الفصل الثانى والعشرون

الفصل الثانى والعشرون

اقترب منها وسألها:
- هل انت متردده تائهه؟

قالت وهي تتظاهر بعدم الاهتمام:

- أي شيء يجعلني مترددة، أنا فقط مشغولة منهكة، اشعر بالملل،
لكنه رمقها بإبتسامه مصطنعه وقال:

الراقي وقد جمعتي ذاتك بين دفتى القلب جمرة نار من شوق وحب وحنين، وبين دفتي العقل قطعة الثلج، من برود المشاعر الظاهرة فقط، أما بداخلك يا "لميعة" فهي نار ملتهبة كالجحيم.

ثم علت نبرة صوته:

- لما لا تصارحيني؟

- أصارحك بماذا؟
عفوا عن أي شيء تتحدث.

وفي داخلها تتعجب كيف يعرفها وكيف يفهمها، وأيضا يتساءل عما بها الآن، إنه شخص عجيب، ذلك الشخص الذي قبلته الذي يكبرها بعدة أعوام، أقول لها إنه يدعى خالد، ولماذا يأتي ويحدثها كل حين وكأنه يعرفها منذ سنوات طويلة، لا إنها تشعر إنه يعرف ما بداخلها أيضا، وما حدث لها وما تفكر فيه الآن.

- تتساءلي كيف عرفت؟

لا تعلم أنه إقتحاها بكل تفاصيلها، فصارت بالنسبة إليه كتابا مفتوحا، كانت تخشى من صراع العقل والقلب، تخاف أن تقترب فربما إحترقت، وتخشى أن تبتعد فلربما تجمدت، واللوعة تكمن بين الحالتين،

وهي تعيش اللوعة بحذافيرها لا سيما أنها عمدت إلى الكتمان إلى تلك الواحة التي تقف بها، تستظل بأشجار الحيرة والضياع ضياع المشاعر في أمواج الحب والقرب، هي لا تعرف أي طريق ستسلق طريق قلبها أم عقلها، هي حائرة تائهة لتتعثر قدماها طاره وتنهى التاره أخرى، لكن الصراع الرهيب هو سيد المشهد.

فقال لها هامسا:
- أنت تشعرين بالضجر والكره لكل ما هو حولك، تشعرين أن عمرك قد سرق منك، تشعرين أن أحدهم قد أنتزع سعادتك، حتى لحظات الحب الحقيقي لم يحظ قلبي بها إلى الآن، ذلك رغم تقديرك الشديد واحترامك وإبتعادك عمن حولك، لكن أن القدر أرسل إليك روحا تعلقت بك تعلق الوجدان والجنان بالجسد، لذلك تخاف نفسك من آلام وتأنيب الضمير، خصوصا أنك أنت الحصان الرزان جميله الخلق قبل الخلق، وأنا أسمع شيء بداخلك ينادي ويقول:

- هل يا قلب هذا هو الحب الذي طالما حلمت به ورمقته في الروايات والقصص، ان كان نعم فلما لا اخوض بحاره، لكن كيف وانا وجه القنفذ، اليس كذلك ان واخذه الضمير تكدر مرارتها لذة القرب منه ألست حائرة.

وقفت تنظر اليه في صدمه شديده، نعم هذا هو ما يدور داخلها، وهي مشغولة الفكر ومشلوله العقل والأركان ولسان حالها:

- ان بحت له بسري، ربما سقطت من عين نفسي قبل عينه، وان كتمت لواعجي ربما أساء الظن بي، اني لا احبه فيا ويح قلبي من نصيبي، ويا ويلي من قرار قلبي.

_ "لميعة" أليس هذا هو لقاءنا الأول ما زلت أتذكره، كنت اقترب منك وأجلس بالقرب منك منذ اليوم الأول لدخولك الجامعه، وأنا قد عرفت حكايتك ونظرت إلى وجهك، وقلت لك سابقا كثير من المستحضرات التجميل التي تضعها الفتيات،

ستخبئ قدرا كبيرا من ذلك التشوه، لكن التشوه النفسي بداخلك أكبر وأكبر، هذا التشوه الذي وضعته أختاكي بداخلك والمحيطين بك، لا سيما أن والدتك قد حدث لها ما حدث، ولم يعد هناك مدافع عنك يقف كخط هجوم ودفاع في آن واحد أمامهم جميعا، ومنذ أن عرفت ذلك وأنا أردت أن أكون هذه القوة التي تدافع عنك، وترشدك إلى طريق الإنتقام.


_أمي تذكرني مرة أخرى بها وما حدث معها، نعم وكأنك معي يا خالد الأن، تنظر لما أنظر إليه، لقد خرج الطبيب من غرفة أمي، بعدما نامت فترة طويلة، بدون أن يقوم على إفاقتها، وقد حدثت لها جلطة هكذا قال الطبيب.


وقف الطبيب العجوز ينظر إلى "لميعة" وهي تبكي فإقترب منها وجلس بجانبها وقام بالربط عليها بل وقبل رأسها:

- لا أريدك أن تقومي بوضع جزء كبير من شعرك على وجهك، انت جميلة الملامح صفيه النفس رائعه الجمال، من يعرفك يا فتاتي الصغيرة سيعرف ذلك، أما تلك العقربتان اللتان كانتا سبب رئيسي في مرض السيده جميله فانا لا اسامحهما، وهذا ما سأنقله إلى والدكما السيد حكيم عندما يأتي، والآن ستأتي بعد خمسة دقائق عربت إسعاف، يجب أن تنقل والدتكما إلى المستشفى التي أعمل بها،

ولا تقلق لن تدفع أية أموال إنها مستشفى حكومي، لكن يجب أن يكون معها أحد هناك يجالسها، ولتعلم أنكما بتركها كل تلك الساعات نائمه، هي لم تكن نائمة أو مغمى عليها كانت لديها بوادر جلطة من صدمة، وأنتم تركتوها كل هذه الساعات 12 ساعة نائمه، والصغيره هذه هي من جاءت إلي تجري وهي حافية القدمين إلى عيادتي الخاصة، تخبرني بما حدث لوالدتها، وقالت أنكما حاولتما منعاها بل وقمت انت يا من تدعى "شغف" بجذبها من شعرها، حتى خرجت في يدك خصلات وقد صممت أن تأتي إلي


وقفت أمامه نغم بقوة وثبات تناطحه كلمه بكلمه:

- لم نكن نعلم ثم من تدافع عنها هي السبب في ذلك، عندما أتت من المدرسه بهيئه اعتقدنا جميعا ان هناك من قام على التحرش بها او اغتصابها، لكنها جلست بجانب والدتنا بعد أن أغشي عليها، وقالت لها انها ضربت من بعض الفتيات في المدرسة، كان يجب عليها عندما دخلت لا تقف تبكي على حلاها، بل تقول لوالدتها فورا لقد ضربتني البنات سهله كلمتين، هي السبب لانها صمتت.

- لكنكما تركتها ساعات كثيره، كيف يعقل لأفراد في منزل واحد أن يشاهدوا احد افراد اسرتهم يقع مغشيا عليه ولا يقومون على إفاقته، كان يجب عليكم وانت كبيرة اولا، ان تقومي على إفاقتها لتعرفي ما بها.


لكن "لميعة" ردت عليه قائله بسرعه شديده، وهي تحتمي به:

- دخلت من وراءهما منذ عدة ساعات أبكي وأحدثها، لكنها كانت لا ترد علي، وقتها شعرت بإحداهما تفتح باب الغرفه، فهبطت بسرعة شديده تحت السرير بدون أن يشاهدوني، لكنني إستمعت إلى كلماتهم، كانوا يقفوا بجانب امي ويقولون لماذا لا تستيقظ وقد حاولوا افاقتها، لكن نغم قالت ل"شغف" أتركيها، لذلك صممت أن آتي إليك حتى تجيء معي، وتشاهد ماذا حدث لأمي وتقوم انت على إفاقتها.

- للأسف أيتها الصغيرة، والدتك قد أعطيتها حقنه وكان القدر قد جعلني، ضعيها في حقيبة أدوات أنه دواء يقوم على إذابة أي جلطة، وعندما جئت معك وعلمت أن هناك جلطة بها، سارعت بإعطائها تلك الحقنه، فلا تقلقي أعتقد أنها جلطه خفيفه وتفوق والدتك بعد قليل، لكن لن تفوقه هنا، ستحتاج رعاية في المشفى،

وأجعلهم يعطونك حجره خاصه بكم، ولا تقلقوا للإنتقال إلى المستوى الاقتصادي في المشفى فارق بسيط في السعر، وأنا من سأقوم على دفعه ولحسن الحظ معي رقم والدكم في تلك البلد التي يعمل بها كسائق، وسأتصل به من هناك والآن من ستأتي معي في عربة الإسعاف، معها بعض الملابس لوالدتكم وبعض الملابس لها أيضا، لأنها ستجلس هناك عدة أيام حتى تستعد والدتكم عافيتها، وأتمنى أن تفيق من تلك الغيبوبة الصغيرة وهي في كامل وعيها وصحتها، وأن لا تكون هناك آثار جانبية.

وكعادتها دائما تنظر "شغف" إلى نغم تحتاج رأيها في كل شيء، فردت نغم عليه قائله، وكأن الرد كان متواجد في عقلها قبل ان يلقي هو سؤاله:

- نحن لا نستطيع ان نذهب انا او "شغف" لكي نبيت في المشفى، إننا الآن مخطوبتان وأعتقد أنهما لو علم بذلك لرفض، لذلك ستذهب تلك الصغيره ولا تقلق إنها تعلم كل شيء، إنها نبيهه وتفهم كل شيء، كما أنها الأولى على فصلها دائما، لا تنظر لحجمها الصغير فإن عقلها كبير، وهي من تقوم على رعاية والدتنا ونحن نستأمنها عليها ونثق بها.


نظر الطبيب طاهر إليها ولم يعلم ما يقول، ومع أنها فتاة صغيرة، إلا أنه وقف أمامها عاجزا عن الرد وكأنها إمرأة كبيرة.

وأتت عربة الإسعاف، ودخل الممرض هو وزميله يحملان تلك المنصة الصغيرة التي يوضع عليها المرضى، كانت لميعة ترتجف ليس لها أحدا في هذا العالم غير والدتها، بعدما أكتشفت كره وغل من هم أقرب إليها، نعم إخواتها فعلوا كما فعل إخوة يوسف، أكان خطأ السيدة جميلة إن جهرت بحبها لإبنتها الصغيرة، لكنها كانت معذورة كانت امرأة مريضة أنجبت طفلة صغيرة، وإعتقدت هي أنها ستموت بعد سنوات قليله، فأرادت إشباعها حنانا وحبا وكأنها تعوض سنين كثيرة، بعد ذلك لن تكون مع أبنتها مثلما كان يفعل والد يوسف، ذلك الرجل الذي فقد نظره من شدة البكاء على حبيبه، ولكن "شغف" ونغم لم تكتفي بالإساءة بإختها فقط، بل أساءوا لوالدتهم وستظل الإساءة متواصلة.


بعدما تم حمل السيدة جميلة إلى داخل السيارة، لم تحضر أيا منهما أي ملابس لوالدتهما، بل كانوا يقفون ينظرون ويتصنعون البكاء خائفين أن يحدث لها شيئا، فيلقي عليهم الطبيب اللوم.

لكن دخلت الصغيرة "لميعة" وفي يدها حقيبة جلدية صغيرة احضرتها من خزينة والدتها، وضعت فيها بيجامتين يخصا والدها، فلقد تذكرت انه يجب أن ترتدي والدتها بنطال، حتى لا تنكشف ويهتك سترها وهي مريضه وأحضرت لنفسها أيضا ملابس، ولم تنسى أن تحضر لوالدتها غطاءين للرأس.

- ماذا وضعت في تلك الحقيبة؟

- بعض الملابس لي ولوالدتي، وسأذهب أنا معها كما قلت، هل تأتون بعد قليل إلى المشفى وتحضرون بعد الطعام لأنني جائعة، فأنا لم أتناول فطوري منذ الصباح حتى الأن، ونحن الآن في المساء.

وكأن بعض الرأفة قد دخلت في قلب نغم، دخلت سريعا إلى المطبخ وأحضرت عدة أرغفة، ووضعت فيهما قليلا من اللحم وقامت بلفهما في ورق، وبعد ذلك أحضرت بعض الفاكهة ووضعتهما في حقيبة بلاستيكية جميعا، وخرجت بسرعه واعطتهم ل"لميعة"، ولأول مرة وجدت "لميعة" أختها تعطيها مثل هذه الأشياء فتعجبت!
لكنها إستمرت وركبت في سيارة الإسعاف مع والدتها وذلك الطبيب طاهر الكبير في السن، الذي كان ينظر اليها بشفقة شديدة، ويتعجب من حاله تلك الصغيره المشوهة الوجه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي