باسيفاي

نوران عيسى`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-12-23ضع على الرف
  • 49K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الاول

انساقت لنغمات قلبها المتأجج عشقا واشتياقا إليه فلا ترى أمامها سواه، تسرع بخطوات ثابتة نحو سبيلها وملاذها الحاني، وقفت أمام باب بيته بلهفة تبحث من بين أشياء حقيبتها على المفتاح فهو ينتظرها على أحر من الجمر مثلا ما خبرها في مكالمته الهاتفية بالأمس.

تقدمت إلى الداخل تبحث عنه بتوق لتتناهى إلى مسامعها أنات اللذة ربما تلك خيالات غيرتها المريضة عليه، لا مجال لشك بحبه الكبير لها ولكن لماذا تلك الأصوات تكون أكثر وضوحا مع اقترابها، قلبها لا يتوقف هذيانه أوصالها ترتعد تطرد كل تلك الوساوس الابليسة من عقلها تصرخ صامتة بيقين واهن( "لا حبيبي لن يخونني") ولكن الحقيقة أصعب من كل توقعاتها.
اختلست النظر دون أن يشعر بها أحد وكانت الكارثة.

شبت نار عارمة في دواخلها وهي ترى غيرها بين أحضانه تشاركه لحظاته الحميمية، تعصف بقلبها الصغير عواصف الألم وانتهى بها المطاف باكية وحيدة تهرول مسرعة خارجة من ذلك الجحيم تردد بأعماق قلبها( "استيقظي... هذا كابوس... استيقظي حبيبي لن يخونني")

باليتها صدقت حديث نفسها المضطرب وهدئت من انفعالات جسدها المرتعش ولكن لا مجال عينيها رأت وأذنيها سمعت فكيف تكذب نفسها، اندفعت قدماها نحو اللاشيء فلم يعد عقلها يعمل فقط دموع قد أوشكت أن تغرق بها وتفقدها وعيها وها هي تصطدم بجسد ضئيل كاد أن يقع لولا تشبثه بها، الأضواء وكأنها تعمدت أن تخمد حتى تتركها وسط هذا الظلام المدلهم المخيف
صوت خافت زاد من ارتجافها قائلا بتسجيل
- تحياتي لك أيتها الأميرة.

مسحت دموع عينيها التي شوشت عليها مجال الرؤية ولكن لا فائدة فالظلام لم يتح لها فرصة لرؤية هذا المتحدث الساخر للحظاتها التعيسة، نعم هي أميرة الغباء التي سلمت قلبها وعقلها لمن لا يستحق درس قاسيا ما تعيشه الآن ولكنها ما زالت ترتعد من الخوف لا تعلم لماذا؟!،.

دست يدها داخل حقيبتها وأخرجت هاتفها وقالت مذعورة وهي تسلط عليه الضوء
- من أنت؟!... ماذا تريد مني؟!
كان رجلا قصيرا يلتحف قطعة جلدية صغيرة فقط وبقية أجزاء جسده عارية يركع أمامها برأس منحنى بخضوع، ابتعدت شاهقة وقد سقط الهاتف من يدها وتراجعت للخلف صامتة لثواني قبل أن تنطلق صراعاتها المستغيثة بالإرجاء، وقف يشهر سيفه يشاركها صراخها الهستيري.

ابتعدت بخطواتها للوراء لتستدير هاربة منه أنساها خوفها من هذا الكائن الغريب إحساسها بقهر الخيانة، تزايد خوفها فركضت دون توقف تبتعد بكل طاقتها المستنفدة بينما اندفع هو خلفها بسرعة تفوق سرعتها أضعاف لتتصلب واقفة أمامه وهو يركع من جديد وقد ساعدتها بعض الضوء الخافتة من رايته، أنه بشري ذو حجم ضئيل ولون مائلا إلى الزرقة، كادت أنفاسها تنقطع وباتت عاجزة عن الكلام ليبادر هو حديثه بنبرة رغم قوتها إلا بها بعض الخنوع
- لك روحي يا أميرتي، ولكن مملكة أيس تعاني.
وقف يثني أحد ذراعيه منحنى برأسه إجلالا لها يردف برجاء
- الملك كنوت استنفد قوته لحماية المملكة، ولكن ملك  (مملكة موكناي ) أيولوس لن يتوقف عن مهاجمتنا.

ممالك لم تسمع عنها وحديث يزيد من حالة رعبها وارتيابها وما زال لسانها منعقد لا يريد أن ينفك من قيد خوفه ولكن ذلك المخلوق اقترب منها وقال وهو يقف نفس حاله يكمل بتوسل
- انقضت أعوام عقابك، لذا يجب أن تعودي لمملكتك وشعبك.

أصدر لحن صفير هادئ فجلجل صوت صهيل فرس مدوي، التفتت خلفها فرأته بجوارها تماما أنه (بجاسوس) الحصان المجنح الأسطوري ليهتف بها المخلوق الأزرق قائلا
- هذا حصانك يا أميرتي أرجو منك أن تعودي معي. ابتلعت ريقها و رطبت شفتيها وقالت بصوت مرتجف
- أنا لا اعلم ما تريد أو عما تتحدث، أنا لست أميرة أرجوك دعني وشأني.

ركع بكلتا ركبتيه ومد يديه بسيفه وقال بإصرار
-إذا اقتليني يا أميرتي لأنني لن أستطيع العودة من دونك والبيجاسوس سيحترق أمام عينيك فليس أمامنا أي خيار.

ظلت يعنياها المشدوهتان تحدقان بهذا المخلوق وبدأ عقلها يسرد لها مشاهد خيانة حبيبها المدائن، بدت في حالة بين الحياة والموت لم تعد تسمع دقات قلبها أو نبض شرايينها، حالة من التيه اللامنتهي. أخذت تتنفس بصعوبة كمن يواجه الغرق في وسط المحيط تمني روحها بنجاة.

وقف من جديد وقال بجدية وهو يشرح بيده أمامها فارتسمت صورة حية لجيوش من جنودا شبه عرى يتقدمون وقرع أقدامهم القوية كادت أن تخترق أذنيها
-انظري إلى جيوش الملك أيولوس أنهم قوة لا تقهر.
التفتت حولها فهي تقف في شارع شبه خاوي ولكن هناك بعض المارة يظهرون بين الفينة والأخرى فهتفت تسأله مذهولة
- الصوت كان عظيم ولكن لم يتوقف أحدا ويسأل عن ماهيته؟!
رد بهدوء ورأسه ما زالت منحنية بإجلال
-لا أحد يراني أو يسمعني سواك سيدتي.

تراجعت للخلف تفكر بحيلة للفرار من هذا المأزق، ليست بمزاج يسمح لها بسماع الأساطير أو تصديق ما تراه عيناها، من الاستحالة وجود مخلوق غريب كهذا أو حتى وجود البيجاسوس ليس من المنطق أن تصديق كابوس يقظتها هذا.
سألته بجدية وهي تتراجع بخطواتها للوراء
- وما هو اسمك؟!
رد على مضض وهو يقف أمامها
-خادمك سيجورد.

ابتسمت بتصنع و تأملته للحظة قبل أن تستدير تطلق العنان لقداميها للانطلاق بأسرع قوة استجمعتها تلك للحظات ولكنه خلفها تماما كالظل، استمرت تجري حتى كادت أنفاسها أن تنقطع فجأة تسمرت رجليها على الأرض ولم تعد تستطيع الحركة فصرخت بعصبية بصوتها اللهاث
- دعني وشأني، أنا لست أميرتك ماذا تريد مني؟
عاد ينحني أمامها بإجلال وهو يرجوها بصوت خافت
- أميرتي ليس أمامنا سواك لينقذ مملكتنا، جنودنا فقدوا إيمانهم بالنصر بعد سقوط الممالك المجاورة.
ردت بنفس عصبيتها
- وما شاني بما تقوله؟، جيوش، جنود، أميرة عن ماذا تتحدث؟

أخذت نفس عميق تفكر بما هي فيه واستطردت بهدوء مصطنع
- أتفهم وضعك ولكن...
قاطعها بنبرة جادة-
أيتها الأميرة أنا لم أخطئ هدفي أنت هي الأميرة
أغمضت عينيها تفكر ليس منطقيا ما تراه، صفعت خدها بكل قوتها لعلها تستيقظ من هذا الكابوس ولكنها مازالت تائهة في دهاليزه ولم تزدها تلك الصفعة إلا الماء فوق ألم قلبها المحترق، تقدم ببطء لترجع هي إلى الخلف فقال بنبرة لطيفة
-سيدتي لقد أحمر خدك، أتسمحين لي...؟!
مد يده إليها وأردف قائلا
- أتسمحين لي أن أهتم به؟ ا

ابتلعت ريقها فالأمر يبدو بين الحقيقة والوهم، أو ربما هو الهروب من واقعها الموجع جثت على ركبتيها تبكي و تصيح تعيد لذاكرتها كل ما عشته مع توماس وعقلها يرفض استيعاب فكرة خيانته لها.
ربت المخلوق على رأسها بحنان مشفقا على حالتها وقال بنبرة حانية
- لقد مررت بالكثير سيدتي، ولكنك أقوى من كل شيء. رفعت رأسها تنظر إليه بعينين دامية تلك النظرة كفيله لجعله يتقهقر للوراء بصمت ولكن الوقت يمضي ولم يتبقى إلا القليل قال بتردد
_سيدتي أن البوابة ستغلق، تبقى القليل من الوقت.

مسحت دموعها و استقامت واقفة تبعد التراب العالق في ملابسها قائلة بخنوع
_حسنا سأذهب معك ولكن احتاج لبعض الأشياء قبل السفر.
لم تكن تعلم سبب استسلامها هذه اللحظات ربما كان خوف من القادم وخاصة بعد خسارتها لحب حياتها أو ربما كانت تحتاج للهروب من واقعها المؤلم ولكن بكل تأكيد هي لم تعد كسابق ما بداخلها قد تغير الآن كليا.

وقف يتأمل كرسي العرش بوجه واجم لا يعلم ماذا عليه فعله كملك ليس بيده سوى الانتظار فربما رسوله يأتي ببعض الأخبار السارة مع يقينه التام باستحالة ما ينتظره.
دخل مستشاره وملامح حيرته تجعله أكثر بأسا من مليكه الغارق في أحزان يائسة القاتلة ليهتف بصوت مرتعش
- سيدي الملك أن مدة الهدنة والتفكير أوشكت على الانتهاء، ماذا نفع...،؟
قطع حديثه المضطرب بنبرة ثابتة تخفي اضطرابه أيضا
- لا شيء، لن نفعل أي شيء فقط انتظر ذلك ما نستطيع فعله.

اقتحمت قاعة الملك وخلفها جارياتها لتصرخ بانفعال
- ماذا تعني نتظر ؟ أتقصد نتظر موعد هلاكنا، لا يا أبي أنا لن أنتظر أن يقتحمنا أيولوس ويقتلنا دون رحمة.
تنهد بألم ورد بنبرة مشفقة لحال ابنته الشابة
_أميرتي الحبيبة، والدك لا يملك القوة لمواجهة جبروت هذا الملك، لقد بعثت له رسول لتفاوض معه ربما...
قطع حديثه صراخ أحد الحراس كانت صرخات مفزعة انتبه الجميع يترقب الحارس اللهث وكأن أنفاسه كادت تنقطع ليتحدث أخيرا قائلا
_لقد قتل رسولنا، ها هو رأسه المقطوع.

فتح الكيس ليلقي بالرأس على الأرض فتدحرجت إلى أن استقرت تحت رجلي الملك، صرخت الأميرة تغطي عيناها ترتجف خوفا مما تراه أمامها ثم قالت بنبرة باكية
_أخبرتك يا أبي أيولوس لن يدعنا، وسوف يقتلنا دون رحمة.
تراجع الوزير للخلف قليلا ثم تقدم إلى يهمس بإذنه بحذر
_لا أعلم ربما الأميرة قد تحل بعض الأمور القديمة العالقة بينكما.
نظر إليه بعدم فهم ليستطرد الوزير هامسا
_لنقدم عرض زواج للملك أيولوس من أميرتنا.

أبعد الوزير بكل قوته صارخا به بغضب
_هل جننت؟، كيف تجرأ على التفوه بهذه التفاهات.
تنهد الوزير بضيق ثم قال
_الملك أيولوس لن يتوقف ولا خيار أمامنا سيدي،
الماضي ما زال يتحكم بحاضرنا والملك الطاغية أيولوس  قد أطاح بمعظم الممالك المجاورة، وأن تركنا الأمر على الحظ لن يتبقى لنا سوى أطلال للمملكتنا نبكي عليها.

هز رأسه بياس ذلك الماضي لماذا لا يتركه؟ أصبح النعيم الموعود به الآن  جحيم يتقلب على جمراته بخنوع ولا يجد حلا للخلاص منه.

ارتفعت الأصوات بين مؤيد ومعارض بينما التزم الصمت يترقب ما قد تؤل له الأمور بعد سقوط مملكة تساليا المجاورة إلى متى ستصمد جيوش أيس أمام طوفان أيولوس الطاغي.
التفت إليه أحدهم يسأله باهتمام 
_سيدي بيلوتس أراك صامتا ولا تشاركنا الآراء.
ابتسم يهز رأسه ليردف الرجل متسائلا
_أتظن أن جيوش أيس ستصمد أو أن الأمور تحتاج إلى معجزة الآلهة؟!
ابتسم مرة أخرى فأجاب بنبرة هادئة
_لا نعلم ولكن أيولوس ليس بالقوة التي يستهان بها، أظن أن الأيام تخبئ المزيد.
قطب الرجل جبينه وكأنه يرفض تلك الإجابة المبهمة من رجل كان يوما الوزير المقرب للملك السابق ولكن بليويس عقب قائلا بنفس رصانته
_أيولوس لا يريد تدمير أيس هو يريد فقط تصفية بعض الحسابات القديمة، لا شأن لنا بها لذا أتمنى أن يتفهم الملك ذلك و يجنبنا هذه الحرب.
استمع إليه الجميع باهتمام بالغ ولكن تلك الكلمات أيضا لم تروي عطشهم لمعرفة المزيد عن هذه الحرب فعادت الأصوات ترتفع أكثر فابتسم وهو يعود إلى مشاهدتهم بصمت من جديد.

في بيتها وتحديدا في غرفة نومها أخذت تضع ملابسها وأغراضها بالحقيبة كان ينظر إليها باستغراب ما الذي تفعله؟ لقد أخبرها منذ زمن أن البوابة ستغلق وها هي الآن تفعل هذا الجنون بلامبالة للوقت الضائع صرخ دون إرادة
_ماذا تفعلين بحق الآلهة؟ الوقت... الوقت... الوقت ستغلق البوابة ولن نعود حتى تمر مائة عاما أخرى
التفتت إليه بعدم اهتمام وأكملت قائلة
_كيف أسافر دون أن أخذ أشيائي؟ حسنا لم يتبقى سوى...

وضعت فرشاة شعرها وأردفت بوجوم
_  هذه الفرشاة والآن سأغلق الحقيبة.
تنهد بنفاذ صبر وشد  يدها وأطلق صفير بلحن غريب لتظهر أمامهما بوابة أقرب إلى فجوة زادت من حالة الهلع الذي بداخلها و أيقنت حينها أن ما ينتظرها خلف هذا الشيء لن يكون هينا، لم تستطع نطق كلمة أو حتى حرف بل إن وتيرة أنفاسها اضطربت وأصبحت تتنفس بصعوبة، نظرت إلى تلك البوابة أو اللاشيء الذي أمامها ثم أغمضت عينيها تستسلم لمصيرها المجهول مع هذا الكائن الغريب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي