الفصل الثاني والعشرون

الانتقام هو أكثر ما يقتل الأشياء الجميلة التي خلقها الله في نفس الانسان، ويجعل منه مكروه مذموم لا يرغب أحد من الاقتراب منه، ويخشاه حتى أقرب الناس حتى يبقى وحيداً مع أحقاده تقتل قلبه كالسم الذي يسري في العروق.


بعد أن علمت روان بتفاصيل ما يجري كان عليها أن تتدخل كي تحمي صديقتها من تلك المؤامرة التي تحيها تلك المرأة الخبيثة.

بعد أن انصرفت عبير وتركت روز خلفها، قررت أن تسير وحده تعيد ما مضى، وشردت سارحة في ذكرياتها، عند ما كانت فتاة صغيرة، تعيش مع عائلتها في على أطراف المدينة.

عبير من عائلة ثرية جداً وتملك الكثير من العقارات والأموال، نشأت في بيت كبير مع عائلتها التي تحبها، وكانت تعيش برفاهية مطلقة، دون الحاجة لأحد وكانت هي الابنة الوحيدة لأبيه ولديها من الإخوان ثلاثة.

كانت مدللة لدى الجميع ولا أحد يجرؤ على ازعاجها، ودام هذا الحال سنين طويلة، حتى أصبح هيا شابة ذات جمال يسر الناظرين وكل من يراها يعجب بها، وتمنى الكثير من الشباب في ذلك الوقت أن توافق لتصبح زوجته.

فهي ذات حسب ونسب وجمال ومال، إلا أن الحياة لا تستمر بذات الوتيرة ولا تعطي كل شيء ففي لحظة غادرة تخطف ثمن ما تعطي.


وهذا ما حصل لعبير، فإنها لا تنسى وفاة والدها وهي في سن السادس عشر، لم يكن يعاني من اي مرض أو علة بل كانت صحته جيدة وكانت اموره متوازنة.


لكن ما لم تعرفه عبير في البداية اكتشفته بعد وفاة والدها المسكين، فقد سمعت حديث امه الثكلى على زوجها وهي تتحدث مع أخيها وتقول: لقد مات حزنا على رزقه الذي سلب منه أمام عينيه، ولأنه لم يقبل أن يفرط ببنته ..


لم تعرف عبير في ذلك الحين ما تقصد والدتها لكن الأمر بدأ يتكشف لها مع الأيام دون أن تتوقع ما يحدث، فلم يخيل لها بأن تضطر لترك منزلها وأن تتخلى عنه.


فجأة وبدون سابق إنذار يذكر قالت لها أمها: عليك أن تجمعي أشيائك كلها يا عبير، سنغادر اليوم.

تفاجئت عبير واستنكرت: كيف لنا ان نغادر هذا منزل أبي كيف نخرج؟ لماذا؟ إلى أين؟

لم يكن لدى الأم الكثير لتقوله وتفسرع لبنتها، لكن الدموع لم تكن أسيرة عيناها بل كانت تحرر نفسها وتمضي على خدي تلك الأم المكلومة على حالها وحال أولادها بعد رحيل زوجها.

لكنها قالت لبنتها: عبير جميلتي، نحن نمر الآن بوضع صعب لكن كوني واثقة بأن الأمر سيمضي، وسيعود كل شيء كما كان، لكن لدي طلب منك هل تستطيعين تلبيته لي؟

فسألت عبير الحزينة وقالت: ما هو يا امي افعل كل ما أستطيع من اجلك دون ان تحزني انت يا أمي؟

قالت لها أمها وهي تمسح على رأسها: أرجوك لا تسألي عن أي أمر الآن وحين يكون الوقت مناسباً أنا سوف أحدثك بكل ما يجري.

وافقت عبير دون المزيد من النقاش والإلحاح على الأم التي لا تجيد سوى البكاء من ضعفها، أكملت وقالت لينتها: هي اذهبي و اجمعي أشياءك كلها ولا تدعي شيء يهمك هنا.

ترك عبير أمها ومضت تفعل ما طلب منها وهي تفكر بما جرى ومن يكون وراء كل ما يحدث، وكيف له ان يجرؤ ويؤذي عائلتها فهي لا تعلم بأن هناك دائما عيون مرصدة لنا تراقب كل حركات وسكنات لنا.


مضى اليوم وانتهى جميع من في البيت من تحضير نفسه، و وضعت الأشياء أمام الباب كي تنقل في سيارات لمكان آخر، واذا بها تلمح احد اصدقاء والدها المقربين إنها تعرفه جيدا، فشعرت ببعض الأمان لعله يغير ما يحدث، وما إن همت للذهاب إليه تحدثه.


حتى امسكتها والدتها من يدها تشدها كي تمنعها من الذهاب إليه، لم تفهم عبير ما سبب ذلك التصرف الغريب بالنسبة لها فقالت لأمها بعد أن ظنت أنها لم تعرفه أو ربما لم تراه: أمي هذا العم كمال صديق أبي.


فشدت الأم على يد ابنتها اكثر وقالت: ليس صديق والدك، ولا تقول ذلك مرة اخرى هل فهمتي؟

استنكرت عبير ما قيل لها فقالت لها رافضة: كيف انقلب هذا الحال فجأة؟ دائما من يأتي إلينا ويساعد أبي في أعماله هل أصبح الآن غريباً؟ ما الذي فعله؟


قالت الام: تذكري وعدك لي، سأخبرك لكن ليس الآن.

قاطع حديثهم صوت كمال وهو يقول لأحد العمال: هيا أسرع ضعوا جميع الامتعة في سيارة، أريد الدخول لمنزلي.


عقدت عبير حاجبيها بعد ما سمعت تلك الكلمة ولم تفهم ما يعني فقالت لأمها: بيته؟ متى أصبح البيت ملك للعم كمال؟

لم تجب الأم وكأنها لم تسمع حتى وقالت: هيا لنكمل عملنا، لدينا الكثير لنفعله.

وهنا بدأت تشعر عبير بأن ما يحدث وراءه العم كمال، وربما خروجهم من البيت وحتى وفاة والدها أيضاً.


بالعودة لروان ونادية فقد عزمتا على أن يجعلن خطة ميس و أمجد تتغير في اليوم الذي قد يحدث فيه ما تم تخطيطه.

قالت روان: في غالب الظن بأن غدا سيقومون يما خططوا.

قالت لها نادية: أظن هذا لأن السيدة عبير طلبت حدوث الأمر بأسرع وقت ممكن.

فكرت روان قليلا ثم قالت: يجب أن نغير جدول أعمالهم بالكامل وأن نذهب بهم إلى أمكان لم يذهبوا لها.

ردت نادية معك حق سيكون صعب التوقع هكذا وفي الوقت ذاته يكونوا في مأمن، واذا وجدنا نحن أيضاً لن يجرؤ على الاقتراب.


فقالت روان سأتصل على ميس الآن وارى ما لديها ونجهز للانطلاق في رحلة لسفح الجبل وسنبات هناك إن استطعنا.


قالت نادية حسناً وأنا ساراقب أمي في حال تغير أي أمر سأخبرك به.


أجابت روان وأنا ساتصل بكي كي أخبرك على ما ذا اتفقت مع ميس وبما سنفعل في الغد.


وعلى الفور بدلت روان اتصالها وانتقلت للحديث مع ميس وبعد أن اطمئنت على حالها قالت لها: كيف حالك اليوم؟

ردت عليه ميس: بحال جيد لكنني أشعر بالضجر لا أدري لماذا ؟

قالت لها روان مستغلة تلك الفرصة دون أن تضيعها: هذا طبيعي، قأنت تقضين وقتك كله في البيت حتى أنك اهملتي زيارة المكتبة، ولم تعودي تخرجين للسير في الغابات كما كنت سابقاً.


تنهدت ميس وقالت: هل تعلمين أنا بأمس الحاجة لمثل هذه النشاطات، لكنني لا أريد اشعر بالكسل.


قالت لها روان وكأنها فكرة خطرت لها لتو: ما رايك أن تدعي أمجد ونذهب جميعاً لتخييم في سفح الجبل.


قالت ميس من تقصدين بجميعا؟ هل هناك أحد أخر

ردا روان: هناك فتاة تعرفت عليها منذ فترة قصيرة، اذا كنت لا تشائين لا مشكلة لا ادعوها.


فقالت ميس: يجب أن افكر إن كنت أود الذهاب أم لا أساس.

قالت روان هيا فكري فورا ولتوافقي لا خيار لك، أنا أيضا متحمسة وبهذه الرحلة نحل سوء الفهم الذي حدث مع أمجد.


فقالت ميس حسناً قبلت بهذا، لكن يجب أن نسأل أمجد.

ضحكت روان وقالت بنبرة فيها شيء من اللغز: لن يرفض طلب لك يا عزيزتي انا متأكدة.


قالت ميس بنبرة وكأنها فهمت ما أردته روان وقالت: روان كفي عن خيالاتك تلك. .

ضحكت روان وقالت: هيا اتصلي به فورا واخبريني إن وافق على الأمر.

قالت ميس لها: حسناً سأعود الاتصال بك حالا.


بينما كانت ميس تشعر بتردد هل تتصل به أم لا فهي لا تطيق رؤية أحد من رجال ولكنه مؤدب ومحترم يا يزعجها، لذا لا يمكنها أن ترفض قربه وهي مضطرة للقبول به موجود في حياتها في الوقت الحالي.

ثم عزمت الاتصال وسؤاله وهي تتمنى أن يرفض ولا تجتمع به لهذا الوقت الطويل، رن هاتفه طويل لكنه لم يجيب.

فشعرت ميس بالاستياء ولم تكن أن لا يرد على مكالمتها، لكنها لا تريد أن تسمع صوته.

ثم تأففت من نفسها فهي ذاتها لا تعلم ماذا تريد وبما يجول في خاطرها.

وبعض بضع دقائق وجدت هاتفها يرن واذا به أمجد، فردت عليه بتلك النبرة التي اعتاد على سماعها وقالت له: لماذا لم تجب على مكالمتي؟

قال أمجد معتذراً: اعتذر منك يا ميس كان لدي عمل مهم عليي أن انهيه.

فسألته: ما هو عملك ذاك؟

أحرجته بذلك السؤال فهو لا يريد أن يخبرها بما يجري وما يفعل فقال: أمر يخص عائلتي، قولي لي لماذا اتصلت هل حدث خطب ما؟

لم يعجبها تهربه من الإجابة وقالت: اقترحت صديقتي روان عليي التخييم في الجبل وأن تكون موجود معنا إن كنت تريد هذا، لكن يمكنك الرفض إن لم تعجبك الفكرة هذا، لا تكون محرجا منا.


رد عليها أمجد: لم لا أحب هذه الأشياء ولم أجربها منذ زمن، دعيني احضر نفسي وأكون مستعد للانطلاق معكم.

فسألها: هل حددتم وقت للخروج؟

قالت له ميس: ليس بعد أجلنا قصة الموعد حتى نرى أن كنت ستذهب معنا أم لا.

قال أمجد انهي أشياء ترتبت عليي ونجمع ما قد نحتاج ثم ننطلق في رحلتنا أنا متحمس لهذه الرحلة.

يتبع _
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي