الفصل السابع والعشرون

الفصل السابع والعشرون:
عادة ما كانت "لميعة" تتذكر كلمات كهلان لها، تدعوه "كهلان" أم "خالد"، كل اسم من أسمائه له معنى مختلف، خالد ذلك كان ذلك الشاب الذي أحبها وأحبته، وفعلت معه كل شيء من الممكن أن يفكر فيه أحد أشياء طبيعية وأشياء غير طبيعية، هو من عرفها ذلك العالم،
أما كهلان فهو ذلك الكبير الذي كان يختفي سنينا ويأتي إليها محمل بالهموم لكنها تتذكر كلماته :

-"لميعة" أتدرين ما هي مشاعري تجاهك، مشاعري مختلفة ليس حبا، وليس معرفة عاديا وليست صداقة، اعتقدها أكثر من ذلك، أكثر من حب، أكثر من صداقة، ما بيننا جنون، نعم هو جنون وموج هادئ، ونار واشتياق،

ما بيني وبينك لا أستطيع أن أقاومه ولا أمل منه، ما بيننا لا يعلمه أحد لأنه تجاوز العقل، ولذلك فقد تجاوزنا العتاب بيننا، أغيب وابتعد وأعود مرة أخرى لا يوجد عتاب، لأنه لا يوجد شك أو خوف، ما بيننا فاق جمال الصداقة، وتجاوز أيضا جاذبية الحب،

-ما بيننا شيء اكتشفناه نحن ليس لهم مسمى، وكأنه مولود نحن أبواه، والعجيب أن ما بيننا لا يقتله الإهمال ولا ولا يحطمه الغياب المتواصل، هي معادلة صعبة الفهم صعبة الحل، لا يستطيع أحد من الغرباء عنا أن يقرأها، ما بيننا سنوات وسنوات،

ومشاعر وأحداث لا يعلم بها غيرنا، ويجب أن تتذكري أن ما مررنا به وما سنمر به معا، لم يكتب عليه تاريخ انتهاء الصلاحية بعد، ما بيننا مستمر . كان كهلان يستمع لكلماتها ويبتسم، إنها تتذكر تلك الكلمات التي قالها منذ سنوات طويلة،
يشعر بالشفقة عليها، لأنه يجب أن تتذكر ما مرت به، لكن لابد منه .

-من هي "جلنار" ؟
-اذهبي الآن يا "لميعة" أن "هدى" تبحث عنك، وسأحضر لك مساء واجلس معك، واطمأن على والدتك وأقص عليك من هي "جلنار"، ومن هي " دينارة "، تلك اللعوب التي تحاول أن تسيطر عليك .

-أنا لا أفهمك ؟

-اذهبي الآن، لأنها هنا تبحث عنك .

وبالفعل استمعت "لميعة" لصوته "هدى" وهي تناديها، فقامت من مجلسها بجانب تلك السيدة الطيبة والده "رحمه" كما أسمت نفسها، واتجهت ناحية "هدى" والتفتت مرة أخرى، وشاورت في اتجاه تلك السيدة التي كانت تجلس معها .


-هيا اذهبي لوالدتك الآن، وستفرحين عندما تجدينها قد أفاقت، لكن لا تكثري من الحديث معها لأنها تتحدث ببطء شديد، سأرحل الآن لقد تأخرت اليوم كثيرا عن ذلك الميعاد المحدد لي، لكنني قد اتصلت بأبنائي وأخبرتهم أنني سأحضر لهم أشياء جميلة، وبالفعل أحضرت بعض الأشياء، جعلت أحد العمال يأتي بها، نصيبك لأنك فتاة مطيعة، في الأعلى قد وضعته لك .

-حسنا صاحبتك السلامة، وانحنت هنا "هدى" وقبلت "لميعة"، وانصرفت "لميعة" وارتقى ذلك الدرج مرة أخرى حتى تصل إلى الطابق الرابع، لكن "هدى" كانت تشعر بشيء مريب،

فقد التفتت لتلك الشجرة التي كانت يجلس جميع منذ قليل أسفلها، ونظرت جيدا لم تجد شيئا ولم تجد أحدا، إذا فماذا كانت تحدث، هل كانت تحدث نفسها ؟

-سأتحدث إلى الطبيب، كم هي فتاة جميلة، لكن هناك من أفقدها ثقتها بنفسها، هناك من بث أفكاره بداخلها،
أنها قبيحة وإن من سينظر إليها سيتقيأ، لعنة الله على أختها، صعب علي أن ادعى على أحد ما، لكن أنهما شياطين في الأرض،
كما أن هناك شياطين من الجن، هناك شياطين من الإنس، وعادة للأسف الشديد يكون أقرب الناس إلينا، من لا يريدون لنا الخير والراحة، بسبب الكره والغيرة الشديدة، يجب أن أتحدث إلى الطبيب حتى نبعث بها إلى طبيب نفسي، يستطيع أن يعالج تلك العقدة التي ألمت بها .

-بالتأكيد "هدى" لم تشاهد "حليمة" أم "رحمه"،

لأنها لم تكن من البشر، فلم تستطع غير من مرت بتجربة سيئة أن تشاهدها للأسف، لقد تم مس "لميعة" من الجان عندما كانت تبكي كثيرا ليلا،

-وتقوم بالصراخ وتنظر إلى المرأة كثيرا، عندما كانت تنام والدتها كانت تجلس بالساعات أمام المرآة تنظر إلى نفسها ووجهها، ومضى القبح الذي تتحدث عنه "نغم" و"شغف" .

"شغف" أيتها الكسولة، ألم تستمعي إلى ذلك الترك الشديد على الباب منذ فترة، وأنا في الداخل تقوم على تنظيف الملابس .
استمعت، ولكني لا أريد أن أقوم على فتح الباب الخارجي للمنزل أتعلمين من ؟

لا لا أعلم، هل تعلمي أنت أيتها الذكية ؟

نعم ذكية، ولا تقوليها باستهزاء، أنا لست "لميعة" .
فلتقولي إذا .
هؤلاء هم العمال الذي بعث والدك إليهم بالمال، ليحضروا المعدات لبناء ذلك الطابق وترتيبه .
بهذه السرعة !
نعم ألم يقل لك أنه بعث لهم بالمال، لم يقل سأبعث بل قال بعثت هناك فرق، لقد استمعت إلى صوت العربات منذ ساعة، وقد انزلوا الكثير من الرمال والحصى وأكياس ورقية كبيرة كتب عليها أسمنت، ووجدت كثيرا من الحديد الذي يقومون بالبناء به، معنى ذلك أن ما تحدث به والدنا صحيح، وهم الآن يتحدثون أن أحدا منهم سيذهب السنترال القريب، وسيقوم على الاتصال بوالدنا .

سأفتح أنا أيتها الذكية، لقد قال وهددني إن لم قطع أوامره، لن يقوم على تزويجنا أو يدفع المال لشراء ما نحتاجه .

جرت "نغم" على غير عادتها ناحية الباب الداخلي، ثم الباب الخارجي، وقامت بفتح الباب ونظرت إلى ذلك الرجل الكبير الذي يقف وراءه نحو 10 أفراد ينظرون إليها بغضب شديد، لكنهم مأجورون لدى والدها، لكن نظراتهم كانت تقول الكثير فسرعت بالحديث :

-أسفه لقد كنت نائمة، ولم أستطع فتح الباب بسرعة، لأنني قمت على ارتداء ملابسي وأمي مريضه، فلم يستطع أحد أن يفتح لكم الباب تفضلوا .

رد عليها الرجل الكبير :
-أن عذرك معك يا ابنتي، بالفعل كنت سأبعث أحدا من العمال إلى السنترال ليتصل بمكان عمل والدك، بذلك الرقم الذي أعطاه لي، لكنك آلان قد شرحت الموقف، لا تقلقي يا ابنتي ادخلي أنت إلى شقتكم واقفلي الباب، سنعمل كما قال لنا والدك ببناء الطابق الثاني وتجهيزه، ولن تقوم على مضايقتكم،

أو حتى بطلب شيء منكم، فأنتم فتيات وأمانه كما قال والدك .

بالفعل قال كلمته هذه ودخل وراءه العمال، وقام بفتح الباب هو وعماله على مصرعيه، وانصرفت هي إلى داخل الشقة وأغلقتها جيدا، فقامت "شغف" ووضعت مقعد كبير خلف الباب، نظرت إليها "نغم" باستهزاء شديد،
فما زال عقل أختها صغير :

-أنت خائفة ؟ لا يستطيع أحدا أن يفعل لنا شيئا، أن والدنا يعلم بمجيئهم، كما أن تلك العقربة تعلم أيضا .

من العقربة ؟ "شغف" الفرق بيني وبينك عام واحد، لكن الفرق ما بين عقلي وعقلك أكثر من 10 سنوات، أتعلمين أن تلك المشوهة لديها عقل وتمييز أكثر منك .

"نغم" دائما ما تغضبين من والدتنا، عندما تقارن بها أو تقارن جمالها بجمالك مثلا، وأنت تحزنين وتغضبين وكأنك تعاقبيني، تقومين أنت بالمقارنة ما بيني وبينها ما هذا ؟
أنسي الأمر . كنت خائفة، هم أفراد كثيرون ونحن بمفردنا .

لا تقلقي هم يعتقدون أن والدتنا هنا على ما أعتقد ذلك، ثم إن الجيران سيأتون يسألون واحدة تلو الأخرى ماذا يحدث، هذا ما أفكر به، ولا أعلم ماذا سأقص عليهم، لا سيما أنهم شاهدوا عربة الإسعاف أمس وهي تحمل والدتنا، والآن لا أعلم ماذا افعل، هل نذهب إليها أنا وأنت ونجلب الطعام الصغيرة تلك، أم نجلس هنا ؟

نجلس بالتأكيد، أنت لا تريدين لأحد اقتحام المنزل وسرقة الأشياء، التي كانت تقوم على شرائها والدتنا لنا .

صحيح لقد جلبت الكثير من الأقمشة والمفروشات الخاصة بزواجنا، يجب أن نهتم جيدا بتلك الأشياء، وان نجلس في صمت ونستمع لما يحدث بالخارج، أنهم يحدثون ضوضاء شديدة .

_ أمي حبيبتي ها قد أتيت، وارتمت "لميعة" في أحضان والدتها، التي كانت تقبلها كثيرا، وابتعدت "لميعة" عندما وجدت أن يد والدتها اليسرى ما زالت يتواجد بها ذلك المحلول الذي تتغذى منه .
أسفه هل أوجعتك في شيء ؟ أنا لم اتركك لحظة واحدة منذ الأمس، حتى أنني كنت نائمة هنا، قالت لي "هدى" تلك السيدة اللطيفة أن لا أتحدث معك كثيرا، وان لا أجهدك في الكلام .

فوجدت أن والدتها لا تستطيع التحدث بسهولة، إنما قامت بخفض رأسها علامة الإيجاب .

تغمضين عينيك يا أمي، هل تريدين النوم ؟ فأجابتها بالمائة من رأسها بأن لا .

حسنا، سأجلس هنا على تلك الأريكة أمامك وانظر إليك . فرفعت والدتها يدها وشاورت على تلك المنضدة، التي تم وضعها أسفل النافذة وعليها شيء، لكنه قد تم تغطيته ففهمت "لميعة" أن ذلك هو الطعام الذي تركته لها "هدى" .

نعم لقد قالت لي أنها تركت لي بعض الأشياء قد أتت لأبنائها بها، وأنا اعتقدت أنه بالفعل طعام، كانت تجلب لي العصير واللبن طول الليل ولم تتركني، كما أنني قد تعرفت على سيدة جميلة يا أمي تدعى أم "رحمه"، لكنني نسيت أن أسألها عن اسمها هي، لكنها قالت إنها ستأتي في المساء لكي تطمئن علينا، وتجلس معي حتى الصباح، أنها سيدة يا أمي جميلة في السن، يشوع من وجهها البياض وكأنه النور، صوتها يا أمي مريح جدا كصوتك أنت،

ولو استمعت إليها لإعتقدتي أنك أنت من تتحدثين، لذلك قد وجدت نفسي قد انسقت إليها وأحببتها، وتمنيت أن أشاهد ابنتها تلك التي تدعى "رحمه"، قالت إنها عروس .

بعدها رفعت جميع، التي كانت جائعة وهذا ساعدها على فتح شهيتها مرة أخرى، أن شاهدت والدتها تنظر إليها في حب وحنان، وكأن روحها قد ردت إليها، فأصبحت جائعة جدا، فرحه وجدت عدة أطباق، طبق فيه فاكهة عنب وموز، وطبق آخر به قطعة كبيرة من اللحم وبجانبهم معكرونة، وطبقا آخر به مجموعة خضروات، كوسا وبطاطس وجزر، مثل ذلك التورلي الذي تصنعه والدتها في المنزل .

جلست وأكلت وأحست بالنعاس الشديد، نظرت لوالدتها :

أريد أن أنام قليلا يا أمي، فأنا منذ الأمس وأنا مستيقظة، لكنني بعدما أكلت أشعر أنني أريد النوم، وكأنني لم أنم منذ فترة طويلة تصبحين على خير، لو أردت شيئا يا أمي قومي على مناداتي، أو ارفعي يدك وقومي على الدق على ذلك الجرس الذي بجانب سريرك، أنه قريب منك .

ونامت "لميعة"،لم تحلم بأي أحلام مزعجة، حلمت فقط بتلك السيدة أم "رحمه"، وهي جالسة تحت تلك الشجرة ووجدت جميع نفسها نائمة، وتضع رأسها على أرجل تلك السيدة،

التي كانت تهددهدها وتغني لها حتى تنام .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي