الفصـل الرابع عشر

ِالفصل الرابع عشر:

لا يعلم "أحمد"، لماذا الوقت يمر ؟ ببطء شديد حتى أن الهواء في ذلك المنزل، وكان هواء ثقيل يريد أن يستنشق بعض الهواء، خرج خلف المنزل لكنه لم يشعر بتغيير كبير فدلف مرة أخرى، إلى الداخل هنا استمع إلى ضحكات "لميعة" وكأنها تستفز ولا يعلم السبب : تحدثك كعادتها بصوت عال :


-قالت له والوقار يزينها أنا أنثاك يا "أحمد"، ومثل أنثاك لن تنجبها السماء مرة أخرى، أنا قدرك وأنت قدري لكن الأقدار لا تبقى، أن غادرت الحياة يوما فأبك وأبكي بحرقة، فإن الحب كالموت الولادة لا يأتي مرتين، بل يأتي مرة واحدة أدخل واد الحب المقدس، واخلع نعليك واطلب الصفح فجرح أنثاك يحتاج لكفارة كبيرة، وذنب عشقك كبير، وأنا أنثى لا تقبل الخسارة، إني غفرت ذنوب العشق التي أغرقتك، وإني بعهدي إلى يوم الدين، ف للأصالة أهلها، لن تغيرني السنين .


_ ما تلك المرأة يا "مايكل" وكانها كشفت جميع ما مررت به في حياتي، أكمل أن طعامك وسأخرج أنا لها، واجلس في تلك الغرفة التي تجلس فيها ابنتي .


وبالفعل خرج "أحمد" من المطبخ، وذهب إلى تلك الغرفة التي تجلس فيها "لميعة"، و "كهلان" التي كان يقرأ في كتاب كبير، وكان ذلك الكتاب خط بخط اليد كتاب قديم كبير، أوراقه صفراء متهالكة لكن "أحمد" ألقى عليه نظرةٌ واحدةٌ، وجلس بالقرب من جامعة وقال لها :


-أعرف الآن أنك تعرفين كل شيء عني، وأترك ذلك أن هذا الحديث الذي قلتيه منذ قليل، هو حديث إحدى تلك النساء التي عرفتهم بعد وفاة حبيبتي، نعم كنت أتنقل من امرأة إلى أخرى، حتى أشبع غريزة لدي أنني لا أرفض بل أنا من أقوم على رفضهم .




-أنا أعلم أنك تعلم، أنني أعلم كل شيء، هي ليست فزورة أن قرينك هذا يجب أن تلجمه قليلا، عندما اسأله سؤالا صغيرا يجيب إجابات كبيرة، وكثيرة وكأنه يحمل هما كبيرا هو، هم ذكرياتك ومع أنه شيطان إلا أنه يبغض تصرفاتك،
أو يحبها لا أعلم لكنه يتحدث عن تلك النسوة التي كنت تشبع غريزة الانتقام فيهن، ومع أنك لست وسيما لكن بعض الكلمات التي تلقيها عليهم، تجعلهم أنهن مسحورات، وعندما تعشقك الواحدة منهن شهرا واحدا، بل اعرف تلك التي كانت تبكيك، وتلقي عليك الشعر عرفتك أسبوع واحد، وكنت أنت حشرة القرادة عندما تبتعد تأتي بها مرة أخرى،
وتبتعد وتأتي بها مرة أخرى وتبتعد وهكذا مرات، ومرات، وعندما تسأل عن أحوالها وتجيبك أنها قد توحشتك لا تجاوبها تجعلها تتساءل، لماذا سالت عليها ؟ ولماذا تخشى ابتعادها ؟ لم تكن تعلم أنك مريض كل واحدة من تلك النسوة كان ليها دعاء، ودعائها قد تحقق .


-لم أرغم واحدة منهن، على معرفتي عندما كنت أتحدث مع أي واحدة منهن، كانت تلقى أموالا كثيرة لم اعشم أي واحدة، هن من اعتقد ذلك وليس أنا . وقفت "لميعة" تدور في الغرفة بذلك الرداء الغريب الذي ترتديه، وتغني أغنيه مصرية حتى يفهم كلامها ويفهم تلك الإشارات التي تتحدث عنه : -بانو بانو أبانوا . .
على اصلكوا بانوا والساهى يبطل سهيانه ولا غنى ولا صيت . . دولا جنس غويط وكتاب ما يبان من عنوانه
لم يشعر " أحمد " غير أنه يبكي، يبكي ذكريات كثيرة يعلمها هو فقط والآن تعلمها "لميعة" :
-نعم أعترف بأخطائي، كنت مخطئا لم تذكرهم في يوم من الأيام في حياتي، لم أتذكر غير النساء التي كانت تبكي لمجرد أن ألقي عليها كلمة، أتعلمين كانت منهن امرأة تصغرني سنا وكانت متزوجة حديثا، لا أعلم كيف أوقعتها أم هي من أوقعك بي، لكنني تحدثت معها مرات ومرات حتى جعلتها تقوم على إيقاظي صباحا، وتتحدث معي طوال اليوم . .




وبعد ذلك تركتها هي بغيرها، لا أعلم ماذا كان يحدث لي وقتها، لم أعلم أنني سأرزق عندما أتزوج بابنة، ومن الممكن أن تحمل تلك الابنة أخطاء أبيها، كل ما كنت أفكر فيه أني كنت أريد حمايتها من عائلة "أولاشي"، ومن "أولاشي" نفسها لم أتذكر ما فعلته إلا الآن، لو عرفت طريقها لبعث إليهن أن يسامحوني واعلم جيدا طيبة قلوبهم . نظر "كهلان" إلى "لميعة"، لا يعلم لماذا تفعل به ما تفعل؟ فأراد عقابها :


-انظروا من يتحدث أنها "لميعة"، تلك التي أجهضت نفسها بسبب ذلك الحبيب، هل تريدين مني أن اجعلهم يعرفون ما سبب اجهاضك لهذا الصغير ؟ سبب لا يعقل هذا هو الحمل الذي تحملينه فوق أكتافك وتقومين على معاقبة "أحمد"، لأنه كان سببا مباشرا في أذية ابنته . . وكأنك تعاقبين نفسك تعقلي قليلا، ولننظر ماذا سنفعل فلتجلس صامتة لبعض الوقت، هناك أشياء يجب علينا تحضيرها حتى نقوم بفك أسر تلك الصغيرة . نظرت "ريتال" إلى "كيوان" الذي كان يأتيها كل قليل بطبق كبير من الفاكهة ويجعلها تأكل.


-أتعلم يا "كيوان" لقد أحببت تلك المرأة الغريبة لم تعجبها، لكن عندما ذهب أبي إلى المطبخ شاهدت ماذا فعلت معي، أو ماذا فعلت بجسدي أحضرت تلك الفوطة الصغيرة وجعلت تمسح وجهي ويدي ورجلي وتقوم على تنظيفي وقامت بتمشيط شعري، لماذا لم يلحظ أبي ذلك؟ أعتقد أنها حزينة من الداخل.
-بالتأكيد حزينة، وتريدك بدلا من ابنها لا يعلم أحد أن ذلك الصغير كان أنثى، لذلك فهي ستضعك في عينيها، لا تقلقي لا أريدك في يوم من الأيام أن تقلقي منها، حتى وإن شاهدتيها قد تلبسها أحد من الجن، أو تحدثت مع أحد منهم أمامك لا تخافي منها، ولتعلمي أنها تقوم على حمايتك، وقد عقدت بعد الاتفاقات مع "دهيبا"..
حتى لا تقوم على آذيتك، وهي من أعطتها الفكرة أنك تنتقمين من ابنة الخناس، عندما تقوم "لميعة" بتعليمك فنون السحر.
-وأنت يا "كيوان" لماذا ليست لديك تلك القوة الكبيرة، حتى تجعلك تقف أمامهم.


-لكل منا قدراته، وهناك من الشياطين لديهم قدراتٌ كبيرة، قادرين أن يتغلبوا على، ولتكوني شاكره الآن أنني أمنع عنك جيش كبير من الجان، يقفون وراء تلك الدائرة التي نجلس فيها، يأخذون روحك إلى "اولاشي"، أتعلمين أين "أولاشي"؟


الآن أنها تجلس في الغابة هناك مع معلمها تنتظرك، تنتظر أن يأخذك "أحمد" إليها، ولو حدث ذلك ستقوم على وشم جسدك كله بتلك الوشوم الخاصة حتى تكوني قربان، لكنها لن تقوم على قتلك ستقدم روحك، أما جسدك فسيكون ملكا لها، ستكونين وسيطتها مدى الحياة.


_ "كيوان" لماذا صمتت "لميعة" عندما تحدث لها "كهلان"، ولماذا تنظر لي هكذا؟
– لا تقلقي منها، كما قلت هي لا تنظر لك هي تتذكر الماضي، أن ماضي "لميعة" ماض أسود، بسبب تلك الندوب التي على وجهها، أو كما يقولون الجدري.
هذا هو سر شقائها، وهذا هو السر الذي ابتدأت منه للدخول إلى عالم السحر، ليس عالم السحر الذي تنظرين إليه الآن، وتنظرين إلى "كهلان" وتنظرين إليها لا إنه كان عالم بغيض، تجلس لا تتذكره فقط بل تشاهده.




وبالفعل وكما قال "كيوان"، جلست صامتة تسمع في الخلفية "أحمد" و "كهلان"، يتحدثون عن الطريقة التي سيخرجون "ريتال" من تلك الكومة، أو تأثير ذلك السحر منها، أما هي وكانها رجعت بالزمن سنوات طويلة كانت فيها طفلة بريئة:


-حبيبتي ما أجملك، لقد أسميتك "لميعة" لأنك تضوين كالنجمة، ما أجمل الشعور التي أقوم على تصريفها، أتعلمين لقد ورثت عن أمي شعرها، حتى أختك الكبيرة وأختك الوسطى، لم يورثوا مثل هذا الشعر الذي كالحرير.


-نعم يا أمي اعلم، لقد أسميتني "لميعة" لأنني ألمع وإنني جميلة، حتى والدي قال لي أنني أجمل أخواتي، وإنني سأكون نجمة لامعة عندما أكبر وسيحبني الجميع، وقد قلت لي أمس أن جميع الشباب سيقعون في حبي، وأنا أنتظر ذلك اليوم الذي أكبر فيه، أما الآن فأنا مازلت صغيرة.


لكن أختي "نغم" وأختي "شغف" يا أمي، يقومون على ضربي ليلا ونهارا، يا أمي أن "شغف" تسبني طوال اليوم، حتى "نغم" التي من المفترض أن تحميني لأنها الكبرى، ضربتني على يدي ولا أعلم السبب؟


-"لميعة" حبيبتي كما قلت لك، إنهم يغارن منك، وفي نفس الوقت هن سندك في هذه الحياة، حبيبتي لا أريدك أن تغضبي منهن، فأنت تعلمين أن أختك "نغم" لقد أكملت الآن 16 عاما، ولم يتقدم لها أحد إلى الآن، و "شغف" أكملت 15 عاما وتخاف على نفسها هي أيضا، أنت تعلمين أن الفتيات هنا يتفاخرن بخطبتهن وزواجهن سريعا، فأنا مثلا خطبت لأبيك وانا ابنه 14، وتزوجته عندما أكملت ،16 أما أنت يا حبيبتي فأنا أعتقد أن من سيشاهد جمالك، سيخطبك وأنت في هذا العمر الصغير،فأنت تعلمين أن معظم الرجال هنا يتزوجن من سن 25 عاما إلى ،30 حتى يستطيع أن يؤسس منزلٌ وأسرة.


-لا أفهم ما تقولين يا أمي؟ لكني أريد بعض السكاكر، لقد نهرتني "شغف" كعادتها عندما أخذت منها قطعة سكاكر صغيرة أريد مثلها.


-حسنا يا حبيبتي سأعطيك نصف دينار ولا تخبري أختك بذلك، أنهن الآن منشغلات في المطبخ في تحضير الغداء، اذهبي أنت سريعا واحضري ما تشائين يا حبيبتي، خرجت "لميعة" تجري حتى لا تشعر بها أختها، إلا أن "نغم" الكبيرة شهدتها فنادت على " شغف " وقالت لها :
– أجري بسرعة خلف تلك الشمطاء الصغيرة، أعتقد أن والدتي قد أعطتها المال، فلتنظري ماذا ستشتري وبكم، لم تجيبها "شغف"، إنما ارتدت الخف الخاص بها، وجرت سريعا خلف "لميعة" بدون أن تشعر بها والدتها، وقفت بالقرب من ذلك البازار الخاص بالسيدة " أم حسين، " وسمع تلك السيدة تقول:
– لميعة نصف دينار مرة واحدة، أيتها الجميلة الصغيرة أن والدتك تحبك حبا جما، لم تعطي إحدى أختك مثل هذا المبلغ من قبل لكي يشتروا بعض السكاكر لكنك شيئا مختلف، أنت من سيجلب ذلك العريس الغني على ما أعتقد، أنك جميلةٌ وشعرك جميلٌ وفمك صغيرٌ ومنخارق أيضا صغيرٌ، أما عيناك ما أجملها، وما أجمل تلك الرموش الطويلة الجميلة الكثيفة أنك جميلةٌ، لها حق والدتك أن تطلق عليك "لميعة"، فأنت بالفعل نجمة لامعة، استمعت "شغف" إلى تلك المحادثة ولم تنتظر رد أختها، بل رجعت إلى المنزل سريعا وهي غاضبةٌ غضبا جما، ليس من والدتها إنما من تلك الصغيرة :
-" نغمٌ " أتعرفين ما حدث؟ أن تلك الشمطاء معها نصف دينار مرة واحدة، وتلك العجوزة التي اسمها أم حسين، تتغنى شعرا بجمالها وتقول لها أختك لن تتزوج قبلك، أنت من ستتزوجين قبلهما، وتحضرين ذلك العريس الغني الذي سينقل والداك من هذا المنزل الصغير الكئيب، إلى منظر أكبر إكراما لعيناك الجميلتين.


وقالت لها كلاما كثيرا في جمال شعرها وأنفها وفمها، تتصورين ذلك يا أختي يا ليتها لم تولد، لقد ابتعد الحظ عنا لأنها تتواجد معنا، الجميع ينظر إليها أنها الأجمل والأفضل والأخف دما، أما نحن فماذا؟ دائما ما نقارن بها.


-لقد سئمت منها، ولا أشعر تجاهها بأي شيء وأتمنى موتها، أتمنى عدم ولادتها أصلا من هي حتى يقولون فيها مثلٌ هذا الشعر، لقد اسمتني والدتي ووالدي "نغم" هو اسمٌ جميلٌ له معنى، وأنت أيضا "شغف" مشاعر جميلة، أما هي ما معنى اسمها "لميعة"، أنها مجرد لمبة صغيرة من الممكن أن تقوم على إطفائها في أي وقت، يجب أن ينتهي ضوء "لميعة" للأبد لكن لا أعرف كيف؟ لكنني اعرف وأوعدك بذلك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي