الفصل الثالث عشر

مر اليوم الطويل، وبعد ما انتهت ميس من لقاء أمجد كان عليها العودة إلى المنزل كي تنتظر نتائج الإتفاق بينهما.

وصلت إلى المنزل وهي شاردة تفكر بما ستكون الخطوة التالية وما عليه فعله، هل سيكون أمجد إختيار صحيح أو أنها ستندم على خيارها.

قاطع أفكارها تلك صوت عصا جدتها أمينة وهي تطرقها على الارض، كانت الجدة قد جلست تحت عريشة العنب التي تمدتد على معظم ساحة المنزل وتشكل ظل بارداً في أيام الصيف الحارة، وتحلو دائما الجلسة الصباحية مع فنجان القهوة.

قالت الجدة أمينة بنبرة تحقيق: أين كنت اليوم يا ميس؟

ترددت ميس بالإجابة مما أثار بعض الشكوك في نفس الجدة إلا أنها قالت لها: وأين يمكن لي أن اذهب يا جدتي، طبعاً إلى الجامعة.

علمت الجدة بأنها تكذب عليها فهي تعرفها جيداً ولا يمكن لها الكذب مهما حاولت فهي تستطيع كشفها وقادرة على ذلك.

إلا أنها لم تصر على الموضوع وادعت انها تصدقها، فقالت الجدة: كيف كان يومك هناك؟

أجبت ميس جدتها: لقد أمضيت وقتاً جيداً لا يخلو الأمر من بعض الملل ولكني أنجزت أمر مهم بالنسبة لي.

لم تفهم الجدة عن أي أمر تتحدث فهي لم تحدثها بهذا من قبل فسألتها: وما هو الأمر المهم الذي لا أعرفه.

جلست ميس على ركبتيها مقابلة لجدتها التي كانت تجلس على الكرسي وقالت: ستعرفين كل شيء في أوانه.

ردت عليها الجدة: ولما لا تقولين لي الآن كل ما لديك؟

نهضت ميس عن ركبتيها وقالت: الآن سأذهب لابدل ملابسي وأبحث عن شيء أكله.

وتركت جدتها، وهي بالكاد استطاعت التخلص من سؤالها والحاحها على معرفة كل شيء.

في الوقت نفسه كان أمجد يعمل سريعاً لانجاز ما اتفق عليه مع تلك الفتاة التي أحضرها له القدر، أو لربما الصدفة التي جمعتهما في يوم ومكان لا يخطر على بال أحدهم.

أمسك هاتفه يبحث عن ذلك الرقم الغير مثبت بأي اسم ونقر زر الاتصال.

وضع الهاتف على أذنه يسمع صوت الرنين ونبضات قلبه تعلو وتزداد من الخوف إلى ما هو مقدم عليه.

سمع ذلك الصوت الذي يكره وهو يقول بصوت قد بح: ألما تنفذ ما طلب منك بعد ؟

ابتلع امجد ريقه ثم قال: لم أنفذ اي شيء، ولن أنفذ.

قهقه ذلك الرجل وقال: ومن سألك أن كنت ستنفذ الأمر أم لا؟ أنت هنا لتطبق الأوامر لا تقرر أي شئ.

بدءت مراوغة أمجد كي يجمع دليل لبراءته وهو يسجل تلك المكالمة فقال: أنا لا أرغب أن أصبح قاتل وأقضي بقيت حياتي في السجن.

رد الرجل غاضباً: لا تخف لن تبحث شرطة عنك كثير، كن أنت ذكي ولا تترك خلفك أدلة توصل إليك.

ثم أكمل وقال: اتفقنا في الأمس أن تقتل الرجل اليوم، وتنجو مع عائلتك ما الذي تغير اليوم؟

قال أمجد وهو يحاول استفزاز ذلك المجرم: وإن لم أفعل ما طلبتموه مني؟

رد عليه رجل العصابة: ستلقى ذات المصير الذي واجهه أخيك.

وقهقه مرة أخرى بطريقة استفزت أمجد جدا، وقد جمع قبضته كرة تنس يتمنى لو كان ذلك الرجل أمامه حتى يسددها نحو وجهه كي يمزقه، وهو ينظر إلى ذلك الكرسي المتحرك المركون في الزاوية.

إلا أنه حاول ضبط نفسه، والتصرف بعقلانية أكثر و أن يكون الأمر كما اتفق مع ميس للخلاص منهم بشكل نهائي دون المزيد من الخسائر أمام تلك العصابة التي أخذت الكثير من عائلته وحان الوقت لتدفع الثمن عن كل الامور التي فعلوها.

فقال ذلك الرجل: أن انتظر الصحف والجرائد في الغد اود رؤية ما طلب منك على الصفحات الأولى.

قال أمجد: أعدك أن ترى المفاجآت الكثيرة.

أغلق الرجل الإتصال مع أمجد بتلك الكلمات وءلك الوعد الذي يخفي خلفه خبايا وأسرار لن يعرفها في الوقت الحالي.

ومن مكانه قرر الاتصال بميس، وأخرج تلك الورقة الوردية ودون الرقم لكنه لم يرمي الورقة إنما احتفظ بها.

لكنه غير رأيه في اللحظة الأخيرة وأرسل رسالة نصية خشية أن تكون هي في مكان لا يمكنه الحديث به او يشكل خطر عليها.

فكتب بتلك الرسالة: لقد تم الخطوة الأولى، وأنا استعد لما بعدها من اتفاقنا.

كانت الكلمات مبهمة حتى لا يفهمها أحد إن قرأ الرسالة غير ميس، ويمكن لها أن تجد أي سبب أو حجة تخرج بها من المأزق.

كانت ميس في المطبخ تعد لنفسها بعض الطعام الذي تحبه البطاطا المسلوقة مع الخضار وبعض المعكرونة.

سمعت صوت هاتفها الذي ركنته بالقرب منها على إحدى الرفوف، فهي أيضاً تنتظر معلومات من أمجد.

من دون أن تقرأ تلك الرسالة علمت أنها من أمجد، فاسرعت لترى إلى اين وصلت الاتفاقية.

عند ما قرأت الرسالة بتلك الكلمات فهمت خطة أمجد فقالت: ليس وسيما فقط، إنما ذكي أيضاً هذا جيد.

وردت علي رسالته بطريقة مختصرة وكتبت: أنا انتظر.

وما إن قرأ تلك الرسالة حتى عزم على الخروج من البيت متجهاً إلى مركز الشرطة، إلا أنه بعد أن وصل إلى باب شقته وكأنه تذكر أمر ما.

ثم عاد إلى تلك الغرفة المغلقة، كانت داخل تلك الغرفة سيدة في الخمسين من عمرها، شاحبة الوجه نحيلة الجسد، وضعت كفيها تحت رأسها متمدد على سرير خشبي، تتأمل ذلك الشاب الممدد بجانبها.

لم يكن حاله افضل منها على الاطلاق إنما كان لا يستطيع الحركة على الإطلاق ملامح وجهه جامدة لا تتحرك أبدا، وكانت تلك السيدة تبكي وتنهمر دموعها بدون صوت أو حتى نفس منها.

وكأنها كتمت نفسها عن الحياة، تلك المرأة كانت أم أمجد ولها حكاية طويلة اوصلتها لما عليه الآن.

دخل أمجد مقتربا منها بهدوء فهي تخاف من كل حركة سريعة وقد تفقدها ما تبقى من عقلها.

جلس على حافة السرير بالقرب منها، يحدثها بصوت خافت وهي تسمع ما يقول: أمي أعلم جيداً ما تعانينه وما تتحملين في قلبك من أوجاع.

أغلقت الأم عينيها بشدة لكنها لم تنطق بأي كلمة، وأكمل الشاب كلامه محدثاً أمه: لقد بذلت الكثير، وتحملت ما يفوق الوصف وما حدث معنا لن يذهب سدى، من كان سبب بوصولك إلى هذا الحال سيدفع الثمن، أعدك أن أرد حقك وحقه_ وهو ينظر لذلك الشاب طريح الفراش_ لن أترك الأمر بدون محاسبة.

هم بالخروج إلا أنه أمسك يد والدته الباردة وقبلها، ثم قال لها: اعلم انك تسمعيني ارجوك ادعي لي.


وتركها خلفه متجهاً حيث تكون بداية الانتقام و الدفاع عن النفس في الوقت عينه.

نزل إلى بقالية أبو علي وقال له: يا عم قد أتأخر بعض الوقت هل يمكن لزوجتك أن تطمئن على أمي بين الحين والآخر؟

لم يمانع الرجل ما طلبه وقال: بالطبع لا مانع لدي من هذا، لكن اين المفتاح؟

قال له أمجد: أشكرك يا عم، لقد ترك المفتاح أسفل تلك الشجيرة الصغيرة أمام الباب.

هز رأسه أبو علي وقال: اذهب ولا تقلق بشأن أمك فهي في أمانتنا.


وعلى هذا الكلام انطلق أمجد وهو ثقيل الخطى خائف من المجهول الذي يقدم عليه، لكنه لن يتراجع فهو وعد ميس وقدم وعد آخر لوالدته ولن يخزلها مهما كانت الأسباب.


أما روان فكانت تحاول الاتصال بميس لتتفقد حالها بعد أن تحدثت معها صباحاً ولم تذهب معها إلى مبنى البلدية حيث طلبت منها ولم تكن تدري ما تحتاج هي من ذلك المكان.

اتصلت عدة مرات لكن ميس كانت غاضبة ولا ترغب بالحديث مع روان كي تجعلها تندم على ما فعلته.


ولكن اتصالات روان كانت كثيرة مما اضطر ميس للإجابة في نهاية الأمر وقالت لها بنبرة باردة: ألو.

قالت روان مدعية ان لا شيء قد حدث: لقد حل الليل وخرج القمر من بيته، لكن أنت لم تردي عليي، لماذا؟

أجابتها ميس بنفس البرود: ماذا تريدين؟

ردت روان بعد ان ايقنت بأن ميس غاضبة حقاً: أعلم بأنك حزينة بسببي، لكنني آسفة أرجوك سامحيني.

لم تلقي ميس بالا لما قالته تلك الفتاة فقالت لها: لست كذلك.

حزنت روان من تعامل ميس معها وقالت: هل آتي إليك.

هنا انتفضت ميس غاضبة وقالت: الآن تريدين المجيء وقد طلبت منك ذلك في الصباح ولم أراك طيلة اليوم؟

قالت روان متأسفة: أنت على حق بأي كلمة تقولينها، لكنه أمر طارئ لم استطع الحضور.

ميس تعلم ما الذي يدور حولها فهي تعرف كل ما يحاك في الخفاء معها أو ضدها لذا قررت الإكتفاء بما قالته لروان: حسناً لا بأس، حزنت لأنك صديقتي الوحيدة.


ردت عليها روان أعلم هذا ولذا انا اقدم لك اعتذاري ارجو أن تقبليه.


قبلت ميس اعتذار صديقتها وقالت: إذا كنت تودين المجيء الآن انا انتظرك.

ضحكت روان وقالت: قلت هذا كي تسامحيني فقط، كما أن الوقت تأخر كثيراً.

تذمرت ميس من كلامها، ثم أكملت روان: سنلتقي غداً بتأكيد.


أجابتها ميس: إن شاء الله، تصبحين على خير.

روان: وأنت بخير.

ميس في سريرها تنظر من تلك النافذة المفتوحة إلى القمر الذي يشع نورا في الارجاء وهي تفكر كيف سيكون صباح الغد؟ وما هي التحديات الجديدة لها؟


وروان أيضا تجلس بمكان خال تتأمل الفضاء والسماء بافكار مبعثرة تحاول أن تنحو من شتاتها.

بينما وصل أمجد إلى أمام مركز الشرطة وهو يحدق بتلك الكلمة المكتوبة بالخط العريض( الشرطة لتحقيق العدالة)

بخطوات ثقيلة وبطيئة يقترب من ذلك الشرطي القريب من الباب، يحاول ترتيب كلماته قبل البدء بها، بينما جانب آخر من عقله يقول له: هناك فرصة أخرى لتراجع، لا تلقي بنفسك خلف القضبان.

وغلبت لكفة لذلك القول فقرر في اللحظة الأخيرة..

يتبع
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي