الخامس والعشرون

تلك النظرات تخفي وراءها الكثير من الحنان والحلاوة. لقد اربكها بتلك النظرات، إنها تعرف بالضبط كيف يبدو شكل العاشق الذي يهيم في ملكوت حبه. لقد عاشت هذا الحالة ذات يوم.
اندفع نحوها دون أن ينتبه لتلك العيون التي تراقبه، ليأخذها بين ذراعيه ويطير بها كالفراشة، و ينسى كل من حوله ولا يرى غيرها.

للحظة، شعرت آنا بإحساس مشرق بداخلها، أضاء فجأة ظلام قلبها المضطرب. وتمنت أن تكون في يوم من الأيام في عيون توماس، تمامًا كما رأت نفسها في عيون أيولوس.
فهل من الممكن أن تستسلم وتعيش هذا الحب الذي لم تجده في عالمها هنا، حتى لو كان هذا الحب مزيفاً؟
_ مولاي الملك

غطى شفتيها بقبلة لذيذة أغرقتها في أعماق روح أيولوس الدافئة. ولم يعد لذلك الطغيان مكان الآن، بل أصبح الحب هو ما ملأ قلبه.
أغمضت آثي عينيها بخجل بينما ابتسم الجميع، وكانت الآخرى تقف هناك نادمة على ما وقعت فيه، نادمة على قدومها إلى هذا المعسكر على أمل أن تلفت انتباه شخص كان مغرمًا بمنافستها بالفعل


رأتها آنا واقفة خلف أكريسيوس أمام خيمته، فسألت في دهشة
- إنها أورسولا. ما الذي أتى بها إلى هنا؟
التفت أيولوس ليجدها خلف صديقه خارج خيمته ليقول بصوت عالٍ غاضب
_أكريسيوس، لا تختبر صبري
سحب أكريسيوس أورسولا إلى الداخل وأمرها بالبقاء، لكنها قالت بغطرسة
_تلك الفتاة بالخارج لن تصل إلى مكانتي أبدًا

أجابها كراسوس بغضب من غطرستها
_هي الوريث الشرعي للملك أيس
ضحكت أورسولا وأرجعت ذراعها إلى السرير
_إنها ليست باسيفاي الحقيقية

أذهلته كلماتها. فكيف يصدق أن صديقه قد خدع؟  فقال
_كيف هذا؟ هل تعرفين عقوبة خداع الملك؟ ماذا؟
أجابت بمكر
_الموت اعرف ذلك. اذهب فأخبر سيدك بالأمر ، فلا يغره ذلك الشبه الغريب بينهما.
استدار أكريسيوس ليترك خيمته، لكنه تراجع بالخطوة الأخيرة ونظر إليها متسائلاً بريبة
_أين الأميرة باسيفاي؟
قالت دون أن تدرك ذلك
_يمكنك القول أن والدي تخلص منها إلى الأبد

فانصدم أكريسيوس من كلامها وأمسكها من ذراعيها وهزها بكل قوة قائلا:
- هذا هو والدك. أقسم أنني لن اتركه ابدا . سأقتله عندما أراه
اتسعت حدقات عينيه مع فأكمل  أكريسيوس
_سيدي يحلم دائمًا بلقاء الأميرة. سأخبرك بشيء، سواء كانت هي نفسها أو أي شيء آخر, لن تخبري أحدا عن هذا السر. لقد رأيت أخيراً صديقي يعيش بسعادة، هل تفهمين؟
التفت حوله وهو يتمتم في حالة من الغضب
_اللعنة عليك وعلى والدك ذلك، سأقتله ولن أهتم


لم يتركها تجلس على الكرسي، بل جذبها إليه وأجلسها على رجله. واصل النظر لملامحها الخجولة فقالت وهي تتجنب النظر إليه.
_ من يراك بهذه الحالة العاطفية لن يصدق أنك الملك الجبار أيولوس

ابتسم وهو يرفع  ذقنها حتى تتمكن من النظر في عينيها
_ آنا أيولوس، الملك العظيم، مع الجميع، ولكن معك أنا العاشق الذي يريد أن يطير في سماء حبك إلى أبعد مسافة حيث لا أحد سوانا.
ابتسمت بخجل وقالت
_لم أتوقع أن تكون شاعرياً بكلامك.
ابتسم أيولوس وقال
_تلك الكلمات هي سحر عينيك

لم تستطع تحمل مقدار الرومانسية التي لم تكن معتادة عليها من قبل، تساولا بينها وبين نفسها  أي حب كان يربطها بذلك المعتوه توماس. لقد كانت لعبة بينهما، وليس الحب.
فسألها عن سبب تشتت انتباهها وهي بين ذراعيه
_أين ذهبت بأفكارك؟
فأجابت دون تفكير
-إلى توماس الغبي، اعتقدت دائمًا أنه يحبني لكنه يستغلني فقط

فغضب وألقاه على الأرض. فوجئت آنا بسلوكه العنيف المفاجئ وقالت بسخط
- كيف تذكرين حبك لرجل آخر أمامي؟
أدركت آنا خطأها وألقت نكتة مصطنعة
_أردت أن أجعلك تغار علي، أليس من حقي أن أفعل ذلك؟، أن أحب ملامحك عندما تغار
_لكنني لا أستطيع تحمل ذلك باسيفاي. من فضلك توقفب عن اللعب بأعصابي
ضحكت بينما كانت ساقيها ترتجفان من الرعب
_حسنا، لن أفعل ذلك مرة أخرى
صمت للحظة ثم قال بجدية
_باسيفاي، أريد أن أتحدث معك في أمر مهم
- تفضل أيها الملك
تنهد الملك وقال بنفس الجدية
- خلال الأيام القليلة الماضية، كنت أفكر في خطة لدخول أيس.

نظرت إليه آنا بذهول فقال بهدوء وهو يحاول تهدئتها
_لا أريد تدمير مملكتك، لكن يجب أن تكون خاضعة لحكم موكناي، ومن الطبيعي أن تكوني ملكة كل الممالك الواقعة تحت حكمي.

نظرت إليه بصمت ثم قالت
_ماذا عن جيش أيس؟ هل ستقضي عليه؟
أجاب بهدوء
_ عزيزتي الملكة باسيفاي، لا أريد أن أخوض حربًا مع مملكتك. أنت زوجتي، لذلك أنا بالتأكيد لا أريد أن أؤذي شعبك.

سألت آنا بشكل مثير للريبة
- كيف ستقتحم تلك الجدران والأبواب؟
فأجاب وهو يربت على كتفها بلطف ثم قال
_فكرت في خطة قد تجعلنا لا نخسر أي شيء
سألته آنا بعناية
_ما هذه الخطة؟
_لقد رأيت ذلك الطريق الذي تأتون  منه انت والسيد الوزير وخادمتك
ابتلعت آنا ريقها بينما واصل أيولوس قوله
_لا أريد أن أفعل أي شيء دون موافقتك. أنت الملكة ولك الحق في اتخاذ القرارات مثلي تمامًا

أجابت آنا بعصبية
_مازلت لا أفهمك
شعر أيولوس بتوترها وقال
_ حاولي أن تهدأي، أنا لا أستغلك، لكن الجنود هنا سئموا، وانتظرت طويلا من أجلك فقط حتى لا ندخل في حرب مدمرة......
قاطعتها آنا في مفاجأة
_ماذا تقصد بالحرب المدمرة؟ إن شعب أيس لن يحتمل تلك الحرب
أجاب وهو يلف ذراعه حولها بحنان
- عزيزتي، لهذا أريدك أن تتجنبي هذه الحرب. وسوف يمر القائد أكريسيوس وبعض الرجال من ذلك الممر ويفتحون لنا البوابة، وسندخل دون أي تصادم مع الجيش.

حكت آنا رأسها بغباء، فلم تفهم شيئًا سوى أن أيولوس يريد اقتحام أيس
سألته آنا بعناية
_لماذا لا تستشير السيد بيلوتس؟
فرد عليها قائلاً:
_ أنتي الملكة، لماذا يجب أن أستشير غيرك يا عزيزتي؟ ماذا قلت الآن؟ هل نبدأ بإعداد الخطة؟
لا تعرف هل ترفض أم تقبل، ما هذه الحيرة التي تواجهها الآن، كيف يمكنها أن تقول له إنها ليست الأميرة وليس لها الحق في اتخاذ القرارات؟


صمتت لثواني قليلة ثم قالت باستسلام
_افعل ما تراه مناسبا أيها الملك. أنا أثق بك.
طبع قبلة على جبهتها ثم قال
_ لا تقلقي على قوم يثقون بك فلن أؤذيهم
غادر على الفور باحثًا عن أكريسيوس لوضع الخطة وتنفيذها
دخلت آثي والرجل العجوز عندما رأوا الملك يخرج مسرعًا  من مكانها لتسأل آنا بجدية  السيد بيلوتس
- سيد بيلوتس، هل تثق في الملك أيولوس؟
أجاب السيد بابتسامة
- نعم أنا أثق به
_ ألن يدمر مملكة أيس؟

ربت السيد بيلوتس على رأسها وقال بلطف.
_ألم يعدك بعدم الاقتراب من أيس؟
فنظرت إليه آنا بعدم فهم مما أربك السيد بيلوتس فسألها
- ماذا يحدث لك يا آنا ما الذي اخبرك به الملك؟
هزت رأسها نافية ثم قالت
_ لا شيء، أردت أن اطمئن بأنه شخص جدير بالثقة
_اطمئني يابنتي لن يحدث شيء
هل يجب أن تخبر السيد بيلوتس أم تبقى صامتة؟ ظلت تفكر بينما كان السيد بيلوتس يراقبها بريبة. لم تبدو على طبيعتها  على الإطلاق.

تقدمت آثي محاوله كسر الصمت المريب وقالت بسخرية
_أرى أن الأميرة أورسولا رهينة هنا
ضحكت ولكن لم ينضم إليها أحد، ثم سألت بجدية
_كيف جاءت الأميرة أورسولا إلى هنا أمر محير حقًا
أجاب السيد بيلوتس
_سمعت بعض الأخبار بالأمس أنها جاءت لتعرض عقد زواج ملكي بينها وبين أيولوس من أجل إنقاذ والدها
قالت آنا في دهشة
_الأميرة أورسولا قوية وجريئة
أجابها بيلوتس قائلا
_لكنها حمقاء. لقد دمرت نفسها دون تفكير
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي