الفصل الثامن والعشرون

الفصل الثامن والعشرون:

– استيقظي أيتها الطفلة الجميلة، أتعلمين كم الساعة الآن؟ افتحت جميلة عينها وهي متعجبة ! وكأنها لا تعلم أين هي؟ واعتدلت وجلست على الأريكة التي كانت تنام عليها ونظرت إلى والدتها، وجعلت تسترجع ما حدث في الأيام القليلة الماضية وما حدث لوالدتها، وكأنها كانت في مكان بعيد جدا ونسيت ما حدث .

-هل نمت طويلا؟ فأومأت والدتها برأسها بنعم وضحكت "هدى" وهي تقول :

-لقد أتيت إلى العمل منذ قليل، وعرفت أنك نائمة طوال اليوم، بعدما أكلت من ذلك الطعام الذي كنت أحضرته لك، قبل أن ارحل من العمل إلى منزلي .

-نعم لقد كنت مرهقة ونمت نوما عميقا، وكأن والدتي كانت تحتضنني وتأخذني بأحضانها .

-هي كذلك، اعتقدها جلست مدة طويلة تنظر إليك وترعاك بعينيها، لقد أعطيت والدتك الدواء وأعتقد أنها ستنام بعد قليل، كما قلت لك يا حبيبتي لا تتحدثي معها كثيرا حتى لا ترهقيها بالكلام .

-حسنا .
-هيا فلتنهضي معي لكي أخذك إلى دورة المياه، من الممكن أن تأخذي دشا سريعا، أن بدوره المياه مياه ساخنة، وبعد ذلك قومي بتغيير ملابسك، فأنت ترتدين نفس الملابس منذ الأمس، وأريد أن أخبرك عن شيء آخر،
لن أخشى عليك شيئا في الليل .

-لماذا؟ ألم تقولي لي أن لا افتح الباب .

-بالتأكيد لا تفتحي الباب إلا لأحد تعرفينه، ولكي أطمئنك لقد تحدثنا مع رئيسة التمريض، ومن اليوم ستكون في النوبة المسائية حتى الصباح ليست عاملة واحدة بل عاملتان، وقد تم التنبيه عليهما بعدم إطفاء الأنوار في الخارج، بل أضاءه جميع الأنوار، وأيضا سيكون هناك عامل جالس على مقعد في أعلى الدرج فلا تقلقي .

-حسنا أنا لست خائفة . وبعد قليل ذهبت مع "هدى" إلى دورة المياه، وأعطتها "هدى" من الحقيبة التي كانت في الخزانة بعض الملابس لكي تقوم بارتدائها، وتركتها "هدى" على وعد أنها ستأتيها بعد ذلك، وعلى "لميعة" أن تخرج من دورة المياه بمفردها، وأن تتجه إلى الحجرة الخاصة بهم .

-"لميعة" انتبهي وأنت في طريقك إلى الحجرة، أنها رقم 10 .

-نعم اعلم، أنا أشاهدها من هنا .
-لا تخطئي في الحجرة فاليوم لا يوجد أحد غيرك أنت وأمك، الجميع يا إما تم نقلهم أو غادروا . وتركتها "هدى" وانصرفت، وبعد حوالي ثلث ساعة بعدما ارتدت ملابسها غادرت دورة المياه، وكانت في طريقها إلى الحجرة، فشاورت لها إحدى العاملات أن تأتي .

-أنت تلك الفتاة الصغيرة التي تتواجد والدتك في الحجرة رقم 10 أليس كذلك؟
-نعم إنه أنا . فتحدثت العاملة الأخرى، التي كانت تتناول ساندويتشا .
-"فتحية" ألم أقل لك أن الجميع قد غادر، ولم يتبقى إلا المريضة التي في حجرة رقم 10 .

-حسنا فهمت، كنت أتحدث معها فقط سأعطيك الآن وجبة العشاء الخاصة بك، وهناك وجبة إضافية، لأنك لم تستلم وجبة الغداء .

فأجابت صديقتها بغضب :
-لا اذهبي أنت أيتها الصغيرة إلى الحجرة التي تتواجد بها والدتك، أما أنت يا "فتحية" إن لم تنتبهي لما تفعلينه سأضطر أن أنادي الممرضة "هدى"، وأخبرها بما أنت تنوين فعله، كيف ستعطي المرافق الذي يتواجد مع المريض الطعام وأنت تجلسين، أنه عملك يجب أن تعلمي ذلك نحن نتقاضى أموال، أنت من يجب أن تقومي على حمل الطعام وتقدمينه إليها في غرفتها وليس هنا .

ابتعدت "لميعة" خطوات متثاقلة، فسمعت الأخرى تقول :
-لم أكن أريد أن أحضر إلى ذلك الطابق، وأنت تعلمين ذلك، يوجد به لا أريد أن أتحدث، يقولون إن تلك التي انتحرت منذ فترة تتواجد، الجميع بعدما استمع إلى صرخها اليومين السابقين قد غادر ذلك الطابق، باستثناء تلك الصغيرة ووالدتها، لأن الطبيب "طاهر" استطاع الحصول على تخفيض من مدير المستشفى على إقامتهم في تلك الحجرة .

-اصمتي أنه عملنا، ثم إنني اعمل منذ سنوات طويلة هنا، ولم أشاهد ما تقولينه .
-فلتقسمي أنك لم تسمعين أمس تلك الصرخات .

-سمعتها وسنسمعها عدة أيام، ألم تقل لنا تلك السفرجية القديمة التي كانت تعمل هنا منذ سنوات، أن هذه الأيام هي ذكرى وفاتها .

-اصمتي أنت من تتحدثين، أنا لا أريد أن أتذكر شيء ولا أعرف شيء عنها حتى لا تأتي إلينا، يقولون إن من يذكرهم يقومون على إيذاؤه، ولو تحدثت مرة أخرى تلك الليلة عنها سأغادر، والتخصموا لي من الراتب هذا اليوم . وصلت إلى الغرفة وفتحتها، أن تلك العاملتان لذا لا تتشاجر أن صوتها مرتفع، فالمكان خال والليل قد حل، حست بارتعاشة طفيفة لكنها تماسكت وأقفلت الباب وراءها .

-أمي لقد أبدلت ملابسي . ونظرت إلى والدتها، فوجدتها نائمة كما قالت "هدى" منذ فترة .
-حسنا سأجلس أنا هنا لوحدي انظر من النافذة، لكنني سأتناول الطعام قبل ذلك وسأنتظر والده "رحمه"، فقد قالت لي أنها ستأتي، كنت أريدك أن تكوني مستيقظة يا أمي حتى تنظري إليها، تنظري إلى تلك الملاك التي كانت تتحدث لي، نعم إن وجهها يا أمي يشع منه النور كما قلت لك .


جلست وتناولت الطعام، لكن لا تعلم لماذا تذكرت معلمتها المعلمة شادية وما فعلته بها، لقد كانت تتذكر المدرسة وان لديها واجبات :

-لا أعلم لماذا لم تأتي "نغم" أو "شغف" اليوم أم هلات وانا نائمة، لكن لا لا أعتقد أنهم أكل، أنا لا أحبهم كنت في السابق أحبهم حتى مع أحاديثهم السخيفة، وكنت يا أمي تحدثيني حديثا طويلا عن أنه واجب على أن أحبهم، لكنهم يكرهوني يا أمي لم تسأل واحدة منهم علي اليوم أو تأتي وتحضر لي بعض الطعام، هل أبلغوا المدرسة بما أنت فيه يا أمي، حتى لا يقومون على فصلي ويعرفون أنني متغيبة بسبب ما، لكن لا أعتقد أنهم فعلوا ذلك، فأنا أعرفهم جيدا أنهما انانيتين .

ومر الوقت ببطء، كانت تنظر من النافذة وتبحث عن والده "رحمه"، وكل نصف ساعة تأتي "هدى" وتطمئن على والدتها، وقالت لها إنها ستذهب إلى استراحة الممرضات :

-لقد تعبت جدا اليوم، لذلك سأذهب أنام ساعتين أو ثلاث في استراحة الممرضات، هي في العنبره المقابل في نفس الطابق، لو حدث شيئا فلتأتي إلى، أتعلمين بسبب أن المرضى قد تم نقلهم إلى أسفل، فأنا أظل أرتقد الدرج كل قليل انتبه لوالدتك هنا، ثم أنزل إلى أسفل انتبه لباقي المرضى، حتى وإن تم نقلهم إلى طابق آخر أنهم من مرضية هنا، ومن مرضى الطبيب "طاهر" .

لم تفهم لميعة ما قالته؟ فنظرت إليها وابتسمت .

اليوم كان الهواء عليل، وهناك رائحة تشبه الياسمين تأتي مع الرياح، ولم تشعر بالوقت الذي مر حتى انتصف الليل، وبعدها بقليل استمعت إلى ترك على الباب، فسكت ولم تقترب حتى من الباب، بل أقفلت النافذة وخطت خطوتين سريعا إلى الأريكة وجلست عليها، لكنها استمعت إلى ذلك الصوت المحبب والده "رحمه" :

-لا تقلقي يا "لميعة" أنه أنا، لقد أتيت لأجل أن أسمعك كما قلت لك بالأمس، حتى لا تقوم "جلنار" على إزعاجك .

نهضة "لميعة" سريعا وقامت بفتح الباب، فدخلت تلك السيدة التي تلك الملابس البيضاء وسارت، ونظرت "لميعة" أن تغلق الباب فأغلقته "لميعة"، وبعدما التفتت وجدت السيدة والده "رحمه" تنظر إلى والدتها، وتقوم بالدعاء لها أن يقوم الله على شفائها فوقفت "لميعة" لا تتحدث، بل كانت تبكي في صمت .

-هيا يا لميعة فلتأتي إلى هنا وتجلسين على تلك الأريكة، أليست هي تلك الأريكة التي تنامين عليها؟

-نعم هي، كيف عرفتي؟
-أجابه بسيطة، كل غرفة تتواجد بها أريكة أمام سرير المريض .
-حسنا لم أكن اعرف .
-كل الحجرات هنا يا "لميعة" متشابهه باستثناء الأولى والثانية، لأنهم درجة أولى .

-وهل هناك فرق؟
-هناك فرق في أن دورة المياه متصلة بالحجرة، كل حجرة منهما لديها دورة مياه صغيرة والأساس مختلف أفضل قليلا، هذا هو الاختلاف بينهما، أما الاهتمام والرعاية لا الجميع هنا متساوي .

-تذكرت الآن، لقد قالت "هدى" أنه تم نقل المرضى جميعا إلى الأسفل، وسمعت تلك العاملة تقول إنه لم يتم نقليّ أنا أو أمي، لأن الطبيب "طاهر" الذي قام على دفع الأموال لنا، لتواجد والدتي في هذه المستشفى، تحدث مع المدير الذي قام واخفض ثمن تلك الغرفة .

-الطبيب "طاهر" أنا أعرفه منذ اليوم الأول لتواجده في تلك المشفى، أتعلمين منذ ما يقرب من 30 عاما يتواجد هنا، أتى وهو شاب ما زال متخرج حديثا من كلية الطب، ولم يغادر تلك المشفى إلى الآن إنسان مهذب، وأنا أكن له كل الحب والاحترام، كما أن "رحمه" تحبه .

-قلت لي إنك ستاتين تجلسين معي، حتى لا تقوم "دينارة" على مضايقتي، وليست "جلنار" أم أنك قلتي "جلنار"، هذه المرة الأولى التي استمع فيها إلى تلك الأسماء، لم استمع إليها من قبل، ولا أعرف أحدا من جيراننا أو أقاربنا بهذه الأسماء .
-إنها حكاية طويلة، حكاية دينارا "جلنار" .

-قلت إنك ستجلسين معي حتى الصباح، هل من الممكن أن تقومي
وتقص حكايتهم .

-لقد أتيت لهذا الغرض، لأنك تقفين في المنتصف، تكونين مثلهم أو تكونين شيئا آخر .
-لست أفهم؟


-كيوان أتسمع استيقظ هل أنت نائم، أين ذهبت؟
-أنا هنا بجانبك يا ريتال، لقد أصبحت شقيه جدا، قلت لك أنني لا أنام هل أقولها لك بصوت مرتفع، أنا لا أنام يا ريتال أنا متواجد واستمع إلى كل كلمة تقولها "لميعة" الصغيرة، كما أن "لميعة" الكبيرة تقف هناك وتنظر إلى نفسها وتبكي، هذا ما يريده كهلان .


-كهلان أم "خالد"؟
-ريتال أنت تعلمين أنهما نفس الشخص .
-اعلم أعلم، لكن أكان "خالد" هو السيئ وكهلان هو الطيب أم ماذا؟
-ستعرفين أيتها الطفلة الصغيرة .


-أنا أعتقد أن "خالد" ذلك كان شخصية متميزة جميلة لأنها أحبتها، وذلك الحديث الذي تقوله كل قليل "لميعة" الكبيرة، وذلك الحب والهيام والغرام بينهما، أعتقد أنه كان شخصية مميزة .
-أتعتقدين ذلك؟ أم لأنه وسيم .
-أنا لم أشاهده .
-لكنك تشاهدين كهلان، وكهلان وهو كبير وسيم، إذا فعندما كان صغيرا أو شابا كان وسيم، لكن سأقول كلمتين أن "خالد" هو من جعل "لميعة" تسير في ذلك الطريق، وفعل أفعالا شنيعة وأدرك بعدها خطاه، قلبه أخبره أن ما يفعله خطأ،

فحاول أن ينبهها فتمادت وابتعدت وسافرت وهربت منه، لكنه عرف مكانها، وكان يذهب إليها كل حين، كان يخطئ وبعدها يحاول أن يصلح أخطائه ويرجع إليها،

وهكذا مرات ومرات حتى عندما علم أنها جاءت إلى تلك الدولة جاء واستقر بها لأنها دولة كبيرة، أنت تعلمين أن أستراليا قارة صغيرة، والمفيد بها أن بها غابات كثيرة، عندما تأتيه تلك الحالات التي تأتيه، لا يريد أن يستقر في مكان يسير بمفرده الأيام وأيام في الغابة، أو يركب مركب صغير ويجلس بها في منتصف المحيط بعيدا، أنه شخصية عجيبة أشد عجبا من شخصية "لميعة" .

-فلتصمت أنت تتحدث كثيرا، لقد سألتك سؤالا واحدا، أنا أريد أن استمع لتلك السيدة، ماذا ستقول "لميعة" .
-ماذا تقولين؟ سيدة ! اتعتقدين انها سيده؟
-لست أفهم؟
-فلتستمع إذا .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي