الفصل الرابع عشر

غلب الخوف تلك الشجاعة وتراجع أمجد في اللحظة الاخيرة، وقرر أن يعود أدراجه وما إن لف ظهره وخطى عدة خطوات، لمعت برأسه عيني أمه الحزينة وتذكر الوعد مجدداً.

فعاد بخطوات ثابتة سريعة إلى حيث قصد وفي وجهته تحقيق المستحيل ليكمل بقية حياته مطمئن فهو يعلم بأن أفضل وسيلة لدفاع هي الهجوم وعدم الخوف من التهديد لأن التهديد سوف يزداد مع كل طلب يتم تحقيقه لتلك العصابة.


سأل ذلك الحارس الواقف عند الباب: أين مدير السجن؟

رد عليه الحارس بكبر ونبرة استعلاء: وماذا تريد منه؟

قال أمجد: لدي معلومات مهمة يجب عليي أن أخبره بها.

الحارس: عن ماذا تلك المعلومات؟

تلعثم أمجد وبدا عليه الارتباك وقال: إنه أمر سري وهو الوحيد المعني بالأمر لذا أود أن أصل إليه بسرعة، هل لك أن تساعدني؟

شعر الحارس بأن الأمر مهم كما كان يدعي أمجد، فقال له: يجب عليي أن أقوم بتفتيشك أولاً.

رد أمجد: حسناً، لا بأس.

طلب منه الحارس رفع يديه إلى الأعلى، وبدأ يطبطب على تلك الجيوب في بنطاله وهو يبحث عن أي شئ قد يكون خطير، إلا أنه لم يكن يحمل سوى ذلك الجوال البسيط لم يكن ذا قيمة حتى.

وما إن انتهى حتى قال الحارس له: يمكنك الدخول الآن على الجهة اليمين من المدخل تسأل من تصادف وسوف يصطحبونك للإدارة.

اكمل الشاب طريقه حيث دله ذلك الحارس، وبالفعل فور دخوله وجد شرطياً خلف مكتب صغير، وأخبره بذات الأمر، وألح على لقاء المدير المسؤول لقسم الشرطة وإدارة السجن.


رد عليه الشرطي الثاني: اتبعني لكن صدقني إن كان الأمر تافه ولا يستحق عناء ازعاج المدير ستبات ليلتك في ضيافتنا.

ابتلع أمجد ريقه، وهو يهز رأسه موافقاً على ما سمعه من كلام الشرطي.

ومضى يمشي خلفه على مهل وهو يسمع طرق خطواته على الأرض في ذلك الرواق الطويل، حتى أنه بدأ تسمع نبضات قلبه المتسارعة مع كل خطوة جديدة.


وصلا إلى ذلك الباب في نهاية الممر، أوقفه الشرطي وقال له: انتظرني هنا سأعود في غضون دقائق.

لم يتكلم أمجد بشئ بل بقي صامتاً، ووقف وهو يستند إلى ذلك الجدار يريح نفسه قليلا ريثما يعود الشرطي من الداخل.

ما هي إلا دقائق معدودة حتى عاد وقال له الشرطي: المدير ينتظرك الآن ادخل وقول ما لديك.

دخل أمجد ومع الشرطي، لم يكن يدرك ما يفعله أو كيف يلقي التحية لرجل مثل هذا فقال: احترامي سيدي.


رد المدير: لقد احترمتك، أخبرني الشرطي بأن هناك أمر مهم ومعلومات تفيدنا، قلي ماذا لديك يا..؟ ما هو اسمك؟

رد بسرعة قائلاً: أمجد، اسمي أمجد يا سيدي، وما وصلكم صحيح وصلت إلى أشياء يجب أن تعرفوا عنها.

لم يقل المدير شئ فقط قام با لإشارة له كي يبدأ بالحديث، إلى أن امجد نظر لذلك الشرطي فهو لا يرغب أن يسمعه أحد سوى المدير.


فهم ما أراده وقال للشرطي: يمكنك الخروج وإن احتجت شئ أنادي لك.

رد الشرطي: أمرك سيدي.

ثم خرج واغلق الباب من خلفه، فقال المدير: يمكنك الحديث الآن.

وبدأ أمجد يقص ما لديه من معلومات على مسامع ذلك المدير، لم يتحمل الجلوس في مكانه خلف المكتب، بل انتفض يسأله وهل لديك تسجيلات بهذا الكلام الذي قلته؟

رد أمجد مطأطا راسه وقال: في البداية كنت أنوي تنفيذ ما طلب إلي ولم أفكر في تسليم نفسي، لكنني تراحعت اليوم قبل ارتكاب الجريمة.

سأله المدير: هذا يعني أنك لا تملك دليل لبرائتك؟

أجابه أمجد: لدي تسجيل لآخر مكالمة بيننا، يأمرني بتنفيذ ما يرد وإلا ألقى نصيب ذلك الرجل_ أي تهديد بالقتل عوضاً عن الرجل الذي نجى_ .

طلب المدير أن يستمع إلى ذلك التسجيل، أخرج امجد هاتفه وقام بتشغيل المسجل.

وتأكد المدير من صحة ما قاله أمجد واعترافاته، فقال له: عليك أن تساعدنا.

تحمس أمجد ليساعد الشرطة ويكون معهم في هذه المهمة كي ينجو من قتل نفس، فقال: أنا جاهز بتأكيد سأفعل.

عاد المدير يجري بعض اتصالته ويخبر السلطات بتلك الأخبار، وأنه يحتاج مساعدة حتى يتمكن من إيقاع تلك العصابة في المصيدة.

وهذا ما حدث حقاً، وصلت إمدادات إلى المكان بالعدة والعتاد، وجاء محقق أخر إلى المكان وطلب الاجتماع بأمجد حتى يخبره عن دوره في هذه المهمة.

قال المحقق: سنقوم غدا بتمثيل وقوع الجريمة التي طلبت منك، وندع الأخبار أن تظهر في الجرائد كما يريدون.

أومى أمجد رأسه وقال: ثم ماذا؟

رد المحقق يكمل خطته: بتأكيد سيكون هناك طلبات اخرى من العصابة لك، علينا أن ننتظر مهمتك التالية.

سأل أمجد مستغرباً: ولما ندعي حدوث جريمة وننشرها؟

أجابه المحقق: كي لا تفقد ثقة العصابة بك، علينا ان نخدعهم حتى يستمروا بتواصل معك لتحقيق غاياتهم.

قال أمجد: أخشى على نفسي وعائلتي في هذه الفترة، لربما ينهون حياتي بدون طلبات جديدة.

فكر المحقق قليلاً ثم أجابه: ستكون تحت حمايتنا ورقابتنا، وسينقوم بوضع اشخاص من الشرطة في مكان قريب من بيتك.

ثم طلب منه الذهاب إلى بيته دون الخروج هذه الليلة، وأخبر عدد من العناصر بالاستعداد من أجل الخروج في مهمة سرية كما تم تدريبهم على مثل هذه المهام من قبل.

واتجهوا نحو المكان الذي فرض أنه مكان وقوع الجريمة وجهزوا بعض الاشياء ودمية لتمثيل الجثة، من أجل نقل الخبر غدا للصحافة ونشره في الجرائد كما تم الاتفاق عليه مسبقا مع أمجد.

أما ميس قد خاصم النوم عيناها ولم تكن تسطتع أن تكف نفسها عن التفكير بما هو قادم، وأكثر ما تخشه أن توقع أمجد في متاهات صعب الاخراج منها.

تمسك هاتفها تراقب الساعة دون أن تستطيع الاتصال به، لربما كان في مركز الشرطة أو في مكان يحظر عليه الجوال لذا كانت قد تراجعت عن هذه الفكرة تماماً.

وبدأت تحدث نفسها بأشياء تحبها كي تستطيع النوم، و ما إن بدأ النوم يعانق أجفانها المرهقة حتى شعرت بهتزاز هاتفها تحت الوسادة، بعد أن كتمت صوته خشية وصوله لجدتها وهي نائمة في جوف الليل الهادىء.

دست يدها تحت الوسادة واخرجته وقد ازعج عيناها النور الساطع منه تجعدت جفونها وهي تقرأ الإسم إنه أمجد.

رفعت نفسها من الفراش وردت عليه بلهفة: ألو.

قال أمجد: أسف على الاتصال في هذا الوقت، لكن عليي أخبارك بما حدث.

ردت ميس: لا بأس في ذلك أخبرني أين وصلت الآن.

كان أمجد يسير في شارع خال تماما صوت خطواته على الحصى مسموع، توقف في مكانه وهو ينظر حوله كي يتأكد بأن لا احد في الجوار.

ثم قال أمجد لها: فعلت كما اتفقنا، ووصل الخبر إلى الشرطة وتولوا هم الأمر.

سألته ميس بصوت هامس: هل أطلقوا سراحك؟

أجابها أمجد: نعم أنا عائد إلى البيت الآن ولن أخرج للصباح.

سألته ميس: ماذا سيحدث الآن؟

أجابها أمجد وهو حائر أيضاً لا يعرف عن القادم شئ: سنعرف ذلك غدا.

قالت ميس: حسناً يا أمجد إن الغد لناظره قريب، تصبح على خير الآن.

أمجد: وأنت بخير يا ميس.

انتهت المكالمة بينهما، وتنهدت ميس وتنفست تنفس الصعداء بعد أن تأكدت بأن أمجد قد عاد إلى بيت، وبدأت تعد أفكار لتخبر جدتها عنه.


في صبيحة اليوم التالي كانت الجدة أمينة تسقي زهرة الريحان الفواحة والتي تحبها ميس، وهي تغني بعض الاغاني القديمة، والتي كانت تسمعها في أيام شبابها، استيقظت ميس على تلك الاجواء، بعد ان غسلت وجهها لم تقاطع جدتها بل اتجهت إلى المطبخ وأعدت فجانين من القهوة.

أمتلئ المكان برائحة القهوة، فعلمت الجدة بأن حفيدتها قد استيقظت، وما هي إلا لحظات حتى أتت ميس تحمل تلك القهوة اللذيذة معها وهي تقول: يا صباح الخير والسعادة، لأجمل جدة في الكون.

ردت عليها الجدة مبتسمة: ما سر هذا النشاط اليوم؟

قالت ميس وقد اعتلت الابتسامة وجهها وقالت: لقد اشتقت لصباح نقضيه معا كما كنا في سابق قبل أن..

تذكرت حينها ميس بأن جدتها لا تعلم ما الذي حدث وكيف عادت بعد زواجها من رائد بعد أن مر المستقبل.

نظرت الجدة لحفيدتها تنتظر أن تكمل ما تقوله، إلا أن ميس بدت كالبلهاء وهي تحاول تغيير الحديث وتبديله.

فقالت الجدة: منذ زمن؟ إنه يوم واحد فقط.

ضحكت ميس ساخرة من نفسها وقالت: اليوم الذي لا أراك فيه يا جدتي أحسبه سنة من عمري، لذا قلت منذ زمن.


تركت الجدة مرش الماء الذي كانت تحمله، و جلست على الكرسي بجانب ميس، تراقبها وهي تسكب القهوة من الدلة، وتستنشق رائحتها الجميلة التي تنعش القلب وتبث في النفس نشاطاً وحيوية.

قالت ميس وهي تمسك ذلك الفنجان: تفضلي يا جدتي، قولي لي ما رأيك بهذه القهوة.

امسك الجدة الفنجان وارتشفت منه ثم قالت: ااااامممم، إنها لذيذة جدا وكما أحبها مغلية بشكل جيد وعليها رغوة.

تنحنحت ميس ونظرت لجدتها بطرف عينها، ضحكت الجدة وقالت: أعلم أن هناك أمر تخفينه، قولي ما الذي تريدنه يا ميوستي؟

ابتسمت ميس ببراءة وقالت: الموضوع محرج با لنسبة لي، لكن يجب الحديث معك به.

قالت الجدة وأنا اسمعك قولي ما لديك دون أن تخشي شئ يا صغيرتي.

يتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي