الفصل الثامن عشر

بعد أن تعرف أمجد وروان عن طريق ميس، قال أمجد: هل يمكننا الحديث قليلاً يا ميس؟

بإشارة منه بالرغبة للحديث بشكل منفرد من دون أن تكون روان موجودة وهي فهمت هذا، فقالت روان متدخلة: أنا سأجلس على تلك الطاولة.

ثم ذهبت حيث أشارت سامحة لهما بفرصة للحديث بما يشاؤون.

تبددت ملامح ميس الهادئة وانقلب حال وجهها إلى وضع آخر لا يراه سوى أمجد، فقالت له بنبرة جافة: ما الذي حصل حتى طلبت أن نلتقي، أرجو أن يكون الأمر مهم كما أتوقع.

تلفت أمجد حوله وقال لها دعينا نجلس جانباً كي أخبرك بما حدث.

سألته ميس وما جرى؟

قال أمجد إنها أشياء كثيرة، هل اتيتي معي؟

ثم مشى أمجد وهي خلفه تتبعه حتى اتخذ ركن من المكان وجلس وهي بجانبه، تفصلهما مسافة صغيرة، امام ذلك النهر العذب الذي شق طريقه في السفح الجبلي.

وكأنه يحدث جميع من يراه بأن الأرض القاسية تتشقق بالاصرار على المضي بأي أمر نريده، كل ما عليك فعله هو السعي، والثقة بأن المستحيل يكسر أمام العزيمة.

قالت ميس دون ان تنظر إلى أمجد: هيا قل ما لديك بسرعة لا أملك الكثير من الوقت..

أجابها بذات الطريقة: فعلت كما طلبتي، ذهبت إلى مركز الشرطة واخبرتهم بما لدي.

لم تنطق ميس بأي كلمة أومت برأسها فقط كي يكمل ما حدث.

تابع أمجد كلامه: طلبو من الاختفاء في الوقت الراهن، وتم وضع خطة مع المحقق بأن الجريمة قد حدثت فعلا وهم من تولى الأمر.

سألته ميس : وما فائدة ذلك؟

أجابها: يعتقد المحقق بأن المجرم سيتصل بي مجددا لطلب المزيد من الأمور في حال تأكد من تنفذ ما ارد.

قالت ميس: ما ذا لو حاول ان يؤذيك؟

ابتسم أمجد وقال: ومن لي كي يسأل عني إن مت أو بقيت اتنفس؟


ثم ساد الصمت بينهما دون أي كلام اخر، وفي تلك اللحظات كان رائد قد وصل إلى المكان بعد ما كان يتبعهما، و بدأ يتلصص من بعيد، وما إن رأى ميس تجلس مع ذلك الشاب الغربب حتى جن جنونه، وكاد يفقد عقله.

وكل ما خطر بباله بأن أحد اخر قد دخل على خطوط قلبها، طمعا بثروتها كما هو حاله.

حاول التماسك وضبط نفسه قدر الإمكان والمحاولة بعدم التدخل.

إلا أن أمجد كان لديه سؤال فقال لميس: فضولي يدفعني كي اسال عن أمر يشغل تفكيري.

قالت له ميس: وما هو؟

أمجد: كيف للقاء بمحض صدفة يقلب حياتنا بين ليلة وضحها؟ لم يخيل لي ما جرى.

وهنا تشققت ابتسامة على وجه ميس وقالت بنبرة ساخرة: حياتنا، أعجبني جمعنا في كلمة واحدة.

وما إن رأى رائد تلك الإبتسامة حتى فقد بقايا عقله، وقرر أن يتدخل بينهما ويلقن أمجد درس.

اقترب منهما فلمحته روان من المكان الذي جلست فيه هي، نهضت مسرعة وصرخت بصوت عال: ميس.

سمع الجميع نداءها التفت ميس لترى ما الأمر ولما تصرخ روان بهذه الطريقة، فأشارت روان إلىالجهة القادم منها رائد نحوهما.

أمجد يحدق دون أن يفهم ما يجري فسألها: من هذا الرجل؟

أجابته ميس بطريقة استفزازية : لست مضطرة لاجابتك، وكانك تقمصت ت الدور اكثر من الازم وبت تسأل من هذا ومن ذاك.

لم يرد أمجد على كلامه فهو يرى بأنه كشاب لا يلق له أن يجعل فتاة تحزن وهذه ليست من شيم الرجال، وعلى الجانب الآخر الأمر بالنسبة له تمثيل ومجرد صفقة بينهما حتى ينال كل واحد منهما ما يريد من الآخر.

وهنا بدأ رائد بالصراخ على أمجد يقول له: من أنت يا هذا؟ من تظن نفسك؟

وكأنه يريد أن يخيفه ويجعله يبتعد عن ميس، وكانت خطته بأن ترى ميس بطولته وخوفه عليها وأنه موجود دائما لحمايتها لعلها تحبه أكثر وتبدأ حبال الوصل بينهما.

إلا أن المفاجأة كانت برد فعل أمجد كما لم تتوقع ميس أو روان ولا حتى رائد فقال له: وما شأنك أنت؟

قال رائد ملعثم فلا قرابة تجمعه بها ولا حب: إنها ابن جيراننا.

سأله أمجد بطريقة فيها سخرية: وهل اشتكت لك ابنة الجيران؟

غضب رائد بشدة وتهجم عليه، لكن دون أي سابق إنذار ارتطم وجهه بقبضة أمجد، حتى أنه استطاع اعادته للخلف عدة خطوات، ابتعد ميس من المكان وهي تشعر بالمتعة لرؤية هذا المشهد.

بينما كانت روان تصرخ وتقول: كفا عن الشجار كا الأطفال، دون ان يلتفت لها أحد وميس تشير لها بأن تدعهما دون تدخل.

فسأل رائد: من تكون أنت؟

ضحك أمجد بخبث وقال له: لست مضطر للاجابة على أي شيء.

هنا علم رائد بأنه لن يستطيع المواجهة مع أمجد وسبكون أمر خاسر، فقرر شئ آخر اقترب من ميس وقد هم ليمسك يدها يريد ان يجبر ها على الذهاب معه، وقبل أن تلمس يده المليئة بالدماء يد ميس كان أمجد حاضر.

فسدد ركلة نحو يده، وقال له مهدد: ان كنت تخشى على نفسك لا تفكر حتى في لمسها، هذه نصيحتي لك.

كانت ميس تراقب ما حدث، لم تستطع اخفاء اعجابه بما فعله أمجد ولم تتوقع ان يحدث هذا الأمر والتصرف بهذه الطريقة بعد ما تحدثت معه بذلك الاسلوب الفظ.

هنا قررت ان تتدخل وتكفى رائد و أمجد عن الشجار، فصرخت بصوت عالي: كفااا.

قالت موجهة كلامها لرائد: كيف وصلت إلى هنا؟ كيف علمت بمكن وجودي؟

لم يدري ما يجيب وتلعثم بكلماته وبدا عليه الارتباك وقال: بمحض الصدفة كنت أمر من هنا ورايته يحدثك، ظننته يزعجك وقررت التدخل.

ضحكت وهي تعلم أنه يكذب فقالت له: لا تقترب مني ولا تتدخل في أموري هذا شأني مع من اتكلم ومن لا اسمح له بالحديث معي.


وقالت لأمجد بطريقة هادئة ولبقة: أنا اسفة يا أمجد عم سوء الفهم الذي حصل الآن، ارجوك سامحني.

قال لها امجد: لا عليك يا ميس الخطأ لست انت سببه، بل من يتصرف بحماقة دون أن يحسب لوجود سبب.


اشتد غيظ رائد وقال: من تقصد بالحماقة يا هذا.

ضحك أمجد دون ان يرد عليه بأي كلمة، إلا أن روان القت بما فاض به قلبها من غضب وكره وقالت له: كل منا يعلم من هو المقصود ومن يجد في نفسه تلك الصفة فاليقول.


علم رائد انه غير مرحب به في المكان وما قام به كان قد حط من مكانته في عيني ميس، لذا قرر الانصراف وهو يهدد ويتوعد بالعودة لرد اعتباره وتلقين أمجد درس لن ينساه طيلة حياته.

قهقه أمجد وقال له : لا تنسى أن تحضر أمك معك في المرة القادمة كي تدافع عنك يا صغيري.

هدء الوضع قليلا وميس لم تحدث أمجد ابدا إلا أن روان سألته إن كان بخير أو اصابه اذى فقال لها: نعم أنا بخير اشكرك على اهتمامك.

فنظرت له ميس بطرف عينها دون ان تقول شيئا، ثم قالت لصديقتها: هل نذهب الآن.


قاطعها أمجد ثم قال: لم ننهي حديثنا بعد.

فردت روان: سأدعكما تكملان.

إلا أن ميس قالت بنبرة حادة: لقد انتهى ولن نكمل شيء دعينا نذهب فأنا متعبة.


قال أمجد: حسناً لا مشكلة نكمل في وقت لاحق.

وغادرت ميس المكان دون أن تودعه أو تقول أي شئ.

تبعتها روان تهرول بسرعة تقول: انتظريني، ما الذي جرى لك؟

لماذا كانت تهرب ميس؟ ما الذي فعله أمجد حتى يستحق تلك المعاملة الفظة التي تخلو من الاحترام والتقدير حتى إلى حد ما.

وكأنها تحاول الانكار والابتعاد عنه، وتضع له حدود لا يتخطها، فهو شخص عابر فقط لتنفيذ ما تريد والانتقام لنفسها من رائد الغبي الذي جعلها تعيسة في ذكريات المستقبل التي عاشته وعادت منه كي تثأر وتعيد لنفسها كل ما سلب منها عنوة.


ابتعدت الفتاتان قليلا، وروان تسألها: ميس ما الذي جر ى لك؟ كفي عن الركض دعيني افهم قليلاً.

ميس: أنا نفسي لا أعلم ارجوك لا ترهقيني بكثرة السؤال عند ما أكون بحال جيد انا سأقول لك كل ما يجول بخاطري.

تنهدت روان وقالت لها: كما تشائين، إلى أين نذهب الان؟

قالت لها ميس: دعينا نتجول في الازقة، لعل السير يخفف عني ما أثقل قلبي.

قالت روان موافقة: هيا بنا ولا تلقي بال لتلك الأمور فهب تحدث في كل مكان.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي