شمس المغيب

دُرة الجمان`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-08-25ضع على الرف
  • 80.5K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

عندما تحدث أحدهم عن حزنك ويكتفي بقوله: ليكون الله معك، ربما تكون بحاجة لعناق أخرس تتخلص من كل الجبال الثقال القابعة فوق كاهلك.


كيف أن كانت فتاة تسعى لأثبات ذاتها في مكان لا تنتمي إليه، لا يشبهها أبدا، تسير عكس التيار محاربة بدون أسلحة تخوض معركة بدون عتاد.

لم يكن القدر عادلاً أبدا، بعدما القى بها في خضام معركة مع مجتمع كامل، وعلى رأسهم من يتولى أمرها.

لم يخيل لـ(ميس) أن تصل إلى حالتها تلك، غارقة في وحل الضعف والخذلان، لا تقوى على النهوض بنفسها وكأن رمال القهر تحركت أسفل قدميها تشدها نحو الحضيض أكثر، حيث لا تقوى على الصبر حتى.

لم تشعر بنفسها كيف نامت ليلة أمس، استيقظت على صراخ ذلك الذي يشبه الانسان بشكله، ولا يحمل في قلبه من صفاتهم شيء، تسابقت إلى عيناها حبال النور تلك، مخترقة زجاج نافذة غرفتها الصغيرة وبالكاد تكون نافذة، أنها تشبه فتحة التهوية لا أكثر.

لم يكلف نفسه أن ينحني حتى، بطرف قدمه كان يدوس على ساقها محاولا ايقاذها وهو ينادي بصوت يشبه بائع الغاز:

"أنت؟ أما زلتي نائمة؟ الا تعلمين بأن هناك من يجب عليك الاعتناء به؟"

بعد ما استيقظت وأدركت مايدور حولها، حاولت ميس تحريك أطرافها لتنهض، إلا أنها سرعان ما عادت لتسقط أرضا مرة أخرى.

ارتفع صوت زوجها رائد مرة أخرى يناديها:
"وكم من الوقت يجب أن انتظرك حتى تنهضي؟"

لم يكن بوسع ميس الكلام حتى، قد جف ريقها ولتصقت شفتاها، جمعت قوتها وأسرعت نحو المطبخ تضع له ما يأكله سريعا.

تناول رائد طعامه سريعا، وهو يتذمر غاضبا بدعوة أنه تأخر عن عمله، مع العلم بأن عمله خاص وليس لأحد سلطة عليه، حتى ان الساعة لم تتجاوز السابعة والنصف صباحا بعد.

أغمضت عيناها، ثم أخذت نفس عميقاً جدا بعد ما ذهب ذلك الذي يدعى "زوجها"

حدثت نفسها بنبرة خافتة ميس:
" أخيرا، بسم الله لنبدء يوما جديدا"

دخلت إلى الحمام تغسل وجهها وما أن انتهت، حتى وقفت تنظر إلى وجهها في المرأة، تحدق بملامحها ثم قالت:
"كم تغيرت أيتها الجميلة"


في ليلة الأمس.

بعد ما أعدت العشاء ثم اشغلت الموقد من أجل التدفئة، البرد قارس،

بملابسه المبللة من المطر دخل وهو ينفث في كفيه يدفئهما، كان غاضبا كما عهدته وقال رائد لها:
" هل يحتاج فتح الباب كل هذا الوقت؟ تجمدت اضلاعي من شدة البرد."

لم تجب بكلمة واحدة بل اكتفت ميس بأغلاق الباب

ذهبت إلى مطبخها الصغير تسخن له طعامه، قبل أن تتأخر على رائد، حملت الطبق بين يديها و دخلت فرأته منشغل بهاتفه المحمول، يقلب بين الصفحات والأرقام.

كانت ميس تود الذهاب إلى جدتها فهي تسكن وحدها بعد وفاة والدها، انهك المرض جسدها وكثرة العلل فيه، حتى أن حقيبة الدواء خاصتها ترافقها في كل زيارة تخرج إليها.


تهمهم في نفسها بحثا عن طريقة تخبره بما تريد، بعد تفكير طال مليا قالت ميس:
"في الغد لن اطهو شيء."
بدون أن يرفع ناظره إليه أو يحرك ساكنا قال رائد:
"وما يشغلك في الغد؟"
أكمل مستهزءا:
"نسيت بأنك تديرين شركات ولديك رؤوس أموال تخشين خسارتها."

كان كلامه مستفزا لها إلا أنها عزمت على الاحتفاظ بهدوءها كي يتصل إلى مرادها، ردت قائلة:
"ليس هذا تماما، إنما اريد الذهاب إلى بيت أمي."

بعد مدة أعادت السؤال عليه ميس:
"في اي وقت تكون متفرغا أكثر كي أكون مستعدة؟"

رمى الهاتف من يديه وصرخ قائلا:
"من أخبرك بأنك ستذهبين؟ من سمح لك بتخذ قرار؟"

رد ميس كان واضحا فيه بعض من الإنفعال وقالت:
"الأمر لا يحتاج لكل هذا التعقيد يكفي أن تتفرغ لنصف ساعة غدا توصلني بها لأرى جدتي"

نهض رائد بعد أن أمسك شعر ميس وشده بقوة، وقرب فاه من اذنها، همس لها قائلاً:
"لن تذهبي إلى أي مكان، هذا أنا وهذا ما يروق لي، أن لم يعجبك الأمر اذهبي بلا عودة"



لم يتركها إلا حين تأكد من نزف ما حدث في مكان ما من وجهها.
تنهد وهو يصرخ غاضبا:
"أنك أمراة وقحة، لربما نسيت أمك تربيتك لكنني أنا من سيفعل بكل كل ما يلزم"



هزت رأسها وعادت ميس إلى حيث وقفت أمام المرآة، تطالع نفسها، كل الحزن باد في عيناها، تسأل نفسها بحرقة:
"هل استحق ما يفعل بي؟ أنا أحبه، أخشى من غضبه ولا يروق لي حزنه، لكن لا أدري لما يفعل بما كل هذا"



تذهب لزيارتها في بعض الاحيانا، إنها جارة لها عند ما يضيق بها الحال تعبا وحزنا، وفي ذلك اليوم عزمت على الذهاب إلى الخالة وداد، كي تقضي عندها بعض من الوقت.



في بيت الخالة وداد كانت تعد طعام الغذاء لزوجها، رجل عجوز طاعن في السن، فقد من سمعه الكثير ولا يقوى على الحركة، أولادهم قد غابوا عنهم في بلاد المهجر بحثا عن لقمة العيش، ولم يجتمعوا بهم منذ أعوام طويلة.

طرقت ميس الباب ونادت: خالتي وداد؟ هل أنت هنا؟

نظرت الخالة من نافذة المطبخ المطلة على ساحة المنزل وقالت:
"تفضلي يا ميس أنا هنا، الباب مفتوح ادفعيه بقوة وادخلي."

قالت ميس وهي تضع يدها على معدتها من الجوع:
"ما كل هذه الروائح اللذيذة؟ يبدو أن أصناف كثيرة تعد لهذا اليوم."

بينما هي منشغلة تقلب بين القدور وتضيف بعض أنواع البهار قالت لها الخالة وداد:
"أجل بالفعل يا بنتي، أعد الأرز مع السبانخ، تذوقي ثم احكمي، أظن أنها ستعجبك.

ما أن رفعت رأسها لترى ميس وترحب بها، إلا ورأت علامات الضرب على وجهها، فتغيرت ملامح وجهها بشكل كلي وسألتها بنبرة كأنها تعرف الإجابة مسبقا:
"هل هو من فعل بكِ هذا؟"

بنبرة خافتة حزينة اجابتها ميس بعد أن أشاحت بنظرها عنها:
"ومن يستطيع فعل هذا سوى هو".

تنهدت وداد وقالت:
"الا يوجد حل أخر يعرفه غير الضرب واللكم؟ كيف يستطيع فعل هذا بك؟ أي قلب يملك هذا الرجل؟"

ابتسمت ميس ساخرة وعادت تردد كلمة: رجل؟ وأضافت : "أين الرجولة أني لا أراها؟"

قاطع حديثهما صوت العم عمار: وداد؟ اين أنت؟ ألم ينضج الطعام بعد؟ أنا جائع.



أما العم عمار فهو يعرف أيضا عن حال ميس وعن حياتها مع رائد، كان دائما ما يقول لزوجتها:
"أحزن على حال فتاة مثلها أن تكون مع ابله مثله"


عند عودة رائد في المساء كان هناك ما يريد قوله.

قال رائد لها: لقد صادقت اليوم جارنا أدهم وطلب مني أن تقومي بالاشراف على دراسة ابنه، بمقابل مادي.

تفاجأت ميس من هذا الطرح الرائع بنسبة لها، لم يكن تتخيل أن تكون معلمة لأحد من قبل فردت عليه والحماس بادا على محياها: نعم موافقة، سأقوم بهذا حتى من دون أجر.

ارتشف رائد من كأس الشاي ثم وضعه بقوة بدا فيها غضبه وقال لها: من أعطاك الأذن لتقولي لا أريد مقابل ماديا؟ ستأخذي ما يجب ومن ثم تضعيها في يدي كما هي.

همد بركان حماسها، وهدءت معه نبرة ميس وقالت: أن كان هذا ماتريد يا رائد فليكن، رغم أنني لا ارغب بفعل ماقلت.

قاطع رائد حديثها قائلا: لا أنتظر منك الرغبة في شئ، تفعلين ما أقوله وحسب هل فهمتي؟

أومت برأسها موافقة ونهضت من مكانها، إلى أين؟ لا يوجد ما تفعله في الخارج الجو بارد جدا، وقفت أمام نافذة المطبخ تتطلع نحو السماء.

بعد برهة من الشرود في السحب المليئة بالمطر، أنها تهطل .

قالت ميس بعد ما توقفت حدقة عينها عن الحراك: مطر!
ثم رسمت على ذلك الزجاج الذي أصبح رطبا من رزاز الامطار، حرف اسمها الاول وبجانبه وجه يضحك.

أغمضت عيناها وتنهدت بحرقة لما عاد في ذاكرتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي