السادس عشر

كانت تنظر إليه وهو في سبات عميق، تفكر كيف ستكون الأمور في الصباح، لا تعرف لماذا تتمنى أن يطول الليل ولا تشرق الشمس.

جلست محصورة في أحد أركان الغرفة، وهي ترتل الصلوات إلى السماء أن تشفق عليها وتجد لها مخرج.
_سيدتي الأميرة
همس دعاها، فلتفتت تنظر من خلال ذلك الضوء الخافت من يكون ذلك المنادي، لقد كان طيف بيلوتس العجوز يقترب منها، وينظر إلى ذلك الوحش النائم.
_هل أنت حمقاء، كيف يمكنك أن تفعلي هذا بنفسك وبالجميع؟

لم تستطع الإجابة، لكن الدموع في عينيها كانت كافية لتشرح للرجل العجوز أن الفأس قد وقع على رأسها وأن الأمور أصبحت أسوأ بالفعل.
قال وهو يتجادل بحدة
_هل رأيت عواقب عدم التفكير؟
خبأت وجهها بين ذراعيها، وهي تبكي دون صوت حتى لا تزعجه أثناء نومه. قال لها السيد بيلوتس بغضب.
_يجب عليك الخروج من هنا الآن
رفعت رأسها ونظرت إليه وقد امتلأت عيناها بالدموع
كرر كلامه بإصرار
_عليك أن تهربي، ليس هناك مجال للتفكير الآن. قراراتك  متهورة جدا يا آنا

هزت رأسها موافقة على رأيه، فهي دائما ما توقع نفسها في مشاكل بسبب قراراتها غير العقلانية
_ انهضي بسرعة وارحلي
همست آنا وهي تنظر إلى الشخص النائم
_ماذا لو شعر بي؟
_ هيا، لن يشعر بك، هيا
وقفت مترددة تنظر إلى الوحش وتقول:
_لقد قرر المينوتور مغادرة قلعته
أجاب بإيجاز
_لن يستطيع

_قام بفك لغز المتاهة حتى يتمكن من الخروج. لقد أخبرني بذلك بنفسه
أجاب في همس عصبي
_فقط اخرجي، فهو لن يتمكن من القيام بذلك بدونك
سألته في حيرة
_كيف لا يستطيع أن يفعل ذلك دون مساعدتي؟
_أسرعي، سأخبرك لاحقًا

خطت خطوات حذرة نحو الباب وحاولت فتحه، لكن صريره المزعج أرعبها، فنظرت إلى المينوتور الذي هز جسده، ثم استدار إلى الجانب الآخر. ،عادت تفتحه قليلاً وهي تنظر إليه، لقد خرجت من تلك الفتحة الصغيرة لأنها لم تستطع فتحها بالكامل بسبب ذلك الصرير.
خرجت بسرعة وطحاول السيد بيلوتس أن يدلها على طريق الخروج
لقد بذلت قصارى جهدها للخروج من الجحيم الجديد الذي أوقعت  نفسها فيه
تردد صدى صرخاته في جميع أنحاء القلعة بأكملها

_ باسيفاي، أختي، لا تتركيني
شعرت ببعض المشاعر تجاهه. هو لم يؤذيها، بل هدد من يزعجها بالتعذيب و العقاب الشديد
_ باسيفاي، لقد تعبت من العيش وحدي في هذا الظلام، لا تتركيني
توقفت آنا بحزن واستدارت لتعود إليه، فصرخ بها السيد بيلوتس
_ أن عدت لن تري السلام أبداً
اجابت وهي مشفقة عليه
_لم يؤذيني، كان لطيفاً معي
_اهربي يا آنا ما سيحدث لن تستطيعي تحمل عواقبه. من فضلك يا ابنتي

ركضت بينما تسمع توسلات مينوتور لها بالبقاء، لكنها اختارت الفرار بدلاً من تدمير الجميع
وصلت أخيرًا إلى البوابة. تنفست الصعداء عندما وجدت نفسها خارج تلك القلعة المظلمة النتنة. كيف فكرت في العيش مع ذلك الوحش في ذلك الظلام المرعب؟
سألها السيد بيلوتس
_تعال إلى منزلي، سأخبرك ببعض الأسرار التي تريدين سماعها
تنهدت آنا مستسلمة ومشت مع طيفه إلى منزله في ذلك الحي الفقير


وفي جناح الأميرة أورسولا، لم تغفو عيناها، بل ظلت مستيقظة، غارقة في بحر أفكارها. وقفت في الشرفة تنظر إلى تلك الفضة اللامعة وسط تلك السجادة السماوية المظلمة.
تحدثت مع نفسها («ليس لدي خيار سوى أن أتخذ هذا الاختيار. لن يُقتل والدي وسأحتفظ بمنصبي وربما أصبح أعلى.») كانت تسرح في التخيل دون أن تأخذ الواقع بعين الاعتبار. إذا كان هذا هو اختيارها، فلا بد أنها أخذت في الاعتبار كل احتمالات نجاحه وفشله.
-  مازلت مستيقظة
تحدث وهو يقترب منها ويضع ذراعه حولها بحنان واستطرد قائلا
_ لا تقلقي يا عزيزتي، سأجد طريقة للهروب قريبًا
لا يزال يقرر الهروب.
_أبي، لا أريد أن أغادر
قبل رأسها وقال بلطف
_ يا بنيتي أنا أعلم ما لا تعلمين
تأملت بوجهه الشاحب وقالت بحزم
- لن أستسلم يا أبي. كيف تريد مني أن أترك ممتلكاتنا للآخرين؟
قال وهو قلق
_ يا ابنتي الوضع سيزداد سوءا قريبا. صدقيني، دعينا نترك أيس ونعود إلى أرضنا
سألته بذهول
_ عن أي أرض تتحدث يا أبي، لا أعرف سوى أيس

_نحن لسنا من أيس ، لدينا أرض وعشيرة
_ يا أبي ليس لي أرض إلا هذه الأرض. فلا تحاول أن تقنعني أن أترك كل هذه الممتلكات وأعود متشردًة إلى الأرض التي تقول عنها.
احتار كنوت في كيفية إقناع ابنته التي لا تريد مغادرة هذه الأرض التي على وشك الانهيار


غادر كنوت غرفة ابنته في حالة من اليأس والارتباك، لا يعلم ما قد يحدث لهما بسبب إصرارها الأحمق

وتوجه إلى سجن قصره حيث سجن من عارضه. مر أمام تلك المرأة العجوز العمياء والقى عليها التحية
_ مرحباً سيدة إيبونا
عرفت ذلك الصوت الذي لن ينسيها إياه  الزمن ولا العذاب. بصقت في اشمئزاز دون أن تنطق بكلمة واحدة.
أمسك بسياج القفص وهزه بغضب وهو يقول:
_مازلت عنيدًة كما كنت، حتى بعد أن كبرتي وصرتي عمياء
بصقت مرة أخرى دون أن ترد عليه ، الأمر الذي جعله أكثر غضبا
_لقد تم تدمير عائلة الملكة هيوميون، ولم يتبق سوى الوحش الملعون
أطلقت ضحكة عالية استفزته، ثم قالت وهو ينظر إليها وهو يصر على أسنانه
_هل أتيت لتخبرني أم أتيت لتوديعي؟
أجاب بسخط
_لقد جئت لأسألك

قالت وهي تلوي شفتيها بسخرية
_لن تجد مني إجابة
_ ماذا تقصدين؟
ضحكت عليه بسخرية ثم قالت
_أعتقد أن حالتي هي أكبر دليل لك على أنني لن أبوح بأي من أسرار سيدتي الراحلة
قال بعصبية
_اللعنة عليك أيتها العجوز، لماذا لا تريدين أن تخبريني؟
_لأن ما تسألني عنه يخص الأميرة
ابتسم وقال بسخرية
_أنها لم تعد هنا. لقد أخبرتك أنني قمت بإبادة عائلة الملكة العظيمة هيوميون تمامًا
ضحكت بشدة ثم قالت
- حسنا، هذا جيد جدا
- ألن تخبريني الآن؟

ابتسمت وقالت
_اذهب أيها الكاهن لا فائدة فيما تفعله. لن أقول لك أي شيء
كان يأمل أن تخبره عن سيف كراتوس الإلهي
لكن يبدو أنه لن يجده أبداً

تلاشت كل الأحلام، ولم يبق له سوى انتظار ذلك المصير الذي وُعد به، وها هي أمله الوحيد، تتخلى عنه بكل سهولة، وكأنها تعتبره أيضًا لعنة مثل البقية. اجتاحت عقله ذكرى لم تفارقه أبدًا، تلك الذكرى التي جعلته سجينًا أبديًا داخل أسوار هذه القلعة.

وقف أمام البوابة التي كان يبحث عنها دائمًا، وأصبح هاجسه الوحيد هو الوصول إليها. وكان يضع علامات حتى لا يضيع مرة أخرى
وبقي على تلك الحال حتى حفظ تلك المتاهة عن ظهر قلب.

وقف مترددا هل سيفتحها أم يبقى في مكانه. سمع صرير البوابة وهي تفتح، فتراجع، وكان والده الملك مينوس واقفاً أمامه مذهولاً.
_كيف وصلت إلى هنا
سأله مينوس بإستغراب وهو يحدق به
ليجيبه مينوتور بمرح
_لقد حللت لغز المتاهة يا أبي. أخبر والدتي بذلك
أخذ الملك بيده وسحبه بالقوة إلى الداخل وقال
_لا يجب أن تغادر يا بني. ابق هنا للأبد
صرخ الطفل متذمراً
_أريد أن أكون مع أمي وأختي وأبي
_يجب أن تعدني يا مينوتور أنك لن تترك جدران هذه القلعة أبدًا
هز الطفل رأسه يائسًا، وقد امتلأت عيناه بالدموع التي لم يلاحظها احدا ابدا
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي