الفصل الخامس عشر

للحظة خطرت في بالها خطورة ما كانت تريد الاقدام عليه.  فشعور الندم فيما فعلته بنفسها  لم يتركها بعد. أخذت نفسًا عميقًا، ونظرت إلى تلك البوابة العتيقة، ثم تقدمت وفتحتها بكل قوة. كان الظلام الدامس ينتشر في الداخل، يزيد من رعب سكون تلك القلعة.

أشعلت تلك الشعلة التي نسيتها آثي في ​​المرة الأولى، ثم دخلت ببطء إلى الداخل. لم تستطع أن تنكر شعور الذعر الذي سيطر عليها في هذه اللحظة، لكنه المكان الوحيد الذي لا يمكن أن يجدها فيه أحد، وربما تجد الأمان مع ذلك الوحش المرعب، الأمان الذي كانت تبحث عنه بين الجميع ولم تجده أبدًا. .

سارت دون توقف حتى سمعت صوت تلك الأقدام القوية التي أرعبتها في زيارتها الأولى
توقفت تنتظر أن يقترب منها، حتى رأته امامها
رفعت الشعلة أمامه فرأته برأس الحيوان المرعب ذاك،

لكنه قال لها بلطف رغم نبرة صوته المرعبة
- أختي العزيزة، ما الذي أتى بك في  هذا الوقت؟
ألقت بنفسها بين أحضان ذلك الوحش، وهي تبكي بمرارة، رغم خوفها منه، إلا أنها شعرت أنه الأقرب إليها الآن.
ربت على ظهرها بحنان وتركها تبكي براحتها دون أن يقاطعها، حتى توقفت عن البكاء، أمسك بيدها وقادها إلى الداخل، وأجلسها على سريره المتهالك، وسألها بعناية
_أخبريني ماذا حدث لك؟
قالت وهي تبكي
_الجميع في الخارج يستغلونني يا أخي. لا أريد العيش معهم
- حسنًا، أخبريني ما الذي أغضب أختي العزيزة؟
ردت عليه باكية
_الجميع يا أخي الجميع
وقف وضرب الحائط  بقبضته بغضب وقال
_لن أسمح لهم بإزعاجك هم يعلمون أنك أختي.

تحولت عيناه إلى اللون الأحمر القاتم وبدأ يتنفس من أنفه مثل الثور الهائج. تجمدت في ذعر وقال لها وهو على تلك الحالة.
_يبدو أن الوقت قد حان بالنسبة لي لمغادرة هذه القلعة
فأجابت معترضة على قراره
_لا لا يا أخي سأبقى هنا معك
_لا، سوف نخرج ونقضي على الجميع

فكرت في كلمات سيجورد عن الدمار والأشياء التي لم تفهمها. هل ارتكبت حماقة جديدة لا تغتفر أما ماذا ؟
جلست تحاول ترويضه وتهدئته، لكنه أقسم أنه لن يأتي الصباح حتى يخرج لمعاقبة من أبكاها قائلا:
_باسيفاي,  قد أكون ملعونًا، لكني لن أسمح لأحد أن يؤذيك
أخذ نفسا ثم واصل قوله
_لقد وعدت والدي بأنني لن أترك هذه القلعة، ولكنني سأخلف هذا الوعد الان
قالت آنا بإصرار
_لا يجب أن تتمسك بوعد والدي
فنظر إليها وقال
_ لقد قُتل والدي و والدتي ، والآن يريدون التخلص منك. لن اسمح لهم. أنت عائلتي الوحيدة


قرار متهور آخر لم تفكر في وعواقبه. هل هي حمقاء إلى هذا الحد، يقودها غبائها الذي يضعها في مأزق تلو الآخر؟
قالت آنا متوسلة للمينوتور
_ يا أخي، لا أريدك أن تتأذى.
ضحك المينوتور بشدة حتى اهتزت زوايا القلعة على صوت ضحكته العالية ثم قال بين ضحكاته
_والدي كان يخاف مني قام بحبسي هنا، وأخذ مني وعد متين بأني لن أترك هذه القلعة، رغم أنه صنعها بعناية، ومن المفترض أن هذه المتاهة لن استطيع حلها  أبدًا.

كانت آنا تستمع إليه، والرعب يدمر قلبها بلا رحمة، واستمر ساخرًا
_لقد قمت بحل متاهة القلعة منذ طفولتي، لكنني لم أتمكن من مواجهة الناس بهذه الشكل المخيف.

أجابت آنا بلطف، وأخفت ذعرها
_ أخي أنت صاحب قلب كبير مهما كان شكلك
_سنحكم أيس معًا يا أختي
_ ماذا ؟
_أعرف جيدًا سبب محاولتك منعي من الخروج
اتسعت عينا آنا في دهشة. لم تكن تعرف شيئا. كان كل شيء غامضاً بالنسبة لها. سألته باهتمام
_ماذا تعلم؟
_أنا أعلم بشأن اللعنة، لكن أعدك أنني لن أؤذيك، بل سنحكم الأرض معًا
_ أنا لم أفهم
أجاب وهو يركع و ينظر إلى عينيها
_سأكون ملك وحوش الأرض و ستكونين ملكة أيس

ماذا قال لتوه؟ الوحوش واللعنة . لقد وقعت في مأزق جديد بالفعل أصعب من كل ما مرت به هذا مايبدو لها الان .

كانت آثي تتجول في الغرفة بعصبية، ولا تعرف ما هو  الذي أثار غضب سيدتها أو ما يجب فعله للتعامل مع هذه المعضلة الجديدة.
ظهر أمامها طيف السيد بيلوتس، فرحت آثي بحضوره  وقالت:
_شكرًا لوجودك هنا أيها السيد بيلوتس
أجابها في دهشة وهو ينظر حوله في المكان ولم يجد آنا
_أين سيدتك؟
_هذا ما أردت أن أخبرك به. لقد غادرت القصر منذ مدة
سألها بغضب
_أين ذهبت؟ أين ذهبت؟
أجابت في حيرة
_لا أعلم يا سيدي
صرخ بها بعصبية
_لماذا أنت هنا، لماذا لم تذهبي معها؟
_لقد رفضت، وطلبت الذهاب وحدها
- هل انت حمقاء ؟، ربما ذهبت لإيذاء نفسها

جلست آثي تبكي بينما تركها السيد بيلوتس وغادر دون أن يهتم بحالتها تلك.

جلس يتحدث معها بهدوء وأطرافها ترتجف ثم قال محاولا إقناعها
_الجميع يظن أنني سأحول آيس إلى خرابة، لكنني لن أفعل. وسيكون مقر حكمنا للإمبراطورية الجديدة. سنحكم كل الممالك بقوة الوحوش يا أختي.
ابتلعت ريقها وقالت
_ يا أخي من فضلك لا تفعل أي شيء من شأنه أن يضر الناس
_لماذا تهتم بهم؟ ألم تخبريني قبل قليل أنهم يستغلونك؟

أجابت بأسف
_بالفعل، لقد فعلت ذلك، لكن ليس كل الناس، القليل جدًا من الأشخاص فعلوا ذلك بي
_ يا أختي حاولي أن تفكري فيما ينتظرنا. إنها القوة التي سنحصل عليها عندما أغادر هذه القلعة، ستخرج الوحوش من أعماق الأرض وتخضع لي أنا الملك.

نشر ذراعيه بفخر بينما ظلت هي تنظر إليه بغباء وتلعن نفسها ألف مرة.
_ يا أخي، لماذا لا نعيش هنا إلى الأبد في سلام؟
أجاب وهو يضحك
_لقد  قررت أن أبدأ وأحقق ملكي الذي أتوق  إليه
-لو أصبحت ملكاً ماذا ستفعل؟
ابتسم ثم قال
_سوف أعتني بك يا أختي، ولن يستغلك أحد
قالت بإيجاز
_فقط ذلك
_ ماذا تريدني ان افعل ؟
نظرت إليه ثم قالت بهدوء
_وماذا عن أهل أيس؟
_ يا أختي سيكون هناك شعب جديد قوي لا يخاف الموت. إنهم وحوش
أجابت بعصبية
_وماذا عن أهل أيس؟
_أتعهد بعدم إيذائهم. إنهم شعبك، انت الملكة
قالت باعتراض قوي
_لا أريد أن أكون ملكة، أريد فقط أن أعيش بسلام
أجاب وهو يضحك
_ سأحقق لك هذه الامنية،  انها أسهل الأمنيات يا أختي

عاد إلى سيجورد حاملاً له هذه الأخبار السيئة، لم تعد تلك الفتاة موجودة، فكل ما فعله كان عبثاً.
تحدث بيلوتس بعصبية
_سيجورد، انهض. لقد حدثت مصيبة
عدل سيجورد جلسته بصعوبة، وهو ينظر إلى وجه السيد بيلوتس المضطرب
_ ماذا حدث
_ تلك الفتاة غادرت القصر ولا نعلم أين ذهبت
_كيف حدث هذا؟ أين هي آثي؟
_ ماذا سنفعل الآن؟ تبقى يومين فقط وينتهي كل شيء
كان سيجورد صامتا للحظة، ثم قال بقلق
_ربما ستفعل ما طلبه منها كنوت
سأله السيد بيلوتس باهتمام
- ماذا طلب منها ذلك الكاهن اللعين؟
حاول سيجورد الوقوف رغم ألمه ثم قال
_ تحرير المينوتور
ضرب السيد بيلوتس جبهته بقوة وقال بخوف
_الأمور ستخرج عن السيطرة، ستنتهي أيس
للأبد
لم يتوقع الاثنان أن تتورط آنا في كارثة أخرى لم تكن على علم بعواقبها تمامًا، وأنها ستكون أكثر رعبا مما كانت تهرب منه. قد يمنحها أيولوس بعض السعادة، لكن هذا الوحش  وما يريد فعله لن يترك لها فرصة لحياة جديدة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي