الفصل السابع والعشرون

أكثر من يؤلم القلب تلك القرارت التي يتخذها العقل، دائما أو ربما في أغلب الأحيان يكون الخيار الصائب في الابتعاد عن رغبات القلب وهواه، كل منا عاش تلك اللحظة حين وضع بها أمام قلبه وعقله، وكان مجبراً على الإختيار دون حل وسطي يخفف الأعباء.


نسلك طرق كنا نتمنى أن لا نمر بها وأن نكون بعيدين عنها، إلا أن قوة القدر تجبرنا مرغمين، نتألم ونبكي أحياناً إلا أن لا شئ ينفع ولا يتغير الواقع الأليم، لكن علينا التجاوز والتخطي كي نستمر في الحياة.

فهي لا تتوقف عند أحد بل تسير غير مبالية بحالتك وبما تشعر به، لذا كن قوي لتحسن المواجهة.

لم يكن حال ميس طبيعي في تلك الأثناء وإن ما تشعر بالضعف والخذلان، رغم كل القوة التي امتلكتها، إلا أنها في نهاية الأمر ثقلت نفسها وكانت تشعر برغبتها بالاتكاء على أحد تأمن نفسها عنده.

بعد محاولات أمجد للحديث معها وتهدءتها، وفجأة نزلت ميس جاثية على ركبتيها مقابلة لأمجد وعانقته بكلتا يديها.

في وسط الكثير من الدهشة على وجه صديقتها وصدمة شعروا بها أيضاً هل ما نراه صحيح؟

نظرت نادية و روان ببعضهما وكأنهما يحاولان استفهام ما حصل ، لكن بدون إجابة أو ووضوح أي أمر.

أما أمجد فقد تجمد الدم في عروقه، لم يكن يدري ما عليه أن يفعل، هل يضمها إليه ويجلعها تفرغ الحزن من داخلها.

أم أنه يدفعها بعيداً عنه، فهو لم يمر بمثل هذا الموقف من قبل ولم يعانق فتاة أو يلمسها حتى.

لكن ميس أجهشت بالبكاء وكان صوت عال ومسموع، مما جعل أمجد غير قادراً على إيذاء ها أكثر.

لقد شعر بكم الحزن المتراكم بين ثناياها، ولم تجد أحد أمامها سواه، حرك يديه بهدوء وهو يرتجف لفهما حولها وشعرت هي بدفء يديه تعانقها، إنهالت بمزيد من الدموع.

اقتربت روان منها تريد أن تجعلها تنهض من مكانها وتترك أمجد إلا أن أمجد أشار لها بأن تتركها كما تشاء حتى تشعر هي بأنها قد ارتاحت.

وكان المكان ساكن تمام خلى من كل شيء إلا صوت بكاء ميس، وبينما رائد جالس يراقب الوضع وهو يشتعل غضبا لكن ميس ترفضه دائما.

كانت الغيرة تلتهم قلبه وهو يراها بين يديه وكأنها تشتكي له همها وضعفها، دون أي كلام أو أي حديث، لم يكن الأمر يروق له، لكنه لم يكن قادر على النهوض بسبب حالته التي هو بها بعد أن تلقى من الضربات ما يجعله طريح الفراش لأسبوع كامل. .

مرت دقائق على هذه الحال وميس قد أغرقت وجهها على كتف أمجد، وبعد مدة من الوقت، توقفت عن البكاء وكأنها هدأت، وبهدوء بدأت تفك يديها عن عنق أمجد، وعند ما شعر هو بهذا فعل ذات الأمر.

وفك يديه عنها لقد أدرك أن حالها قد تحسن، وأصبحت أفضل مما كانت عليه منذ قليل.

ابتعدت عنه قليلا ووقفا، لكنها لم تكن قادرة على النظر في عينيه وكأنها تشعر بالخجل مما حدث، فهي لم تكن تنوي أن تكون هكذا معه بل تنوي أموراً أخرى.

لكن ما حدث كان غير متوقع بالنسبة لها، البوح بالمشاعر ليست بشيء سيىء إنها أشياء جميلة علينا ان تخبر بها من تحب في أي وقت نشعر برغبتنا بالحديث عنها.

اقتربت روان من صديقتها تطمئن على حالها وقالت: عزيزتي هل أنت بخير؟

أومت ميس رأسها بالإيجاب وقالت لها: لا تقلقي انا بحال جيدة.

أحضرت نادية كوب من الماء وقدمته لصديقتها ميس وقالت: إن كنت متعبة دعينا نعود إلى المنزل كي تنامي وترتاحي.

قالت ميس بصوت مرتجف: لا لابأس أنا بخير.

حاول رائد التدخل وأن الأمر مهم له وهو من يتحمل حالها فقال: دعينا نعود للبيت يا ميس هذا أفضل لك، لا بقي هنا.

نظرت إليه بطرف عينها وكأن الامر لا يعجبها، ولم تجبه بشئ.

رد أمجد دون أن يوجه الحديث بشكل مباشر إلى ميس، ولكن كان كلامه بشكل جماعي وقال: أرى أن نذهب إلى البيت يكفي ما حدث من المصائب حتى الآن، دعونا نجمع حاجاتنا ثم ننطلق عائدين.

فقالت نادية: هل نسيت أننا لا نملك سيارة وهنا لا يمر أحد في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل، يجدر بنا أن نجد حل في البداية لهذه المشكلة.

قال رائد وهو ينطق الكلمات بصعوبة بالغة ثم قال: سيارتي هنا في مكان قريب، يمكننا الذهاب بها.

قالت روان: إذا قد وجدنا حل لما كان يعيق رجوعنا، هيا لنجمع أغراضنا ونهم بالرحيل، لم أعد ارغب بالمبيت هنا، ثم وجهت حديثها لصديقتها ميس وقالت: هل ترغبين بمساعدتنا؟

أجابتها ميس بصوت خافت: أريد الجلوس قليلاً، لست قادرة على فعل شيء.

فقالت لها نادية: لا عليك يا ميس، سأفعل ذلك عوضاً عنك، يمكنك الجلوس وأن تنتظرينا حتى ننتهي.

بدأت ميس تسير بهدوء في المكان مبتعدة عنهم لتجلس في مكان منفرد قليلاً، كان أمجد يراقبها وهو لا يفهم الحال التي هي عليها أو ما هو السبب الذي أوصلها إلى ما حدث.

بعد لحظات تبع أمجد ميس وجلس بجانبها، وهو يتأمل تلك السماء الصافية التي زينها القمر.

وقال أمجد: لا أملك الكثير كي أقوله، لكني آسف لما حدث، لا أرغب برويتك حزينة، ويزيد الأمر تأنيب ضميري عند ما أكون السبب.

صمت أمجد كي يسمع رد ميس على ما قال ،لكنها بقيت محافظة على سكوتها المطبق فقال مكمل ما لديه : أرغب أن أساعد كي تتخلصين مما يحدث معك، دخلت حياتك كي أكون معين لك ولا أرغب بأن تكوني حزينة أو لا تشعرين بالسعادة.

ورغم هذا لم تتكلم ميس أبدا، فنظر إليها وإذا بها تذرف الدموع بغير صوت، إلا أن عيناها قد فاضت بما فيها من وجع وذكريات ستحدث معها لو لم يتغير ما يعد لها من مكائد وخطط ترسم من أجل غايات تضر بها.

لم يسألها أمجد بل أراد أن تتحدث هي من تلقاء نفسها دون ضغط منه فهو يعلم بأن لديها الكثير من الأشياء التي تخفيها عنه وريما تريد البوح بها، أو أن يسمعها أحد لكنها من المؤكد بأنها لن تكون قادرة على الوحدة بعيداً عن الجميع يجب أن يتواجد بجانبها، وقرر أمجد أن لا يتخلى عنها مهما حدث ومهما كانت الظروف قاسية.

بينما كانت روان ونادية تجمع الأشياء وما تم إحضاره معهم قالت نادية: كم هو قاس ما تمر به ميس حتى حدث ما حدث.

ردت روان: لم أرى ميس بهذه الحالة أبدا، يبدو أن هناك أمور تخفيها عني وهي ثقيلة جداً على قدرتها وطاقتها مما جعلها تنفجر بهذه الطريقة.

سألتها نادية: كيف تكون ميس عادةً؟

قالت روان: أعرفها ثابتة قوية لا تميل ولا تشتكي، هل تعلمين شيء يا نادية.

قالت نادية: ماذا هناك؟

أجابت روان: هي دائما من تسمعني وتنصحني وتدعمني، وتدفعني بقوة عند ما أشعر بالضعف أو ترى اليأس تمكن مني، هي القوة لي أشعر بالغرابة عند ما أرى حالها هكذا.

تنهدت نادية وقالت: هل تعلمين يا روان، أن هذا الشخص القوي الذي ترينه يكون أكثر هشاشة وضعف مما تتخيلين، فهي تخبىء ضعفها لنفسها وتظهر القوة لمن حولها ولا تبالي لنفسها.

ثم أكملت نادية وقالت: لكن عند ما ينهار الشخص البطل يكون انهياره مدوي بقدر قوته، يكون بحجم ما كتم الحزن لنفسه وحافظ عليه بعيداً عن الشفقة والمساعدة.


قالت روان مستنكرة: لم أكن أشفق عليها، بل كنت سوف أساعدها وادعمها، وقد أعطيها بعض النصائح قد تنفعها لتتخطى ما هي به.

ابتسمت نادية وقالت لها: أنت تظنين هذا، لكن ميس ترى الأمر من زاوية مختلفة عنك رأيك.

يتبع-
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي