الفصل التاسع عشر

الفصل التاسع عشر

تغيرت وتغير قلبها : أحببتك وما ظن القلب أنه يوم مسافر ، أخذت جراحي والنزيف مازال قائم ، يامن منحتك الروح وكنت في حبي مساوم ، هل تحضن الوهم وتترك قلب بك متيم ؟

ما ظننت يوما أنك من هذا الحب ستسأم ، أسأل قلبك لمن ينبض فقد باتت الروح تتألم عشقتك والحروف تشهد كم بلقياك القلب كان يسعد ، واليوم في جوف الليل أسهد ومالي غير الألم أتوسد ، ورب الكون على هذا الحب يشهد .

- أتألم وأمشي في شوارع الخيبات أبحث عن نفسي ، أين أنا ومن أنا ؟ ضاعت ملامحي واختفى بريق عيوني ، اختفت ابتسامتي في ظلمة الحياة الأسرة ، ولا أستطيع التعرف على نفسي ، أحدثها فتصمت بين رفض ورضى ، بين حب وكره ، بين تناقضات حارقة شاردة الفكر ، تذبحها الآه وألف آه تنحصر داخلها إلى حد الإغماء .

أمثلتها كؤوس العذاب في حضن الذكريات يعتصرها الألم ، وأول الظالمين إخوتي من جعلوني أسير في طريق الشيطان سنوات طويلة ، هم من زرعوا تلك البذرة الصغيرة السوداء في قلبي ، بعدها كبرت وأصبحت شجيرة صغيرة ، وكبرت أكثر فأصبحت شجرة وكبرت ، وازدهرت وأنبتت وأصبحت غابة كثيفة من الكرة والغل والحقد ، الحقد على سنوات كثيرة عاشوها في هناء وسعادة،

وقد أصبحت نغم بعد ذلك جميلة الجميلات ، وأنا أصبحت ماذا ؟ أصبحت وجه القنفذ ، ومن فعلت بذلك هي أول من أطلقت على هذا الاسم ، الذي صاحبني سنوات طويلة حتى استطعت أن أجعلهم يخشون نطق اسمي .

- إنها كاذبة يا أمي ، لم يفعل لها أحدا شيئا وانظري هذه هي الزجاجة كما هي ، أعتقد أنها كانت نائمة تحلم وقد كنت أجلس هنا ، حتى إن شغف قد أتت على صراخها وهي تستيقظ من ذلك الحلم أو الكابوس لا أدري ، وها هي قطع القطن الصغيرة ما زلت في يدي بعد أن وضعت لها ، لكني وجدتها وقد قامت على حك وجهها بهذه الطريقة البشعة ، لا ذنب لي يا أمي .

كانت الأم تبكي صغيرتها التي كانت منهارة ، وقد أحست بالشلل في لسانها لا تصدقها والدتها ، وقد حلفت أختها أن ما حدث كان حلما ، وها هي الزجاجة كما هي ، لا تعلم الأم أن شغف قد أحضرت زجاجة أخرى حتى أن الأم قالت :

- لله الأمر يا حبيبتي أعتقد أنك كنت نائمة ، فإن أختك شغف لا تعرف مكان الصيدلية التي أحضر لك أحضر منها ذلك الدواء ، وكيف ستخرج وقد صنعت لك حساء الدجاج بالخضروات كما أمرتها قبل أن أنام ، ونغم ها هي قطع القطن في يدها وأظافرها نظيفة ، أعتقد أنه كان حلما سيئا ، وأنك قد قمتي على حك وجهك بهذه الطريقة لا أعلم كيف ، لا أعلم الآن أيضا ماذا أفعل ؟ لكني سأستدعي الطبيب ، لعله يعرف ماذا نفعل .

وهنا نطقت "شغف" ماذا ستقولين له يا أمي ، أن فتاتي الصغيرة كانت تحلم وقد قامت على حك وجهها ، أعتقد أنه سيلومك أنت فأنت والدتها ، هل تريدين لنفسك أن يتم تقريعك أمامنا بالكلمات اللاذعة من ذلك الطبيب الكبير في السن ، إلا تعلمين لسنة يا أمي أنه لا يتوانى عن تقطيمنا ببعض الكلمات اللاذعة ، لسنا نحن فقط بل الجميع لقد اعتاد على ذلك أو نظرا لكبر سنه ، فلتجلسي والأمر لله وحده يا والدتي ، ندعو لها الله أن لا يكون ذلك الحكاك الشديد وتلك الدماء التي خرجت من تلك البثور قد أثرت عليها .

- كيف لم تؤثر ؟ وأنت تشاهدين الدماء ، وها هي تلك الخرابيش التي على وجهها ، وكأن نصف وجهها سيتشوه النصف بأكمله ، تلك الجميلة لا أعلم ماذا أفعل ؟ ماذا سأقول لوالدكم ، أقول إنني أهملت حبيبة قلبه وحبيبه قلبي ، ذلك القمر الذي يضيء بيتنا ، حتى أن تلك الابتسامة الجميلة التي على وجهها قد ذهبت ، وكان وجهها تبدل لا أعلم الآن ماذا أفعل ، نغم اجلسيني على ذلك المقعد أشعر بالدوار الشديد ، أعتقد أن ضغط دمي قد ارتفع ، أدخليني حجرتي وأحضري لي قليلا من العناب .

_ حسنا يا أمي فلتمسكي بيدي ، وسأذهب بك إلى غرفتك . تبكي جميع الآن وتستنجد بكهلان ، أرجوك أن تخرجني من تلك الدوامة ، أنا أعلم ما حدث في ذلك اليوم وأعلم ما سيحدث ، أرجوك أخرجني بحق تلك النطفة التي وضعتها في رحمي ، بحق ابنتنا التي لم تولد ، بحق ذلك الحب الذي أكنه لك ، فأنت الرجل الوحيد الذي أحببته في حياتي كلها ، أنت حبيبي وصديقي الوحيد أخرجني من هنا ، لقد تعبت وأنت تعلم الباقي ، لكني أشعر أن قلبي سيخرج أو سينفطر الآن وأموت ، لا أستطيع أرجوك يا كهلان .

كان كهلان يبكي تلك الحبيبة ، التي لا يستطيع أن ينطق لها ويقول لها أحبك لقد مات الحب ، مات الحب الذي قد ينطقه بلسانه ، أما قلبه فهو مليء بحب تلك الفتاة التي يتعرف عليها منذ سنوات طويلة ، تلك التي كان يمتلئ قلبها بالكره والبغض ، هو أيضا مسؤول هو من قادها وعرفها بذلك الطريق ، بعد أن كان عرفه سابقا لديه ، هو أيضا قصة جعلته كهلان ، لكنه تراجع وجعلها تتراجع ، لكن الآن يحتمون من بطش ذلك الذي عقدوا عليه ميثاق بالدم يحتمون بأعدائه ، وعليهما الآن أن يحاربوا من كانوا في يوم من الأيام مجندون مثلهم .

- صدقيني يا لميعة لا أستطيع إخراجك مما أنت فيه ، أنا أيضا أتذكر أشياء كثيرة ، وأعتقد أنه سيحين دوري بعدما تنتهي أنت ، أن تلك الصغيرة تبكي فتماسكي هي تسمعك فلتتماسكي من أجلها ، تلك التي ستكون مثل ابنتك ، مثل تلك الصغيرة التي قمت على إجهاضها وأنا أتحمل الذنب معك ، لكن قد فات ذلك ، كان وقت الشباب عندما كان قلبنا مليء بالبغض والكره ، لكن تلك الصغيرة تحتاجك وتحتاجني ولا أعلم السبب الذي وضعها في طريقنا إنه القدر ، يجب أن نكمل الطريق نحن ما زلنا في بدايته .

- كنت كلما اختل توازني ، تجعل من ضلوعك وسادة وتهمس إلي بصوت الأب ، إهدئي يا صغيرتي ما زلت هنا ، فأقول لك كيف وأنا أقف على شاطئ الذكريات ، كم من أناس جعلت من الضلوع وساده بللتها دموع الخيبة ، ومن الأحلام حياة ، وها أنا صحوت الآن على واقع مؤلم لا يشبه إلا روحي المعذبة .

- وماذا كنت أقول لك أيضا أتتذكرين ؟

- نعم كنت تنظر إلى بذهول وتقول صدق من قال إن تلك الروح تشبه تلك الروح ، فأرواحنا متشابهه يا لميعة نعم يا صديقي الذي تشبهني جئت لي ، في الوقت الذي كنت بحاجة للبوح أثقلتني الذكرى يا صاحبي ، فهل تعرف معنى الجروح ، هل تعلم معنى أن تصبح في الغياب جسد بلا روح . - نعم كانت تحب إلى حد الجنون تعشقه بكل صفاته ، وقد تحملته بكل هفواته وحاربت من أجل أن يعيش هذا الحب ولأجل ذلك ضحيت كثيرا ، أعلم ذلك وأعلم يا لميعة أن العمر يمر والسنين تسرق ، والقلب أدماه الإهمال نعم قلبك أدماه الإهمال ،

ولاني عشقتك لكني عشقتك بصمت وأعلم أن ذلك يخنقك ، جعلتي تحدثيني كثيرا وتلوميني وتعاتبيني وأنا صامت وأنهال عليك باللوم ، ماذا دهاك يا امرأة أنت تعلمين مشاعري ، لكنني لم أعلم لغة الحب لم أعلم كيف هو الطريق المختصر إلى قلبك وأنت القوية ، نعم يا لميعة أنت أقوى مني وأصدق في الحب مني ، علمتيني معنى الاحتواء علمتيني أن تكون كلمة أحبك ليست قبله أو رغبة حب ، سنوات طويلة بدون مفردات ممكن أن تقال في قاموس الحب وأنت بعيدة عن الجسد ، عندما آتيك كل حين وآخر تقولين ضع رأسك على ركبتي كما يفعل الطفل مع أمه أجل ضع رأسك على ركبتي .

- نعم يا كهلان وما زلت أقولها لك ضع رأسك على ركبتي ، وسأقوم على الحنو عليك مثل الأم .

- كنت أشعر بالارتخاء وأنت تمررين يدك بين خصلات شعري ، وأحدثك عن يومي وتعبي ومشاكلي وعن ما يؤلمني ، وأنت لا تفعلين غير أن تمرري يدك على وجهي ، وتخرجين عطرا ممزوجا بحنان الأم من قلبك وترشرشينه علي ، أنت الأم أو الأخت والحبيبة وتستمعين إلى أنفاسي وحديثي عن ذلك العالم الذي أرهقني ، وعن ماضي ما زال يؤرقني ، وكنت اسالك هل تريدين أن تدخلي عالمي في أعماق قلبي ، لتمسحي بدفئك ما خلفه الزمن من جراح .

- كنت تقولين لي نعم أيها الجاهل لجوهر الحياة ، تؤكد أن جسدك لا يهمني ، إذا لم أكن أنا بداخل روحك ، وتكون روحي معك تحرك ذلك الجسد المتعب ، وتمر الأيام وهذا هو الحال انتظرك ولا تأتي ، وأكون في عذاب مستمر وتعود بعد ذلك حاملا حقائب الصمت ، وما زلت يا كهلان تفعل ذلك .
- لا أتصور يومي بدونك ، وأنت تعلمين ذلك أليس كذلك ؟
- أعلم لكن ماذا سيحدث ، إذا خطفني الموت منك ؟
- سيموت قلبي .

- لا يا كهلان لن يموت قلبك ولا تندم ، ربما لم تكن أنت المذنب ، ربما كان هذا طبعك ، لكن أنا المذنبة لأنني قد طلبت منك ما لم يكن لديك ، وما لم تستطع منحه وعندما أموت سأودعك وانا احمل عيوبا أرهقتك ، وعاداتك التي ذبحتني . - لا تقلقي أنا بجانبك ، استمري في التذكر ولا تقلقي ما تقولينه سيكون عبره تلك الصغيرة التي تسمعنا ، ريتال التي ستحل محل ابنتنا ، نعم أعلم ستقولين وأباها ووالدتها ، أفهم ذلك لكنك ستكونين أما مرشده ، وأنا سأكون الأب الروحي لها ، لا تقلقي ستحبك وستخاف عليك ، لكن يجب أن تعلم ما حدث معك وأنت ضعيفة وما فعلتيه وأنت قوية ، حتى لا تفعله هي وتنتقم من أحد أذاها ، أو سيؤذيها في المستقبل .

- أتذكر ماذا يا كهلان ، وقد تساقطت أحلامي كما تتساقط أوراق الخريف ، التي حملتها الرياح بعيدا ورمتها في قاع النسيان تذبل وتموت ، لم يتبقى بداخلي غير الصراخ لا يسمعه أحد أو يفقهه أحد غيري ، وتوالت على فصول الأماني ، هذا فصل جفاء وهذا فصل طوفان الغضب ، وهذا حر الشوق ، ولم يأتي ربيع الأمنيات إلى الآن ،

وسرعان ما جرفتني عواصف الأقدار في دوامة الخيبات والبغض والكره ، وهكذا مرت حياتي وأنا أناشد الأقدار أن تترك لي بسمة صغيرة على عتبة ما تبقى من عمري ، كل هذا سببه أنني حاولت أن ازرع الحب في قلوب قاحلة تتطلب الكثير من الإصلاح ، نعم ما زالت قلوبهم تحتاج إلى الإصلاح ، فأصبح عطائهم ضئيل لكل من مر بحياتهم ورضيت أنا بتمزق أوتار القلب من شدة التعب والإرهاق ،

وأصبحت الأحزان تعشقني وكانها تتلذذ في تعذيبي والألم بداخلي ولم يتبقى شيئا ، وقد أتى قطار الحياة مسرعا وقدها سما تبقى مني وقربت حياتي على الانتهاء ، وقد اغتال الحب بقلبي منذ سنوات وأنت السبب ، لم تكن بجانبي طوال الوقت كنت ابحث عنك كنت اطاردك ، وأنت تهرب من مكان إلى آخر ، تأتي كل حين بدون أن أعرف ، عندما أكون قد جئت من مجيئك أو أنك تتذكرني تمكث قليلا ثم تهرب بعيدا ، كنت أتلذذ واقضي الوقت في ترتيب انتقامي من نغم و"شغف" ، وقد انتقمت أو تعلم المفاجأة ، لم يشفى وجع قلبي إلى الآن بل زاد الوجع أطنان ، عندما ماتت حبيبتي أمي ولم يتركوني بجانبها ، وقد طردوني من المنزل شر طرده ، ذلك الذي يدعى جواد بزوج تلك المغرورة .

- لا تستبق الأحداث وقد تركتك تتحدثين طويلا بمفردك ، تذكري كل شيء بالترتيب وفي وقته أتعلمين من تبكيك الآن أنها الصغيرة ريتال ، يقوم الأمير كيوان على احتضانها والتربيت على كتفها ، أو تعلمين ولأن تلك الدائرة السلبية الكبيرة أخذت في الانصراف عنها ، استدعى لها كيوان مهد كبير على هيئة فراشه ملونة من العقيق والمرجان ، حتى تهدأ قليلا من تلك الرجفة التي أتتها ، عندما شاهدت ما فعلته نغم و"شغف" معك .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي