السابع والعشرون

"استيقظت على أصوات مزعجة. وجلست تنظر إلى ما يحدث. كان هناك خدم يحملون صناديق ثقيلة ويضعونها على الجانب.
سألت نفسها بحيرة عما يحدث فجأة. لقد نامت لبضع ساعات والآن استيقظت على هذه الأحداث.

سألت أحد الخدم عما يحدث فأجابها وهو يرتب الصناديق بعناية
_نحن ننقل أشياء الملكة هيميرا إلى جناح الملك.
قامت كايا من مكانها وصرخت بغضب على الخادمة
_ من أمرك بذلك؟ " هذا هو جناحي.

وسمعت ضحكات عالية من خلفها فوجدت الملكة هيميرا التي جلست على الأريكة تراقب حركة الخدم في تحريك وترتيب أغراضها. ثم نظرت إلى المتحدثة الغاضبة وقالت بهدوء
_ عزيزتي كايا، هذا مؤسف. أنك تعتقدين أن إقامتك في جناح الملك ستكون أبدية.
فسألتها كايا وهي ترتجف من الغضب
_ ماذا تقصدين يا سيدتي الملكة؟
ردت هيميرا بسخرية قائلة
_لا أعتقد أنك بهذا الغباء.
_ حسنًا، لا يهمني الجناح، يمكنك أن تأخذيه، لكن الملك......

قاطعتها هيميرا بسخرية.
_الملك هو زوجي وحبيبي، ولا أريد أن تكون هناك امرأة حوله.
أجابت كايا ببعض الثقة.
_سأكون والدة وريث العرش.
قالت هيميرا بهدوء، مما جعل دواخل كايا ترتعش.
_من هنا يقول خلاف ذلك، وسوف أعتني بك حتى تلدي الأمير. ألم أخبرك بذلك من قبل؟

فسألتها كايا بدهشة
_ ماذا تريدين مني؟ ومن ملكي أنك لطالما جرحته بمشاعره، والآن عندما يشعر بالسعادة تريدين أن تعيده إلى بؤس حضنك.
وقفت هيميرا أمامها وصفعتها بكل قوة، ثم قالت
_ ما يحدث بيننا لا ينبغي أن يتدخل فيه أحد. هل تفهمين أيتها المحظية الدنيئة؟
بكت كايا وقالت
_من فضلك، أنا أحب الملك. لا أريد المال،لا أريد السلطة ولا أريد  أي شيء. أنا لست مثلك. أستغل حبي لمصلحتي الخاصة

صفعتها هيميرا مرة أخرى، لكن كايا لم تتوقف وقالت وهي تبكي من القهر
_أنا، الصدر الحنون الذي احتضنه، عندما بكى بسبب قسوتك. أعلم أنه يحبك، لكني مصدر راحته. لماذا أنت أنانية جدًا يا سيدتي الملكة؟

أرادت أن تصفعها للمرة الثالثة، لكن كانت هناك يد منعتها، ووقف يحميها وقال لهيميرا بهدوء
_عزيزتي هيميرا، لا داعي لإيذائها. لقد أمرتني بجعلها تغادر، وسأفعل ذلك.

شعرت هيميرا أن هناك جزءًا في قلبه لهذه المحظية، حتى لو كان صغيرًا، لكنه موجود، ولا تستطيع إزالته بسهولة. ردت هيميرا بهدوء
_لم أكن أريد أن أضربها، لكن محظيتك لا تتوقف عن الكلام الفارغ.

اعتذر الملك إيغيوس عن كايا وأخذها بين ذراعه وخرج معها من جناحه. كانت كايا تبكي بمرارة. كيف يمكن أن يستغني عنها بهذه السهولة، وكأنها لم تكن موجودة من قبل؟ ولم تتحدث معه، وظل هو أيضًا صامتًا حتى وصلا إلى مقر جناحها الجديد. تم إعداد الجناح بشكل جميل ولا يقل فخامة. عن جناح الملكات. وربما أراد تعويضها عما فعله بها. تكلم أخيرًا بعد أن أجلسها على الأريكة وجلس بجانبها
_أعتذر لك يا كايا. لقد وعدتك بأنني لن أتخلى عنك مهما حدث، ولكن......

قاطعته وهي تبكي بشدة
_ كنت أعلم منذ البداية أن حب الملكة لن يجعلني أمتلكك. في البداية كنت خائفًة من هذا المصير، وفي النهاية أحببتك بالفعل.
احتضنها وقبل جبينها وقال بندم
_إنها تسكن في قلبي، لا أستطيع التنفس بدونها. حب هيميرا بداخلي مثل السم الذي ينتشر في جسدي دون إرادتي.

ردت كايا وهي تهز رأسها آسفة على حالتها
_ وماذا عن حبك الذي احتل روحي دون مقاومة مني؟
وضعت رأسها على صدره، تشم رائحته وكأنها تودعه
_ وأنا أيضًا لا أستطيع العيش بدونك يا مولاي. ومن المؤسف أن يكون حبي لك غير مكتمل حتى لا تشعر به.

احتضنها الملك وهو لا يعرف ماذا يفعل ليواسيها، ثم قال:
_ عزيزتي كايا، ستظلين مميزة. الروح التي دخلت تمسح غبار القسوة عن نفسي.

فأجابت كايا بأسف:
_ليتني لم أفعل ذلك، وليتك لم تختارني، أحمل الآن حباً يقطع شراييني بلا رحمة.
فصمتت لحظة ثم قالت:
_أعرف يا سيدي أني بدونك ميتة، وحتى الهواء لن يدخل إلى جسدي.

أجاب إيغيوس بمواساة:
_عزيزتي كايا، سوف تكونين والدة الوريث..
لقد قاطعته بحدة، ونسيت المقامات تمامًا.
_أنا فقط أريدك. ماذا أفعل مع وريث العرش بدونك؟ ماذا؟ أنا لست هيميرا التي تطمح إلى السلطة. أريد أن أعيش بجانبك وأن أحصل على حبك. هذه هي أمنيتي الكبرى.
لم يتمكن الملك أيغيوس من الرد وكان كل ما شعر به هو الأسف عليها، لكنها الآن تشعر أنها بدأت تموت بالفعل. فكرة العيش بعيدًا عنه لا تطاق ولا تريد أن تصدق ذلك."



ظلا صامتين، ينظران إلى بعضهما البعض كما لو كانا يحاولان قراءة بعض السطور على وجوههما، ثم تحدث السيد بيلوتس أخيرًا قائلاً:
_هذا الصباح بدت الأميرة غير عادية
سأله أيولوس بقلق مصطنع
_هل هي بخير؟ لقد قلقت  بشأنها
نظر السيد العجوز في عينيه ثم قال
_لا تقلق يا مولاي، هي تتمتع بصحة جيدة، لكنها تبدو قلقة ومتوترة
ضحك أيولوس وقال بهدوء
- النساء يا عزيزي انهن يقلقن من أتفه الأمور
استجاب بيلوتس بنفس الهدوء
_نعم سيدي.
أضاف:
_أرى أن الجنود قد سئموا الانتظار
ضحك أيولوس لأنه فهم مكر الرجل العجوز جيدًا، ثم قال
- لا تقلق يا سيد بيلوتس. كل الجنود سئموا من الحروب. الجميع يفتقد عائلته وأحبائه.
تنهد بيلوتس وهو متأكد من أنه لن يفهم ما يدور في ذهن هذا الملك، ولكن ربما سيحاول أن يطلق لسانه ويفهم ما الذي جعل آنا في هذه الحالة المضطربة.

قال بيلوتس وهو يبتسم
_نعم سيدي، كلامك صحيح، لكن الجميع يشتاق لفتح أبواب مملكة أيس
أجاب أيولوس ضاحكا
_ملكة أيس ستصبح زوجتي، فلا داعي للقلق بشأن ذلك. التحالف بيننا يمنع الحرب، أليس كذلك؟

سأله بيلوتس وهو يغمض عينيه
_ماذا عن انتقامك من الملك كنوت؟
لقد رد بهدوء، على عكس ما توقعه بيلوتس
- عاجلاً أم آجلاً، سوف يقع في يدي. سيد بيلوتس، أرى أنك تهتم وتقلق بشأن أمور بسيطة جدًا. من المستحيل بالنسبة لي أن أؤذي شعب زوجتي. لا أريدها أن تكرهني.

ثم تعالت ضحكات أيولوس، فظل بيلوتس صامتًا للحظات، ثم قال بمكر بعد أن أنهى الملك ضحكه:
_الأميرة باسيفاي قلقة من شأنك
رفع أيولوس حاجبيه وسأله في مفاجأة
_ ماذا تقصد
استجاب بيلوتس برصانة
_لقد سألتني هذا الصباح هل أثق بك أم لا
فابتسم الملك أيولوس وقال
_وبماذا أجبتها؟
ابتسم بيلوتس أيضا وقال
_أنا أثق بك بالتأكيد


لم يتمكن الوزير بيلوتس من التغلب على حاجز مكر الملك أيولوس. بغض النظر عن مدى ماكره ، فإن الملك الذي يحكم الآن ممالك من أقصى الشمال إلى الجنوب لن يكون من السهل التعامل معه بهذه الحيلة.
لكن ربما يستطيع التعامل مع تلك الفتاة الحمقاء، عديمة العقل تقريبًا

دخلت آنا وقد رسمت على شفتيها ابتسامة ساحرة، لتجدهم جالسين في صمت، فسألت بارتياب
_ ماذا يحدث هنا
أجاب أيولوس وهو يعانقها بحرارة
_كنا نتناقش في بعض الأمور
قبل خدها ثم قال باعتذار
_ أعتذر يا عزيزتي. لقد كنت مشغولا عنك طوال اليوم
ردت آنا بابتسامة وهي تنظر إلى السيد بيلوتس، وكأنها تأكد إتقانها لدور الأميرة
_ لا يهم يا عزيزتي. كنت أنتظرك على أية حال. أخبرني ماذا فعلت أثناء انشغالك عني؟

نظر أيولوس إلى السيد بيلوتس وأمره بالمغادرة. غادر السيد بيلوتس على الفور، تاركًا الملك وآنا بمفردهما.

سأل الملك أيولوس آنا بجدية
_لماذا تسألين السيد بيلوتس إذا كان يثق بي أم لا؟ وإلى هذا الحد انت تثقين في كلامه.

اتسعت عيون آنا في دهشة ولم تتمكن من الإجابة، فأكمل الملك قوله
_يجب أن تثقي بزوجك الآن. السيد بيلوتس ليس وزيرك

تلعثمت آنا قائلة
_كان وزير والدي وكان يثق به كثيراً
فضحك الملك أيولوس وقال
_ كان الملك مينوس رجلاً صالحًا، لذا كان بحاجة إلى وزير ذكي مثل السيد بيلوتس
ثم سحب آنا إليه وأحاطها بين ذراعيه قائلاً بمكر:
_لا تحتاج إلى ذكي مثله، فملكك أذكى منه
ابتلعت آنا لعابها بصعوبة، وكانت ذراعه تحتضنها بقوة حتى شعرت أنها تخترق أضلاعها. تأوهت قليلاً، فترك ذراعه وقال بحدة:
_ لا تخبري ذلك الرجل العجوز بشيء ولا تخف. أنت الملكة باسيفاي، زوجة الملك العظيم أيولوس. هل تفهمين؟

أومأت آنا رأسها بالإيجاب. ابتسم الملك ثم انحنى وطبع قبلة دافئة على شفتيها. ورغم شعورها بأنها مجبرة على القيام بهذا الدور، إلا أنها منذ مجيئها هذا الصباح وهي تشعر بين ذراعيه بأنها ضائعة في عوالم أخرى، إلا أن ذلك الشعور جعلها ترغب في البقاء بين ذراعيه أكثر فأكثر.


تسلل شعور باليأس والإحباط بداخلها. كانت على يقين ضعيف من أنه سيتمسك بها، لكنها تمسكت بذلك الخيط الرفيع من علاقتها به حتى رأته يسحبه ويقطعه دون رحمة أو شفقة على الدموع التي في عينيها. هو الآن يستمتع بوقته بين أحضان ملكته، ناسيًا تلك النفاية البشرية التي نفاه إلى أقصى قصره دون أن يمر بها. لرؤيتها والاطمئنان عليها .

لم تكن تكذب عندما أخبرته أنها بدونه تشعر بالاختناق، روحها ترفض أن تشعر بالحياة، لقد ماتت تماما، ومع ذلك رحل دون أن يبالي بكل ذلك.

كان الجرح في قلبها الصغير ينزف بغزارة، وكان الظلام البارد يضرب جسدها المتألم كالسياط الحادة.
عانقت ذلك اللحاف الناعم، لكن دون جدوى. لم تشعر بالراحة. كانت روحها مظلمة تمامًا، وكأنها ليلة غاب فيها رفيقها الفضي.

وقفت تسير نحو شرفة غرفتها، ربما تقدر على التنفس قليلا. وقفت تنظر إلى السجادة السوداء المرصعة بماسات مضيئة. شعرت للحظة بالحنين إلى أيامها في جناح المحظيات، تلعب معهن وتتحدث أحيانًا تحت جمال هذا المنظر الساحر.

لكنها الآن تقف وحيدة، تحمل بين ضلوعها حباً مسموماً يشلّ روحه شيئاً فشيئاً، ولا تعرف متى سينطفئ.
ذلك البريق المتبقي بداخلها، ثم تعلن موتها الحقيقي

ورغم أنه كان بين أحضان حب حياته، إلا أن الشعور بالذنب جعله يفقد لذة السعادة التي كان يشتاق إليها. حاولت هيميرا بكل حب أن تجعله ينسى، لكن دون جدوى. كانت صورتها الباكية والمتوسلة تشغل أفكاره. ربما هيميرا قد انتصرت على تلك المحظية الضعيفة بحبها، لكنها علمت أن المكانة التي... بقلبه لها، ستبقى مهما فعلت

تحدثت هيميرا بدلال
- عزيزي لا تقلقي فقد أعددت لها جناحاً ملكياً فخماً تشتهيه كل المحظيات
ظل الملك إيغيوس صامتًا، يتعمق في ذكرياته عن تلك الساحرة الصغيرة التي جعلته ينسى وحدته وتواسيه في أحزانه.

لقد لاحظ تلك الآلة الموسيقية التي كانت  تعزف عليها للترفيه عنه. قامت بتأليف ألحانها الخاصة حتى لا يشعر بالملل، ولكن ماذا فعل بها؟
قبلت هيميرا خده ثم قالت بلطف
_عزيزي، أخبريني ما الأمر
نظر إلى هيميرا بنظرة حزينة ثم قال
_ لا أعلم أن كايا لا تفارق ذهني أبداً. أشعر بالذنب تجاه ما فعلته لها
- عزيزي، هي محظية كأي محظية أخرى. تقضي معها ليلة وتنسى أمره

صمت للحظات وكانت موسيقاها ترن في أذنه ثم قال بحزن
_لم تكن مثل أي محظية، كانت كايا شخصًا مميزًا بالنسبة لي
شعرت هيميرا بالغيرة ثم قالت بسخط
_اذهب إليها إذا أردت. لن أجبرك على البقاء بجانبي.
أجاب معتذرا متوسلاً موافقتها
_ أعتذر يا عزيزتي، لا أعلم ما بي
_حاول أن تنسى كايا تماماً.

كيف يفعل هذا؟ إنه حقًا لا يستطيع ذلك، بغض النظر عن مدى صعوبة محاولته. تلك الفاتنة الصغيرة التي جعلته يبتسم بسعادة رغم همومه وآلامه، لا يستطع أن يبعدها عن أفكاره.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي