الثالث عشر

جلست تتأمل جمال حديقة قصرها الوارف، تسترجع ذكرياتها عن ذلك اللقاء الذي أسرها إلى الأبد. وظنت وقتها أنها لن يكون لها نصيب من حبه أبداً.

كان ذلك الأمير الوسيم فخر مملكة كريت وحلم كل أميرات الممالك،  لتلك الذكرى روحها الخاصة، مهما حاولت إخفاءها، إلا أن شوقها لتلك اللحظات مازال مشتعلا في قلبها، قطع حلم يقظتها صوت وزيرها وهو يقول:
_صباح الخير سيدتي.
نظرت إليه ولم تجبه، بل واصل كلامه وقال:
_يا سيدتي، سمعت خبر أن الملك أيولوس قرر اقتحام إيس.

فأجابت بلا مبالاة:
_أخبر الملك بذلك. لم يعد لدي أي صلاحيات الآن. فأجابها بتحذير:
_تعلمين أن الملك إيغيوس لديه قلب طيب ولا يزال يتذكر تلك الصداقة التي جمعته مع أيولوس، ولكن أيولوس، لن ينسى أبدًا ما فعله الملك الأب.
_ ماذا تقصد؟
_ ما أعنيه هو أن أيولوس لن يهتم بأي علاقة. قد يقتل الملك إيغيوس بدم بارد.

وقفت من مقعدها وهي تحدق في وزيرها بملامح القلق ثم قالت
_ليس لدينا سوى الحرب جيوش. مملكتنا ليست أقل قوة من جيوش أيولوس، نحن لسنا مثل مملكة أيس.
_أعرف ذلك يا سيدتي، لكن الملك يرفض تلك الخطوة. تنهد الوزير وقال
_ أخبرني قائد الجيوش بالأمس أن لقاءه الأخير مع الملك لم يجدي نفعا . لقد رفض فكرة الحرب تماماً.

اخذت نفسا عميقا وهي تصر على اسنانها بغضب من ذلك الملك الأحمق ثم قالت
_ حسنا سأقابل القادة بنفسي وبعدها سأتحدث مع الملك _نعم هذا هو المطلوب يا سيدتي. لا نريد أن تدمر مملكتنا مثل مملكة ثيساليا.

تراجع عن كلامه وقال معتذراً
_اعتذر عن قول ذلك، لكن ما كنت اقصده هو أن الممالك تسقط أمام جيوش أيولوس كأوراق الأشجار في الخريف
_ لا حاجة إلى الاعتذار، لقد قاوم أخي حتى أنفاسه الأخيرة، لذلك أنا لن أسمح أبدًا لهذا الملك الأحمق أن يقترب منا أو يؤذي ملكي العزيز مادمت حية.

سحبت وشاحها الحريري من الأريكة وقالت وهي تضعه على كتفيها:
_اجمع لي كل القادة الآن. أريد التحدث معهم على الفور.
_حسنًا يا سيدتي.
أسرعت بخطواتها إلى قاعة الحكم، وهي تفكر في كل ما قد يحدث إذا وصل إليهم أيولوس. لم تستطع أن تتخيل موت ملكها، وكيف يمكنها أن تعيش بعده؟” جلست على العرش كعادتها. دخل عليها القادة وجلسوا يناقشون الأمر العاجل

كان ملقى على الأرض في حالة بائسة، وجسده شبه العاري غير مغطى. سمع همس يناديه بشفقة، فتح سيجورد عينيه ببطء، لقد كان متعبًا للغاية، حتى أنه لم يتمكن من تحريك أي  جزء من جسده دون أن يئن
نهض سيجورد يرى من هو صاحب هذا الصوت، إنه السيد بيلوتس . رفع سيجورد رأسه بصعوبة وقال وهو يئن من الألم
_سيدي الوزير أين كنت؟
_ بل  انت  أين كنت؟

حاول سيجورد الجلوس ثم قال،
_كنت أبحث عن الأميرة، ولكن...
قاطعه السيد بيلوتس متسائلاً.
_من تلك الفتاة التي أحضرتها؟
تنهد سيجورد وهو يبتسم
_إنها فتاة من بعد آخر. لم يكن لدي خيار، لذلك أحضرتها.
_ لقد أذنبت  بدفع هذه  الفتاة إلى عالم صعب لا تفهمه
_ أعرف ذلك، ولكن كما أخبرتك، لم يكن لدي خيار آخر. سأله بيلوتس باهتمام
_ أين الأميرة باسيفاي؟ أغمض عينيه بحزن ثم قال  _ذلك الكاهن الملعون نفى روح الأميرة إلى العالم السفلي.

اتسعت عينا السيد بيلوتس في دهشة
_ماذا، كيف يمكنه أن يفعل ذلك؟
_ لا أعرف. ذهبت إلى جزيرة المعبد لتقديم القرابين للآلهة، ولكن القرابين لم تقبل.
_ ماذا تقصد بذلك ؟
_أعني أن الآلهة تخلت عن الأميرة وتركتها أسيرة للإله هاديس.
هز السيد بيلوتس رأسه رافضًا ما قاله سيجورد
. _هذا لا يمكن أن يحدث. هناك شيء فعله الكاهن الملعون.
_لا أعلم، لكن عندما اقتربت جيوش أيولوس، بحثت عن بديل للأميرة من أبعاد أخرى، ولم أجد سوى تلك الفتاة المسكينة الضعيفة.

اعتدل سيجورد بمقعده وهو يئن من آثار الجروح في جسده، ثم قال
_ الملك يعلم جيدًا أنها ليست الأميرة، لكنه لا يستطيع أن يخبر الجميع حتى لا يعلموا بمصير الأميرة باسيفاي،

أغمض السيد بيلوتس عينيه بحزن وقال
_حسنًا، ليس لدينا سوى تلك الفتاة المسكينة. لا أريد التضحية بها، لكن كما قلت، ليس لدينا خيار.

تحدث سيجورد بنفس الحزن
_ نعم، يبدو أن هذا  مصيرها، يا سيدي.
لم يكن أمامهم خيار سوى القيام بذلك، هذه الفتاة المسكينة، التي تنتظر بفارغ الصبر. ليطلق سراحها وتعود من حيث أتت، لكنها لا تعلم أن ما يجري خلفها يسلبها ذلك الأمل بل ويجعله مستحيلاً إلى الأبد.

ارتفعت أصوات الجميع، بين مؤيداً ومعارضاً. رأى البعض أن القرار يجب أن يكون قرار الملك وليس قرار الملكة هيميرا، لكن آخرين رأوا أن الملك استهان بخطورة الأمر _هدوء ، نحن لم نجتمع لنتشاجر، الوضع أخطر مما توقعت. لن أدع مملكتنا تقع في يد الملك أيولوس، حتى لو كلفني ذلك. حياتي

تحدث أحد القادة بحماس:
_نحن معك يا سيدتي الملكة، ومن لا يريد الانضمام فلا ينضم، لكننا لن نترك مملكتنا تسقط.

هزت هيميرا رأسها بارتياح، ثم قالت
_هذا ما نريده جميعا لحماية مملكتنا.
دخل الملك بوجه غاضب وهو ينظر إليها. وهي تجلس على كرسي عرشه بكل ثقة، بينما يجلس القادة  حولها يتحاورون. فاقترب وقال بحزم
_ انهضي عن عرشي أيتها الملكة.

أخذت نفسا وكتمت غضبها ثم وقفت وجلست بجوار وزيرها الذي أشفق على موقف سيدته، فجلس الملك إيغيوس على عرشه قائلا:
_ لقد تحدثنا بالفعل عن هذه الحرب من قبل،و من الأفضل عدم الحديث عن ذلك مرة أخرى. تستطيعون الرحيل.

نظر القادة  إلى بعضهم البعض باستهجان، ثم نظروا إلى ملكتهم التي خفضت رأسها في صمت. وقف الجميع ومشوا بعيدا. وتهامس القادة فيما بينهم أن الخلاف بين ملكهم وملكتهم سيجلب الدمار للمملكة عما قريب.

بقيت جالسة بصمت تحاول تهدئة غضبها. ولم تكن الآن في حالة تجعلها تتشاجر معه كالعادة. كان الخطر قريباً، وهو على علم بذلك. لكنه رأى أن إغاظتها هي لذته ومتعته الوحيدة، تحدثت بهدوء قبل أن ترفع رأسها
_ هل سيسمح لنا الملك بالتحدث قليلاً دون انفعال؟
لوى شفتيه بانزاعاج وقال
_ أنت من تسببين المشاكل ولست أنا، دائمًا ما تحدث معك بهدوء.

أجابت وهي تقف من كرسيها قائلة:
_حسنا، أعتذر عن الماضي، والآن يجب أن نتحدث عن الوضع الحالي.
أجاب ببرود
_أسمعك.
_الحرب هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ مملكتنا. أعلم أنك سوف تقول لي أن أيولوس صديقك، لكنك تعلم جيدًا أن ثورة أيولوس ورحلته الانتقامية لن توقفها أي علاقة.
قال معترضًا
_ لا أعتقد ذلك، لم أفعل شيئًا لأيولوس
_أخبرتك عدة مرات أن والدك تأمر مع كنوت لقتل عائلته.

رد متذمرا
_أعلم بالقصة بأكملها، لماذا تحكيها مرة أخرى؟
_ حتى تدرك خطورة الأمر يا مولاي.
ابتسم الملك ليغضبها أكثر ثم قال
_لا أرى هذا الخطر .
ردت تكتم غيظها
_حسنا ايها الملك، كما تريد

لقد أصبح من الصعب جدًا التفاهم معه. لا يرى إلا ما فعلته به وبحبه لها.
هي لم تتوقف عن حبه أبدًا، لكن قوتها وسلطتها أغرتها، وهو الآن يعاقبها وينسى أن المملكة تمر بالفعل بأوقات حرجة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي