الفصل الحـادي والعشرون

الفصل الحادي والعشرون

تبكي لميعة بكاء شديدا :
- أحتاجك يا أمي كأول يوم جئت بي لهذا العالم، وأنا لا أفقه شيئا ولا أميز إلا حضنك، ولا يؤنسني إلا صوتك، أحتاجك يا أمي أكثر من أي وقت مضى، أكثر من أيام الصبا مازالت بداخلي طفلة تصرخ أكبر صرخة، تريد التحرر من منفى، مازالت تصاحبني الدمعة.

أنا بقايا حلم بسييك أشد بعضي وأرمم كسريّ، وأهرب مني إلى وأحدث نفسي في سري وعلني، كيف رضي، كيف هزمت، وكيف خذلت، حديث طال مع صمتي مع جرحى، مع صبري ومل الصبر من صبري، كنك أنت لا تدري أنك أكبر جرحي، فهل أغفر وهل أنسى أعنت الدهر على قهري.

أفاقت لميعه على صوت والدتها وهي تتحدث مع لميعه الصغيرة، التي كانت تبكي بكاء مريرا بعد مضي أشهر من تلك الواقعة التي أدت إلى كثير من الندوب الغائرة في نصف وجهها.

- لماذا تبكين يا حبيبتي، وقد قلت لك أنه النصيب ليس بيدنا فعل أي شيء، لقد شاهدت ذهبنا إلى ثلاثة أطباء وقد أجمعوا سلفتهم أنه ليس هناك حل، وان الجميع يعلم أن ذلك المرض يحدث ندوب، عندما يحدث حكاكا شديدا بتلك البثور التي تنتج عنه.

والجميع يلقي باللوم علي أنا، يا ليتني لم أنم في تلك الليلة، ليتني نمت معك في تلك الحجرة ولم أتركك، كان من الممكن أن أستمع إليك وأنت تصرخين، واقومي على نجدتك من ذلك الكابوس الذي أتاك.

- أقسم لك يا أمي لم يكن هناك أي كابوس، أنها نغم أقسم لك قلت لك مرارا وتكرارا، أنني شعرت بحكاك فقلت لها أن تمسك بعض القطن الصغير الذي على المنضدة في غرفتي، وتضع قليلا من الدواء الوردي اللون الذي يعطيني إحساس كالنعناع على تلك البثور.

لأنني كنت أشعر بحكاك شديد، لكنها جاءت وأمسكت بتلك الزجاجة وقامت على فتحها، ووضعت كمية كبيرة في يدها وفوجئت بها وضعتهم على وجهي، وأخذت ضحك حكاية شديدا بأظافرها وأنا أصرخ، فدخلت علينا شغف لكنها لم تنهر نغم، إنما قالت لها أنها تذهب لتحضر زجاجة أخرى، وكانت قد وضعت فرخه وخضروات على الموقد وستذهب بسرعة وتأتي، وقالت إنها تعلم مكان صيدلية قد قالت عليها والده حفصة.

- الشيء الوحيد الذي يجعلني أصدقك، أنك كنت نائمة عندما قلت لنغم أن تقول لشغف أن تطهي لك تلك الدجاجة، وقتها تركتها وذهبت للنوم، ولم أشعر بشيء واستيقظت وجدت باب حجرتي وقد أغلق علي، مع أنني كنت متذكرة أنني تركته مفتوح حتى أسمع صوتك حينما تستيقظين، لا أعلم ماذا افعل ولا أستطيع أن أقول لوالدك ماذا حدث، أو أقول له أن يترك عمله الذي يضر علينا المال الذي سيجعلنا نجهز أخواتك به.

وفي نفس الوقت لا أسامحهم على تلك الكذبة، ولكن قلبي يجعلني لا أصدق أنا في حيرة شديدة ما بين قلبي وعقلي، قلبي يصدقك أنت وعقلي يقول كيف كيف يفعل ذلك، لا أعلم ماذا أفعل حتى وإن واجهتهم بالأمر ماذا ستكون النتيجة النتيجة واحدة.

لقد تشوهي وجهك، وأنا لا أستطيع أن أقوم على أذيتهم أو حتى إن انطق لأي أحد أنهم قد فعلوا بك ذلك، أنهم سيتزوجون قريبا وفي حالة علم أي أحد بما فعلوا لن تتم الزيجة، على الأقل نجعلهم يخرجوا من هذا المنزل.


لقد حاولت معه مرارا وتكرارا، وقمت على أفهامهم أنك صغيرة وقد حملت بك وقد تخطيت السادسة والثلاثين، بعدما رضخنا أنا ووالدك للأمر الواقع، أنه لدينا بنتان فقط وكان هناك أمل لإحضار الولد، لكن حدث أمر الله ولم اعترض أو أحزن في يوم من الأيام، وقلت لهما أكثر من مرة أخاف أن أتركها وأموت من سيراعيها؟
ولذلك أعطيك كثيرا من الحنان، لست أنا فقط من أفكر بذلك، بل كثير من الآباء والأمهات.

- لست أفهم ما تقولينه يا أمي ما أفهمه شيء واحد، أخاف أحلم بأحلام مزعجة لا تتصورينه، هناك أناس قالوا في الحلم أنهم ينتظروني أن وجوههم مخيفة مخيفة جدا، وقد رأيت شخص يرتدي السواد، ويعطيني ظهره وكأنه يرتدي عباءة سوداء اللون وبها غطاء للرأس يرتدي، ويقول انتظرك سأكون أنا أول من يقوم على لمسك، أنا من سيأخذ زهرتك لا أعلم يا أمي ما هي ظهرتي، لا أعلم شيئا وأنا خائفة.

- أضغاث أحلام.

- لا يا أمي أنا أشعر أنها حقيقة، حتى عندما استدار ولمسني وجدت وجهه به فراغ كبير من السواد لمسني، وقد شعرت بتلك اللمسة ويقول إنه سيكون أول فارس لي وسيأخذ زهرتي، وجعل يكررها ويكررها، وأنه الشخص الوحيد الذي يخاف علي ويحبني في تلك الحياة، وإنني سأصبح ملكه ومعه حتى مماتي، أنا لا أعرف من هو لكني أشعر أنه حقيقة، حتى وأنا بين أحضانك نائمة اسمع صوته في أذني.

- لا تخافي سأقوم من اليوم على إنارة تلك اللمبة حين ننام حتى لا تخافي، وسأقوم على احتضانك بشدة وسأظل مستيقظة طالما أنت نائمة، لكن ما يشغلني الآن أن ميعاد أول يوم دراسي بعد يومين، ماذا سأفعل بك عندما أخرج بك إلى الأطباء أقوم بوضع غطاء الرأس الخاص بي على وجهك، لااعلم ماذا افعل.


الأوقات الدراسية تمر ببطء شديد في بداية العام الدراسي، ولان لميعه لم تعتاد على هيئتها الجديدة وجدت استهزاء وتنمر لا تستطيع فتاة في سنها أن تتحمله، كانت دائما ما تذهب والدتها إلى المدرسة للحوار مع المديرة، التي رفضت في بداية العام الدراسي أن تضع لميعه غطاء على وجهها قالت :

- كيف ردت عليها سيدة جميلة، سيكون وكأنه النقاب إنما سأصنعه لها بلون الزي المدرسي، حتى يكون متناسق وسيكون من الأقمشة الخفيفة حتى تستطيع أن تتنفس، لكن سنحجب وجهها لأن الفتيات يقمن على الاستهزاء بها، لم تستمع المديرة إلى ذلك الحديث وكل يوم استهزاء، حتى جاء يوما شعرت كأن هناك سكينه يغرس في قلبها، أن مدرستها التي كانت تعشقها وتتحدث معها دوما، بل حينما يدخل أحد كبار الزوار إلى المدرسة تجعل لميعه فقط هي من تجاوب، كانت الواجهة المشرفة لصفها لتلك المدرسة، لكن اليوم عندما دخلت مدرستها تحدثت بصوت عالي :

- صباح الخير يا بنات، لميعه قوميّ من الصف الأول واذهبي إلى آخر الصف.

- أنه مكاني منذ الصف الأول حتى الآن.

- قالت كلمة واحدة ويجب أن تطيعي الأوامر، قومي يا هدير من مكانك وأبدله مع لميعه.

- لا أرفض أن أقوم من مكاني، أنا الفتاة المتفوقة الوحيدة في الصف، ولن أقوم من مكاني كيف ذلك، وماذا فعلت أنا لم أخطئ في شيء، وبعد جدال شديد وبكاء من لميعة صرخة المعلمة بصوت مرتفع :

- قومي من مكانك أيتها الفتاة وإلا قمت على عقابك، أنا في أول شهور الحمل هذه هي شهور الوحم، وأنا لا أستطيع النظر إلى وجهك.

- وما ذنبي أنا.

- حسنا سأقوم بالخروج من هذا الصف الآن، حتى تجلسي في المكان الذي قلت لك أن تجلسين فيه، وإلا لن أقوم على تدريسكم وبالفعل خرجت المعلمة من الصف وأغلقت الباب، لم تشعر لميعه إلا بعده فتيات من زميلاتها قد أتوا إليها، وقاموا على جذبها من تلك الضفيرة التي تصنعه لها والدتها، وقمنا على صفعها وضربها، وهي تبكي لا تعلم ماذا فعلت؟
منهم فتاة تدعى أمل اعتقدتها فتاة طيبة، كانت تتحدث معها بل وتعطيها كثيرا من الأطعمة التي تعطيها لها والدتها.

لكن ماذا حدث أمل أنها أيضا تقوم على جذبها من شعرها بل والأكثر خروج بعض الشعيرات من رأس لميعه مع ألم شديد، وتم جذبها حتى وقعت عن مقعدها واتت الفتاة الأخرى وجلست، فكان لابد لجميع أن تجلس في مكان، وهي تبكي وتنظر إلى ملابسها المدرسية، والتي قامت بعض الفتيات بجذب الحزام الخاص بذلك الرداء، مما أدى على قطعة وبعدها فتحت فتاة منهم باب الصف وقالت المعلمة بصوت عال :


- تفضلي يا معلمتي أن لميعه قد استمعت للحديث من نفسها، ووجدناها تقوم من مجلسها وتجلس في الخلف بدون أن يتحدث معها أحد أو يكلمها، أعتقد أنها تعلمت وتعلمت أن تستمع لكلام المعلمة، وهنا دخلت المعلمة الصف ونظرت إلى لميعة.

التي كانت تبكي بكاء مريرا، ولوجهها حتى شعرها الذي تناثر يمينا ويسارا، وملابسها التي يظهر عليها آثار مشاجرة عنيفة، لكنها لم تتكلم أو تنفعل أو حتى تعاقب الفتيات التي قمنا على ذلك، لكنها نظرت إلى لميعه وكأنها عدوتها بعد السنوات الماضية التي كانت تعتبرها الفتاة المثالية :


- كان يجب عليك منذ البداية أن تستمعي لحديثي، لا توجد أي فتاة في تلك المدرسة لا تستمع لحديث المعلمة شادية، ومنذ الآن وحتى الصف النهائي لا أريد أن استمع إلى صوتك، حتى عندما أريد أن تجاوب أي فتاة عن سؤال ما، مسموح للجميع أن يجاوب إلا أنت، حتى في حالة عدم معرفة الإجابة إلا منك.

أنت لا أريد أن استمع إلى صوتك ولا أن أشاهد وجهك، والأفضل أن تضعي حقيبة أو حقيبتين أمامك في صفي، حتى لا أشاهد وجهك أو سأضطر أنا إلى إبعاد وجهي عنك، لم أكن اعلم أنك لئيمة لهذه الدرجة، وكأنك تريدين لطفلي أن يأتي وجهه مثلك.

فتاه وحيدة فقط في الصف هي من كانت تبكي لميعه، كانت تجلس بالقرب من الصفوف الأخيرة أنها صديقتها بدور، لقد كانوا ثلاثة صديقات بدور، ولميعة، وأمل وها قد انشقت أمل عن تلك الصداقة بوجه مشوه، نعم تنظر لميعه الكبيرة إلى أمل، لكن كان على وجهها ابتسامة وكأنها إبتسامة خبيثة :

- لقد إستحققت يا أمل ما فعلته بك، نعم استحققت ما فعلته بك أنت وخطيبك، ولم أندم في يوم من الأيام على ما فعلته بك، ولن أندم حتى وأنا أتذكر ما حدث ظلت لسنوات طويلة تعايريني بوجهي وما ذنبي أنا؟
حتى والدتك قد عاقبتها على ما كانت تقوله لأمي.

وتجرحها وتتباهى بجمالك، مع أني أجمل منك 100 مرة، لكن ماذا حدث بعدما فعلت نغم وشغف ذلك، أصبحت لقمة سائغة تلوكني أفواه الأمهات، التي مثل أمك نعم مثل أمك يا أمل، أمك التي توضع عادة وليس لها من اسمها أي نصيب، لقد كشفتها أمام زوجها وأخبرته عما كانت تفعله ليلا مع ذلك الرجل الذي كان يأتيها، نعم كشفتها وبطريقة بشعة لكنني سعيدة لأنني فعلت ذلك.




ثم أدارت رأسها ونظرت إلى بدور وتبدلت نظراتها، كانت مليئة بالحنين والعطف على تلك الصغيرة :

- وأنت بدور الوحيدة التي أختي، بالتأكيد أنت أختي كنت أتمنى ذلك، أنت يا من كنت تربتين على وتاخذيني في حضنك وأنت مازلت صغيرة، لقد كافأتك على ما فعلته معي، لم أنساك يوم من الأيام وسأظل أتذكرك، نعم قد اسود قلبي وحاربت الكثيرون، لكن أنت الوحيدة التي قمتي بتضميد جراحي، في الوقت الذي كانت أختي نغم في المنزل تقول لي يا وجه القنفذ.

. وفي نفس اليوم وفي المنزل، دخلت لميعه على والدتها وهي تبكي فصعقت والدتها من هيئتها، لم يأتي في فكرها أن تكون صديقتها قد فعلنا بها ذلك، لكن تفكيرها ذهب بعيدا في اتجاه آخر، يكون أحد قد قام على اغتصابها هذا ما فكرت به، فإن ملابسها وهيئتها لا توحي بالخير، والدموع الكثيرة و الأعين الحمراء، والشعر المقطع والملابس التي وكأن جيش من البشر قام بجذبه يمينا ويسارا، لم تتحمل ما شاهدتها فوقعت مغشيا عليها في الأرض.

أتت نغم عندما قامت لميعه بالصراخ:
- أمي ماذا حدث لك؟

- ماذا فعلتي لها يا وجه الغراب، لا ليس وجه الغراب أنت مشوهة أنت وجه القنفذ، نعم أنت وجه القنفذ أنت من جلبت الفأل السيئ إلى منزلنا منذ اليوم الأول لولادتك نعم أنت شؤم علينا جميعا، انظري ما فعلتيه بوالدتك.

أتت شغف من الحجرة الخاصة بها هي ونغم، وقامت الاثنتان على حمل والدتهما وضعها في غرفتها، والغريب في الأمر أنهما اخرجا لميعه، بعدما قاما بضربها من الحجرة، كل ذلك ووالدتهما مغشي عليها لا يعلم أحد ما بها، ولم تذهب أي واحدة منهما لتجلب أي طبيب، أو حتى لتخبر أي جاره أن والدتهما قد وقعت مغشي عليها :

- نغم ماذا سنفعل الآن؟

- لا أعلم يا شغف ماذا نفعل؟ أعتقد أن الحل الوحيد أن نتركها تنام.

- إلا نجلب بعض النشادر ونقوم على افاقتها.

- ماذا تقولين! ولماذا نشادر؟

- لقد سمعت ذلك منذ فترة من التلفاز.

- لا أعلم يا شغف؟
لكن اصمتي لأنك سخيفة تتحدثين في أشياء غريبة، أفضل حل أن نتركها تنام بهدوء، ونخرج تلك الشمطاء مرة أخرى لو حاولت الدخول، أنها فتاة قد جلبت علينا جميعا الفعل السيئ منذ اليوم الأول لولادتها.

- لا لقد كانت لطيفة وهي فتاة صغيرة، عندما كانت تتركها والدتي معي.

- لا أما أنا فقد كرهتها منذ اليوم الأول لولادتها، عندما كانت والدتنا تحتضنها، عندما مرت الأعوام وظلت تحتضنها هي فقط وقد تناستنا، حتى اعتقدت أنني الخادمة هنا، أنا من تقوم على شراء الخضروات وطهي الطعام وتنظيف المنزل وأنت أيضا بلا فائدة، ووالدتي تجالسها طوال النهار تلاعبها، وتغني لها وتقوم على تنفيذ طلباتها.

- أنت مخطئة في أشياء يا نغم وصادقة في أشياء، إن والدتنا قد اعتمدت عليك لأن قلبها ضعيف، ألم يقل الطبيب منذ عدة سنوات أن عضلة القلب لديها ضعيفة، لا يجب أن تقوم بأي مجهود، ولذلك أنت من تقومين بكل شيء في المنزل، أما أنا فلا أعلم شيئا إلا الأشياء التي تقولين لي إفعليها، وأفعلها وأنا صامتة.

- أنت لا تفهمين شيئا أيتها الغبية، ما تسبب في ضعف عضلة قلب والدتنا، هي إنجابها لتلك الحقيرة الصغيرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي