الفصل الثاني عشر

بعد أن غاب بضع دقائق عنها، عاد أمجد وهو يحاول ان يكون طبيعي يضبط تصرفاته دون إحداث أي شكوك في قلب ميس إلا أنها سألته: هل كل شيء على ما يرام؟

رد عليها مؤكداً: نعم كل الأمور جيدة لا تقلقي.

أكملت قائلة: لكنني سمعت..

قاطعها وقال: لا عليك، دعينا نكمل، أين كنا؟

حملت ميس حقيبتها التي وضعتها على الطاولة بجوار الكنبة وقالت: قلت كل ما لدي وبدأت رحلة العمل، وهي تقع على عاتقك، نفذ ما اتفقنا عليه.

رد عليها: سأفعل ما قلته وأثق بك.

قالت هي متهكمة: ثقة

لم يفهم أمجد سبب تعليقها على تلك الكلمة، ولكنه تركها تغادر، دون أن يسألها عن سبب، خرج معها وأوصلها إلى الباب، ثم قال لها: كيف يكون التواصل بيننا؟

فتحت حقيبتها واخرجت منها ورقة بلون وردي وقلم رصاص، ثم كتبت عليه رقمها واسمها وقالت: هذا رقمي، عند ما تكون قد حسمت الأمر اتصل بي، من إحدى ماكينات الاتصال في شارع وليس من هاتفك.

اخذ الورقة من يدها وهو يراقبها بعينها في طريق مغادرتها، يتأمل خطواتها وثقتها بنفسها، بعد أن غابت عن ناظريه أغلق الباب واستند عليه يرمي ثقل همومه، سارحا بخياله يقول: من أين خرجت تلك الفتاة؟ كيف وصلت إلى هنا؟


في الجامعة تابعت نادية سرد القصة لروان وقالت: ما طلبته السيدة عبير من أمي كان يتعلق بعائلة ميس.

استغربت روان وسألت لعلها تفهم قليلاً: ما الذي طلبته بالتحديد؟

أشاحت نادية نظرها قليلاً وقالت: تريد منها أن تعمل له سحر يجعل ميس تقع في حب ابنها رائد، ولا تستطيع حب أي شاب آخر ورفض جميع من يتقرب منها.

قالت روان بنبرة فيها عجلة: إيه وما الذي فعلته أمك؟

نعود إلى تلك الغرفة لنسمع ما قالته روز حينها: لدي طريقة تجعل تلك الفتاة تهوى ابنك ولا تستطيع العيش بدونه.

ردت عبير تسأل: قولي لي ما هي؟

قالت روز بمكر وخداع: إنه عملي ولا افشي سري لأحد، لكنني سأحقق لك غايتك، بمقابل..

ثم صمتت، وعبير تحدق بها تنتظر أن تخبرها ما هو المقابل الذي تريد دفعه، إلا أن روز لم تكمل مما اضطر عبير لسؤالها بغضب: ماذا تريدين أخبريني؟

اجابتها روز وهي تخشى أن يرفض طلبها وقالت: أريد ابنك.

نهضت عبير من مكانهت مستنكرة ما سمعته وقالت: هل جننتي؟ من تظنين نفسك؟ وماذا تريدين من ابني؟

استجمعت روز قوتها وقالت: أريد أن يتزوج ابنتي نادية، بعد ان تنتهي خطتك مع تلك الفتاة.

قال عبير ساخرة: ولدي رائد يتزوجك ابنتك التي تشبه عود الخيزران تلك؟

ابتسمت روز بخبث ومكر وهي تقول: نعم هذا شرطي الوحيد، او اذهبي لغيري أن تكنتي تجدين حل.

أدركت عبير هنا بأن لا مفر لها من اتباع سياسة المفاوضات مع روز، فعادت وجلست مكانها وهي تبحث عن حلول بديل تقنع فيها روز لعلها تعديل عن رأيها او تطلب شئ أخر.

فقالت لها: سأكتب لك شيك بقيمة..

وقبل أن تكمل قالت روز: لا أريد.

ورفضت العرض قبل أن تقدمه عبير، مما جعلها تحترق غضباً، ثم قالت في محاولة ثانية: أكتب لك عقاراً باسمك.

ادعت روز أنها تفكر وقالت: لا لم يعجبني هذا الأمر، ماذا لديك أيضًا.

ودار بينهما نقاش طويل حول ما يمكن ان تقدمه عبير لروز مقابل خدمتها تلك والتي ستكلفها الكثير وقالت لها أخيراً: عندما ينتهي كل أمر بين ميس ورائد، أعدك أن افسح مجال لبنتك وإن أحبه ولدي لن امنع حدوث الأمر.

هنا بدأ الأمر يعجب روز فقالت: هكذا نكون قد اتفقنا بشكل مبدئي ويمكنني العمل.

ثم أمسكت بعض الأشياء وقامت بخلطها وتحريكها ثم مزجها مع بعض وهي تقول بعض الهمهمات الغير مفهومة.

وبعد ان انتهت من كل شئ قالت روز لسيدة عبير القابعة أمامها تراقبها وتتأمل كل ما تقوم به وتفعله: تاخذين هذه العبلة وتضعين منها في طبق ميس أو شرابها، لن يتم الامر إن لم تأكل منه.


وعلى هذا الاتفاق الذي دار بينهما كانت الخطة للإيقاع بميس، وضعت تلك العلبة في حقيبتها، ثم أخرجت بعض المال وقطع نقدية ذو قيمة عالية ووضعتها على طاولة مقابلة لروز وقالت: سأعود إلى هنا بعد أن تظهى نتائج عملك.

تكمل نادية قائلة: هرعت مبتعدة عن الباب فزعة، خشية أن تراني أمي وتحدث لي مصيبة بسبب ما سمعت من أخبار.

قالت روان: وهل فعلت عبير ما طلب منها؟

ردت نادية: لا أعلم ما الذي حدث وهل نجحت في فعل ما أرادت أم كان الأمر صعباً، لكن إصرار على الأمر سيدفعها لفعل المستحيل في سبيل تحقيق غايتها.

قالت روان محدثة نفسها بصوت مسموع: كم أنت مسكينة يا ميس، لما تحاك لك مكيدة مثل هذه ما الذنب الذي ارتكبته عائلتك حتى تدفعي ثمنه أنت.

ثم حدقت روان بصديقتها نادية وقالت: هذا يعني بأن حب رائد لها ما هو إلا ادعاء كاذب حتى يوقع ميس في مصيدة أمه.

أومت نادية رأسها وقالت: للأسف هذا صحيح، لذا عليك أن تساعديها وتقفي إلى جانبها كي تكون حذرة مما يجري حولها، والافضل لها إن لا تسمح لرائد بالوصول لها مهما كلفها الثمن والبقاء بعيد عن تلك العائلة.

قالت روان: يبدو أن الأمر خطير جداً وقد تكون القصة متعلقة بسيدة عبير نفسها ولهذا تريد الانتقام.

ردت عليها نادية قائلة: هذا صحيح، وكل ما كنت أقوله يعني لك هذه النتيجة التي وصلتي إليها.

وهي تنظر إلى الفضاء قالت روان: إذا علينا النبش في ماضي تلك السيدة الراقية صاحبة السمو والرفعة في المجتمع المخملي، يبدو لي أن لها حكاية لا يعلمها أحد.

تحمست نادية فهي تحب المغامرات وقالت: وانا جاهزة سوف أساعد في البحث عن تلك الحكاية لكن بدون أن تظهر علاقتنا هذا إلى أي أحد حتى لا نلفت الشبهات والانظار إلينا، ونبقى في مأمن عن أنظار أمي والسيدة عبير.

قالت لها روان: اخشى عليك من تلك الورطة، لا تقحمي نفسك بالمتاعب.

قالت نادية: لا تخشي شيء كل الأمور ستكون تحت سيطرتنا، ولكن علينا أن نكون حذرين في كل خطوة نسير بها إلى الأمام.

اتفقت الصديقتان الجدد على القيام بمساعدة ميس حتى دون أن تشعر نفسها بما يحدث، ودون تدخل مباشر من نادية كي يبقى كل شيء بمأمن من شرور عبير.

وعلمت روان مت صديقتها نادية أنها لا ترغب الحديث او تقرب من رائد ابدا فهي لا تراه الشخص المثالي لها، ولا يملك تلك الصفات التي تتمناها في فارس أحلامها.

كل منهم يسير حيث يرى الصواب أو يعتقد أنه القرار الصحيح أو الصائب، لا يدرك أبدا بأن الأمور تملك أكثر من وجه وكل منهم يراها بالطريقة التي يريد وكيف تكون أقرب لقناعاته وأفكاره، فالمجرم يبرر القتل لنفسه، والسارق يجد حجة لما يقترفه.

والانتقام يكمن خلفه سبب وأن كان قد مر عليه سنوات، إلا أن الوقت قد حان ليظهر و يخرج للعلن كي تبدأ حروب وصراعات جديدة، يهزمه فيها القوي الضعيف، ويضيع حق من كان مسالم بين الناس.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي