الفصل السابع عشر

الحب يأتي سريعاً ويقع الأنسان به دون أن يشعر ودون قرار منه حتى، لا يأخذ إذن في ذلك، يخترق القلب كتلك الرصاصة الطائشة، قادماً بدون إنذار، ولا شيء يمكن أن يرده إذا حصل.

تنهدت ميس وقالت: بعد كل هذا الإصرار لم تتركي لي مجال لرفض، لذا سأخبرك.

وكانت ميس تنظر إلى مكان فارغ في الغرفة وكأنها تراه أمامها، وقالت: شاب في سادس والعشرين من عمره، طويل يملك ذقن مهذبة وشعره مجعد بطريقة ملفتة، وليس هذا فقط بل إنه أنيق وجذاب للغاية.

لم يكن يرتدي اي اكسسوارات مثل باقي الشباب، بل كان مرتب دون تكلف أو أضافات تؤذي من ينظر له، عنده ابتسامة تأسر كل من ينظر إليه.

لطيف في كلامه ويعلم ما يقول مؤدب بأسلوب جميل، لم أشعر بنفسي وأنا أتحدث معه، لها جاذبية وقدرة على لفت الانتباه بطريقة غير معقولة.

كانت روان قد وضعت يديها على خديها وهي تبتسم وتتخيل تلك الصفات التي قالتها ميس عن ذلك الشاب الذي ظهر بشكل مفاجئ من أين لا أحد يدري.

بعد أن نتهت ميس من الوصف، نظر إلى صديقتها ورأتها يتلك الحالة فقالت لها: هي اين وصلتي يا فتاة؟

ردت عليها روان: ااه، نعم وكأنني كنت أراه أمامي وأنت تتحديثن، يبدو جميلاً ووسيما أيضاً.

لم يعجب ميس ما قالته صديقتها في حق أمجد من مدح، فقالت لها: كفي عني الثرثرة ودعينا نعمل شئ قد ينفعنا في ما بعد.

وبدأت كل منهما بتحضير الأشياء المطلوبة وبعض المشاريع في الجامعة.

أما أمجد الذي كان ما زال جالس مع أبو علي يسمع عن بطولاته وقصصه أيام الشباب، دون ان يركز في اي كلمة يقولها، بل كان كل ما يجول في رأسه هو ذلك الخبر الذي سينقذ حياته أو ينهيها.

وفي تلك اللحظة لاح لأمجد موزع الجرائد قادم من بعيد، عدل جلسته وبقي مكانه كي لا يشعر بلهفته أحد.

وما هي إلا لحظات ووصل الرجل بالفعل إليهما، ألقى التحية وقال لأبو علي: هل ستأخذ جرائد لهذا اليوم؟

أجابه ابو علي وقال: لا لن أفعل، لا أحد يشتري منها في هذه الأيام.

رد عليه الموزع وقال: اليوم يوجد اخبار مهمة وقد تقلب الدنيا رأسا على عقب خلال ساعات قادمة.

تظاهر أمجد بالدهشة وقال: ولماذا يحدث كل هذا؟

ضحك الرجل وقال: لماذا أخبرك ان كنت لن تشتري مني هذه الجريدة؟

قال أمجد: أعطني واحدة، كم ثمنها؟

سحب الموزع واحدة وقال لها: إنها بعشرة.

أعطى أمجد المال لرجل، وفتح الجريدة وبدأ يقلبها بهدوء دون إثارة لريبة.

ينقل عينيه من خبر لأخر، يبحث عن الخبر المنشود بالنسبة له، إلى أن وقعت عيناها على تلك الصورة بالابيض والاسود إنها كما وصفها المحقق.

جثة مغطة ببطانية بيضاء وقد أحاط بها رجال الشرطة وحددت أشارة منع الاقتراب من المكان، وصورة أخرى بجانببها لبعض علبة التنظيف الحارقة.


وكتب في المقال ما هو التالي:

بأي يحق يقتل الإنسان إنسان آخر مثله، ينهي حياته ويحرم عائلته منه، يقتل فرحة طفل بعودة والده وهو يحمل له لعبة قد وعده بها.

استيقظت مدينتنا اليوم علي جريمة مروعة، راح ضحيتها رجل في الأربعين من عمره، وهو رجل أعمال معروف ومالك لشركة عقارات كبيرة ( أ.ح)، التفاصيل الأولية للجريمة حسب مركز الشرطة بأن الجريمة وقعت قرابة الساعة الثانية صباحاً بعد منتصف ليلة أمس، كما وجدت الضحية مصابة بطلقين ناريين واحد في الرأس والآخر في الرقبة.

كما أضافت الصحيفة:

وكان العمل مخطط له بشكل مسبق ومدروس جيداً، فلم تجد الشرطة حتى هذه اللحظة دليل قاطع يوصل إلى الجاني، وحسب رواية الشهود في المنطقة بأنهم سمعوا إطلاق النار وصراخ الضحية.

إلا أن وعورة المكان كانت سبباً لتأخر الناس والاسعاف للضحية، مما أدى إلى وفاته على الفور.

مجريات التحقيق مستمرة والشرطة لازالت تبحث عن الفاعل وهو حر طليق حتى الآن.

ابتلع أمجد ريقه وشحب لونه من تلك الأخبار، إلا أنه قرر مغادرة المكان بسرعة قبل حدوث المزيد.

قال للعم أبو علي: عن إذنك يا عم.

استغرب أبو علي من نهوض أمجد المفاجئ فسأل: إلى اين، دعنا نكمل القهوة.

رد عليه أمجد: هذا يكفي يا عم أراك مرة اخرى.

ثم انصرف وهو يحمل تلك الجريدة تحت أبطه، يحدث نفسه ويفكر كيف له يلتقي بميس كي يخبرها بما حدث معه في مركز الشرطة.


وعندما ابتعد قليلاً قرر الاتصال بها، بدأ يبحث عن رقمها، ثم ضغط زر الاتصال وقلبه ينبض بشدة من كثر ا
لتوتر والقلق.

أما هي فقد كانت جالسة مع صديقتها، وعند ما رن هاتفها وقرأت اسمه تبدل حالها، ولاحظت روان هذا فسالتها: هل هو ذلك الشاب؟

ضحكت ميس وقالت: أجل إنه هو.

عقدت روان حاجبها وهي تقول: هيا اجيبي لما كل هذا التردد؟ هيا أجيبي.

وهذا ما حدث فعلاً، فتحت ميس هاتفها وقالت له بلطافة لا متناهية: الو.

استغرب أمجد من هذه اللهجة الناعمة وقال لها: صباح الخير يا ميس.

ردت عليه ميس تحية بذات الأسلوب، بمنتهى الرقة والهدوء قالت: وصباحك خير أيضاً يا أمجد.

فقال لها: ارغب برؤيتك اليوم، هل يمكنني ذلك؟

أجابته وهي تدعي أن الأمر غير مفهوم لديها: هل الأمر مهم؟

فقال مجيبا لها: أجل، وفي أسرع وقت.

أدركت حينها بأن أمر ما قد تغير، نظرت إلى روان وهي تسألها هل اذهب، اومت روان لها براسها إيجاباً.

فا أجابته: نعم، لكن ستكون معي صديقتي.

ضربت روان على رأسها، فهي لم يكن لديها نية للذهاب معها، لكنها لم تعد قادرة على الرفض.


فأجاب أمجد: حسناً لا مشكلة في ذلك، أين تريدين أن يكون اللقاء.

اختارت ميس مكان هادئ تحبه وتذهب إليه عندما تشعر بالملل أو الضيق.


قال لها امجد: حسناً، انا انتظركم هناك بعد ساعة من الآن.

وافقت ميس وانتهت المكالمة بينهما على هذا النحو.

وما إن أغلقت حتى بدأت روان توبخها على فعلها وكيف احرجتها بالذهب إلى هناك.

ضحكت ميس وقالت: من قال لك أنني انتظر إذن منك حتى اصطحبك معي، أنت معي في كل مكان وإلا تلقين كما لقيتي في الأمس.

تأففت روان مما فرض عليها وهي تقول: حسناً فهمت، هي استعدي كي نذهب لنرى ذلك الانيق.

بعد أن أوصل رائد والدته إلى البيت كما طلبت منه، قالت له قبل أن تنزل من السيارة: ستعود الآن إلى امام منزل ميس ولا تتحرك إلا خلفها تبقى قريب حتى من أنفاسها.

قال لها رائد: لن أدع احلامها تخلو مني كوني مطمئنة.

وانصرفت الأم وهي تفكر كيف تعيد بناء خطتها من جديد، وعاد رائد ادراجه حيث كان وهو في طريق عاد ليستمع إلى الراديو وفي نشرة الأخبار سمع ذلك الخبر، عن جريمة قتلت وقعت هذه الليلة، وباقي تفاصيل القصة نا زالت بين يدي الشرطة وجاري البحث والتحري عن القاتل، مع طلب من الشرطة للجميع بأن يكونوا على أهبة الاستعداد وأن يدلوا بأي معلومة تصب في مصلحة مسار القضية.

بدل رائد تلك المحطة وهو يتأفف، من الأخبار المزعجة التي تعكر صفوه ومزاجه طوال اليوم.


ثم وصل إلى مكان قريب من منزل ميس يستطيع المراقبة منه دون لفت الإنتباه، كما طلبت أمه وهي يفكر بطريقة تحبها ميس أو تحبها الفتيات بشكل عام، حتى يتمكن من إيقاعها في شباك حبه.

وما حدث كان عجيباً لم يطول انتظاره لوقت طويل، حتى خرجت ميس من منزلها فرتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة وكأنه تمساح يراقب فريسته، إلا ان فرحته لم تدم أكثر من بضع ثوان، وتبددت الابتسامة بعد رؤية روان صديقتها معها.


فكان يعزم أن يعرض عليها التوصيل إلى المكان الذي تود الذهاب إليه إلا أنه عدل عن رأيه وقرر أن يتبعهما دون أي تدخل منه، لعله يعرف شئ ما يهمه أو ينفعه في ما يريد.

وما إن ابتعدت الفتيات قليلاً عن البيت حتى سار خلفهما تارك سيارته مركونة في المكان ذاته حتى لا يلفت الانتباه.

لم تكن وجهتهما بعيدة كثيرا عن البيت، بضع دقائق فقط وقد سبقهما أمجد إلى هناك، وما إن وصلت ميس وصديقتها حتى وقفت تبحث عنه بين الاشخاص الموجودين فهو مكان جميل وهادئ يختاره الناس لصفوته وجماله.

ومن بعيد لاحظها أمجد وهي تبحث عنه رفع يده ملوحا لها كي تراه، وانتبهت له ميس واقتربت إليه مع صديقتها وروان تتمتم لميس بكلمات عن خجلها من الوقوف مع شاب والحديث إليه.

وميس تحاول التخفيف من خجلها كي لا يلاحظ أحد ذلك، القو التحية على بعضهم وقالت ميس معرفة أمجد بصديقتها: هذه روان صديقتي المفضلة وهي عوض عن أختي.

واكملت محدثة روان هذا أمجد الشاب الذي حدثتك عنه.

قالت روان: سررت بلقاءك.

أمجد: وأنا أيضاً مسرور بذلك.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي