الفصل التاسع

وصلت ميس إلى مبنى البلدية أخيراً، وبدأت تدور عيناها للبحث عنه دون أن تسأل لكنها لا تعرف إسمه حتى وليس لديها سبب لتهتم بأمره.

وبعد مدة من البحث صادفت أحد العاملين هناك في ذات المجال لكنه لم يكن هو فقررت أن تسأله عن الشخص الآخر: صباح الخير يا أخ.

رد عليها مستغرباً بعد أن رأى تلك الفتاة الجميلة في الصباح الباكر: صباح النور يا انسة تفضلي بما استطيع مساعدتك؟

ارتبكت ميس وهي تفكر بشرح ما تريد وقالت: في الأمس كنت هنا ونسيت شئ مهم، أخبروني أن أسأل العاملين هنا، هل كنت هنا في الأمس انت؟

عقد الرجل حاجبيه محاول التذكر أو التفكير وقال لها: يا آنسة عليك أن تسألي الموظف السابق، فأنا بدأت العمل اليوم.

ردت ميس بسؤال سريع: أين هو ذلك الموظف؟

الرجل: لا أعلم، لقد قدم استقالته بعد المؤتمر في الأمس ومضى.

تأففت ميس من سوء حظها وقالت له: هل تعرف إسم او عنوانه؟

رفع الرجل كتفيه نافياً ما سألت عنه وقال: أسال المسؤول عن توظيف العاملين هنا.

ميس: ومن هو؟!

الرجل: إنه الأستاذ نصوح.

شكرته ميس واعتذرت عن اشغاله بأمر غير عمله، ومضت تجلس في الحديقة القريبة من البلدية.

وهي هناك رأت إحدى الجرائد وعليها أهم الاخبار في الصفحة الاولى، وهي تقرأ ما كتب من خلف زجاج المحل، شعرت بصداع في رأسها تمكن منها، مما أجبرها على أغماض عينيها من قوته.

فهو ذات الألم الذي شعرت به بعد الضربة التي سددها لها رائد عندما كانت زوجته.

وهي مغمضة عيناها مر في بالها خبر تلك الجريمة في الجريدة وما كتب عنها و لاحظت بأن التاريخ لوقع الجريمة تلك هو اليوم السابع من الشهر الجاري.

خف الألم قليلا فأسرعت نحو هاتفها تريد التأكد من تاريخ اليوم، هل هو اليوم الذي سيقتل فيه الرجل؟ أم مازال لها بعض الوقت.


في بيت الجدة أمينة كانت تحاك الخطط ضد ميس، لضمان حياتها السعيدة فيما بعد.

سألت عبير: أحضرتني على عجلة من أمري يا سيدة أمينة هل كل الأمور بخير؟

قالت السيدة الهرمة وهي تحاول جاهدة وصف الموقف كما كان: أنا وافقت على زواج ابنك رائد من حفيدتي.

قاطعتها فرحة عبير بالقول: لن تدمني أبداً وستكون ميس قرة عين لي ولابني رائد أيضاً.

حدقت أمينة بنظرة قاسية لعبير وكأنها تأمرها بالصمت وقالت: دعيني اكمل قبل أن تطلقي العنان لسعادتك.

لم تتكلم عبير بأي كلمة أومت رأسها فقط، ثم أكملت أمينة كلامها: هناك مشكلة واحدة، وهي تكمن بجعل ميس تقبل برائد زوج لها، وهذا يتطلب مجهود منك ثم من ابنك.

شردت عبير تقلب أفكارها كما تقلب الطعام في القدر، وتحاول تخمين طريقة تجعلهما أقرب لبعضهما.

قاطع ذلك الشرود صوت طرق أمينة بعصاها على الارض وقالت:إلى أين وصلتي الآن يا عبير، أما أنك لا تريدين المحاولة؟

سارعت عبير بنفي وقالت: ما رأيك أن نتقدم لخطبة ميس هذه الليلة لنرى أن كانت قد تراجعت عن قرارها وتغيرت ربتها؟

تأففت أمينة وقالت لها: لن يجدي الأمر نفع حدثتها ليلة الأمس وأكدت لي رفضها لهذا الاقتراح، وأنه لا تحب رائد بشكل شخصي.


همهمت عبير ببعض الكلمات وهي تسأل نفسها: لكن الغبي ابني أخبرني بأن ميس بدأت تعجب به وهو يحاول التقرب منها منذ فترة.

ثم قالت لجدة ميس: الأمر قد وصل لي وأنا سأفعل ما بوسعي كي تقتنع ميس وتوافق على زواج من ولدي.

وشكرت أمينة على دعوتها وهمت بالخروج لكن صوت العجوز أوقفها وقالت لها: اخترت ابنك كي يكون شريك لميس من بين جميع الرجال الذين تقدموا لها، حرصاً عليها وليس حبا بأبنك، يجب أن تعلمي هذا.

حاولت عبير ضبط أعصابها ورسمت إبتسامة زائفة على وجهها وقالت: أعدك أنك لن تندمي على هذا الاختيار، وسترين كل ما تريدين يحدث أمام عينيك.

خرجت عبير وهي تشتم وتلعن تلك العائلة، وخصت بذكر أمينة وولدها، لما يكن هناك سبب واضح بل كان هناك أمور مبهمة لم تعرف بعد، لكن الوقت كفيل بكشف كل ما أسدل الماضي عليه ستاره وأخفاه.


كانت روان قد وصلت إلى صديقة مشتركة مع تلك الفتاة التي حدثتها عن رائد وحذرتها منه، وطلبت لقائها وبالفعل في مكتبة الجامعة التقت الفتاتيين.

سألتها روان: أنا لا أعرفك بشكل مباشر لكن كلامك منذ ذلك اليوم لم يغيب عن أفكاري.

ردت عليها الفتاة: وماذا تريدين مني؟ ما شأني أنا في هذا؟

قالت روان: اريد تفسرا لما حدث، ومن أين تعرفين رائد ذاك؟

ضحكت الفتاة بسخرية وقالت: حتى أن قلت لك لن تصدقي، لذا دعيني اذهب ولكن لا تسخري من النصيحة التي قدمتها لك.

ولفت ظهرها وهي تهم بالخروج، إلا أن يد روان كانت أسرع حيث شدتها وقالت بنبرة حادة: أنت أخبريني بما لديك و أنا اقرر أن كنت ارغب بالتصديق أم لا.

ثم أخذتا ركن خالياً في المكتبة وجلسن يتحدثن بما يدور خلف تلك الكواليس.

بالعودة إلى ميس التي أمسكت جوالها لترى بأن تاريخ هو اليوم الذي ستقع فيه الجريمة صرخت فزعة وقالت: لن يجدي الانتظار نفعاً يجب أن أتحرك بسرعة لأمنع الكارثة من الوقوع.

أسرعت نحو مكتب الادارة تسأل عن الموظف في الأمس وعرفت بنفسها فهي ابنة مالك أكبر شركة للاستراد والتصدير في المنطقة.

قال لها السيد نصوح: لك ما طلبتي يا آنسة ميس، وأن كان هناك أمر ما يمكنني مساعدتك.

شكرته ميس وقالت: لا، يكفي أن تعلمني عن عنوان ذلك الموظف.

أعطى لها المعلومات التي طلبتها العنوان ورقم الهاتف والاسم أيضاً.


وما إن خرجت من المبنى حتى اتصلت فوراً دون تردد، لم تلقى إجابة لتصالها.

فأسرعت نحو العنوان الذي حصلت عليه، دون تردد بل كانت عازمة على فعل أمر ما يعود عليها بالنفع.

حين لم تتلاقى إجابة لتصالها حاولت الوصول إلى روان، لكنها كانت ترفض الإجابة على اتصالها فهي أيضاً تقوم بأمر مهم.

قالت تلك الفتاة: أنا اسمي نادية ابنة السيدة روز أظن انك سمعت بها من قبل في البلدة.

حاولت روان أن تعود بذاكرتها لصاحبة هذا الإسم فهي تشعر أنها سمعته كثيراً من قبل لكن أين؟ تقول لنفسها: روز؟ روز؟ أظن أني اعرفه لكن لا تسعفني ذاكرتي الآن؟

تبسمت نادية وقالت: إنها أمي وذاع سيطها بكشف المستقبل وتعلمت بعض السحر من جدها.

لمعت الذاكرة في رأس روان وقالت لها: أجل، سمعت بها من قبل وأنها تقوم بكشف كثير من الاشياء والتي يكون أغلبها حقيقي.

تأففت نادية من كلامها وقالت: لست فخورة بما تفعله أمي لكن هذا ما يحدث فعلاً ولا أؤمن به أيضاً.

سألتها روان: وما علاقة أمك بحديثنا هذا؟

أجابتها نادية: بل هي صلب الموضوع وأساسه؟

لم تفهم روان قصدها وما تعنيه فقالت: أشرحي لي أكثر، ودعي كلامك واضح وكفي عن التلميحات.

عدلت نادية جلستها وقالت: اسمعي إذا ما سأقوله لك.


في هذه الاثناء وصلت ميس إلى ذلك العنوان،وكانت حارة شعبية بسيطة بعيدة عن ضوضاء الثراء والرفاهية، تعج بالاطفال و الباعة المتجولين.

أوقفت أحدهم وقالت له: يا عم هل تعرف شخص يدعى أمجد؟

قال لها: نعم يا ابنتي هو جارنا في هذا الحي الجميع يعرفه هنا.

فرحت ميس عند ما علمت بأنها قد وصلت إلى المكان الصحيح و سألته عن الشقة التي يسكن فيها، حتى أشار لها بيده وقال: تكملين السير في هذا الاتجاه حتى تصلي إلى محل البقالة، هو يسكن في بيت فوق ذلك المحل.

اتجهت حيث أشار لها، وهي تتأمل المكان وتفاصيله البسيطة الشعبية وجوه الناس المتعبة من العمل والكد لكنه سبيل حياتهم الوحيد ولا طريق أخر لهم.

وعند ما وصلت لوجهتها المطلوبة سألت صاحب البقالة وقالت: مرحبا، اريد أن أسال عن أمجد قالوا لي أنه يقيم فوق هذه البقالة.

أجاب الرجل: نعم يسكن هنا منذ مدة، لكن سمعت بأنه يستعد لرحيل والانتقال من هذا الحي.

فطلبت منه ميس مساعدتها لدخول إلى البناء، بعد ما علمت أنه هو مالك البيت الذي يسكن فيه أمجد.

فسمح لها وأذن بدخولها حتى أنه قال لها: إذا اردتي يمكنني الصعود معك؟

وافقت ميس على ذلك العرض وقالت له: سأكون ممتنة لك جدا أن فعلت هذا من أجلي.

هز الرجل رأسه موافقاً وأشار بيده كي تتبعه، صعدو ذلك السلم الضيق والمعتم، حتى وصلوا إلى أمام ذلك الياب الازرق الخشبي، كان مهترء ويحتاج إلى ترميم و طلاء من جديد ليس الباب فقط بل المنزل بأكمله.


طرق الرجل الباب عدة مرات، حتى سمعوا صوت أحدهم من الداخل يسأل: من هناك.

رد الرجل: أفتح يا أمجد أنا ابو علي ومعي ضيوف يودون رؤيتك.

فتح الباب بسرعة وهو يرحب بهم قائلاً: أهلا بك وبضيوفك.

قاطع ترحيبه الحار رؤيته لميس، لقد تذكرها على الفور و تربع الخوف على وجهه وخشية أن تكون مكيدة للامساك به بعد ما سمعته في يوم أمس.

إلا أنه ضبط نفسه مدعياً الهدوء و مكملاً ما كان يقوله، إلا أن ميس وصلها ما كان يحول يخفيه ويخش فضحه، لذا قررت مساعدته في ذلك وقالت: اعتذر عن قدومي بدون موعد يا أمجد.

رد عليها وهو يبدو عليه الارتباك والقلق: أهلا بك يا آنسة لا أعلم كيف وصلت إلى هنا، هل حدث شيء؟ كيف لي أن أساعدك؟

قاطع حديثهم أبو علي حين قال: إلى هنا تنتهي مهمتي وقد أوصلتك إلى الشخص الذي تبحثين عنه، الآن اريد العودة إلى عملي، عن إذنك يا آنسة.

شكرته ميس مرة أخرى على مساعدتها وقالت: اشكرك يا عم على مساعدتي.

ثم ودعهما وانصرف عائد إلى عمله يكمله.

يتبع_
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي