الفصـل الثالث والعشرون

الفصـل الثالث والعشرون

_"لميعة" هذه الغرفة هي الغرفة الخاصة بكما، للأسف لم أستطيع أن أحصل لك أنت والدتك على غرفه بها سريران، لكي تستطيعي أن تنامي بكل راحة، لكنني لم أحصل إلا على تلك الغرفه بها أريكة، وانت صغيرة تستطيعين النوم عليها.


-نعم أستطيع، أنا أريد أن أترك تلك الاريكة واجلس بجانب والدتي تحت قدمها طول الليل، ليس لي احد غيرها في هذا العالم، لقد كنت واقفة وأنت تحدث والدي في الهاتف، وسمعتك تنفعل عليه وتتكلم معه بصوت مرتفع، ولا أعرف السبب أعلم أن والدي يحبني حبا شديدا، لكنه قاسم في بعض الأوقات مع والدتي أنا أعلم ذلك.

هو يعشق "نغم"، إنها الكبيره وهي تحبه وتجله كثيرا، لكنه في بعض الأوقات عندما يقوم بضرب والدتي أخاف منه، وأقوم بالجلوس تحت السرير الخاص بهما، أسمعه يتحدث بالسوء معها ومع ذلك لا تغضب لها "نغم"، أما "شغف" فهي تقف على الحياد.

-لا أعرف ماذا أقول لك وأنت صغيرة في السن، لكن بعد هذا الكلام التي تحدثت به معي، نعم أن والدك قاسي مع أن والدتك سيدة مهذبة ورقيقة، لكنهم مثله مثل معظم الرجال الشرقيين، يريدون إنجاب الولد.

-أعلم ذلك، عادة ما تقول لي "نغم" أن مشاكلنا كلها بسببك أنت، وكنت اسألها أنا لم أفعل شيئا، فتقول لي أن والدي كان يريد أن أكون ولد، مع أنه عادة أمامي كان يقول أنه فرح بإنجابي، أوقات أشعر به يحبني وأوقات أخرى لا.

-أريدك أن تغضبي من والدك، لقد قال لي أن له بعض زملاء يعيرونه، لأنه لم ينجب ولدا، وعادة ما يقومون على مناداته بابنته الكبرى، ويتغنون بإسمها أو يقولون له والد البنات، وقال لي أنه من فترة قصيرة يجالسه بعض الأصدقاء يقومون على أقنعه بالزواج، حتى يكون له ولدا يحمل اسمه بعدما يتوفى، لا أعلم لماذا أقول لك مثل هذا الكلام وأنت صغيرة، لكن ما تفعلينه وتلك القوة التي تقفين بها أمامي، تجعلني أصارحك بمثل هذا الكلام.

وهنا خرجت الممرضة التي كانت تعطي والدتها الدواء، وتضع في وريدها تلك الحقنه الصغيرة التي تم توصيلها بزجاجه محلول، هكذا قالت للطبيب.

-حسنا يا "هدى"، أريد منك أن تأتي للإطمئنان على السيده جميله كل نصف ساعة.

-حسنا يا دكتور، كل نصف ساعة سأتي للإطمئنان عليها، فأنا لدي اليوم المناوبة الليلية.

وهنا إستمعوا إلى صرخات تأتي من الخارج، فخرج الطبيب مسرعا وورائه الممرضه "هدى".

ولأول مرة تشعر "لميعة" بجسدها وهو يرتعش لا تعرف السبب، وكأن تيارا كالثلج دخل بتلك الحجرة عندما فتح الطبيب الباب وخرج منه وورائه تلك الممرضة الطيبه، فنظرت "لميعة" إلى والدتها التي كانت في تلك الغيبوبة، التي قال عنها الطبيب بعدما وضع على فمها وأنفها الماسك الخاص بالتنفس.


فجلست على تلك الأريكه وهي تحتضن نفسها بيديها، وأمامها ذلك السرير الذي ترقد عليه والدتها، جعلت تنظر إليه وجسدها يرتعش ويرتعش، لا تعلم لماذا قامت بعدما سمعت همسا يقول لها أن تفتح تلك النافذة، نعم كانت تشعر بالإرتعاش لكنها قامت وهي صامتة، كما تعودت منذ فترة على سماع الأوامر، وبالفعل فتحت النافذة وكأن أحدا مر بجانبها وخرج من النافذة ولا تعلم من؟
لكن ذلك الشخص أخذ معه ذلك التيار البارد الذي كان يملأ الغرفة.



ودخلت "هدى" وإطمئنت مره ثانيه على السيدة جميلة، فسألتها "لميعة" ما الأمر؟

-إنها سيده قد أتت الأمس بعد محاولات كثيره للإنتحار، لكننا قمنا على تقييدها الآن، قال طبيب طاهر أن أتكلم معك وكأنك كبيرة، وها أنا أفعل ذلك مع أنني أجدك صغيرة في الحجم، لكنه قال انك تتحملين مسؤولية والدتك.

سأشرح لك ما حدث لوالدتك والدتك تعرضت لصدمه عصبية كبيرة، مما جعلها عرضة للجلطة، لكنها صغيرة لا تقلقي جلطه كان من الممكن أن تؤدي بحياتها، لكن تلك الحقنة التي أعطاها لها الطبيب قد ساعدت في إذابة جزء منها، أريد منك الإنتباه لها و والإنتباه لأنفاسها، عادة ما يأتي مع المرضى أحد الأشخاص البالغين، لكن أعتمد عليك و أثق بك كما يثق بك الطبيب طاهر.

-حسنا سأفعل، لكن ماذا حدث لتلك السيدة التي تقولين عنها، إن ذلك الصراخ الذي أطلقته جعلني ارتعش.

-صراحة لست أنت فقط الذي شعر بذلك جميعنا يشعر بذلك، يقولون وهذا سرا بيني وبينك أيتها الصغيرة الجميلة، لم تشعر "لميعة" إلا وهي تردد لفظ كلمة جميلة عدة مرات، وكأنها في حالة ذهول!
منذ فترة لم تسمع تلك الكلمة.

-جميلة!
جميله هل أنا جميلة؟

-نعم يا صغيرة، أنت فتاة جميلة.

وضعت "لميعة" يدها على وجهها، كيف نست ذلك؟
كيف لم تضع غطاء الرأس الذي صنعته لها والدتها، الذي يداري جزءا كبيرا من وجهها، كيف نست ذلك، كيف خرجت وهي هكذا؟

-لماذا تضعين يدك على وجهك؟

-ألا تشاهدي وجهي.


-أشاهدك وماذا في الأمر حدث ذلك الأشخاص كثيرون، ومنهم سيدات وعندما كبروا كانوا يدعون المساحيق التجميليه على وجوههم ، كان لدينا طبيبة لديها نفس آثار مرض الجدري على وجهها وكانت واثقه من نفسها، على ما اعتقد ان تعليمها وثقافتها هي من جعلها تثق في نفسها.


-وأين ذهبت تلك الطبيبة، هل هي تعمل هنا الأن؟

-لا يا حبيبتي إنها في بعثة لدولة إنجلترا، إنها تقوم على تحضير الدكتوراه هناك.

-إنجلترا!

-نعم لم يمنعها شيء على تحقيق أحلامها، جميعنا نحبها لأخلاقها وطيبتها الشديده، الله على صفاء قلبها ورقته، بأن أتت لها تلك البعثة بدون أي واسطة، أتمنى أن أشاهدك في يوم من الأيام مثلها، لكن يجب أن تتفوق في دراستك وتكافح مثلما كافحت هي.

-حسنا أنا بالفعل تلميذة نجيبة، لكن لقد نسيت ما امر تلك المرأة.

-لا اعلم يقولون اشياء كثيره ما، اريده منك ان لا تخرجي من تلك الحجرة، وان اردت الذهاب الى دوره المياه قومي على مناداتي، وانا ساذهب معك وهناك عاملتان في الخارج، تجلسان في بدايه هذا العنبر.
-عنبر!


-نعم أن تلك المستشفى مكونة من أربع طوابق، الطابق الأول بغرفة العمليات ، والجزء الخاص بالإفاقه والأشعه والتحاليل، والطابق الثاني به عنبران، واحدا يمينا والآخر يسارا، وهما خاصين بالأمراض الباطنة، والطابق الثالث به عنبران أيضا وهما خاصين بالجراحة، عنبر خاص بالجراحة، وعنبر أخر سكن للأطباء الذكور، والطابق الرابع الذي نتواجد فيه الآن، به عنبران عنبر خاص بسكن الطبيبات والممرضات المغتربات، وهو الذي يقع على اليمين، أما ذلك العنبر الذي نتواجد به الآن يقع على اليسار، وهو خاص بأمراض المخ والأعصاب، لذلك فإن تلك السيدة التي تتواجد في نفس العنبر الذي نحن فيه هي مريضه أعصاب.

-هناك العديد من الغرف الكثيرة.

-نعم تتواجد 12 غرفة كما تشاهدين، وأنت في الغرفة رقم 10 التي تطل على تلك الحديقة الجميلة، أريد منك أن تغلق النوافذ ليلا.

-حسنا سأفعل.

-هل معك طعام؟

-نعم معي، لقد أعطتني أختي بعض الطعام.

-إذا سأخرج الأن، وأنت أعطيتني وعدا أن تقومي وتأكلي من ذلك الطعام، وانا سأجعل إحدى العاملات تأتي لك بعصير أو كوبا من اللبن، ولا تقلقي من شيء ونامي، وأنا سأراعي والدتك واقوم على الإتيان اليكم كل نصف ساعة، وفي الصباح ستشاهدين زملاء آخرين لي، وأنا أغادر المستشفى في تمام الساعة 7:00 صباحا


خرجت "هدى" واغلقت الباب ورائها، بعد التنبيه على "لميعة" ان لا تفتح هذا الباب، حتى ولو سمعت ترك عليه يجب عليها أن تقول نعم، وحينما تسمع صوتها أو صوت إحدى العاملات تفتح الباب، فاستغربت "لميعة" لمثل هذا الحديث!

نظرت يمينا ويسارا وهي بمفردها مع والدتها، لقد أغلقت النافذة كما قالت "هدى" ، وأغلقت أيضا الستائر نظرت إلى الحجرة، فوجدتها تتكون من ذلك السرير الذي تنام عليه والدتها، و تلك الأريكة البلدية الصغيرة سوداء اللون ومنضدة، هذه هي المرة الأولى التي تشاهد مثلها، إن المنضدة لها جانب واحد، وكأنها معلقة و أرجلها عبارة عن لوح خشبي به أربع عجلات صغيرة، ففهمت أن تلك المنضدة هي التي يوضع عليها الطعام للمرضى، ويقومون بتقريبها من السرير حتى تكون في مواجهة المريض، وهناك مقعد بلاستيكي موضوع بجانب السرير الخاص بوالدتها، وعدد اتنين كومودينو صغيران.

وبالقرب من سرير والدتها، وجدت جرس يشبه ذلك الجرس الذي يوضع بجانب باب منزلهم، ذلك الجرس التي شاورت عليه "هدى" حين غادرت وقالت لها:

-لو حدث شيئا أو سمعت أي صوت تخرجه والدتك، أو نفذ المحلول من تلك الزجاجة لا تخرجي إنما تقومين بوضع يدك على هذا الزر، سنستمع نحن لصوت الجرس ونأتي مباشرة.


قامت بفتح الحقيبة وقامت على تغيير ملابسها، وجدت خزائن خشبية وكأنها دفنت في الحائط فتعجبت!
هذه هي المرة الأولى التي تشاهد مثل هذه الأشياء، وكانت الممرضة قد قامت بتغيير ملابس والدتها، وجلست الان تاكل ذلك الطعام الذي أعطته لها "نغم" على غير عادتها، وتتساءل هل تشعر "نغم" و"شغف" بالشفقة على والدتهم أم لا؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي