الفصـل الخامس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

جلست "لميعة" من بعد منتصف الليل على تلك الأريكه، تنظر إلى والدتها كل حين وآخر وتطمئن عليها، وعندما شعرت أن قدماها قد أرهقتها من كثرة الجلوس بتلك الطريقة، نهضت ونظرت إلى تلك الساعة الصغيرة المعلقة على الحائط،

فوجدتها الثانية بعد منتصف الليل فتراء إليها أن تقضي بعض الوقت في النظر من النافذة، وبالفعل اقتربت من النافذة وقامت على فتحها، مع العلم أن "هدى" قد أنذرتها.

- ها أنا قد فتحت النافذة وليس هناك أي خطر، فأنا في الطابق الرابع ولن أقفز مثلا من النافذة،

أمي أشعر بالملل لذلك أقوم على الكلام معك، ما هذا يا أمي هناك بعض الأشخاص يجلسون في تلك الحديقة الخلفية، بجانب ذلك المبنى المكون من طابق واحد، تلك الإضاءة التي أمام ذلك المبنى أضاءت جزء كبير من الحديقة.

وأنا أشاهد سيدة تنظر لي، إنها تشاور لي يا أمي إنها ترتدي الملابس البيضاء وترتدي على رأسها غطاء رأس ابيض، أيضا أنا أستطيع أن أنظر إليها وكأني أنظر إليها عن قرب وليس من الطابق الرابع.

شعرت "لميعة" أن هناك أحد الأشخاص يحاول فتح باب الغرفه لكنه لم يستطع، فاقتربت "لميعة" من باب الغرفة ووضعت أذنها كي تستمع، لكنها لم تستمع لأي صوت فقالت:

- من يريد الدخول؟

واستمعت لصوت رفيع يقول لها:

- افتحي الباب، افتحي الباب، افتحي الباب،
كرر هذا الصوت هذه الكلمتين ثلاثه مرات، لكنها ابتعدت عن الباب وجلست على الأريكة مرة أخرى، لأنها استمعت إلى شيء غريب أتاها صوت رقيق يأتي من جهة النافذه يقول لها:

- لا تفتحي لا تستمعي إلى حديثها أنت لا تعرفينها، إنها أستطعت أن تشاهد روحك وتريد أن تأخذك، لا تفتحي الباب يا صغيره، لا تفعلي مثلما فعلت صغيرتي العروس الجميله رحمه.

-ما هذا؟
أمي أنا خائفة، أم أكون نائمه ولا أشعر، أم لأنني مستيقظة منذ أمس من 6:00 صباحا، ولم أنم تأتيني بعض التخيلات ماذا حدث لي؟
لكنني استمع انهما يتحدثان في نفس الوقت وانا اجلس يا امي استيقظي انا خائفه، النافذة تقع اتجاه اليمين.

وذلك الصوت الرقيق يقول لي لا تفتحي الباب، وانظر ناحية اليسار في اتجاه باب الغرفه، واستمع لصوت هو صوت رفيع لكنه حاد وكانه ياتي من بئر، ليس له قرار ويقول لي افتحي، انه يقول افتحي مرارا وتكرارا ماذا افعل.

فتحدث الصوت الذي يأتيها من النافذة:

-اقتربي.

وقامت واقتربت من النافذة ونظرت، فوجدت تلك السيده التي كانت تجلس منذ قليل، واقفة وتنظر اليها وتشاور لها بيدها، لكنها تستمع اليها وكأنها بجانبها وقالت:

- قومي بالدق على الجرس، حتى تأتي "هدى" اليك الان.

فتذكرت بالفعل ذلك الجرس، همت للذهاب اليه لكنها تذكرت ان "هدى" قالت لها لا تفتحي تلك النافذه، فأخرجت رأسها من النافذة وهي تشاور تلك المراة وكانها تقول لها مع السلامه، وبالفعل اقفل النافذة وذهبت.

وقامت برن الجرس، لم يمضي الا خمسه دقائق حتى كانت "هدى" تترك الباب، ثم فتح الباب مرة واحدة بعد ذلك ودخلت "هدى".

- ماذا حدث هل والدتك بخير؟

وأقفلت الباب وراءها، وذهبت لتطمئن على والده "لميعة"، لكنها وجدتها كما هي، فالتفت الى "لميعة" وقالت لها:

- ماذا حدث هل انت خائفة؟
هناك شيء تريدينه؟

لكنها لاحظت تغير لون "لميعة" وكانها خائفه من شيء ما، فاقتربت منها وجلست على الأريكة وقالت لها:
- فلتجلس، ماذا حدث ايتها الصغيرة؟

- منذ قليل، كان هناك أحد ما يقف خارج الغرفه ويقول لي بصوت رفيع، وكأنه صوت بعيد جدا به آثار صدى للصوت، وكأنه يأتي من بئر بعيد للماء،

ويقول لي افتحي، افتحي وتكرر صوت تلك الكلمة عدة مرات، وتذكرتك عندما قلت لي لا تقومي على فتح الباب، لكنني وقتها أحسست بارتعاشه شديدة، ولذلك قمت بالدق على ذلك الجرس كما قلت لي.

-حسنا فعلت أيتها الصغيره، وكما قلت لك عندما تريدين شيئا قومي برن ذلك الجرس، حتى لو كنت تريدين دخول دورة المياه هذا أولا، وثانيا لا تقلقي سيأتي الطبيب طاهر في الصباح الباكر للكشف على والدتك، وأعتقد أنها ستتحسن مع الوقت وتستطيعون وقتها العودة مرة أخرى إلى منزلكم.

وغادرتها وأغلقت الباب خلفها، لكن الكلمة التي ما زالت في أذن وعقل "لميعة" كلمة منزلكم، أي منزل هذا؟
هي لا تريد العودة لذلك المنزل مرة أخرى ولو حدث شيئا لوالدتها، ستكون معاملة "نغم" و"شغف" أكثر قسوة.

هل من الممكن أن تذهب للسكن عند جدتها، لكنها في مدينه أخرى، وهل ستترك والدتها أم تاخذ والدتها أم تجيء جدتها؟
لكن لا تعتقد أن جدتها ستأتي، ما بينها وبين والدها أشياء قصيره لا تعلمها، وكان بينهم كره لا تعلم به شيئا.

- أخرجي فلتلعبي معي الآن.

إستمعت إلى الصوت الذي يأتي من خلف الباب وهو يقول:
أخرجي فلتلعبي معي.

هل تلك الحكايات التي تحكيها والدتها صحيحه، إنها تحكي عن الأشباح وما إلى ذلك من الأشياء الخرافية، أتكون هذه الأشياء حقيقة ومن تلك التي تنادي عليها كل حين؟


ذهبت إلى النافذة سريعا وفتحتها، ووجدت تلك السيدة تجلس كما هي في الأسفل في الحديقة، وهناك أشخاص يجلسون بالقرب منها، إنها تشاهد أشخاصا كثيرون في تلك الحديقة، والسؤال الذي جال في خاطرها الآن:

- لماذا هم مستيقظون؟ إنهم يتحدثون بصوت مرتفع.

أدخلت رأسها و أغلقت النافذة، واقتربت من والدتها ووضعت رأسها على كتف والدتها وهي تحسبها نائمه، لكنها وجدت عندما أمسكت أصابع والدتها وكأنها تحاول تحريك أصابعها في حركات بسيطه لكنها شعرت بها، فأخذت تقبل يد والدتها وأصابعها وتبكي، لا تعلم أنها قد هرمت في ذلك اليوم بسبب ما مرت به، وما ستمر به بعد ذلك.

- أتعلمين يا أمي، أقسم لك إنني أنا إستطعت أن آخذ بثأري ممن فعل بذلك فسأفعل، كنت دائما تقولين أن لا نعاملهم مثل معاملتهم، لكن لم تعرفي ما فعلوه بي في المدرسة، حتى تلك المعلمة التي أحببتها منذ سنوات، والتي كانت تفضلني على الجميع، قهرتني اليوم وقالت لي أن أبتعد حتى لا تشاهدني، حتى لا يأتي ولدها أو ابنتها وبهما ما في وجهي.

أنا لم أولد كذلك يا أمي، وأنت تعلمين من السبب، وأقسم لك كما أقسمت سابقا، إنما فعلته ب"نغم" لم يكن حلما، ولم أكن أنا الفاعلة وإنما هي من فعلت ذلك، وأحضرت لها "شغف" زجاجة أخرى، لأنها تعلم مكان الطبيب الذي تحضر منه الدواء، فقد أخبرتها عنه والده حفصه وبعدما فعلوه معك وتركك حتى مرضتي، أتمنى أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن آثار لنفسي ولك، وأن أترك ذلك المنزل وأنت معي يا أمي.



تركت يد والدتها وذهبت واضطجعت على تلك الأريكة، لكنها وجدت نفسها تريد حضن والدتها الدافئ، نظرت إلى السرير الذي تنام عليه والدتها، وأغمضت عينيها واحتضنت نفسها كما يحتضن الجنين نفسه في رحم أمه.


واستيقظت بعد ذلك على يد حانية توقظها من النوم، وعندما قامت بفتح عيناها لم تجد أحدا، ولم يمضي أقل من دقيقه إلا ووجدت الباب يفتح وقد دخلت هنا:

صباح الخير أيتها الصغيرة، لا تقلقي لو أردت النوم ثانيه فلتنامي براحتك، أنا أقوم في ذلك الوقت كل يوم بالمرور على المرضى، لأنني سأسلم لزميلاتي اللتان تعمل في الوردية الصباحية، وسأمضي إلى منزلي وإلى أطفالي، أنظري لقد أحضرت لك كوبا من اللبن وبعضا من مربى التين، وقطعة من الجبن ومعها بعد الخبز.

نظرت "لميعة" إلى الطعام بخجل:

- لا تخجلي وتناولي فطورك، أن هذا الفطور هو الخاص بتلك الغرفه، لا تقلقي من شيء.

- هل من الممكن أن أخرج الآن إلى دورة المياه، أنا لم أخرج منذ الأمس عندما أخذتني العاملة وذهبت إلى هناك.

- كل ذلك الوقت!

- أنا لم أشرب شيئا منذ الأمس، حتى أنني لم أشرب ذلك العصير الذي أحضرتيه أنت، أنه موضوع هناك على ذلك الكومودينو بجانب والدتي، لعلها تستيقظ وتحتسيه هي، أنا لا أستطيع أن أتناول أي طعام أو اي نوع من أنواع العصائر بدون والدتي لا استطيع، حتى وإن حاولت لا أستطيع أن أبتلع أي شيء بدونها.


ولأن "هدى" لديها أطفال، لم تشعر إلا وهي تحتضن تلك الصغيرة، التي عادت ووضعت شعرها فوق نصف جبهتها وخدها الأيمن، فما كان من "هدى" إلا أن رفعت شعر "لميعة" للخلف:

- أتعلمين لدي في حقيبتي مشط صغير سأحضره، وساسال أي مريضه هنا عن أي شريط ملون، وسأقوم على تصفيف شعرك في شكل مميز، ولا تخجلي أبدا من وجهك، أن ملامحك جميله من تمتلك تلك العيون الكبيرة ذات الأهداب الكثيفة.

ومن يمتلك ذلك الأنف الصغير الجميل وهذا الفم، أنت فتاة مميزه وجميله الملامح أيضا كما أن الشعر الجميل، ولا تنتبهي إلى ما في وجهك، قلت لك أمس لدينا طبيبة متميزة ومتفوقة وهي تشبهك أيضا، أتمنى أن أجدك مثلها في يوم من الأيام.


وقامت "هدى" لتنصرف، لكن أمسكت "لميعة" بيدها:

-لا أعلم كيف أشكرك؟
أنت سيده طيبه القلب.

وغادرت "هدى" الحجره، لتأتي بذلك المشط وتلك الشرائط.


أما في المنزل، كانت "نغم" كعادتها تستيقظ في الصباح الباكر، وتدخل المطبخ وتقوم على تحضير الفطور، لكنها انتبهت أنها ستحضر الإفطار إلى شخصين فقط شيء غريب!
إنها وضعت يدها فوق قلبها، فدخلت عليها "شغف" وهي تبحث عن الطعام:

- أنا جائعه هل أحضرتي طعام الإفطار، ولماذا تضعين يدك هكذا على قلبك، هل تشعرين بشيء ما.

- شعور غريب آتاني الآن لا أعرف كيف؟
وكأن قلبي قد خطف، هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة أقوم على تحضير الإفطار لشخصين فقط، لا توجد أمي ومعها تلك الصغيرة، لا أعلم ماذا دهاني وأنا من قمت على فعلتي معها.

وكأن الله يعاقبني، أن تأتي تلك السيدة ومعها إبنتها وأبنها للإقامة لدينا، أنا أعلم أن ما فعلته خطأ، لكن لا أستطيع أن أتمالك نفسي وأنا أشاهد أمي تعاملها مثل تلك المعامله، أو تعلمين لو تكررت الأحداث مرة أخرى، سأجد نفسي أفعل ما فعلت لا أعلم لماذا؟

جلست "شغف" وهي تتناول إفطارها، ولم تهتم لكلام أختها:

- أعتقد أنك تأثرت بحديث والدتنا، عندما قمت أنت بالقسم على المصحف، بأن من يفعل خطأ لا يموت إلا وقد دفع ثمنه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي