الفصل الثالث والعشرون

قالت ميس بصوت هامس: وكأنه كان ينتظر هذه الرحلة.

فسألها أمجد: لم أسمع ماذا قلتي، هل يمكنك أن تعيديه مرة ثانية؟

فقالت له ميس: لا تعر أهتمام لهذا، أنا سأكون بنتظار اتصالك انتهي من الأمور التي تحدثت عنها وأخبرني، بين ما استعد أنا أيضاً.

وافق أمجد وقال: حسناً، سأحاول الانتهاء بسرعة.

وأضافت ميس: علينا أن نكون هناك قبل شمس المغيب.

ثم انتهت تلك المكالمة بين هما، وعاودت ميس الاتصال بصديقتها روان وأخبرتها بأنهما سيكوننا مستعدان قريباً للانطلاق.

فرحت روان بهذا وكانت سعادتها واضحة لأن خطتها نجحت وما أردته حدث فعلياً.

ثم نهضت ميس من الفراش كي تشعر ببعض النشاط لعلها تكون أكثر حيوية حتى الموعد المتفق عليه.

وتجمع حاجتها وترتب حقيبتها الوردية التي خصصتها للنزهات والرحلات كما كانت تفعل سابقاً مع عائلتها.

وذهب إلى المطبخ تحضر بعض الأطعمة التي تنفعمهم للعشاء وبعض العصائر والحلويات.

أخبرت روان صديقتها نادية كي تكون مستعدة للانطلاق معهم.

فسألت نادية : في أي ساعة؟

قالت روان: عند الخامسة، كي نصل قبل شمس المغيب إلى هناك.

ثم أضافت أحضري معك بعض الأشياء التي قد تحتاجيها معك.


وهم الجميع يستعد لما اتفقوا عليه، وأمجد أهم ما لديه أن تكون أمور والدته وأخيه جاهز حتى يستطيع الذهاب هو إلى رحلته الترفهية مع ميس، وهو لا يدري ما يجول حوله ولا يدري بأنه أمر مخطط له.

اطعم أمه وأخيه وفي عينه حسرة كل ما رآه في فراشه عاجزاً عن الحركة وكان أكثر ما يؤثر بأمجد تلك الدموع التي تنهمر من عيني أخيه دون أن ينطق، فهي أبلغ من أي كلام.

ثم بدأ يحضر حقيبته من أجل المغادرة لكنه تذكر بأنه لا يعلم أين نقطةالتحمع.

فأمسك هاتفه يريد إرسال رسالة إلى ميس كي يعرف مكان اللقاء.

فكتب له: أين سيكون مكان التجمع، وكم التوقيت.

وهي ترتدي ملابس الخروج من أجل الانطلاق، سمعت صوت رنين لوصول رسالة نصية لها، ذهبت تنظر وإذا به أمجد يسأل، فردت عليه بطريقة مختصرة وباردة كأنها غير مرغوب فيه، وقالت: الساعة الخمسة، في ساحة البلدة.

قرأ أمجد رسالتها، ثم تنهد وهو محتار في أمره مستغرب يسأل نفسه: لا أفهم تلك الفتاة، ما سبب كرهه لي دون أن أفعل لها شيء وكأنني سبب مشاكلها.

ثم قال لنفسه : لا شأني لي المهم أن تنتهي علاقتي بتلك العصابة بمساعدتها وهذا ما يهمني، ثم لتذهب أين ما تريد.

حزم الجميع أمتعتهم وخيامهم لتلك الليلة، وانطلقوا نحو ساحة البلدة كما كان متفق بينهم كي يكونوا معنا منذ الانطلاقة.

كانت نادية أول الواصلين لقرب منزلها من المكان اللقاء، وتبعتها روان فجلسن في قهوة قريبة حتى يصل الباقين ميس وأمجد.

بينما كان أمجد عالق في زحمة السير لتنقله بالحافلات صغيرة فهو لا يملك سيارة خاصة له، أما ميس فقد كانت تودع جدتها وتوصيها بنفسها وقالت لها ميس: لا تقلقي يا جدتي أنا ذاهبة لاستمتع، كوني مرتاحة.

قالت أمينة وإن حدث أمر معكم هناك؟

اجابتها ميس مطمئنة لها: لا تقلقي معنا أمجد وستتصل فورا، ولن يحدث شيء فهي ليس المرة الأولى.

ودعت الجدة حفيدتها وتمنت لها وقت ممتع دون مشاكل أو كدر.

وانطلقت ميس لرحلتها التي تخبئ الكثير من المفاجآت عنها ولم تكن تعلم بأنها ستكون في مواجهة من أشياء لم تعرفها من قبل، وستكون أمام حقائق كثيرة ومواقف عليها إتخاذ قرارت سريعة بها.


وأخيرا وصلت ميس وانضمت إلى الفتيات ثم عرفت روان الصديقتان ببعضهما وقالت: نادية هذه صديقة طفولتي وكاتمة كل أسراري وبمثابة أخت ثانية لي، ميس.

ثم قالت لصديقتها ميس: هذه نادية فتاة جميلة تعرفت عليها منذ مدة قصيرة ويوجد الكثير من الأمور المشتركة التي تهمنا.

القت الفتاتين التحية على بعضهما وقالت نادية: كنت متحمسة جداً للقاؤك من كثرة حديث روان عنك.

قالت ميس مازحة: وهل كان حديثها بالخير أو بسوء.

تدخلت روان وقالت: هل يمكن لك أن تظني بأنني قد اتحدث بشكل سيئ.

ربتت ميس على كتف روان وقالت: أنا أعلم هذا يا صديقتي، ولكن الطفك حتى أرى خدودك الوردية هذه.


في تلك الأثناء وصل أمجد الى حيث كان متفق مع ميس على اللقاء، لكنه لم يجد أحد.

أخرج هاتفه من جيبه يتصل على ميس فقال لها: لقد وصلت أين أنتن؟

قالت له ميس: ابقى في مكان نحن قادمات.

ثم أغلقت الهاتف في وجهه، استغربت الفتيات من تصرفها، ولكن اعتبرن الأمر عن طريق الخطأ.


ثم نهضن جميعهن من مكانهن، وهن يثرثرن ويضحكن، ووصلن إلى حيث كان أمجد ينتظرهن، تبادلوا التحايا معه وسأل الجميع عن أحوالهم .

ثم تعرف أمجد بصديقتهم نادية، وهي رأته للمرة الأولى وكانت عيني ميس حائرتان في المكان تراقب كل شئ دون أن تكل أو تمل، فهي تريد قراءة حتى أفكار الأشخاص المقابلين لها.

ثم قالت روان مقاطعة حديثهم: دعونا ننطلق الآن ونكمل تعارف عند ما نصل إلى حيث نريد.

وافق الجميع وهموا بالركوب جميعاً بتلك السيارة الأجرة التي أوقفها أمجد حتى تصل بهم إلى أقرب نقطة إلى مكان تخيمهم قرب سفح الجبل .

بعد أن انطلقت السيارة ووضعت الحقائب في المكان المخصص لها، وجلسوا جميعهم في أماكنهم وبدأت الرحلة.


كانت المفاجأة لقد كان رائد خلفهم يراقبهم من بعيد، قابع في سيارته يسترق النظر إليهم، يتبع خطواتهم أين ما حلو يجهز لأمر مهم أو خطير لينتقم عن ما حصل له من قبل .

تبع رائد السيارة التي جمعتهم وانطلق خلفهم كي يعرف وجهتهم المقبلة إلى أين، وهو يضحك بمكر وخبث ويقول محدثاً نفسه: يظن هذا الأحمق بأنه قد أخافني بتلك اللكمة، لا يعلم بأن ثمنها غال جدآ، وسأجعله يندم حين قرر فعله.

وتنهد وهو يقول : أنا رائد يا حمقى من تظنون أنفسكم، وأنت يا ميس لن تكوني لرجل آخر غيري، ولن أسمح لك أن تذهبي مع أحدهم، سأجعلك تندمين حين قررتي رفضي، لكن حينها سيكون قد فات الأوان ولن ينفعك البكاء ولرجاء ولا أي احد سيكون قادرا على أن ينقذك مني .

ثم صمت قليلاً وقال: ستكونين زوجتي وجاريتي.

قال تلك الكلمات الغارقة بالحقد والشر وقهقه وكأنه انتصر رغم جلوسه في سيارته يتبعهم بطريقة خفية تشبه حركات اللصوص.

على حافة إحدى الطرق الخالية القريبة من الجبال، وقفت السيارة، ونزل منها الأصدقاء، وكل منهم يحمل حقيبه، دفع أمجد الأجرة بعد أن حاولت ميس فعل ذلك لكنه رفض وبشكل قاطع.

على مسافة قريبة ركن رائد سيارته مستغرباً ذلك المكان، فهو لا يهوى هذه الأماكن ولا يحب القدوم إليه، يخاف منها ليلاً وقال لنفسه: أخشى أن اتورطت بالمبيت هنا، وانا لا أملك شئ لقضاء الليلة.

ثم عاد ليشجع نفسه ويقول : ربما لن يناموا هنا هذا لا يعقل، ويجدر بي أن أتحمل مهما حدث ولن أتراجع حتى القن ذلك الذي لم أعرف إسمه حتى درساً يونسيه كل شيء إلا شكلي ووجهي.

غادرت السيارة التي كانت تقل المجموعة ثم بدأ مسيرهم متوغيلين في الجبل وكان أمجد أولهم كي يتفقد الطريق للفتيات، و من ثم هن يتبعن خطواته بحذر.

وكان لدى أمجد اقتراح فقال: أرى أن لا نبتعد كثيراً عن الطريق الواصل للمدينة.

قالت ميس ساخرة: ما فائدة التخييم إذا؟

رد عليها أمجد: نحن مجموعة صغيرة، ولا نملك سيارة للنقل او العودة في حل حدث أمر طارئ معنا، الجدير بنا أن لا نذهب بعيداً.

نظرت روان بنادية وقالت: أنا أوافق على هذه الفكرة، و أراها جيدة أكثر لضمان سلامتنا جميعاً.


قالت نادية تعطي رأيها: معك حقك، و نختار مكان جميل في الجبل وقريب، لن يتغير شيء إذا ابتعدنا سوى مشقة الأمر على انفسنا.

تنهدت ميس بتذمر وقالت: هكذا إذا اتفقتم جميعاً واختلفتم معي؟

قال أمجد: الأمر ليس كذلك لكن هي مصلحة مشتركة للجميع.


عندها وافقت ميس مرغمة على هذا وهي لا تنوي إلا فعل ما يحلو لها دون اتباع رأيي أمجد بالتحديد، ولن توافق على أي قرار يعتزم تنفيذه، لتكون هي صاحبة السلطة والقرار في هذه الرحلة.

وكان هدف آخر أن تجعل أمجد مجبراً على اتباع ما تريد فهي تعرف بشكل يقين أنه لن يرفض ولن يمانع، فهو مرغم على ما عقد بينهما من خطى لا يعرفها أحد ثالث.

لكنها تجد نفسها تسير معه في بعض الأشياء، فهو يرى الأمور بطريقة عقلانية تجعلها غير قادرة على الرفض أو المجادلة حتى في الأمر.

ثم أكملوا طريقهم نحو وجهتهم التي حددوها في نقطة معين من المكان، وعلى ذات الخطى كان يسير رائد خلفهم متخفي دون أن يشعروا به حتى ذلك الوقت.

يتبع -
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي