الفصل العاشر

بعد أن ابتعد الرجل عن ناظريهما، قالت ميس: لدي ما يجب أن تعرفه.

رد أمجد: قولي ما لديك فأنا في عجلة من أمري ولست متفرغ لحديث طويل.

طلب ميس الدخول إلى البيت لتقول ما لديها: الكلام عند الباب ليس في صالحك لذا دعني ادخل، علمت انك تسكن مع والدتك هنا.

تأفف أمجد منها ولم يكن يدري ما يجبره على تحمل ترهاتها إلا أنه وافق، وأشار لها بيده كي تدخل.

خطواتها بطيئة ثقيلة عيناها تفحص كل ركن وزاوية في المنزل، تتأمل اللوحات على الجدران والأثاث الذي بدا عليه أنه منذ اعوام كثيرة مضت.

ما أن وصلت إلى باب الصالة حتى رأت كرسياً متحرك ركن على جنب، لم تعرف السبب ولمن يكون، لكنها أكملت طريقها حيث لمحت تلك الكنبة بنية اللون قرب النافذة وجلست بهدوء.

لما ترى أحد، لا والدة أمجد ولا أي حد أخر في المكان، خشية أن تكون قد تعجلت في قرار دخولها، لكنها شدت كتفيها ورفعت رأسها كي تبدو غير مبالية بأي شيء.

سحب أمجد كرسي خشب وجلس مقابلاً لها وقال: تفضلي يا انسة..؟


ثم سكت قليلاً فهو لا يعرف إسمها حتى.

ردت هيا قائلة: أنا ميس ابنة مالك أكبر شركة للصادرات والواردات في المدينة.

قاطعها يسأل: هل هذا الذي توفي في حادث سير منذ فترة مع زوجته؟

بدا الحزن متربعا على وجه ميس وهي تقول: نعم هو، إنه أبي.

ارتبك أمجد فهو لم يواسي فتاة من قبل: أعتذر منك يا آنسة، لم أكن أقصد.

ردت ميس: لا عليك، دعنا من هذا، فأنا هنا بسبب أمر مهم.

بنبرة مستفهمة قال أمجد: وما هو هذا السبب؟

ميس: يجب أن تخبرني بكل الأمور التي تخفيها.

لم يفهم أمجد ما قالته ولا المقصد من ذلك الطلب فقال: هل وضحتي لي ما تقصدينه؟

تنهدت ميس وقالت: في الأمس وبدون قصد سمعت كل الكلام الذي قلته في تلك المكالمة، لم أكن أرغب بتجسس عليك، إلا أن صدفة جاءت بي لذلك المكان في ذلك الوقت.

ارتبك أمجد من كلام ميس وقال محاول الإنكار: يبدو أن الأمور قد اختلطت عليك يا أنسة، اذهبي وبحثي عن الشخص المطلوب.

قاطعته ميس قائلة: لا داعي لتهرب او أخفاء أي شيءعني، أنا هنا لكي أساعدك.

صمت أمجد قليلاً يفكر بما تقوله ميس ثم سألها: ولماذا تريدين مساعدتي؟

أجابته ميس: لأنني أحتاج مساعدتك أيضا ولن يكون الأمر مجانياً كما تظن، أنا أريد مقابل لهذا الأمر.

رن هاتف أمجد قاطع حديثهم، لم يجب إلا أنه بدا خائفاً لا يملك حيلة، وليس لديه إجابة أو حتى أي شيء ليقوله.

تبسمت ميس وكأنها تعرف جواب سؤالها مسبقاً وقالت له: إنها العصابة؟

لم يرد على ما سألت فأكملت قائلة: من الأفضل أن تثق بي وتحدثني بما أمرتك به هذه العصابة، كل ما ستقوله سيكون سر بيننا.

رد عليها صارخاً: وكيف لي أن أثق بك، وهذه هي المرة الأولى التي أقابلك فيها؟

بنبرة مكر وقوة قالت له: ليس لديك خيار أخر، أنت مجبر على هذا، حاول أنقاذ نفسك وعائلتك وبالمقابل أنقاذي.

نهض من مكانه ووقف بالقرب من النافذة وقد لف يديه حول نفسه وقال: ومن أنت حتى أساعدك؟ وما نفعي من هذا الأمر؟



قامت ميس من مكانها ووقفت بجواره تحدثه: النفع متبادل لقد سمعت عن طيبك وشهامتك وقد تحدث الجميع عن صفاتك الحميدة لهذا اخترتك بالذات دون عن غير حتى تكون معي في ما أريد.

قال أمجد: بمقابل؟

أكملت ميس قولها: المقابل يا استاذ أمجد أن انقذك من هذه العصابة التي طلبت منك قتل رجل الأعمال اليوم، في غابة الاشجار القريبة من البلدة، أعلم انك كنت تراقبه منذ فترة وقد قررتم القضاء عليه اليوم بعد رفضه دفع المال الذي طلب منه.

تجمد امجد في مكانه لا يدري ما يقول والدهشة قد اكتسحت معاني وجهه يسأل نفسه: من أين لهذه الفتاة كل تلك المعلومات عني؟ رغم أني لم أحدث نفسي حتى بهذا الأمر.

لم يكن لدى أمجد أجابة واضحة بل كانت كل الأمور مبهمة غير واضحة لا يعلم من أين تأتي إجابتها.

فخطر له سؤالها: وماذا تريدين مني؟

أمسك ميس كوب الماء الموجود على طاولة وشربته وكأن ريقها قد جف تماما، ثم قالت له: هناك شخص غبي يطاردني، يريد الزواج مني، وأنا لا اريده إلا أن جدتي تحاول أقناعي به، وأنا لا أريد.

لم يفهم أمجد الأمر فقال له: إيه، وما شأني أنا في هذه التفاصيل؟

نظرت له ميس بطرف عينها وقالت: دعني أكمل كلامي كي تفهم.

أومى الشاب رأسه، ثم أردفت هي قائلة: أريد أن تكون قريباً مني كي يبتعد هو، وكي يظن الجميع بأن أمر ما يجمعنا كالحب والزواج وهذه الأمور الغبية.

حدق أمجد بها وهو يفكر ثم قرر أن يسألها كي يفهم ما يجري ولما تطلب هذا، فقال: لماذا أخترتني انا بتحديد، لم يقع الاختيار على شاب أخر؟

ردت ميس بسخرية وقالت: لأنني لن اتزوج بشخص مثلك، و الكلام الذي سمعته عنك جعلني ارى فيك شخصاً مناسباً لمثل هذا.


بدا الانزعاج واضحاً عليه من تلك الطريقة الفوقية التي تحدثه بها، لكنه لم يجب ولا بكلمة، إلى أن سألته هي: اريد جواب لما سمعت من حديثي، هذا ليس وقت الصمت أو التفكير، عليك اتخاذ القرار بسرعة.

وصلت عبير إلى متجرها واتصلت بابنها رائد وقالت له: أريد أن أراك أمامي في غضون خمس دقائق، تعال بسرعة.

لم تسمح له بالجواب حتى وأغلقت السماعة فورا، إلا أنها كانت تحترق غضباً، وتحدث نفسها قائلة: لن أسمح لتلك الفتاة باللعب معي، ولن اغير شئ من خطتي، سيحدث ما أريد وكل ما رسمت له سوف يتم.

ثم رمت كل تلك الأشياء التي كانت على طاولة أرضا، وهي تصرخ بأعلى صوتها.

ولم تمضي سوى بضع دقائق حتى وصل ولدها إلى المكان، دخل وهو يحدق بالارض لا يفهم مالذي حدث ولما فعلت أمه هذا، كان مذهول، فهو لم يرى أمه في هذه الحالة من قبل.

سأل رائد أمه وقال: ما الأمر يا أمي، هل كل شئ على ما يرام.

انقضت عبير على ولدها وكأنها لبوة جائعة وقالت له: لا أبدا، اذا استمرت الأمور نحو هذا الاتجاه لن يكون أي شيء على ما يرام .

لم يفهم رائد أي كلمة من التي قالتها، لكنه كان يحاول تهدئتها فقال لها ممسكاً يديها: أنا هنا طوع أمرك حتى ترضي، أفعل ما تشائين.

توسعت عينا عبير من شدة الغضب والكره وقالت: أريد ميس كنة في بيتي، كي تكون تحت أمري، هل فهمت؟

وعد رائد أمه قائلا: سأفعل كل ما بوسعي كي تكون تحت أمرتك، لكنني لازلت لا أفهم سبب هذه الإصرار على تلك الفتاة، أنت تعلمين أني لا أحبها ولم تعجبني في يوم من الايام، ولم تكن غايتي سوى التسلية.

دفعت عبير ابنها بعيداً عنها، ثم قالت: ستعلم ما هو السبب لكن ليس الآن لكن في الوقت المناسب.


بالعودة إلى ميس فكانت تنتظر قرار أمجد، فقال لها ليتأكد: كيف ستتمكنين من كف العصابة عني وعن عائلتي؟

أجابته بثقة: تلك العصابة تحتاج للمال، وإذا اخذته واختفيت أنت عن أنظارهم لفترة من زمن سيجدون غيرك و ينفكون عنك.

قال أمجد متهكما: المال؟! ومن أين نأتي به؟ لو كنت أملكه لما وصل حالي إلى هنا بل كنت في الجامعة أكمل دراستي.

قالت ميس: هنا تبدأ الاتفاقية، المال سيكون مدفوعا مني ، وأنا سأتولى تلك المبالغ المطلوبة منك، لكن شرطي الوحيد أن لا تنفذ تلك الجريمة التي أوكلت لك بقتل الرجل.

أمجد: إذا دعينا نضع بنود الاتفاقية بيننا.

قالت ميس له ساخرة: جميل حين تنظن نفسك من أصحاب الاتفاقيات، أنا من سيضع البنود والقرار، أنت هنا لتفيذ.

شعر بالغضب وثار امجد قائلاً: لست مجبراً على تنفيذ أوامر أحد.

قالت له ميس: إما أن تنفذ أوامري وتنقذ نفسك من سجن مؤبد، أو تنفذ ما تطلبه العصابة وتدفن ذاتك وسمعة عائلتك في الوحل، ولا تدري لربما يأتي بك القدر إلى يد العادلة.

هدء غضب الشاب وجلس يفكر، فكل ما قالته ميس صحيح، عليه أن ينجو بأقل التضحيات ولا يجازف بالتخلص من شخص ما، ففي غالب الأمر العصابة ستفعل معه ما قام هو بفعله لرجل.


وهنا تغيرت نبرة صوته فقد تأكد بأن الأمر مرهون به، فهو من يحسم سبيل حياته وكيف يكون، هل يصبح المجرم والقاتل، أم يترجع بعد ما قدمت له هذه الفرصة الذهبية من فتاة هي أيضا تحتاج لمن ينقذها وامواله من فكي رجل لا يفقه من الرجولة شيء.

من الجميل أن يدرك المرء خطئه ويتراجع عنه، قبل فوات الأوان يرتفع بمكانه عن الجميع، الاعتراف والتراجع لا يفعله سوى الاقوياء من الناس، أما الجبناء هم من يصرون على الخطأ ويمشون في طريقه رغم معرفته يطريقه المسدود في النهاية المحتمة بالخيبة والحزن.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي