ عنها عمياء ،

تسحبني منْ غرقِ الأحلامِ عذرا يا قلبي أنتَ الأعمى وليسَ الحبُ . كمٌ كنتُ أتهادى نحوكَ كالطفلةِ الصغيرةِ ، بعدٌ عناءِ يومٍ طويلٍ يكونُ جسدي هالكا ، منْ العملِ فتتلقفني أحضانكَ وتغوصُ يدكَ تائها بينَ غاباتِ شعريٍ ، تدغدغَ فروةَ الرأسِ حتى تصلَ إلى أعلى الرقبةِ ، مرارا وتكرارا وأنا أتلوى بينُ يديكَ حتى تلتقيَ العينانِ وأقرأ على وجهكَ الباسمِ ،

عزيزتي أنا ملاذكَ منْ عبثِ تلكَ الأيامِ ، قلبي درعكَ منْ أسهمِ الدنيا الطائشةِ ، أنا الدفءُ منْ بردِ الشتاءِ والظلِ في لهبِ آبَ فلوذيَ ، إلى أحضاني وقتَ ما تشائينَ وتمسحُ على عيني ، لتظلّ الجفونَ وأغوصُ مرحبا بأحلامي .

-صديقتي الغاليةُ " مليكا " أنهُ أنا " ريتالْ " ، قررتْ أخيرا المجيءُ إلى مصرَ إلى بلدي ، التي لمْ أجيءَ إليها إلا كزائرةٍ معَ ، والدي عندما كانَ يزورُ والدتهُ والتي هيَ بالمناسبةِ جارتكمْ العزيزةَ ، والتي توفيتْ منذُ سنواتٍ طويلةٍ ، ومنذُ ذلكَ الوقتِ يا صديقتي لم تخطوا قدمي ، أوْ قدمَ والدي إلى مصرَ حتى مماتهِ وحتى بعدما أصبحتْ وحيدةً ، لمْ أستطعْ القدومُ إلا أنهُ جدةُ أمور كثيرةً . لذلكَ سأروي لكَ ما حدثَ معي ،

منذُ سنواتٍ طويلةٍ أشياءَ لمْ تكنْ تعرفيها سأضعُ ، تسجيلاً بصوتي في الايميلْ الخاصَ بكَ ، لأنني حاولتْ أنْ أرسلهُ عنْ طريقِ الواتسْ ، لكنْ لمْ يتمْ استقبالهُ ، لذلكَ وضعتهُ في الايميلْ الخاصَ بكَ أرجو أنْ تستمعيَ إليهِ جيدا ، وتعرفينَ حكايتي وهلْ ستوافقينَ مرةً أخرى ، على تعيينِ لديكمْ في جهازِ الطبِ الشرعيِ ، أمْ لا .

أنتِ تعلمينَ أنهُ تخصصيٌ ، وقدْ حصلتْ على شهادةِ الدكتوراه ، وعملتْ هنا كثيرا ، في سيدني في مركزِ الطبِ الشرعيِ . لكَ منيَ جزيلٌ الشكرِ وأخيرا أرجو منكَ ، الاستماعُ جيدا إلى ذلكَ التسجيلِ الطويلِ .

- عندَ وصولِ تلكَ الرسالةِ على الواتسْ الخاصَ ب " مليكا " قامتْ بفتحِ الايميلْ خاص بها ، ولحسنَ الحظِ أنَ هذا الوقتِ لا يوجدُ أحدٌ بالمنزلِ تستطيعُ ، الاستماعُ إليهِ بصوتٍ عالٍ ولنْ يشاركها أحدٌ في الاستماعِ إليهِ . - لعلهُ خيرا بالفعلِ ، لا أعلمُ عنكَ شيئا يا صديقتي منذُ الطفولةِ ، نتحدثُ كلُ عدةِ أشهرٍ في رسائلَ بسيطهِ ، أنتَ صديقتي التي كنتُ تلعبينَ معي ، عندما تأتينَ للزياراتِ جدتكَ كلَ سنةٍ لكنْ انقطعتْ عندما توفيتْ تلكَ السيدةِ الطيبةِ . فتحتْ " مليكا " الايميلْ وضغطتْ على زرِ الاستماعِ لذلكَ التسجيلِ .

- حبيبتي " مليكا " بلْ أقولُ صديقتي الوحيدةُ ، في هذهِ الدنيا أوْ في تلكَ المناطقِ البعيدةِ التي ستكونُ مقريْ ، وأتمنى أنَ لا أتركُ تلكَ البلادِ الطيبةِ مرةً أخرى ، أعلمَ أنكَ سبقَ أنْ قلتُ لي أنَ الشرَ يتواجدُ في كلِ مكانٍ ، وأنهُ ليسَ هناكَ مكانٌ طيبٌ أوْ خيرِ بنسبةِ 100 % ، أعلمَ ذلكَ يا صديقتي لذلكَ سأتحدثُ عنْ حياتي ، هنا منذُ الصغرِ التي كانَ يتصورها البعضُ أنها حياةٌ مرفهةٌ ، للأسفِ .

كانَ منْ المفترضِ أنْ تكونَ ذلكَ ، منذُ مجيءِ أبي عبدَ " أحمدْ عبدِ الوهابْ " بعدما تخرجَ منْ كليةِ الآدابِ قسمَ الآثارِ جامعةً ، الإسكندريةُ والتحقَ بالعملِ في المتحفِ الأستراليِ ، بعدما قدمَ على طلبِ للهجرةِ ، قالَ لي عندما كبرتْ أنَ والدتهُ كانتْ تبكي ، بكاءٌ مريرا لكنهُ كانَ محطمٌ القلبِ منْ حبيبتهِ ، التي تركتهُ بعد سنواتٍ قضوها معا في الجامعةِ .

وتزوجتْ منْ شخصٍ آخرَ لديهِ كثيرا منْ الأموالِ ، وسيتمُ سفرها معَ زوجها إلى أمريكا ، فأرادَ الذهابُ إلى مكانٍ آخرَ يعادلهُ أهميةً ، فلمْ يجدْ غيرَ الهجرةِ إلى أستراليا ، وهناكَ التحقَ بالعملِ بالمتحفِ الأستراليِ هوَ أقدمَ متحفٌ في أستراليا ، لديهِ سمعةٌ دوليةٌ في مجالِ التاريخِ الطبيعيِ والثقافيِ ، وكما تعلمينَ أنهُ يقعُ في مدينةِ " سيدني " ،

أعجبَ والدي لأنهُ أنشئَ منذُ سنواتٍ طويلةٍ . يضمَ مجموعةً كبيرةً منْ الآثارِ لهُ مكانةٌ علميةٌ كبيرةٌ ، أطلقَ عليهِ في البدايةِ اسمَ متحفِ المستعمرةِ أوْ متحفٍ سيدني ، وتمَ تغييرُ اسمهِ عامٍ 1836 ليكون المتحفُ الأستراليُ ، تعجبَ والدي " أحمدْ عبدِ الوهابْ " منْ علاقةِ ذلكَ المتحفِ الذي يروي تجربةَ السكانِ الأصليينَ والاستعمارِ ، مثلما حدثَ في أمريكا ، والهندُ وبعدها تمَ استقطابُ آثارِ منْ مصرَ آثار فرعونيةً .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي