الفصل الرابع

سقطت تلك العصا على رأس تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، لم تشعر ميس بنفسها فقد سقطت على الأرض مغشياً عليها، بدون حركة وكأنها جثة هامدة وكأن رصاصة طائشة استقرت في جانب رأسها الأيمن، اغلقت عيناها معلنة غيابها عن كل ما يدور حولها، لم يكترث رائد للحالة التي وصلت اليها، لربما لأنه اعتاد ضربها حتى تفقد الوعي، وفي كل مرة يعود بعد أن يتركها لساعات وتكون قد نهضت من جديد، وهذه المرة أيضاً تركها وحدها في الغرفة مرمية على الأرض كقطعة من القماش البالية.

كما هي العادة خرج من المنزل ظنا منه بأنها سوف تستيقظ وحدها، كما تنهض في كل مرة تضرب فيها من زوجها، لكن ما لم يدركه رائد بأن ميس أصبحت في مكان أخر بعيد عن حياته.
لا يمكن التصديق بأن أحدهم سبقنا إلى المستقبل ثم عاد إلى حاضرنا، ليس هذا فقط بل جاء من أجل تغير المستقبل بقرارات جاءت من الماضي، ولايعلمها إلا هو ولن يفهم أحدهم ما يدور في رأسه.

في مكان مظلم على سرير خشبي فتحت ميس عيناها، لم يكن قد عاد الوعي إليها بعد، في النظرة الأولى وقع نظرها على تلك النافذة الكبيرة وعلى جانبيها ستائر باللون الوردي.

ثم جلست في سريرها تحدق حولها لبعض دقائق، تتأمل المكان وتفاصيله هندسة الجدران والرسومات المعلقة في كل مكان، وفي تلك الزاوية قرب النافذة كانت غرسة من زهرة النرجس الفواحة والتي طالما أحبت زهورها البيضاء.

نظرت نحو الأعلى قليل كانت الساعة تشير إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، سألت نفسها: أين أنا؟ ما هذا المكان؟ لا يشبه بيتي أبدا.

للوهلة الأولى ظنت نفسها في حلم ولم يكن شعورها جيدا أبدا، قررت على إثرها أن تعود للنوم مرة أخرى، لعل الصباح يعود بالحال الذي كانت عليه قبل هذا، أي حال أريد؟ سألت ميس نفسها وهي في حيرة من أمرها.

تمددت ميس في سريرها مرة أخرى، شعورها متقلب مضطرب لم تكن على ما يرام وكانت تشعر بأن أمر ما قد حدث لكنها لم تدرك ما هو؛ كثير من الأمور التي تشغل تفكيرها، إلا أنها لم تستطيع مقاومة سلطان النوم واستغرقت بثبات عميق خلال دقائق معدودة من شدة التعب والوهن في جسدها.

تسللت حبال النور من شمس الدافئة إلى وجه ميس تداعب وجنتيها وكأنها طفلتها، شعرت بالدفء فا استيقظت إلا أنها مازالت تشعر بالنعاس، تتثاءب وتشد يديها نحو الأعلى، فركت عيناها بكلتا يديها في محاولة منها لكي تستعيد نشاطها.

لم تفكر في شيء سوى النهوض مسرعة كي تحضر الفطور لزوجها قبل أن يبدأ بالتذمر المعتاد صباحاً.

وما أن نهضت نحو الباب كانت حتى لاحظت شيء غريب، هذه ليست غرفتها مع زوجها وهي تقول: هذه ليست غرفتي.
الأشياء مرتبة بطريقة مختلفة، لكنه مكان مألوف لها، وقفت في وسط الغرفة متمركزة في مكانها، تتحرك بهدوء واستغراب تدور حول نفسها، تتأمل المكان.

"أين أنا!" كان أول ما نطقت به تسأل ميس نفسها، "هذا ليس بيت مع زوجي، لكنني أعرف هذا المكان جيدا"، شد انتباهها خزانة الملابس أقترب لترى ما فيها، فساتين ملونة بقصات مختلفة، تشبه التي كانت ترتديها في الماضي وهي تحب تلك التصاميم، وهي كانت قد صممت بعضها.

لاحظت في قاع الخزانة ذاك الحذاء الاسود الجلدي، إنه حذائها الذي اعجابها واشترته لها أمها منذ سنوات.

وهناك درج مفتوح يظهر منه بعض الأوراق، بهدوء وحذر سارت نحوه، ثم فتحته بتريث فظهرت لها مجموعة من الروايات التي اشترتها كي تقرأها قبل النوم كما اعتادت، أمسكت واحدة منها كانت تحمل عنوان (ملاذي) فقالت ميس لنفسها: ومن يكون الملاذ؟ هل بقى أحد ألوذ له؟ لا ملجئ لي من ذلك..، ثم عادت لصمتها قليلاً وهي تحاول التفكير والتذكر وكأنها أضاعت شئ ما.

بينما هي تتأمل تلك الروايات لاحظت نفسها في المرآة، هنا بدأ الريب يسكن قلبها ويتمكن من أوصالها، تتحسس ملامح وجهها كيف تبدو! لقد كان شعرها الطويل بلونه البني الفاتح قد عاد.

خافت ميس من كل هذا التغير الذي طرأ عليها كيف تقلبت الأحوال ثم قالت لنفسها تحدثها في تلك المرأة: هل هذه أنا! اختفت تلك الندبة( كان لها أثراً في جانب خدها الأيمن لضربة تلقتها من زوجها رائد في أحدى المرات).

لم يكن هذا فقط ما أثار دهشتها بل أيضاً تلك الصورة التي عقلت على الحائط، كانت تجمعها مع أمها وأبيها، رغم أنها على يقين بأن رائد قد مزقها أمام عينيها كي يحرمها من أخر تذكر لها مع والديها، وهي الصورة الوحيدة التي كانت بحوزتها.

في تلك الأثناء تذكرت بأن هذه هي غرفتها في بيت جدتها قبل أن تتزوج، لكن الغريب في الأمر كيف وصلت إلى هنا! من أحضرها! ماذا عن كل الأشياء التي عادت كما كانت قبل سنوات رغم مضي وقت طويل عليها.

قاطع أفكارها المتراكمة ذلك الصوت القادم من الغرفة المجاورة، بالكاد يسمع شخص ما يناديها: ميس! هل استيقظتِ يا صغيرتي!

تراجعت للخلف قليلا بخطوات مترددة وقالت: جدتي! هل كان ما سمعته صوتها، تلتفت حولها غير مدرك لما يحدث لم تستطع فهم الأمر بعد.

هزت رأسها ثم أمسكته بكلتا يديها تقول: من المؤكد أنك قد جننتي يا فتاة.

لكن النداء تكرر مرة ثانية شخص ما يناديها: ميس تعالي إلى هنا يا حلوتي، كان مؤكد لها بأنها حقيقة وليست أضغاث احلام كما تظن.

تمالكت ميس نفسها ثم قررت جمع قوتها للذهاب إلى هناك؛ لترى مالذي يحدث أين هي! هل أن شيء ما قد حدث وهي لا تعرفه! أما أنها كانت تعيش حلم واستيقظت.

حاولت أن تكون طبيعية بالقدر الذي تستطيع وتتصرف وكأنه صباح يوم عادي حتى تتأكد من ذلك الاحساس القابع داخلها.

خرجت من غرفتها نحو غرفة جدتها، واذا بها كانت تجلس وتنسج ملابساً من الصوف للأطفال بتلك الألوان الشتوية الجميلة الدافئة، ثم تقدمها هدية العوائل المحتاجة كما اعتادت ان تفعل دائما.

وبينما ميس واقفة عند الباب، كانت تراقب كل مايحدث، وتشاهد ترتيب الاشياء وجمال المكان الذي يعطيها شعوراً بالراحة قد افتقدته، والأمان الذي تبحث عنه في زوايا حياتها من البغيض زوجها.

وكانت قد استغرقت بشعور الحنين حتى شرد ذهنها، غارقة في ذكرياتها الجميلة الهانئة.

لاحظت الجدة أمينة وقوف ميس عند الباب فقالت لها: ألن تدخلي يا صغيرتي! منذ مدة وأنا أنادي عليك، هل كنت نائمة إلى الآن؟ أما أنه دلع الفتيات؟

نفضت عن وجهها غبار الدهشة وقالت ميس مجيبة جدتها: أجل يا جدتي كنت نائمة، لقد غطيت في نوم عميق هذه الليلة لا أدري ما سبب لربما كنت متعبة، أو أن النوم قد فاتني منذ أيام.

أشارت الجدة بيدها حيث كان الدواء والماء على الطاولة، اقتربت ميس تعطي جدتها ما أردت، ثم جلست قربها تمسك يدها كأنها تتأكد أن كانت حقيقية أم مجرد خيال.

لاحظت الجدة غرابة تصرفات حفيدتها فسألتها: هل انت بخير يا ميس؟
أومأت برأسها أنها كذلك، لم تقتنع الجدة بهذا فوضعت يدها على جبهة حفيدتها لتطمئن بأن لا حرارة مرتفعة لديها ( كما اعتادت أن تفعل مع ابنتها منذ صغرها).

ابتسمت بلطف في وجه ميس وقالت لها: ألن تعدي لي الفطور قبل ذهابك إلى الجامعة؟

زادت الحيرة والضبابية في عين الفتاة المشتتة تسأل نفسها: "عن أي جامعة تتحدث جدتي؟ أنا تركتها منذ أن تزوجت ذاك الشخص"، ثم تنهدت من كثرة التخبط في رأسها، "ماذا يجري؟".

هناك حلقة مفقودة يجب أن تجدها حتى تعود الأمور كما تعرفها، أو كي تدرك ما حدث بعد تلك الضربة التي تلقتها على رأسها، "ضربة!" قامت بسرعة من مكانها تاركة جدتها لا تفهم سبب كل هذه التصرفات المريبة.

شعرت ميس بألم في رأسها وكأن صور غريبة مشوشة تمر أمام عينها، لا تدري ما هذا أو كيف تصفه، إلا أن الأمر كل مزعجاً لها، ولا تدري هل تحدث به جدتها أم تبقي الأمر لنفسها.

عادت إلى غرفتها حيث كانت المرآة ونظرت تبحث عن أثر الجرح، قلبت شعرها بحث في مقدمة رأسها بشكل كامل لكنها لم تجد شيء، هل يعقل أن لا يكون أثر لما حدث! الضربة كانت قوية جدا، من المحال أن لا يكون لها أثر.

تأففت ميس بعد أن ضاقت ذرعا من هذه الحالة التي لا تفهم منها شيء، قاطع شتاتها صوت رنين وكأنها مكالمة أو أن أحد يتصل، لمن يكون هذا الهاتف المحمول فهي لا تملك واحد فقد منعها رائد من هذا.

بحثت عن مصدر الصوت حتى وجدت ذلك الهاتف، أخرجته من جيب بنطال معلقاً خلف الباب، نظرت لترى اسم المتصل إنها روان.

بقيت تتأمل الاسم لعدة ثوان حتى انتهت المكالمة دون أن تجيب، ثم سقطت ميس على كرسي قريب تقول: يا الهي كيف هذا! روان لم أحدثها منذ زمان يقارب السنوات، كيف استطاعت إيجادي!

ثم عاد الهاتف إلى الرنين مرة أخرى واذا هي روان مرة ثانية تعيد الاتصال، فعزمت ميس أن تجيب لعلها تسمع منها ما يبدد حيرتها.

أجابت بهدوء قائلة: الو!

واذا بها تسمع صوت صديقتها روان تتكلم بحماس شديد: أين أنت يا فتاة هل مازلتي نائمة؟

لم تتفوه ميس بشيء، فأكملت روان كلامها: هل أكل القط لسانك الطويل؟

ثم ضحكت من أعماق قلبها لتقول في نفسها: "كم اشتقت لك يا صديقة الطفولة، لم يكن اختياري الابتعاد عنك بل أرغمت على هذا".

بدأ التذمر في صوت روان وهي تقول لها: هل سيدوم صمتك طويلاً؟ ألن تجيبي بشئ؟

غرقت عينا ميس بالدموع تأثرا على ما يحدث، كل شيء يبدو كأنه عاد إلى سابق عهده، كم كانت تحيا قبل زواجها من ذاك المجنون.

ثم قررت أن تجيب صديقتها: ما سر كل هذا الحماس يا روان؟

تأففت روان من برود صديقتها ثم قالت: هل أضعت عقلك وأنت نائمة؟ أم أن لص سرقه ولم تشعري بهذا؟

حاولت ميس أن تتصرف بشكل طبيعي فقالت: قولي الآن ما لديك فا أنا مرهقة من ليلة الأمس وأشعر ببعض الصداع.

فقالت روان متأففة من برود صديقتها: ألم نتفق في الأمس على الذهاب إلى مكتبة الجامعة للبحث في المعلاقات الشعرية.

ضربت ميس رأسها مدعية نسيان ذلك وقالت: أجل نسيت، غاب الامر عن بالي بشكل نهائي، وكأنه لم يحدث

أسرعت روان بالقول مقاطعة كلام ميس: هيا تجهزي وتعالي بسرعة، لا تدعيني انتظر لوقت طويل.

ثم أغلقت الصديقتان الهاتف، فعادت ميس لذلك الشتات والفراغ الذي تشعر به مع الكثير من الريبة.

إلى ان وقعت عينها على ما زاد حيرتها، بعد ان خطر لها معرفة تاريخ اليوم، حين بحثت عن التاريخ في جوالها وتأكدت كانت الصدمة الكبيرة؛ أنه السابع من شهر آذار لم يكن الأمر مقضيا هنا بل أنه سنة ألفين وخمسة عشر، لا يعقل ان يكون هذا الهاتف غبي رمته ميس على السرير ثم ذهبت تعد لجدتها الفطور.

تفاصيل البيت مليئة بذكريات جميلة عاشتها مع عائلتها، المطبخ والمكتبة، حتى الحديقة عادت كما كانت وبدأت الأزهار تتفتح معلنة بداية الربيع، ليس في الحديقة فقط بل أيضا لحياة جديدة سيتغير معها الكثير.

الأمر خارج عن المألوف لم تسأل الجدة عن رائد، استغربت هذا أيضا رغم أنها تحبه وترى فيه إنسان نبيل شهم في كل الظروف، ولم تعلم أنه يخفي عنها جانبه المظلم، "اه جدتي لو أنك تعلمين ما يحدث معي".

تناولت ميس مع جدتها الفطور ثم قررت الذهاب لمقابلة صديقتها روان فهي مشتاقة لها؛ لم تراها منذ مدة طويلة، لديها الكثير من الكلام لتخبرها به وتقوله لها.

عادت إلى غرفتها للاستعداد من أجل الانطلاق في مغامرة تغير من حياتها الكثير، لبست عباءتها السوداء مع نظارات شمسية غطت فيها سحر عينيها، رغم الحزن الذي يسكن فيهما.

ثم وقفت تحدق لنفسها في المرأة وهي تقول: سوف أغير من أجلك الكثير، أعدك بأن تكوني الأفضل دائما ولن أسمح لأحد أن يؤلم هذه الروح مجددا، سأصنع من اللا شيء مستحيلاً يفوق الظنون.

ثم انطلقت خارجة من البيت بعد أن ودعت جدتها وقبلت يداها، وامطرتها الجدة أمينة بوابل من الدعاء لها بالتوفيق والسعادة في كل خطوة.

كانت ميس تشعر بأنها ملكة هذا الوقت، وكأن الحياة منحتها فرصة أخرى لتعيد قراءة أفكارها ولا تخطئ، هذه المرة الأمور واضحة لها وكل الأوراق مكشوفة والقادم أكثر دهشة مما مضى.

تمشي في الأزقة الضيقة تتأمل الجدران ورسومات الاطفال عليها، تلك الحديقة التي كانت تلعب فيها عندما كانت في الخامسة من عمرها، وهذا( الدكان) المتجر الصغير الذي كانت تشتري منه حلوياتها المفضلة.

وقفت عند ذلك الرجل العجوز وقالت له: كيف حالك يا عمي؟
نظر الرجل الكهل إليها يحدق مليا بسبب ضعف نظره ثم قال: أهلا، من أنت لم أعرفك يا ابنتي؟

ابتسمت بلطف له وقالت: أريد شوكلاتة بالبندق.
ضحك الرجل العجوز وقال لها: ميمي هل هذه أنت؟

غمرت السعادة قلبها بعد أن تذكرها وقالت له: نعم أنها أنا خشيت أن لا تعرفني.

قهقه الرجل من كلامها وقال: كيف يمكن لي أن انسى أجمل فتاة في الحي.
هذا الرجل هو صاحب المتجر الصغير ويعرفها منذ أن خطت أول مرة تمشي وذهبت إلى دكانه تأكل الشوكلاتة مع البندق.

فأعطاها ما تريد وشكرته ثم أكملت طريقها، تلألأت عيناها بقطرات من الدموع وهي تحارب تلك المشاعر المتخبطة، "هل أنا سعيدة؟ أما أنني أحلم؟ أخشى أن أندم مرة أخرى"

ساقتها قدماها نحو وجهتها حتى وصلت إلى حديقة الجامعة، قررت الاتصال بصديقتها روان تسألها اين هيا.

أجابتها روان: الو
ميس: لقد وصلت إلى حديقة الجامعة أين أنت؟
روان حسناً ابقي حيث أنت وأنا قادمة إليك لن أتأخر.
أغلقت ميس الهاتف وهي تراقب كل الاتجاهات حتى ترى من أين ستخرج روان؟

لم ترها منذ مدة ويغمرها الشوق لها، كيف يمكن أن تخفيه؟!، لم تمضي سوى بعض الدقائق حتى شعرت بأحدهم قد وضع كفيه مغلقا عيناها، شعرت بقليل من الخوف وهي تلمس تلك اليدين تحاول معرفة من يكون هذا؟

فقالت ميس وهي تحاول التخمين: روان! كفي عن هذا، أعرف حركاتك السخيفة هذه.
أمسكت تلك اليد تتحسسها، كانت كبيرة الحجم، جافة الملمس، ولم يكن خفي الشعر الطويل عليها، مما أثار الريبة في قلبها.

ثم حاولت إزاحة تلك اليد عن عيناها، وما أن فتحتها مرة أخرى حتى رأته لقد كان هو.

صرخت ميس بشكل تلقائي خائفة مذعورة: ماذا تظن نفسك فاعلاً؟

تلعثمت كلماته لم يدري ماذا يقول: لما كل هذا الغضب؟ الأمر لا يستحق، لم أفعل لك شيء.
لم يعجبها ما قاله لها بل بدأ الغضب متربع على وجهها وهي تشتعل لمجرد رؤيته أمامها.

لم ترد عليه أبدا بل تركته خلفها وأسرعت تمشي مبتعدة عن مكان تواجده، لا تدري إلى أين لكن ليس حيث يوجد هو، لا تريد أن تكون بقربه مهما حدث ولا لأي ظرف كان.

وهي تمشي مسرعة لاحظت ميس وصول صديقتها روان من الجهة ذاتها التي تقصدها، لما رأتها ركضت نحوها وكأنها اجتمعت مع أخته او لربما أمها، عانقتها بقوة وشدتها إليها لم تكن لتترك عناقها، وقد قطرت من عيناها دموع الخوف والرعب.

لم تكن روان مدركة ما في الأمر، ولا سبب ذلك الشوق الخفي بين أحضان ميس ودموعها، لكنها كانت على يقين بأن صديقتها متخمة بالأوجاع والهموم.

بادلتها العناق أيضا إلا أن ميس أطالته كثير حتى قالت لها روان ممازحة: هذا عنقي أريده، أم أنك تودين الحصول عليه أنه يلزمني.

هنا ضحكت ميس من الكلام الذي سمعته وتركت عنق روان وانهالت عليها بالاسئلة عن حالها وعن أهلها ودراستها، الأمر زاد غربة بالنسبة لروان حين قالت لها: كيف حالها أخت رندة؟

ضحكت روان مستهزئة وسألتها: هل تسخرين مني يا فتاة؟ ما بك هل نسيتي لقد كنا بالأمس معا في حفل زفاف لأحد أقاربنا، وجلست مع رندة وتحدثتم طوال الوقت.

شعرت ميس بأنها كالبلهاء، ماذا ستخبر صديقتها! فقالت لها: لم أراك منذ زمن.

ردت روان ساخرة منها: نعم منذ الأمس لم تريني.

ابتسمت ابتسامة صفراء ثم قالت لها صديقتها: كلامك صحيح، لكن شعرت بأنني افتقدك جدا.

نظرت إليها روان بخبث وسألتها: هل افتقدتني بحضرة وجود حبيب القلب؟ لا يمكن لي أن أصدق هذا يستحيل أن يحدث.

لم تفهم ميس ما تعنيه صديقتها قالت لها: ما قصدك بهذا؟ منذ متى وأنا لدي حبيب قلب؟ من أين ظهر؟


ضربت روان على رأسها و قالت بغضب: ما بك اليوم وكأنك لم تكوني معنا الأمس بل جئت من مكان أخر؟ ارجوك حاولي تذكر ما حدث أمس وعن أي أمر تكلمنا.

شردت ميس في خيالها تعيد ذكرياتها تبحث عن ما كانت تعنيه روان؛ لعلها تساعد نفسها بالخروج من هذا المأزق.


يتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي