الفصل السادس عشر

لا تسير الأقدار دائما كما نتمنى، هذا لا يعني للاستسلام والوقوف عاجزين لما يحدث، الجدير بنا أن نسعى لنصنع لأنفسنا فرصة من كل أمر يحدث حولنا.

فا في كل مشكلة أفق جديد للحياة، من بين شقوق القهر والحزن تزهر الورود لتضفي على الدنيا الجمال.

أمضى أمجد ليلته على شرفة منزله الصغيرة وبالكاد تتسع لشخصين على أكبر تقدير، يراقب الطريق الواصل إلى الشارع العام وقد شغل موسيقا التي يحبها ويسمعها طوال الوقت.


لم يكن التدخين من عادته لكن لا أعلم ما هو الرابط العجيب بين القلق والتدخين، فقد أحضر معه علبة سجائر من الدكان وهو في طريق عودته تلك الليلة.


لم تغادر السجارة فاه طوال الوقت، افكار تذهب به وأخرى تعيده إلى مكانه، إلا أن أشرقت الشمس معلنة بداية يوم جديد ومهم للجميع.


كان ينتظر انتشار الناس في طريق، حتى يخرج هو أيضاً فهو يترقب الاخبار والصحافة، امسك سيجارته الأخيرة ثم قام بتشغيلها وخرج من منزله مسرعاً إلى بقالية العم أبو علي كي يرى إن وصلت الجرائد.

كان العم أبو علي يرتب بعض الخضار والفواكه التي وصلت إلى دكانه، و يسمع ما تيسر من القرآن الكريم، وقرأ دعاء الرزق لأنه اعتاد على الأمر منذ زمن والده.

قال أمجد: صباح الخير يا عم أبو علي.

نظر له الرجل وحدق به لبرهة فقال له: وصباحك خير يا بني، ما هذه الحالة التي تبدو عليك؟

رد عليه أمجد برتباك وقال: ما هي حالتي يا عم؟

ضحك أبو علي وقال: يبدو لي أنك لم تنم ليلتك هذه.

دس أمجد يده في شعره وهو يحاول تشتيت وجهه عن عيني أبو علي، وكان يبحث في عينه عن الجرائد والمكان الذي اعتاد ان يجدها فيها كل يوم إلا أنه لم يجد شيئا.

مما جعله يسأل أبو علي قائلا: كأن صحف اليوم لم تصل بعد؟

رد عليه وهو يكمل عمله برش جرز البقدونس بالماء، وقال أبو علي له: لا لم تصل بعد لكن لن تتاخر كثير، سيصل المسؤول عن توزيع في أي وقت، لكن لما تسأل؟

أجابه أمجد: مكانهم الفارغ جعلني انتبه إلى الأمر لا أكثر.

سأله ابو علي: وانت ماذا تريد يا أمجد؟

تلعثم أمجد قليلاً فهو لم يحضر نفسه للإجابة، وقال ما خطر له فوراً: كنت أشعر بالنشاط وقلت دعني أمشي في هذا الجو اللطيف لعلي اشعر بمزيد من الطاقة.


وهنا دعاه أبو علي لشرب القهوة معه قبل أن يكمل مشواره الذي يريد، ولم يضيع أمجد تلك الفرصة ووافق على الفور، وقال أمجد: كيف لي أن ارفض عرضا كهذا لشرب القهوة معك يا عم، فأنا دائما اشرب قهوتي بمفردي.

ضحك أبو علي وغمز أمجد قائلا: عندما تجد لنفسك زوجة لن تبقى بمفردك، صدقني ستكون القهوة بطعم مختلف ولن تأتي لتشربها معي.

ضحك أمجد لمزحة ابو علي وقال: لست بهذا السوء يا عم.

قال أبو علي: الأيام قادمة وانا أرى واراقب ما سيحدث.


ضحك الرجلين بصوت عال على تلك الافكار، ودخل أبو علي يعد القهوة بينما جلس امجد على الكرسي بجانب الحائط، وهو مترقب لوصول موزع الجرائد.

بالعودة إلى بيت ميس، ألقت روان التحية على الحاضرين، وهي تبحث عن الحلوى التي احضرتها معها عبير من أجل ميس.

جلسوا جميعاً يشربنا القهوة ويتسامرن، وعند ما همت ميس تمسك تلك القطعة لتاكلها، قال روان مسرعة كي تتدارك الموقف: دعينا ندخل نكمل قهوتنا في غرفتك، ونترك جدتك مع السيدة عبير.

قالت أمينة لها: ابقين هنا يا فتيات.

ردت عليها روان: لا نريد أن نززعجكم بأحاديثنا عن الجاكعة وغيرها.

تدخلت عبير وقالت: دعي الفتيات يفعلن ما يحلو لهن لا مشكلة في ذلك.

ابتسمت روان ابتسامة مصطنعة في وجه عببر وقالت: لدينا ما نقوم به أيضاً.

وهنا دخلت ميس على خط الحوار لتحسم الأمر فقالت لصديقتها روان: هيا بنا إذن، دعينا ندخل إلى غرفتي.

نهضت روان وهي تحمل فنجان قهوتها، وامسكت تلك التي كادت ميس ان تأكلها، وهي تتبع ميس في خطواتها، وما إن وصلت إلى باب الغرفة حتى رمتها من يدها بشكل متعمد ومقصود.

صدح صوت تلك العلبة في البيت وسمعه الجميع.

التفت ميس إليها لترى ما الذي حصل، فوجدت قطعة الحلوى قد تفتت إلى عدة أجزاء وتبعثرت في أرجاء المكان.


فأسرعت روان بالقول: انا آسفة لا أدري كيف سقطت من يدي.

هونت عليها ميس الأمر وقالت: لا عليك يا عزيزتي، ادخلي إلى الغرفة وانا سأقوم بتنظيف المكان ثم أعود إليك.

ردت عليها روان مكررة أسفها وقالت: أرجوك اعذريني.

قالت ميس: الأمر ليس بهذا السوء لا تقلقي، ارجو ان تكون هذه اسوء المصائب.

ثم دخلت روان إلى الغرفة وهي سعيدة بما قامت به، بينما اتجهت ميس إلى المطبخ مروراً بمكان وجود جدتها وعبير.

فسألتها عبير متطفلة: ما الذي حدث يا ميس؟ ما سبب هذا الصوت؟

أجابتها ميس ساخرة: علبتك الجميلة وقعت على الأرض.

شهقت عبير ولم تستطع ضبط تضرفاتها فسألت: هل كُبت الحلوى؟

فأجابتها ميس بمكر وخداع: وتفتت إلى أجزاء وكأنها حبات رمال، عن إذنك سأذهب لجمع تلك النفايات عن الأرض.

واكملت ميس وجهتها، بينما انقلب حال عبير كثيراً فثد فشلت في خطتها التي كانت تحاول من خلالها إيقاع الفتاة في حب ابنها الاخرق.

لاحظت أمينة الأمر فسألتها، وقالت لعبير: ولما كل هذا الانزعاج يحدث مثل هذا الأمر في كل مكان.

ابتسمت عبير ابتسامتها الماكرة، وقالت مبررة لنفسها: لقد كنت أود التقرب من ميس وهذا كل ما في الأمر، بتأكيد سأعوض ما حدث لا مشكلة لي ذلك.

ثم نهضت من مكانها وهي تتشكر السيدة أمينة على استقبالها بدون موعد مسبق واكملت قائلة: كنت سعيدة بلقائك، اعتذر أن كان حضوري فضولي وفي غير وقته.

قالت أمينة: لا مشكلة يمكنك المجيىء في أي وقت تشائين، لا داعي لتكلف كثير في ما بيننا.

وخرجت عبير مودعة أمينة، وما إن أغلقت الباب خلفها حتى بدأت تشتم وتقذف ميس وجدتها بأقبح العبارات وأسوأ الألفاظ.

حتى وصلت لابنها الذي كان ما زال جالساً في سيارة ينتظرها، وهو يقلب في راديو السيارة.

صعدت بجانبه وهي مازالت ترشق سم كلماتها هنا وهناك، لم يفهم رائد الأمر او ما الذي حدث حتى عادت أمه بتلك الحالة.

فقال لها يحاول الفهم: ما الذي جرى يا أمي؟ هل ازعجك أحد في الداخل؟

لفت نفسها نحوه وأمسكته من ياقة قميصه وشدته إليها وقالت وهي مقفلة أسنانها دون أن تجعل بينهما لو فرجة صغيرة وقالت: ستجعل ميس عملك اليومي، لا اريد منك فعل أي شيء، إلا ان تظهر أمامها في مل مكان تذهب إليه.

فقال لها لتخفف من غضبها: أمرك مجاب يا أمي، كما تشائين.

سألته مأكدة على كلامها: هل فهمت ما أقوله؟

أومى لها برأسه، فدفعته بعيداً عنها، وهي تقول: لا ينفع بشئ تشبه والدك حتى في غبائك.


ثم سألها: ماذا أفعل الآن؟قالت له وهي تنظر من نافذة السيارة إلى الطريق: اوصلني إلى البيت لا أرغب في العمل اليوم.

لم ينطق بأي كلمة، إنما اشغل سيارتها وسار بدون المزيد من الشد مع أمه، وهو يفكر كيف له أن يرضيها، فهي لا يعجبها شيء.

في غرفة ميس حيث كانت قد عادت إلى صديقتها بعد ما انتهت من تنظيف الارض، جلستا معنا يتبادلنا أطراف الحديث ويحكين بعض الأخبار.


فخطر في بال روان ما طلبته ميس منها، في الأمس فسألت صديقتها وقالت: هل ذهبتي إلى مبنى البلدية؟

هزت ميس رأسها وقالت: نعم فعلت.

أضافت روان: وما هو سبب إصرارك على الذهاب إلى هناك؟

صمتت ميس لبرهة وهي تفكر هل تخبر روان بما يجري وما تنوي فعله أو تكتم سرها لنفسها؟

في لحظة ما لمعت لها فكرة أخرى، فقالت لها: بصراحة ولن أخفي عنك شيء.

شعرت روان بالريبة، وأن الأمر مهم حقاً فسألت: انطقي هذه الجوهرة وأخبريني، أكاد أموت من فضولي.

ضحكت ميس وقالت: هل تذكرين حين ما كنا في الامؤتمر وذهبت إلى الحمام؟

أومت رأسها روان بالايجاب وقالت بنبرة متذمرة: أيه؟

خبأت ميس وجهها بين يديها وقالت: صادفت أحدهم وأنا في طريقي إلى هناك.

قاطعتها روان تسألها: هل كان رائد من رأيته؟

غابت السعادة عن وجه ميس وقالت لها بفجاجة: ومنذ متى يسعدني رؤية ذلك الرجل؟

روان: حسناً، أكملي من كان ذلك الشخص؟

عاد الخجل إلى وجه ميس وقالت: لا أعلم من هو يالضبط، إلا أن إسمه أمجد وهو يدرس في جامعتنا.

نظرت روان بعيداً وهي تردد ذلك الإسم: أمجد؟ أمجد؟ من هذا لا أذكر انني سمعت به.

ثم قالت: وما دخل أمجد بسعادتك هذه لم أفهم بعد.

لم تجب ميس بل كانت تدعي الحياء من الحديث عم يجول في خاطرها.

ابتسمت روان وكأنها اكتشفت الحقيقة وقالت: هل أعجبك ذلك الشاب؟

تنحنحت ميس وهي تحاول إخفاء إجابتها، فقالت ارجوك لا تحرجيني يا روان.

سألت روان: هل يمكنك وصفه؟ كيف يبدو؟ هل هو طويل أم متوسط؟

فقالت ميس: لا لا أريد دعك منه لنتحدث عن المشروع الآن.

قالت روان: لن أكف عن سؤالك حتى أعرف، هيا قولي.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي