الفصل السابع

عادت ميس بعد أن انهت ما يترتب عليها من أمور التسجيل، لتجد صديقتها شاردة الذهن وكأنها فقدت حواسها.

اقتربت منها ميس لكنها لم تلاحظ وصولها إلى المكان، مدت يدها ولوحت لها على مقربة من وجهها، نفضت روان عن وجهها غبار الشرود وقالت لها: متى عدت؟

قالت لها ميس وهي لا تفهم الحالة التي هي عليها: لقد عدت منذ دقائق، هل حدث شيء في غيابي؟

ردت روان بسرعة نافية الأمر: لا، لا لم يحدث شيء، لكن سرحت قليلاً في التفكير.

ابتسمت ميس ابتسامة ساخرة وقالت: وما هو الاختراع الذي نتج عن ذلك التفكير أيتها العبقرية؟

جعدت روان عيناها ولم يعجبها تهكم ميس عليها فردت لها قائلة: دعينا نرى أبداعك اليوم في تغطيت المؤتمر.

ضربت ميس رأسها وقالت: مؤتمر؟ ماذا؟

ضحكت روان من تصرفها وقالت لها: أعلم أنك نسيتي فهي عادتك منذ الطفولة.

سحبت ميس الكرسي وهي تقول لها: دعيني احتسي كوب القهوة الخاص بي الآن ثم حديثني عن أي أمر تريدنه.

بعيداً عن جامعة ميس وفي بيتها، كانت تدور أمور أخرى سعياً لتغير حياتها إلى ما هو أفضل حسب ما كانت تعتقده الجدة أمينة.

أمسكت نظارتها السميكة التي كانت تربطها حول عنقها بسلسال من الفضة المشغولة يدوياً وقد كانت هدية من ابنها والد ميس، لذا هي لا تفرط به أبدا.

تقرأ بهدوء تلك البنود الموجود في الأوراق التي أحضرها معه المحامي حمزة، تدرسها بدقة حرصاً على حفيدتها وريثة العائلة.

بعد أن انتهت وهمت بالتوقيع، قاطعها المحامي يسألها: هل أنت متأكدة من هذا يا سيدتي؟

ازاحت نظارتها عن عيناها وقالت: لماذا تسأل يا حمزة؟

قال لها المحامي: أنا ارى في تلك العقود ضعف لميس، ولا أراها قوة.

سألته الجدة: كيف يكون هذا؟ أنا افعله من أجلها ولحماية ممتلاكتها بعد موتي.

رد حمزة مجيبا لها: سيدتي، بعد توقيع على هذه الأوراق، أنت تعطي الصلاحية لزوج ميس بسحب ممتلكاتها منها، ويمكن أن يمنع من البيع والشراء في حال حصولها على هذه الوكالة.

قالت أمينة له: أنا اعلم من هوذلك الشخص، ومن سيتولى إدارة الاعمال لذا لا تقلق.

لم يعد بستطاعت حمزة قول المزيد في خصوص هذا الأمر ولكنه لم يكن مرتاح لما يحدث.

وصلت عبير إلى بيتها وهي سعيدة بما حققته اليوم، وكان ابنها بنتظارها، وفور رويتها قال لها: ها؟ أخبريني يا أمي هل وافقت؟

ضحكت تلك الماكرة وقالت لها: وهل تظن غير هذا يا بني؟ ألا تعرف والدتك عندما تضع أمر ما في مخططاتها لا تكف عنه حتى تصل إلى مبتغاها.

ثم ضحكت بصوت عال على أنها بداية تحقيق مقاصدها وكل ما تبتغيه كي تصل إلى ثروة ميس وعائلته، ليس هذا فقط إنما سيكون ابنها المدير الظاهر لهم ولكن سيحقق كل ما تطلبه منه في الخفاء بعيداً عن الأنظار.


بعيداً عن المكر وخفايا المؤامرات التي تحاك في تلك القلوب السوداء المليئة بالشرور والكيد.

كنت ميس وروان قد اتجهتا إلى بناء البلدية، كي يحضروا ذلك الاجتماع وتغطيته، وعمل إحصاء لرضى الناس عن الجهات المسؤولة حالياً عن بلدتهم وخدماتها.

بدأت الفعاليات وقد جلست الفتاتان في المقاعد الأولى بحكم طبيعة عملهم وقد جهزت كل منهم بعض الاسئلة لطرحها في الاجتماع على رئيس البلدية وحكومته.

كانت ميس تحمل كاميرتها وتلتقط بعض الصور لاضافتها إلى تقريها، وتسجل النقاط المهمة من الكلام الذي تسمعه وتكتب بعض الملاحظات، عملها بعيداً عن المنزل يجعلها تنسى الاجواء المشحونة و عدم الفهم الذي يدور في رأسها مما حدث معها.

بينما كانت روان تفكر بحديث تلك الفتاة، والكلام الذي قالته: ماذا كانت تقصد بكلامها؟ وماذا تعرف عن رائد؟ ولماذا اخبرتني ولم تخبر ميس؟

تلوح برأسها يمين ويسار كي تصرف تلك الاسئلة عن تفكريها وما أن تحاول ذلك حتى يعود لها سؤال آخر: لربما كانت تحب رائد ولا تريد أن يرتبط بميس، الجميع يعرف أن رائد معجب بها.

تأففت روان من تلك الخواطر المتراكمة في رأسها وقالت: كفي عن هذا يا فتاة وركزي في عملك.

التفتت ميس تسألها: ماذا قلتي؟

تلعثمت روان وقالت: لا لاشئ مهم، لكن بدأت أشعر بالضجر.

اكملت ميس تدوينها لتلك الملاحظة التي بدأتها وهي تقول: إننا هنا من اجعل عمل ولم نأتي في سبيل التسلية.

ثم وضعت ميس تلك الاوراق التي في حجرها بيد صديقتها وهمست لها: سأذهب إلى الحمام واعود فوراً.

أومت روان رأسها دون أن تقول شئ لها فأكملت ميس: أمرك لا يعجبني يا فتاة عندما ننتهي عليكي أخباري بما يحدث معك.

ثم انصرفت حيث أخبرت صديقتها، وفي أحدا الممرات التي كانت ميس تسلكها للوصول إلى الحمام، سمعت صوت أحدهم خائف يتوسل وهو يقول: أرجوك، لا تفعل هذا سأحاول تأمين المطلوب بأقرب وقت، لكن امنحني فرصة،ما تطلبه مني أمر تعجيزي وغاية بالصعوبة.

خففت ميس من سرعة خطواتها وبدأت تركز في حديث ذلك الشاب دون ان تراه تسمع فقط ما كان يقوله: أعدك قبل أن تنقضي تلك الأيام الثالثة سيكون كل ما طلبته جاهزاً، ولن أتأخر أبدا عن الموعد المحدد.

ثم اكمل بكثير من التوسل والترجي بصوت مرتجف لا يملك حول ولا قوة: أمي مريضة لا تقوى على تحمل ما يحدث افعل بي ما تشاء لكن دعك من عائلتي، وأنا مستعد للعقوبة.

بهذه الاثناء ارتطمت يد ميس بمزهرية وضعت على جانب الممر وأوقعتها، شعر الشاب بأن أحد ما قريب من المكان، مما اضطره ليغلق الهاتف بسرعة.

وحاولت ميس أن تبتعد من المكان، إلا أن ذلك الشاب ظهر أمامها وكان اسرع منها.

كان يرتدي قميص بلون الزيتي ومن فوق معطف بلون أسود وبنطال أسود، مجعد الشعر بملامح هادئة تبعث الطمأنينة لمن رأه، لم تشعر ميس بالريبة منه، بل كانت مرتاحة ولم تشعر بالخوف.

ثم لاحظت وجود مكنسة في يده و بعض اداوت التنظيف، فهمت حينها أنه المسؤول عن أعمال التنظيف في مبنى البلدية.

ساد الصمت لبرهة من الوقت ثم قاطع ذلك الهدوء سؤاله لها: هل أنت بخير يا آنسة؟

لم تجب بشئ إلا أنها أشارت بالموافقة برأسها كي لا يقترب منها، ثم قال لها: هل إصابتك قطع الزجاج؟

ردت بالنفي قائلة: لا لا عليك شكراً لك.

رد ذلك الشاب: أكملي طريقك إلى وجهتك، أنا سوف انظف المكان لا عليك.

ابتسمت ميس ابتسامة رقيقة تعبيراً عن شكرها ثم مضت، دون أن تسأل عن أي شيء.

تنهد الشاب المسكين ظننا من أن الأمر انقضى دون أن تسمع ميس حديثه.

فهو أمر في غاية السرية و أن علم به أحد لن تنجو عائلتن من يد تلك العصابة التي تطارده.

أما ميس غسلت وجهها بالماء البارد، ونظرت لوجهها في المرآة، تسأل نفسها: في أي مأزق وقع ذلك الشاب، والغريب في الأمر أنه لا يبدو عليه من أصحاب الاعمال الخارجة عن القانون، أو الامور المشبوهة.

أغلقت ميس ذلك الصنبور الذي نسته مفتوح، وقالت لنفسها بصوت عال: وما شأني أنا،يجدر بي أن التفت إلى تلك المصائب التي تدور حولي، و عليي أن افكر كيف اتخلص من ذلك الأبله رائد، العاشق الغبي.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي