الفصل الخامس عشر

كنت الجدة تنصت لحفيدتها وتراقب تعابير وجهها وما تخفي عنها، وهي تتأمل بهدوء دون أن تقول شئ وميس تقص عليها ما لديها من أخبار فقالت: لقد كنت في مبنى البلدية منذ أيام وهناك قابلت شخص عن طريقة الصدفة.

ثم صمتت تحاولت ترتيب أفكارها كي لا تقع بمأزق، وأكملت قائلة: جلسنا قليلاً وتحدثنا بأمور العمل، وطلب الحصول على رقمي بعد ما عرف أنني وهو ندرس في نفس الجامعة.

سكتت الجدة لبرهة من الزمن ثم قالت: هل أعرفه من قبل؟

قالت ميس: لا أظن ذلك.

سؤال أخر لدى الجدة: من تكون عائلته؟ وما إسمه؟

أجابتها ميس: علمت أن إسمه أمجد لكنني لم أسأل عن العائلة بعد .

قالت الجدة: حسناً، وماذا يريد هذا الشاب؟

ردت ميس: إنه لا يريد شيئا لكنني وددت إخبارك عنه، لقد كنت مرتاحة بالحديث معه، شعرت أنه إنسان لطيف، وقد عرض عليي المساعدة في مشروع التخرج من الجامعة وفي أي أمر آخر يصعب عليي القيام به.

وهما يتبادلان أطراف الحديث وتحاول الجدة فهم ما لدى ميس أكثر، رن جرس البيت، نظرت ميس وجدتها ببعضهما مستغربتين، من يكون هذا يا ترى؟ لا يأتي أحد في مثل هذا الوقت الباكر عادةً.

فطلبت الجدة من حفيدتها أن تسرع لتفتح الباب، وعلى الفور نهضت من مكانه مسرعة لترى من الطارق؟ وهنا كانت المفاجأة لقد رأت أكثر من تكره بعد رائد لقد كانت والدته السيدة عبير.

ما إن رأت تلك السيدة حتى تذكرت ذلك الموقف الذي كانت سببه هي، من ذكريات المستقبل القادم مر أمام عيني ميس.


عندما كانت تجلس مع رائد وأمه بعد أن أعدت لها طعام الغذاء بطريقة توافق وضعها الصحي فهي مريضة سكر ولا يناسبه جميع الأطعمة.

كانت عبير وابنه رائد يتحدثان عن أمر يخص العمل وبعض الأملاك وكيف يمكن لهما أن يستغلاها بطريقة صحيحة ومربحة أكثر.

إلا أنهما اختلافا في الأمر ولم يتفقا على صيغة محددة وكانت ميس تجلس معهما، وتسمع الحديث دون أن تتدخل إلا أنه لمع برأسها فكرة قد تجدي نفعاً، فقررت أن تخبرهما بما جال في خاطرها.

فقالت ميس: لدي فكرة لحل هذا الأمر بطريقة مرضية للطريفين.

فقالت عبير بنبرة ساخرة: وما هي اكتشافتك يا عبقرية العصر والزمان؟

لم تقف ميس عند تلك السخرية بل تجاوزتها حتى تثبت لها بأنها حقا عبقرية العصر والزمان فقالت ميس: يمكنكما أن تقوما بتقليل اليد العاملة و أن يكون الانتاج يدوي الصنع، وأن تكون الرواتب بعد عودة النتائج إلى المحال الخاصة بكما، والمال المتبقي يضاف لرأس المال لتحسين الجودة.

حاولت عبير أخفاء إعجابها بما قالته، وقهقهت بصوت عال وقالت لابنها رائد: هل سمعت بمقترح المفكرة زوجتك عليك أن تتعلم منها كيف يكبر رأس المال، يا صاحب الرأس الفارغ.

تلك الكلمات صبت الزيت على نار مما جعل رائد ينفجر غاضباً في وجه تلك المسكينة التي كانت تظن نفسها تساعدهم.

نهض من مكانه وهو يصرخ في وجه ميس ويقول: من تظنين نفسك يا هذه؟ هل هو مالك حتى تتدخلي؟ أم تحسبين نفسك من العائلة؟


وأمسك رأسها بينما هي جالسة على تلك الإسفنجة الرقيقة وبدأ يخبط رأسها بذلك الجدار الذي كانت تتكئ عليه.

سدد رأسها وكأنه كرة في شباك إسمنتية وأمه تشاهد ما يحدث ولم تتحرك من مكانها ابدا، وكل ما فعلته أنها قالت له: لا تجعلها تموت بين يديك أخشى عليك من ظلام السجون يا حبيب أمك، يكفيها ما نالته بسبب تدخلها.

لم يترك ذلك البغيض زوجته حتى رأها أغمضت عيناها، لم تكن قادرة على المقاومة أو دفاع عن نفسها حتى.

قالت السيدة عبير: يا فتاة؟ وهي تلوح بيدها بعد ما رأتها قد سرحت في خيالها.

عادت ميس من ذاكرتها التي سبقت كل ما قد يحصل معها، وابتسمت ابتسامة صفراء وقالت لسيدة عبير: تفضلي يا خالة، عذراً لقد غاب تركيزي قليلا.

دخلت عبير وهي تقول: أين السيدة أمينة لقد خطر لي أن أتي واشرب معها القهوة صباح اليوم لطيف ومنعش.

رحبت أمينة بضيفتها وقالت لها: أهلا بك، تفضلي بللجلوس.

ثم طلبت من ميس أن تحضر لضيفة فنجان كي تشرب القهوة معهم، وفعلت ميس ما طلبت منها جدتها، وهي تدرك بأن عبير هنا لأمر ما تحيك به جزء من خطتها القذرة.

ثم عادت إليهما وهي ترمي بنظرات جافة ودون أي تبرير لما تفعله.

سألت أمينة: لم أكن على علم بحضورك اليوم، هل كل الامور على ما يرام؟ و لم يسبق لك الحضور لذا أخف أن يكون قد وقع أمر ما.

تلعثمت عبير وقد فا جأتها أمينة بهذا السؤال فقالت: اه صحيح، لكنني كنت أشعر بالملل ولم أرغب بشرب القهوة وحدي في هذا اليوم لذا قررت المجيء إلى هنا.

كانت ميس تقرأ الكذب بعينيها، وتعلم المكائدة التي تجهزها لهم وما تفعل في الخفاء وهي تظن نفسها بأن لا احد يعلم.

بينما كانت ميس شاردة الذهن مع مخططات عبير، قاطعتها بكلمات معسولة وقالت: لقد نسيت أمر آخر، لقد حضرت بالأمس بعض الحلوى وأحضرت لكما بعض منها كي تتذواقها بجانب القهوة.


وأخرجت من حقيبتها علبة بلاستيكية مربعة الشكل بلون وردي رسم عليه بعض أشكال الكيك، أخرجت واحدة اعطتها للسيدة أمينة أما ثانية فقالت لميس: إنها لك ستعجبك حقاً تذوقيها.

ثم وضعتها أمامها على الطاولة في متناولة يديها، وهي تراقب وتنتظر اللحظة التي سوف تاكل ميس من تلك الحلوى المسمومة بالكره والحقد والكثير من الشرور التي تشبه عبير وقلبها الأسود.


إلا أن هناك أمر ما قد دمر مسعى عبير، رن هاتف ميس لوصول رسالة نصية لها وما إن فتحتها حتى رأت رسالة صديقتها روان تلقي تحية الصباح عليها وتسألها متى اللقاء بينهما؟

ردت ميس عليها تخبرها بأنها ستخرج من المنزل فور ذهاب السيدة عبير.

عندما علمت روان بوجود عبير في بيت صديقتها آثار الامر مخاوفها فقالت لها: عجبا لأمر تلك السيدة وما الذي أحضرها منذ الصباح؟

ضحكت ميس في رسالتها وقالت: ترغب بأن نقيم لها الحلوة التي أعدتها.

صدمت روان من هذا الخبر وتأكدت حينها من كلام نادية وبما تسعى إليه عبير وابنها رائد.

فقررت الاتصال بصديقتها فوراً، ردت عليها ميس: أهلاً يا روان.

ضحكت روان وقالت: هل ما زال لديك قهوة؟

أجابتها ميس: أحضر من أجلك دلة جديدة، هل ستأتين؟

أجابت روان بثقة: بتأكيد سوف آتي الآن.

ثم خطر لها أمر تشغل ميس به حتى تصل كي لا يحدث ما تخشاها فقالت: ميس هل يمكن لكي تجهيز مقدمة للخطاب الذي سوف القيه في حفل تخرج الطلاب ارجوك لا زلت مشتتة الفكر.

وافقت ميس على طلبها وقالت: سأفعل هذا عندما تصلين، لكنني بارعة اكثر مني في الكتابة.


قالت روان لها وقد بدأت ترتدي ملابسها وتستعد للخروج: لا لا أرجوك ابدئي التحضير ريثما أصل إليك في غضون دقائق فقط .

وعلى عجلة ارتدت روان ملابسها وخرجت مسرعة من البيت بعد ما أخبرت والدتها عن ذهابها إلى صديقتها.


أما رائد فكان ينتظر أمه خارج البيت في سيارته على مسافة قريبة يراقب الوضع العام للمكان وإن كان هناك أحد ما قريب.

وبينما انصرفت ميس في الأوراق التي طلبتها روان استغلت عبير الفرصة و سألت السيدة أمينة: هل تغير أي شيء في الموضوع المتفق عليه في ما بيننا؟

أومت لها امينة بالنفي وقالت: مازلت اراقبك مجهودك في الأمر لكنني لا أراه واظن أن الأمر ليس مهم لك كما اعتقدت في البداية.

قالت عبير نافية تلك الظنون التي لا تناسب ما تريد وقالت لها بصوت هامس: لا يا عزيزتي الأمر ليس كذلك، لكنني ابحث عن طريقة تحبها حفيدتك، يمكن من خلالها تقريب القلوب.

فقالت أمينة: كانت تحدثني ميس عن أحد الاشخاص الموجودين في الجامعة، في البداية ظننته ابنك رائد، لكنني اكتشفت في نهاية الحديث بأن شخص ما قد تحدث معها وكان لطيفاً أيضا.


هذا الكلام زاد من توتر عبير وارتباكها ولم يعجبها على الإطلاق وجود شخص آخر يزاحم ابنها على مكان في حياة ميس، وكانت تظن أيضاً أن الشخص الآخر يبحث عن إستقرار مادي وأن يكون مرتاح وميس هي الوسيلة لتحقيق الطموحات.


ولم ينقضي الكثير من الوقت حتى رن جرس الباب مرة اخرى في وقت قصير، خرجت ميس من غرفتها تركض مسرعة وتقول لجدتها، إنها روان أنا سأفتح الباب لا تقلقي.

رحبت الفتاة بصديقتها خير ترحيب ودعتها لدخول وشرب القهوة مع جدتها والضيفة فقالت روان: أكره تلك المرأة الخفاش.

ضحكت ميس وقالت: هل تقصدين عبير؟

اجابتها روان: ومن يكون غيرها، ترتدي ملابس سوداء ذات وبر ناعم وكأنها وطواط الليل.

ضحكت ميس بسعادة وقالت لها: لقد أعجبني هذا التشبيه.

فقالت روان: إنه يليق بها، لم أظلمها ابدا.

أومت ميس رأسها موافقة إياها الكلام ودخلتا معا إلى ذلك المكان الذي يجلسون فيه جميعاً.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي